تناقض النظريات الاقتصادية مع واقع سياق الاقتصاد السياسي في جنوب السودان

 


 

جوزيف قبريال
20 October, 2022

 

وزير المالية والتخطيط الإقتصادي، ومحافظ البنك المركزي الذين حضرا الإجتماع السنوي الذي يعقده صندوق النقد الدولي، بحضور وزراء المالية ومحافظوا البنوك المركزية، في مقر الصندوق الكائن في أحد أحياء واشنطن الراقية، وفي سعيها الحثيث تبذل صندوق النقد الدولي الذي يضم في عضويتها 190 دولة حول العالم، جهود مُضنية لتحقيق الغرض المبتغى من إنشائها، والتي تتمثل في تعزيز الإستقرار المالي، بالإضافة إلى المحافظة على العمُلات الوطنية وتقويتها، رغم ربط هذه العمُلات بعملة واحدة لقياس مدى تطور ورقي الإقتصاد للدول الأعضاء في المؤسسة المالية الدولية، وبما يحقق المنفعة العامة، والرفاهية لشعوب هذه الدول، وبمعني أشمل تيسير التجارة الدولية، بهدف خلق وظائف جديدة وتقليل نسب البطالة، وتصب ذلك كله في تحقيق العدالة الإجتماعية.
السلطات المالية والنقدية في البلاد أتبعت خطط وشروط صندوق النقد الدولي خلال السنتين الماضيين، بهدف تحسين إقتصاد البلاد وتقوية الجنيه الجنوب سوداني، بما يسهم في تحقيق أدني مستويات المعيشة للمواطنين. مما جعل الصندوق يمنح البلاد قروض ميسرة بأسعار فائدة خلال السنوات الماضية والذي بلغ في مُجملها ما يربوا على400 مليون، ورغم أن الإقتراض سيضر بالأجيال القادمة، ولكن لا مفر سوى الإستدانة من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية الأخري، بهدف المحافظة على أقل مستوى من الإقتصاد، فلو أنهارت إقتصاد جنوب السودان، فلن يكون هناك دولة تُسمي جنوب السودان في المستقبل وإنما مجموعة كيانات سياسية إثنية ولوردات حرب. وكلِ في منطقته يدعي سيطرته على البلاد، مع أن الواقع علي الأرض تشظِ الدولة وغياب السيطرة على أدوات الإكراه، بما يحمله الكلمة من معنى. ثالث الاثافي هو تعذر حقوق السحب الكاملة بالنسبة للبلاد من حصتها في ودائع صندوق النقد الدولي، فذلك الأمر يتطلب موافقة 85% من مجموعة الدول الأعضاء في الصندوق( مجلس المحافظين) ، مع الإشارة إلى ضرورة إتساقها مع هدف تلبية الإحتياج العالمي طويل الأجل للأصول الإحتياطية، وفي حال تمت الموافقة على الطلب يتم توزيع هذه المخصصات، بالتناسب مع حصصها في الصندوق، وفي الوقت الراهن هناك ما يربوا على 204,2 مليار وحدة حقوق سحب خاص، وما يعادل 293 مليار دولار أمريكي، وهي إجمالي المخصصات العالمية في صندوق النقد الدولي.
الأهم هنا، لابد من إستمرار السلطات النقدية والمالية في البلاد بتطبيق حزمة الإجراءات التي طلبها صندوق النقد الدولي، وبدورها تتحقق الخطة الإسعافية التي رسمها البنك المركزي في المدي القصير، وهي ضمان حصول الموظفين والعاملين في مؤسسات علي مرتباتهم المعدلة في موازنة العام المالي الجديد ( مرتبات شهر يوليو وما يليها من أشهر طوال العام وبإنتظام). تنفيذ بند الترتيبات الأمنية. إصلاح المؤسسات الإقتصادية، فلو تحققت هذه الأهداف فالبنود الأخري من الموازنة سيجد طريقها إلى التنفيذ في المدي المتوسط وهكذا، وصولاً إلى خطة المدي الطويل الخاصة بتحقيق أهداف الإقتصاد الكلي. اليونان عام ٢٠٠٨م مرت بأزمة شبيهة لما يحدث في البلاد، بيد أن تطبيقها لحزمة الإجراءات التي طلبها صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي، أنقذت اليونان من إنهيار وشيك لإقتصادها، واليوم لا يزال خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد نكستها في الحرب العالمية الثانية عالقة في الأذهان، ولو لم تطبق نفس الشروط التي أقرتها مؤتمر بريتون وودز عام ١٩٤٥ لكانت غارفة في التخلف والفقر اليوم.
وهنا تجئ المعضلة الرئيسية بين تنفيذ الخطط التي طلبها صندوق النقد الدولي، ورغم تجاوب الحكومة مع مطالب صندوق النقد في الصدد إلا أن الحكومة غالباً ما تتراجع عن إلتزاماتها، خصوصاً فيما يتعلق بالشفافية المالية وتوجيه الأموال المقدمة من الصندوق إلى وجهتها الصحيحة. ففي من الأحايين يحجب مؤسسات التمويل الدولية المعونات والدعومات عن البلاد بسبب مماطلة حكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية المنشطة، في تنفيذ الاتفاقية خصوصاً بنودها الأساسية وفي نهاية المطاف شعب جنوب السودان هو الذي يدفع الثمن باهظاً، حيث تزداد معاناته كل يوم في ظل الأوضاع الإقتصادية المزرية التي تعيشها البلاد، عليه الحكومة تدارك الأمر قبل أن تستفحل أكثر والالتزام بتعهداتها تجاه صندوق النقد الدولي.

josephgabriel067@gmail.com

 

آراء