تغييب البوشي: ظلمُ الشديد بالسلطة

 


 

مؤيد شريف
6 January, 2012

 


sharifmuayad@gmail.com
بعد مكاشفة المهندس المُختطف والمُغيب محمد حسن عالم "البوشي" الصريحة لصاحب السلطة والصولجان الإنقاذي نافع على نافع المشهودة والمشهورة بجامعة الخرطوم، سار بين الناس على مواقع التواصل على الشبكة العنكبوتية إعتقاد جزّم به الكثير منهم أن نافع لامحالة عائد لينتقم لنفسه من هذا اليافع "اللميض" ومنتصر لذاته ولكبريائه الذى مسته وهزته مكاشفات البوشي الصريحة الواضحة المباشرة واللاذعة هزةً عميقة لم يختبرها النافع قبلاً وإن تعود أن يكون هو فاعلها ومرسلها تجاه الآخرين من معارضيه زمنا طويلا.
بثَّ المُعتقل "البوشي" في وجه النافذ الشديد بصرعة السلطة مساعد الرئيس نافع على نافع هموماً عامة وإنتقادات شائعة لا تخفى بالضرورة على النافع ورجالاته، وتُحدثهم تقاريرهم الحكومية قبل كتابات المعارضين عن تدهور وإنحطاط الإقتصاد الوطني وإستشراء للفساد وسط النافذين وأصحاب القرار.
خرج المُغيب البوشي بعد مكاشفته اللاذعة الشهيرة، خرج على الناس وجموع السودانيين بفيديو قصير وكلام مختصر، طمئن فيه كل من أصابه القلق على مصير من تجرأ على الشديد نافع، وكشف فيه عن عدم خوفه أو إرتعابه من جحافل أمن الشديد نافع، وعن تعرضه للإعتقال في مرات سابقة، قضى في إحداها 60 يوما معتقلا بمباني جهاز الأمن السياسي ببحري – موقف شندي الشهيرة.
رسالة مهمة أخرى تضمنها فيديو البوشي، وأظنه تعمد تمليكها للناس عبر الصورة والصوت، سيما وقد أشاع البعض على "الفيسبوك" أن "البوشي" مُنَعْم ومُرَفه ويعمل موظفا في إحدى شركات البترول الحكومية، فكشف للناس عن غرفة نومه شديدة البساطة والتواضع، وجدرانها العطشى للطلاء.
لا أعرف التُهمة التى يمكن تخريجها في مواجهة المهندس المُغيب "البوشي"
إفتراءا، وهو لم يترك لمغيبيه فرصة أن "يبدعوا" فرية معمولة بحرفة الغرض لتَّخيل على الناس ويهضموها ويعقلوها، فحال بيته ووضعه الإقتصادي البائس كحال الغالبية الغالبة من أهل السودان لم يعد خافيا على كل متابع ومراقب، فلا مجال لرميه بتهة العمالة والإرتزاق وإرتياد الفنادق الفارهة أو إمتلاك الحسابات المليارية.
مشكلة البوشي، أو قل أزمتهم معه، أنه مَّثل، وبعد ساعات قليلة من إنتشار تسجيل مكاشفته اللاذعة، مثل لجموع السودانيين حالة رفض ونموذج شجاع عبر عن مكنونات نفوسهم ونقل على لسانهم أحاديث باتت عادية من كثرة تداولها عن فساد الكبار ودعة يعيشها أولادهم تعودوا أن يتناقلونها فيما بينهم وإن لم يجدوا الفرصة أو الشجاعة لإسماعها الكبار ومكاشفتهم.
حالة الرفض التى صنعها ومثلها المُغيب "البوشي"، سيما وقد تجرأ على شخص الشديد بالسلطة نافع وأولاده، هي التى أخافت جهاز الحزب الحاكم السياسي، أو شخص النافع نفسه، فكلاهما تسميتان لفرد واحد، ولو قُدر للمكاشفة اللاذعة المُشتهرة الإندثار سريعا، ولو لم يلتفت لها السودانيون إلتفاتةً واسعة، لِما إكترث لها جهاز الحزب الحاكم السياسي، ولتجاهل الأمر برمته وكأنه غير معني بها، البُرهان على ما تقدم أن أياما إنقضت بين لحظة مكاشفة "البوشي" اللاذعة وبين إعتقاله، في غضونها وجد حديث "البوشي"
رواجا كافيا لخلق حالة الرفض المُتحسب منها، وإعتقال "البوشي" محاولة لإخماد الحالة التى مثلها شخصه الشجاع ومثلتها مكاشفته اللاذعة.
أنفق النظام السياسي للحزب الحاكم زمناً طويلا ومالاً غزيرا في الدعاية الإعلامية القائلة بأن النهج قد تعدل والسلوك تغير بإتجاه الحوار بصبر على الحقائق والمجادلة بالحسنى عوضاً عن القمع وبيوت الأشباح التى أقر بوجودها لسان الرئيس نفسه ووعد بعدم "العودة" لسيرتها سيئة السمعة "مجددا"، ولقاء الشديد نافع بالطلاب محل مكاشفة "البوشي" اللاذعة واحدة من المحاولات للقول بأن الحوار هو الديدن والإقناع مجادلةً هو المنهج في مقارعة حجج المعارضين والمعترضين على سياساتهم.
قوة إنبعاث الحقائق في حديث المُغيب "البوشي" وثبات حُججه لم تترك للجهاز السياسي لحزب نافع الحاكم فرصة الإستمرار في إدعاءه بتغليب الحوار على القمع بالقوة، والشاهد على ذلك أن جهاز السلطة الإعلامي المنتفخ بالإمكانات والكتبة المنتفخين أيضا قدر أنه من غير المُجدي الإكتفاء ببث ونشر ردود الشديد بالسلطة نافع على المكاشفة البوشية، بل فضلوا إخفاء ردود نافع تماما ولم يرد ذكر أو أدنى أثر لها.
إتخاذ القرار بتغييب المهندس "البوشي" يكشف عن هزيمة سياسية نفسية وأخلاقية بالغة وعميقة طالت جهاز الحكم السياسي بكامله، وزيادةً على غياب الحجة وإنتفاء القدرة على الإقناع الثابت، فضل الجهاز السياسي، كعادته، "العودة" للنهج الذى يبرع فيه: التخويف والترويع بجبروت السلطة، وتفضيل الحل الأمني المُستسهل.
حالة الرفض المتمددة والمتسعة، لا يخبوها تغييب "البوشي"، ولاتردعها آلة القمع وإن إشتدت وعلت.
والظلم ظلمات.
والعدل نور.
والله وكيل "البوشي"
ولأم "البوشي" الخالة كوثر المحبة والسلام، والصبر على ظلم الشديد بالسلطة.

 

آراء