تمخض الجبل فولد فاراً ؟
ثروت قاسم
28 January, 2014
28 January, 2014
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
مساء الأثنين 27 يناير 2014 ، القى الرئيس البشير خطاباً ضافياً أمام جمع من القيادات السياسية التي دُعيت لقاعة الصداقة لسماع الخطاب المنقول على التلفزيون والراديو . أحتوى الخطاب على وثيقة للإصلاح السياسي العام ، تم إعدادها بواسطة لجان في المؤتمر الوطني منذ شهر يونيو 2013 .
نختزل أدناه بعض الملاحظات على خطاب السيد الرئيس البشير :
اولاً :
لم يأت الخطاب بأي جديد . نفس شربوت المؤتمر الوطني القديم في كنتوش مزخرف . المحتوى والجوهر لم يتغيرا ، وإن كان الخطاب قد سبقه حشد إعلامي مهول ؛ رفع وعالياً من عشم جماهير الشعب السوداني ، في تغيير حقيقي وحلول عملية لمشاكل البلاد المستفحلة .
نقول بصدق تمخض جبل المؤتمر الوطني فولد فاراً . وإنقلب عشم الجماهير إلى إحباط وسخط وتذمر .
كانت نتيجة الخطاب بعكس ما رمى له المؤتمر الوطني من أهداف ، عندما سمعت الجماهير الطحن ، ولم تر طحيناً .
ثانياً :
أحتوى الخطاب على كثير من التنظير والكلام ( الكبار كبار القدر الضربة ) ، دون أن يحدد آليات عملية لتفعيل النظريات التي إحتواها الخطاب . بدون هذه الآليات العملية ، سوف يكون مصير الخطاب إلى النسيان ، و ( كلام في الهواء وشاله الهواء ) ؟
بعد فترة ، سوف ينسى الناس الخطاب والنظريات التي إحتواها ، لعدم وجود أي آليات لتفعيل هذه النظريات .
ثالثاً :
وجد الرئيس البشير صعوبة في النطق الصحيح لبعض مفردات الخطاب ، الذي تمت صياغته بإسلوب صفوي ، وفي لغة عربية عصية الفهم حتي على السياسيين الذين إستمعوا إليه في قاعة الصداقة ، دعك من عامة الشعب الذي سوف تمر مفرداته فوق رؤوسهم ، ولن يفهموا منها شيئاً . القاعدة الذهبية الأولى في خطابات الرؤساء والزعماء أن تتم صياغتها في لغة سهلة حتى يستوعبها عامة الشعب وهم أولي الأمر .
إستمع افراد الشعب السوداني لخطاب الرئيس البشير ولم يفهموا شيئاً ، ولم يدخل الخطاب إلى وجدان الجماهير ويتفاعلوا معه . كلام في الهواء وذهب مع الريح .
ولاحظ المراقبون ورود كلمة ( وثبة ) في الخطاب أكثر من 20 مرة ، مما حدا ببعضهم أن يطلق عليه ( الخطاب الوثبة ) . والكل يعرف ، وحق المعرفة ، إن كلمة ( وثبة ) من مفردات السيد الإمام التي إستعملها في خطبه ، وإن لم تكن له حقوق ملكية فكرية عليها .
يظهر إن معدو خطاب الرئيس البشير يكثرون من قراءة خطب السيد الإمام . ولا عجب فالكل يقتبس من توليفات ومفردات السيد الإمام الإبداعية . ألم تسمع مبيكي يدعو لمحاكم الهجين ، التي إبتدعها السيد الإمام ؟
ثالثاً :
لم تتم دعوة بعض قادة تحالف قوى الإجماع الوطني ( الرئيس فاروق ابو عيسى مثلاً ) ، وبعض مكونات التحالف ( الحزب الشيوعي ، وحزب البعث العربي الإشتراكي مثلاً ) ؛ لسماع خطاب الرئيس البشير في قاعة الصداقة مما أوقر في صدور هذه القيادات ، في زمن يسعى فيه الخطاب للتوافق والمصالحة الوطنية مع كافة مكونات وقادة المعارضة المدنية والحاملة السلاح .
يدعو الخطاب نظرياً للتوافق والحوار ، وعملياً يفعل العكس بضرب إسفين بين مكونات التحالف ، وينفر القادة الذين لم تتم دعوتهم أسوة ببقية رفاقهم ، من أي حوار يقترحه الخطاب .
رابعاً :
بعد تفاقم الأزمات ( سياسية ، وإقتصادية وإجتماعية وما رحم ربك ) التي تمر بها بلاد السودان ، توقع الناس أن يأتي خطاب الرئيس البشير ، خصوصاً بعد الفرقعة الإعلامية التي سبقته ، بخريطة طريق مفصلة تقود للتغيير السلمي ، والانتقال إلى مربع قومي جديد يحقق السلام الشامل العادل والتحول الديمقراطي الكامل !
ولكن ذهبت توقعات الناس أدراج الرياح ، ولم يأت الخطاب سوى بقبض الريح ؟
خامساً :
دعا خطاب الرئيس البشير للحوار ، وهذا مما يُحمد له . ولكن لم يفصل الخطاب أجندة ومفردات ومرجعيات وأهداف الحوار ، وآليات تفعيل الحوار لكي يكون حواراً وطنياً قومياً جامعاً يقود إلى الأهداف القومية التالية :
+ تكوين لجان قومية لتقود عمليات السلام مع الجبهة الثورية ، تجنباً للنهج الثنائي السابق ، والذي اثبت عدم جدواه.
+ تكوين لجان قومية للإشراف على عملية كتابة دستور إنتقالى لفترة إنتقالية محددة .
+ عقد مؤتمر اقتصادي قومي للاتفاق على حلول قومية لمشاكل الاقتصاد الوطني .
+ تكوين لجان قومية للإشراف على إزالة آثار التمكين لعناصر ومنسوبي المؤتمر الوطني في مؤسسات الدولة ، وإعادة المفصولين للصالح العام إلى وظائفهم السابقة ، وأن تكون مرجعية التعيين في وظائف مؤسسات الدولة المواطنة والمواطنة حصرياً ، لإستعادة دولة الوطن، بدلاً من دولة الوطني .
+ تكوين لجنة إنتخابات قومية مستقلة ومحايدة لضمان نزاهة وحرية الانتخابات القادمة .
+ تكوين لجنة قومية عليا تشرف على إقامة علاقات خارجية تحقق وتحمي المصالح الوطنية ، والأمن القومي ، بعيداً عن التبعية والعداء للآخر.
+ تكوين حكومة إنتقالية قومية ، لا تقصي أحداً ولا يهمين عليها أحد ، لفترة زمنية محددة ، لتشرف على تكوين اللجان القومية المذكورة أعلاه ، والإشراف على تفعيل البرامج القومية المنوطة بهذه اللجان القومية
سادساً :
للأسف لم يُفصل خطاب الرئيس البشير الآليات المذكورة في ( خامساً ) أعلاه لتفعيل الحوار القومي وإنزاله إلى أرض الواقع بدلاً من الكلام النظري المُرسل على الهواء ، والذي ينتهي مفعوله بالنطق به . خصوصاً وتجربة المؤتمر الوطني مع كوادره الداعية للحوار والإصلاح داخل المؤتمر الوطني شاخصة للعيان ، ولكل من القى السمع وهو شهيد . فقد تمت محاسبة ومعاقبة هذه الكوادر فقط لأنها دعت للحوار ؟
فكيف يستقيم إذن أن يوافق المؤتمر الوطني على الحوار الجاد مع الأغراب الخصماء ، وقد حاسب وعاقب كوادره التي تدعو للحوار والإصلاح داخل المؤتمر الوطني .
غلوطية تحتاج لفهامة صلاح جاهين ؟
سابعاً :
لم يتطرق خطاب الرئيس البشير لموقفه الشخصي من الإنتخابات لرئاسة المؤتمر الوطني في اكتوبر القادم والإنتخابات الرئاسية في ابريل 2015 ، مما يؤكد عزم الرئيس البشير للترشح في الأنتخابات الرئاسية بعكس ما يقول به الدستور الإنتقالي ( 2005 ) بعدم الترشح لأكثر من دورتين رئاسيتين . الأمر الذي يعني إستمرار الرئيس البشير رئيساً للسودان حتى عام 2020 ؟
يفعل الرئيس البشير ذلك ، رغم إنه يقول ويدعو لتغيير القيادات القديمة بقيادات شبابية جديدة .
ثامناً :
لم يتطرق خطاب الرئيس البشير للأحداث في دولة جنوب السودان ، والتدخل اليوغندي العسكري السافر فيها ، والموقف ( القومي ) الواجب إتخاذه أزاء هذه الأزمة ، التي تمس الأمن القومي السوداني في الصميم .
تاسعاً :
في المحصلة ، سوف يستمر الرئيس البشير في موقعه ، وسوف تستمر الحكومة الحالية في موقعها ، ولن يحدث أي تغيير في السياسات والهياكل والوجوه ؛ ويستمر عرض الفيلم الهندي حتى خطاب رئاسي آخر تُحشد له وسائط الإعلام ، وتتم دعوة القيادات السياسية لسماعه في قاعة الصداقة بدلاً من في منازلها، وكأن الفرق بين الأثنين كبير .
إلى اللقاء إذن حتى خطاب رئاسي آخر .
///////////