تلجكم كيف ؟! … بقلم: د . أحمد خير / واشنطن

 


 

د. أحمد خير
6 March, 2010

 

 

فى الأسبوع الثانى من شهر فبراير الماضى ، شهد الجانب الشرقى من الولايات المتحدة الأمريكية عاصفة ثلجية غطى فيها الجليد مساحات واسعة من ولايات الشمال الشرقى بما فيها واشنطن العاصمة . عاصفة جليدية  بكثافة لم تشهدها المنطقة منذ سنوات طوال . وهنا تنطبق مقولة " التسوى كريت تلقاه فى جلده "  فطبقة الأوزون التى تأثرت بالغازات  نتيجة الخراب البيئى بسبب الممارسات الخاطئة  للإنسان فى الدول المتقدمة ، وكذلك إمتداد تلك الممارسات إلى مناطق نفوذها فى الدول الأخرى ، أثرت كثيراً فى التغيير البيئى . فتلك العاصفة فى نظرى ماهى إلا نتاج طبيعى لذلك التغيير المناخى .  تلك العاصفة شلت حركة المواصلات ومن نتيجتها قبع البشر فى منازلهم فى إنتظار أن تقوم المحليات بإزالة الجليد المتراكم فى الشوارع والطرقات .

الإرصاد  فى أمريكا من الدقة بمكان بحيث أنه تمكن من أن يوصل المعلومة للسكان مشيراً بالموعد المحدد لتساقط الثلوج ! الشئ الذى جعل الأفراد والجماعات يتوافدون على المحلات " السوبرماركت " لشراء الضروريات من خبز ومنتجات ألبان وخضروات وفاكهة ومعلبات تحوطاً للطوارئ . من يشاهد حركة  أولئك البشر يظن معها أن خطر داهم سيحل بالمنطقة ! 

بالطبع كثافة الجليد لم تجبر السكان على البقاء  فى داخل منازلهم . لقد خرجت الغالبية من الأطفال والنساء والرجال إلى الميادين العامة  ليمارسوا لعبة التراشق بكرات الثلج التى يقومون بتشكيلها مما يؤكد ان الإنسان مهما تكالبت عليه أهوال الطبيعة قادرعلى تحويل المواقف التراجيدية إلى مواقف كوميدية مضحكة ينعم فيها بالبهجة وبها تصبح الحياة لافتة مكتوب عليها: لاوقت للحزن !  

تلك العاصفة الثلجية التى شهدتها واشنطن أعادتنى ثلاثة عقود إلى الوراء ، ايام ماكنت أشاهد البشر وهم يحملون ألواح الثلج ، خاصة قبل الإفطار فى أيام رمضان ! أشكال والوان من صور الماضى تشكلت مفرداتها لتدفعنى إلى المقارنة بين ماحدث أمامى فى الأيام القليلة الماضية  من ثلوج متراكمة فرضت بياضها على مساحات شاسعة ، والواح الثلج التى كان يحملها الصبية فى السودان فى المقاعد الخلفية من دراجاتهم . أولئك الصبية الذين كانوا يتصببون عرقاً من حرارة الجو . حرارة الجو تلك لم تكن ترهق الصبية فقط ، بل كانت تطال ألواح الثلج فتتساقط منها حبات الماء كما الباكى على حاله فى صمت ، يندب تصاريف الأيام !

فى الماضى ، كنا نشاهد ألواح الثلج طوال شهور الصيف ، فى زمن كان الشتاء فيه شديد البرودة . ولكن ، إختلفت الصورة فى زيارتى الأخيرة للخرطوم ، كانت مفاجأة لى  أن أرى ألواح الثلج فى شهر يناير . لقد ولت لفحات البرد القارس وحلت محلها درجات حرارة عالية مما إستدعى لأن تغير مصانع الثلج دورتها ، ولكن الغريب أن ظل لوح الثلج على حاله شكلا ومضمونا !

كنت أظن أن مصانع الثلج التى تنتج تلك الألواح قد إنقرضت وحل محلها مصانع من نوع جديد تنتج مكعبات صغيرة توضع فى أكياس بلاستيكية تحفظ فى ثلاجات يتناول المشترى منها مايكفى حاجته ، وبذا يكون المشترى قد ضمن وأصبح على قناعة بأن ماسيستعمله من ثلج ، صحى ولاشئ عالق به . ونتساءل: هل التكنولوجيا تتوقف عند باب الدول النامية " النائمة " ؟! ألم يفتح الله على رجل أعمال فى السودان  ليرى ماتوصل إليه العالم من حولنا ويطور ذلك اللوح ... أعنى لوح الثلج ،  ويحوله إلى مكعبات صغيرة يسهل إستخدامها ؟! مجرد سـؤال !

تعجب أحدهم عندما علم بأننى سأتناول موضوع صناعة الثلج فى السودان فقال : مش الحمد لله إنو فى تلج ! ونعم بالله .      

 

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء