تناول صحيفة الاهرام القاهرية للشان السودانى فى عهد الُطغمة الاعلامية

 


 

 

تناول صحيفة الاهرام القاهرية للشان السودانى فى عهد الُطغمة الاعلامية لنظام حسنى مبارك (الجزء الثانى)

يوليو 1998م – يناير 2000م


Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]
في الشهور القليلة التي أعقبت قصف مصنع الشفاء للأدوية في 21 يوليو 1998م شهدت العلاقات السودانية المصرية جمودا شبيها بالحياد فيما يختص بأخبار الحكومة السودانية والمعارضة ، حيث برزت في تلك الحقبة بصحيفة الإهرام(1) أخبار مبتثرة حول ما يدور في السودان ، وفي هذا الصدد أبرزت الصحيفة قرار النظام السوداني حول خبر تشكيل محكمة عسكرية سودانية للصادق المهدي وابنه وكبار مساعديه لدورهم في الأنشطة العسكرية المعارضة لحكومة السودان والتفجيرات التي حدثت في مدينة واد مدني ، وذكرت الصحيفة أن هؤلاء المعارضين يواجهون تهم تقويض النظام الدستوري وإثارة الفتنة والتستر حيث يواجهون حكما بالإعدام أو المؤبد ، ومن جانبها لم تعلق صحيفة الإهرام على هذا الخبر بعد أن إكتفت بإبرازه داخل الصحيفة .
ومن أمثلة الأخبار التي طغت علي سطح هذه الحقبة أخبار الحرب الأهلية المشتعلة في جنوب السودان  ، حيث اكتفت الصحيفة في أغلب الأحيان بإبراز الخبر دون التعليق عليه في الصفحات الداخلية للصحيفة ومن ضمن هذه الأخبار نجد (2) ( أعلن مصدر رسمي سوداني أن القوات الحكومية السودانية قتلت 45 متمردا سودانيا في معارك جرت بالجنوب .
ولم تنس الصحيفة في تلك الفترة إبراز بعض نقاط الخلاف مع الحكومة السودانية في عدة قضايا ومن أهمها اتهام الحكومة السودانية بعدم التعجل في طي صفحة دعم الأنشطة الإسلامية ( الإرهابية بحسب الصحيفة) المعارضة لمصر ، وإيواء جماعات منهم ، والجدير بالذكر أن الحكومة السودانية اتخذت ظاهريا عدة مسارات لتحسين العلاقات مع مصر ربما لحماية نفسها ضد الجبهة المسلحة العريضة التي تكونت ضدها في السابق ، والمكونة من كل من إريتريا وإثيوبيا ويوغندا بالإضافة إلي كينيا من وراء ستار ( تحتضن رئاسة الحركة والدعم اللوجستي).
وأثارت صحيفة الإهرام (3) أيضا الخلاف حول عودة الممتلكات إلي مصر والتي فيما يبدو أن الحكومة السودانية رفضت عودتها في شكلها القديم ،  وأبرزت في أحدي أخبارها أن وزير الإعلام السوداني ذكر أنه لا خلاف على عودة الممتلكات إلي مصر ، وأظهرت تحفظه فيما يختص بالمؤسسات التعليمية ، حيث ذكر الوزير أن للسودان أفكاره الخاصة فيما يتعلق بها.
أما الحدث الأكثر أهمية في تلك الحقبة والذي جعل أخبار السودان تأخذ أهمية متزايدة تمثل في قصف الولايات المتحدة الأمريكية لمصنع الشفاء في الخرطوم ضمن عدة أهداف أخرى في أفغانستان ردا على تفجير السفاراتين الأمريكتين في نيروبي ودار السلام بحسب الدعاوي الأمريكية ، في إطار حربها المعلنة ضد الإرهاب الدولي كما تذكر .
أما تناول صحيفة الإهرام فقد كان كالآتي .
ففي عدد صبيحة اليوم الذي تلي الضربة الأمريكية أبرزت صحيفة الإهرام (4) هذا الخبر في صفحتها الأولي بعناوين كبيرة ، ومن هذه العناوين " المحللون" والدبلوماسيون يقولون أن الولايات المتحدة اكتوت بنار الإرهابيين الذين احتضنتهم – ومن الواضح أنها ربما تقصد من هذه العناوين – الأفغان الذين حاربوا ضد الإتحاد السوفيتي بين أعوام 1979- 1989م بتمويل أمريكي سعودي ، وجاء في الخبر  أن المستهدف الأول من هذه الغارات أسامة بن لادن الذي جند آلاف الأصوليين ، وتحول أخيرا إلي أكبر راع للإرهاب الدولي.
وجاء في الصفحة الأولي أيضا في نفس الصحيفة (5) ، وتحت عنوان رئيسي أن الغارات ستردع الأرهابيين عن شن هجمات في المستقبل ، وجاء في متن الخبر أن خبيرا أمريكيا متخصصا في مكافحة الإرهاب أكد أن إقدام الولايات المتحدة علي توجيه ضربات صاروخية لقواعد الإرهاب في إفغانستان والسودان يحمل أكثر من رسالة ذات مغزي ودلالة ، فالرسالة الأولي هي أن الأشخاص الذين الحقوا ضررا بالسفارتين الأمريكتين في نيروبي ودار السلام قد عوقبوا ، والرسالة الثانية هي ردع الجماعات الإرهابية عن القيام بأعمال مماثلة في المستقبل.
وفي الصفحة الأولي أيضا من نفس الصحيفة وتحت عنوان رئيسي كلينتون الضربات لا تستهدف العرب أو المسلمين ، جاء في متن الخبر أن الرئيس كلينتون بعث برسالة لبعض زعماء المنطقة ذاكرا فيها أن الضربات الموجهة للسودان وإفغانستان لا تستهدف العرب والمسلمين .
وفي الصفحة الأولي ايضا والتي خصصت بأكملها لخبر الضربات الأمريكية جاء وتحت عنوان بارز – أن مصر تطالب مجلس الأمن بالقضاء على الإرهاب – وجاء في متن الخبر أن مصر تدعو إلي عقد مؤتمر دولي علي مستوي القمة لمكافحة الإرهاب ، وذلك في بيان رسمي ، ثم وضحت بالتفصيل بعد ذلك خبر الضربة ، وحرصت على القول أن معسكرين للمتطرفين الإسلاميين قد دمرا تماما في منطقة خوست بافغانستان.
وابرزت في نفس الوقت تصريحات وزير الخارجية السودانية داخل متن الخبر حين ذكرت أن الوزير السوداني قال إن أي ضربة جديدة للسودان لن تمر دون عقاب.
وبعد  هذه الفقرة  مباشرة داخل متن الخبر أبرزت تصريحات الرئيس الأمريكي ايضا ، والذي ذكر أن القصف يعد بداية حرب طويلة المدي ضد الإرهاب ، وذكر أن القصف تم بعد التأكد من تورط عملاء أبن لادن في نسف السفارتين.
ثم أبرزت تصريحات ساندي بيرجر مستشار الأمن القومي الأمريكي والذي ذكر فيها أن الصور التي التقطت تؤكد أن المصنع السوداني  قد  دمر تماما وأن هذا المصنع ملك لابن لادن .
وحرصت صحيفة الإهرام(6) علي إبراز دور أحد الإسلاميين المصريين وهو أيمن الظواهري في التدبير والإشتراك في التخطيط لأعمال إرهابية بالإشتراك مع إبن لادن.
وجاء في نفس هذا الخبر ايضا وفي آخر فقرات منه أن مجلس الوزراء السوداني قرر سحب الثعة الدبلوماسية السودانية من  واشنطن وذكرت أن السودان قدم شكوي إلي مجلس الأمن الدولي مطالبة بأن يرسل المجلس فريق تحقيق للتأكد من أن مصنع الشفاء لاينتج أسلحة كيمائية .
ثم أضافت الصحيفة أن الضربات الأمريكية اثارت ردود فعل فورية وغاضبة في العديد من العواصم العربية ، وجاءت أبرز هذه الإدانات من ليبيا والعراق وحزب الله في لبنان .
وفي عنوان متوسط بالصفحة الأولي أيضا وتحت عنوان البشير يتهم كلينتون بالكذب ، والجامعة العربية تدين قصف الخرطوم – جاء في الخبر (7) وصف لردود فعل القيادة السودانية والشارع السياسي السوداني ، وبدأ في متنه تعاطف بعض جموع الشعب السوداني مع الحكومة السودانية تعاطفا كبيرا ، والذين وصفوا بحسب الصحيفة بأنهم شعروا بالصدمة ، كما أنهم حصبوا مبني السفارة الأمريكية بالخرطوم ، وعرضت كذلك بيان الحكومة الذي يتهم جماعات المعارضة السودانية بتضليل واشنطن عن طبيعة المصنع .
وفي صفحة داخلية هي صفحة قضايا (8) واراء جاء تحت عنوان صغير- رأي صحيفة الإهرام القاهرية حول ما يحدث في الساحة السياسية من تطورات مختلفة ، ومنها القصف الأمريكي علي السودان وإفغانستان ، حيث ذكرت الصحيفة أن هناك جريمة ارهابية وقعت ضد السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا ، وجاء التنفيذ من قبل عناصر إرهابية فلسطينية ومصرية وسعودية ، وتتبع هذه العناصر لأسامة بن لادن ، وهناك أطراف عديدة شاركت  بالتخطيط ضد المصالح الأمريكية.
إن مايسمي بعناصر إرهابية محدودة تعمل لأهداف محدودة صار الآن من الماضي ، حيث أصبحت شبكات إرهابية منظمة تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، وتضم عناصر متعددة الجنسيات ، تعمل بسهولة عبر حدود الدول وتشن ما يشبه حروبا صغيرة على فترات متباعدة لتحقيق أهداف معقدة ، لذلك يجب التعامل مع كل ذلك التخطيط بجهد دولي لايقل تنظيماً عما يفعله الإرهابيون..
وفي صفحة قضايا وآراء في نفس الصحفية (9) جاء تحت راي الإهرام ايضا وتحت عنوان بارز المواجهة الجماعية للإرهاب : الحل فيما مايلي :
ليس هناك أحد يوافق على أن تستمر هذه الممارسات الإرهابية بلا وازع ، بل إن الجميع يودون أن تنقشع إلي غير رجعة ، ولكن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة أمس الأول بضرب قواعد للجماعات الإرهابية في أفغانستان والسودان يدخل في نطاق النظرة القصيرة لمواجهة خطر أصبح في مقدمة الأخطار التي تهدد أمن واستقرار الشعوب .
صحيح أن الولايات المتحدة تعرضت لعدة أحداث إرهابية ولكننا نتساءل لماذا تأخرت كل هذا الوقت في الرد عليها، ولماذا هذا التوقيت بالذات ، هل جاء هذا التوقيت لانقاذ الرئيس الأمريكي كلينتون بعد فضيحة مونيكا جيت .
نستطيع أن نفهم ما جرى علي أنه نتيجة منطقية لتصاعد حدة تهديدات جماعات الإرهاب للمصالح الأمريكية ، ولكن إنفراد الولايات المتحدة بالعمل وحدها ليس هو الحل، وذلك لأن من شأن هذا العمل أن يؤدي إلي تعاطف بعض القطاعات الجماهيرية مع الإرهابيين أنفسهم ، وهو ماليس مطلوبا بالطبع ، أن الحل المطلوب هو عمل جماعي دولي ، كما قال الرئيس حسني مبارك مرارا وتكرارا.
أما صحيفة الإهرام في يوم 23 أغسطس 1998 فقد خصصت كل صفحتها الأولي (10) تقريبا لحدث الغارة الأمريكية علي السودان وأفغانستان ، وجاء في الصفحة الأولي وتحت عنوان بارز : أمريكا تواصل حملتها الدبلوماسية لاحتواء مضاعفات الهجومين العسكريين ، كلينتون يجمد أرصدة بن لادن ويتوعد بحرب طويلة الأمد ضد الإرهاب ، وجاء في متن الخبر أن المسئولين الأمريكيين كثفوا إتصالاتهم  بقادة الدول العربية والعالم لشرح الموقف الأمريكي، وحشد التأييد لواشنطن في شن حرب ضد الإرهاب ، وذكرت الصحيفة أن مارتن انديك مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط قاد سلسلة اجتماعات مع السفراء والصحفيين العرب في واشنطن لتفسير مبررات العمليتين العسكريتين ضد السودان وأفغانستان ، وأكد انديك أن واشنطن لديها دلائل قاطعة على تورط بن لادن المقيم في أفغانستان ، والذي يشارك في ملكية مصنع الشفاء في السودان ، وكرر الإتهامات الأمريكية بأن الخرطوم تعلم أن المصنع ينتج غاز ( في – أكس).
وذكرت انديك بحسب صحيفة الإهرام أن الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط في خندق واحد ، حيث تتعرض لتهديدات إرهابية كتلك التي تواجهها بلاده ، وأشار في هذا المجال إلي مصر والجزائر والسعودية والأردن ، ودول أخري بالخليج ، وفيما يبدو أن إنديك تعمد ذكر هذه الدول تحديدا ليشعرها بأن خطر الإرهاب يشملها كذلك ، وأن العدو واحد .
ونشرت الصحيفة ( 11) وجهة النظر السودانية التي تدعو إلي تشكيل لجنة تحقيق حول مصنع الشفاء ، وأوضحت كذلك أن المجموعة العربية في المنظمة الدولية تؤيد دعم مطلب السودان ، وحرصت الصحيفة (12) أيضا على تأكيد دور أيمن الظواهري حيث ذكرت أنه صرح بأن الحرب ضد أمريكا مازالت في بدايتها وأن على الولايات المتحدة أن تترقب ردا علي هجومها علي أفغانستان.
ومن الواضح أن صحيفة الأهرام في هذا السياق تتجاذبها عاطفتان أو رأيان مختلفان ، فالرأي الأول وهو الغالب حتي الآن يدعو إلي محاربة أوسع للأرهاب في العالم ، وربما تعنى بالإرهاب من وجهة نظرها ( الصحيفة ) الجماعات الدينية  الاصولية التي تحارب الحكومة المصرية منذ  منتصف سبعينات القرن العشرين وحتي اليوم ، وقد نجحت هذه الجماعات طوال هذه المدة في ممارسة ضغط مسلح بصورة متزايدة على الحكومة المصرية ، استهدف رجال السلطة  الحاكمة أساسا والمؤسسات الإقتصادية والمالية ، ويمكن أن نقول إنه ألحق ضررا متزايدا بالحكومة المصرية ، كما أن الحكومة المصرية من جهتها وجهت ضربات عنيفة للجماعات الأصولية ، واستطاعت عن طريق الأعتماد على القوة المسلحة وحدها دون الحوار أن تخفف من أنشطتهم ، كما أنها استطاعت القاء القبض علي معظم قياداتها والمنتسبين إليها داخل القطر المصري ، لذلك جاء إتجاه الولايات المتحدة وأوربا في مواجهة الجماعات الإسلامية صابا في مصلحتها، ويمكن بالتالي من القضاء علي أنشطة الجماعات الإسلامية في الخارج ، خصوصا وأن هذه الجماعات اتخذت من أوربا وأمريكا مراكز إعلامية ومالية لتسيير أنشطتها في العالم العربي.
أما الرأي الآخر في الصحيفة وهو الاضعف صوتا فيتمثل في إستنكار قصف دولة عربية مجاورة مهمة لمصر، مع العلم أن مصر ذاقت طوال عهودها الديمقراطية والناصرية مرارة التدخل العسكري الخارجي ( بحسب إحدي المقالات) وبنت فلسفتها علي تجريم مثل هذه المسالك ، كما أن الرأي العام المصري يستنكر أن تقوم قوة غربية بمهاجمة دولة عربية مهما كانت الأسباب ، باعتبار أن الغرب هو من أنشأ دولة اسرائيل ، وهو من تسبب في كثير من المآسي  التي نزلت علي الوطن العربي .
أضف إلي ذلك أن الحكومة السودانية والمصرية  حاولتا في المدة الأخيرة تحسين العلاقات بينهما برغم كثير من القضايا العالقة بينهما وعلى راسها الوجود الإسلامي المصري في السودان ( الجماعات الإرهابية بحسب الوصف المصري) وعودة الممتلكات المصرية ، والإتجاهات الإسلامية الراديكالية التي تتبناها الحكومة السودانية ، والتي تتخوف الحكومة المصرية منها ومن إنتشارها داخل حدودها أو الأهتداء بها ومحاولة تقليدها .
والرأي الثالث ربما يتمثل في أن الحكومة المصرية نظرت إلي الشارع السوداني غير المسيس في قطاع حزبي معين ، والذي دون شك يشعر بالغضب جراء ضرب منشأة حيوية داخل أراضيه ، لذلك لم تذهب بعيدا في تأييد الضربة الأمريكية ضد السودان ، بالرغم من الإرتياح الظاهر الذي وضح  من خلال الحرص علي إبراز المبررات الأمريكية ، خصوصا ذلك التبرير الذي ساقه الرئيس الأمريكي كلينتون وقال فيه إنه لايستهدف العرب أو المسلمين جراء هاتين الغارتين ، كما حرصت صحيفة الإهرام علي إظهار تصريحات أيمن الظواهري الإسلامي النشط في حركات مقاومة الحكومة المصرية ، إضف إلي ذلك أن الصحيفة وكما إتضح مع السياق السابق حاولت توضيح مخاطر الأرهاب الدولي الذي تتعرض له بعض حكومات العالم ودعوتها لقيام مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب.
ومن جهة أخري حرصت الصحيفة ايضا علي إيضاح وجهة النظر السودانية في الغارة الأمريكية ضد أراضيه ، ولعل هذا التوضيح يأتي من وجهة نظر منهجية بحتة لابد منها لرؤية الحدث من جميع الزوايا ، وسنري فيما بعد أن وتيرة التأييد بعد ذلك والتعاطف زادا مع الحكومة السودانية في صحيفة الإهرام القاهرية ، ربما يرجع ذلك الامر إلي التماس وجهة نظر الشارع المصري التي تعاطفت مع السودان ، كما أن الرغبة في عدم قطع العلاقات بشكل شبه نهائي في هذا المنعطف التاريخي حد من التأييد للحرب ضد الإرهاب كما تسميها صحيفة الإهرام.
وأوردت صحيفة الإهرام (13) أيضا في نفس العدد تصريحات لوزير الخارجية المصري حول إحداث الهجوم الأمريكي حيث ذكر أن الموقف المصري بخصوص الأرهاب يتمثل في معالجته من خلال الشرعية الدولية وتحت مظلة الأمم المتحدة ، وذكر أن بيان الحكومة المصرية كان واضحا في مناهضة  الإرهاب ، إلا أنه طالب من مجلس الأمن أن يتخذ مبادرات في هذا الخصوص بدلا من أن تقوم دولة واحدة بتطبيق القانون ، وفيما يبدو من بيان الموقف المصري أنه لا يتشكك في دعم الإرهاب من قبل السودان وإفغانستان بصورة مبدئية ، وإنما يرغب في أن يكون العقاب من المؤسسات الدولية بدلا من أن تتولاه الولايات المتحدة الأمريكية .
وحرصت صحيفة الإهرام(14) على إبراز المقابلة التي أجراها وزير الخارجية المصري مع وفد من التجمع الوطني الديمقراطي ، وتصريحات الأخير( التجمع) بأن القصف الأمريكي للسودان إنما هو نتيجة طبيعية لممارسات وسياسات الجبهة الإسلامية التي أثارت عداء  المجتمعين الإقليمي والدولي.
وفيما يبدو من تصريحات وتأكيدات عديدة من قبل الحكومة المصرية حول تورط السودان في دعم الإرهاب (الجماعات الإسلامية ) مستندة علي وقائع محددة ومرصودة من الجانب المصري ، والذي لاشك فيه أن السودان بعد إلغاء تأشيرة الدخول لمواطني الدول العربية في العام 1994م وصل إليه عدة مئات من الناشطين الإسلاميين المطلوبين من قبل دولهم ، من مختلف أنحاء الوطن العربي ( وهذه حقيقة تاريخية ) ، وإتخذوا من السودان مركزا مهما لإدارة انشطتهم ، وكان لحركة الجهاد المصرية وجود كذلك في السودان بقيادة زعيمها أيمن الظواهري المطلوب الأكثر أهمية للحكومة المصرية .
صحيح أن الحكومة السودانية بررت قرارها بالغاء التأشيرات للمساهمة في تنشيط الإستثمار العربي من خلال تسهيل حركة مرور القادمين إلا أن ذلك التبرير فيما يبدو لم يكن مقنعا للدول العربية ، وقد تطور هذا الأمر فيما بعد لدرجة إتهام السودان بتسهيل مهمة بعض المصريين لإغتيال الرئيس المصري في أديس ابابا في يونيو 1995م.
وقد دفعت هذه الأحداث بالحكومة السودانية للعودة مجددا إلي نظام منح التأشيرات ، كما أنها ذكرت أنها راجعت جميع قوائم المتواجدين في اراضيها وسلمت بعض المتورطين في قضايا إرهابية مثل كارلوس للجهات التي تطلبه ، وطردت جميع من تشكك في خطورته إلي خارج السودان.
وقد استمرت أعمال المراجعة هذه طوال عام 1997م ، وهو عام شهد فيه السودان حربا متصاعدة مع إريتريا وإثيوبيا ويوغندا  بالإضافة إلي الحركة الشعبية لتحرير السودان والتجمع الوطنى الديمقراطى .
وربما دفعت هذه الحروب المتزايدة التي يقودها جيران السودان الإفريقيون الحكومة السودانية إلي مراجعة سياستها بخصوص الحكومة المصرية ، ومحاولة التصالح معها لعل ذلك يشكل حماية  مافي وجه تصاعد الحرب الخطيرة التي امتدت فى ثلاثة جبهات ساخنة .
وعندما تم قصف مصنع الشفاء للأدوية كانت العلاقات المشتركة على حيادها السابق وربما توترها بعد أن ظلت عدة ملفات عالقة بين البلدين مثل الممتلكات المصرية والملف الأمني ، والمعارضة السودانية في القاهرة والتي تنشط عسكريا علي حدود السودان الشرقية ، أضف إلي ذلك أن الحكومة المصرية ربما كانت تراهن وحتي ذلك الوقت علي عدم صمود الحكومة السودانية في وجه الحرب المتصاعدة علي جبهاتها الثلاث ، مع وجود عداء دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لها .
وحرصت صحيفة الإهرام ايضا في عددها يوم 23 أغسطس وفي الصفحة الأولي (15) على إبراز تصريحات د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف حول ما جري في السودان وإفغانستان حيث صرح بادانته للعدوان ضد الأبرياء الآمنين ، وايد في نفس الوقت تصريحات الرئيس مبارك التي دعت لعقد مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بكل اشكاله ، وقد وصف فضيلة المفتي الإرهاب بأنه نكبة علي الدين والدنيا معا.
وفي نفس الصفحة الأولي (16) ايضا أبرزت صحيفة الإهرام بخط عريض .. عشرة آلاف سوداني يتظاهرون في الخرطوم – ونقلت تصريحات الرئيس البشير الذي قال إن السودان لن يركع إلا لله مؤكدا تصميمه على رد العدوان .
وجاء تحت رأي الإهرام (17) في الصفحات الداخلية للصحيفة وتحت عنوان ضرورة التصدي الجماعي للإرهاب مايلي : إن علي المجتمع الدولى أن يتصدي للإرهاب بكل حسم كجريمة شنعاء في حق البشرية ، وكوباء دفين بدأ يستشري في جسد المجتمع الدولي ، مستهدفا الأبرياء العزل الذين لاذنب لهم ولا جريرة ، ومصر ترى أن الوقت قد حان للتعامل مع تلك الحفنة الشريرة من الإرهابيين بكل يقظة حتي تتم محاصرتهم وقطع جميع خطوط الإمداد عنهم ، فالإرهاب الذي يستهدف الآمنيين ويعرض حياة الأبرياء للخطر يتطلب وقفة حاسمة وسريعة من المجتمع الدولي لكشف مصادر التمويل وخطوط الإتصال .
وإذا كان يبدو للوهلة الأولي أن الأعمال الفردية المضادة للإرهاب قد تحقق أهدافها في تحجيمه أو القضاء عليه فإن أبعاد الواقع العلمي يشير إلي غير ذلك ، لأن مثل تلك الأعمال الفردية لها مخاطرها العديدة والتي قد تتيح للأرهابيين ارضية جديدة من خلال كسب المزيد من التعاطف معهم ، بما يؤدي إلي ضياع القضية وإفلات المجرمين .
ولذلك فإن الإرهاب كجريمة موجهة ضد الأبرياء لايمكن السكوت عليه، خاصة وأن المجتمع الدولي بأسره ينبذه بشدة ولايمانع في التعاون في مكافحته جماعيا ودوليا – انتهي.
من الواضح هنا أن صحيفة الإهرام ترى من خلال النص السابق أن عملية مكافحة الإرهاب كظاهرة عرفها المجتمع المصرى منذ وقت مبكر نسبيا ربما لايمكن معالجتها بسهولة إطلاق بعض الصواريخ هنا وهناك لإرهاب الأرهابيين ، وإنما تتعدى ذلك إلي ماهو أعقد بحيث تشمل قطع خطوط الإمداد ، ومعرفة مصادر التمويل ، وتبادل المعلومات بخصوص الجهات الضالعة والعناصر المتورطة ، ووضع الإتفاقيات والمواثيق التي تحارب هذه الظاهرة في مؤتمر دولي مشهود ، وغيرها من التدابير .
وأبرزت صحيفة الإهرام (18) ايضا في صفحتها الأولي خبرا منقولا عن صحيفة – لوفيجارو الفرنسية تحت عنوان – السودان أصبح مركزا للإرهاب وجاء في الخبر – أن السودان أصبح مركزا للإرهاب الدولي ومأوي قيادات التطرف الديني من حركة حماس والجهاد الإسلامي .
وذكرت الصحيفة في سياقها أن حي الرياض بالخرطوم يعد مأوياً أساسيا لمن يطلق عليهم المجاهدون الأفغان ، وأشارت إلي أن مصنع الدواء الذي دمره القصف الأمريكي ينتج أدوية موجهة للعراق، وذكرت الصحيفة أن المصنع نفسه ينتج أسلحة كيماوية ، وقالت إن جامعة الخرطوم تعد نقطة لأشد المتعصبين والمتطرفين في العالم ، وأن السودان يعد أحد أخطر بلاد العالم ، تمزقه حرب أهلية راح ضحيتها مليون قتيل، ويعيش بفضل المعونات الخارجية فقط.
أما أعمدة صحيفة الإهرام فقد جاءت تحوي مختلف الآراء حول الغارة الأمريكية علي السودان وإفغانستان ، حيث اعتبر صاحب عمود صندوق الدنيا(19) أن مصنع الشفاء الذي ضرب في الخرطوم إنما هو مصنع أدوية يشتغل فيه 350 عاملا وعاملة ويلبي 50% من حاجة السودان للأدوية ، ويصنع أدوية خاصة بالملاريا والمضادات الحيوية ، وأدوية الطب البشري ، ويذكر صاحب العمود أن من المفارقات العجيبة التي  اعلنتها الأمم المتحدة أن لجنة النفط مقابل الغذاء أوصت أن يصدر هذا المصنع أدوية للعراق ، والمصنع ملكية خاصة استوردت معظم آلاته من أمريكيا ، وقام فنيون غربيون بتركيبه ، ولو أنه كان مصنع غازات سامة كما تدعي أمريكا لقتل سكان نصف مدينة الخرطوم بعد ضربه بصواريخ كروز.
ماذا سيكون موقف أمريكا لو ثبت أن هذا المصنع للدواء ، هل يعتذر الرئيس الأمريكي للشعب السوداني كما اعتذر لزوجته وناخبيه والشعب  الأمريكي عن كذبه في علاقته بمونيكا لونيسكي ، هل يعتذر الرئيس الأمريكي للشعب السوداني عن القتلي والجرحي الذين اصابتهم الصواريخ الأمريكية دون أي ذنب جناه هؤلاء القتلي والجرحي .
وجاء في عمود آخر في نفس الصحيفة بعنوان سياسة خارجية ( 20) ان الرئيس الأمريكي أراد من خلال هذا القصف أن يثار من الأصابتين المؤلمتين اللتين هزتا رئاسته في وقت واحد تقريبا ، وهما الأعتراف بعلاقته المحرمة والتفجيرات في سفارات أمريكا في كل من كينيا وتنزانيا ليبرهن من خلالهما أنه الرئيس الذي يملك إصدار قرارات الحرب والسلام.
وتساءل كاتب آخر في عموده من قريب (21)هل سبب الهجوم الأمريكي رغبة الرئيس كلينتون في القول إن إخطاءه الأخلاقية في علاقته مع مونيكا لاصلة لها بقدراته وكفاءاته السياسية ، وإذ كان ذلك كذلك فما ذنب الأبرياء في السودان وأفغانستان .
وفي عمود آخر تحت اسم – مجرد راي – (22) يذكر كاتبه انه واحد من ملايين يعارضون سياسة النظام السوداني ويتمنون لو انتهي هذا النظام في السودان ، إلا أنني بالقطع أعارض الاسلوب الذي اتخذته أمريكا ضد السودان ،وهو لاينم عن شيء سوي محاولة أهانة الوطن العربي بالذات.
ويكتب أخر مقالا في صفحة قضايا (23) واراء تحت عنوان – الولايات المتحدة والإرهاب – أنه إذا كان ضرب السفارتين عملا أرهابيا بمعنى الكلمة فإن العمل الأمريكي يمثل عدوانا وهو أخطر من الإرهاب لأن منع العدوان له جهة محددة هي الأمم المتحدة تبت فيه.
وفي نفس العدد أبرزت صحيفة الإهرام(24) خبر إجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين لمساندة السودان عقب تعرضه للعدوان الأمريكي بقصف مصنع الشفاء للأدوية بحسب ما جاء في الصحيفة ، وذكرت أيضا أن السيد عصمت عبدالمجيد استقبل مندوب السودان للجامعة العربية السيد أحمد عبدالحليم محمد، وذكرت الصحيفة أن الأخير عبر عن شكر السودان للأمين العام لمبادرته الأولي التي عبر فيها عن غضب الجامعة العربية على العدوان الأمريكي.
بيد أن هذا التعاطف الجزئي  من مجموعة كتاب مستقلين في صحيفة الإهرام القاهرية مع السودان وادانتهم لما حدث لم يستمر طويلا إذ سرعان ما تدهورت العلاقات بشكل سريع عقب ذكر السودانيين ومن ضمنهم الرئيس البشير لعدة محطات تلفزيونية خارجية أن الطائرات التي قصفت المصنع أتت من الشمال ، وربما فهم المصريون وغيرهم من حديث الرسميين السودانيين أن الطائرات انطلقت من قواعد مصرية أو عبرها  وهذا فيما يبدو ما كان يقصده السودانيون ، ويعني هذا الإتهام ضمنيا أن مصر مشاركة بصورة جزئية أو كاملة في التخطيط لما حدث ، وهذا الأمر مما لاشك فيه سبب لها حرجا كبيرا ( الحكومة المصرية ) مع شعبها وشعوب المنطقة علي مافيه من عدم يقين .
لذلك جاءت إثارة هذا الموضوع في الصفحة الأولي (25) وفي مكان بارز تحت عنوان موسي : كلام البشير عار من الصحة – وجاء في متن الخبر ( تعليقا على ما ذكره الرئيس السوداني عمر حسن البشير في لقاء مع إحدي محطات التلفزيون العربية – من أن قصف الخرطوم تم بواسطة طائرات قدمت من الشمال ، حيث أعرب عمرو موسي وزير الخارجية عن دهشته لذلك مؤكدا أنه كلام عار من الصحة جملة وتفصيلا ولا اساس له.
وفيما يبدو أن هذا الإتهام سبب توترا شديدا في العلاقات المشتركة ، للدرجة التي دفعت بالرئيس السوداني أن ينفي  (26) في اليوم التالي مباشرة في مؤتمر صحفي أن تكون حكومته قالت إن الطائرات الأمريكية انطلقت من أرض مصر ، وذكر كما جاء في صحيفة الإهرام التي حرصت علي إبراز هذا النبأ في صفحتها الأولي أن السودانيين لم يتهموا مصر باي اتهام تحت عنوان رئيسي – السودان يتراجع من إتهام مصر بانطلاق الطائرات الأمريكية من أراضيها.
وفي اليوم الخامس بعد الأحداث في السودان وافغانستان كانت الصفحة الاولي في صحيفة الإهرام القاهرية (27) مخصصة لهذا الحدث وتداعياته ايضا ولعل أبرز مافيها فيما يختص بالسودان إبراز لقاء الرئيس مبارك باعضاء مجلس جامعة الإسكندرية تحت عنوان رئيسي – مبارك يطالب بعقد قمة عالمية لمكافحة الإرهاب- حيث دعا إلي التوصل إلي إتفاقية ملزمة لكل الدول في شأن الإرهاب، وذكر الرئيس ايضا أن هناك فرقا كبيرا بين الإسلام كدين تسامح ومجموعة قليلة منحرفة من المسلمين يتمسحون في الدين لتحقيق أهداف سياسية ، أو إرتكاب جرائم لايرضي عنها الإسلام أو أي دين  ، وطلب الرئيس من علماء ومفكري العالم الإسلامي شرح المفاهيم الصحيحة عن الإسلام ومناهضه لجميع عمليات الإرهاب والتطرف التي أدت إلي تشويه صورة الإسلام والمسلمين ظلما.
وجاء في نفس الخبر أن الصحيفة (28) سألته ( حسنى مبارك ) عن الموقف المصري من العمليات الإرهابية ، وتفجير السفارتين الأمريكتين في كينيا وتنزانيا والغارتين الأمريكيتين علي بعض المنشآت  الأفغانية والسودانية ، حيث أكد الرئيس مجددا أهمية العمل الجماعي من جانب المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، ووصف الرئيس مبارك ادعاءات السودان بأن طائرات قد أغارت من الشمال بأنه قول باطل ، مؤكدا أن الأرض المصرية لا تستخدم في الإعتداء على أي دولة ، وأن ذلك مبدأ يعرفه السودانيون جيدا ، وقال الرئيس مبارك : أن مصر لا تساند النظام السوداني ، ولكنها تقف إلي جانب الشعب السوداني في المحافل الدولية .
وجاء في الصفحة الأولي ايضا وفي عنوان جانبي – مجلس الجامعة العربية يدين قصف مصنع الخرطوم – وجاء اسفل هذا العنوان مباشرة عنوان مماثل – بن لادن يتعهد لطالبان بعدم شن هجمات من إفغانستان – كما أن الصفحة الأولي جاء فيها كذلك عناوين مماثلة ذات صلة بالموضوع مثل سويسرا تنفي دخول الإرهابي ايمن الظواهري اراضيها – وعنوان آخر مثل إتجاه لطرد المتحدث باسم بن لادن في لندن – وفيما يبدو من سياقه الأخبار الأخيرة أن السياسة المصرية تود الحصول علي إدانات واسعة ضد التنظيمات الإسلامية التي تورطت في العنف المسلح بأراضيها ، ومحاولة إستثمار الغضب الأمريكي والعالمي في الحاق الهزيمة بخصومها الذين وجدوا ملاذات في أوربا وأفغانستان والسودان وغيرها من الدول ، وأخذوا من هناك في مناوشتها بحسب ماهو متاح في كل دولة.
كما أنها من جهة أخري كانت تجد حساسية في تأييد معلن للضربات الأمريكية ضد السودان باعتبار ذلك ربما يؤثر في العلاقات الشعبية أو الشارع السوداني الذي ربما غضب للضربات الأمريكية على أراضيه ، وربما ذلك ما دفع الرئيس المصري للحديث عن نظام سوداني حاكم وشعب سوداني كما رأينا.
وفي ذات الصفحة الأولي(29) برز لقاء عمرو موسي وزير الخارجية المصري مع رئيس حزب الأمة السوداني تحت عنوان – عقب لقاءه مع عمرو موسي : رئيس حزب الأمة السوداني  يقترح إقامة وكالة لمكافحة الإرهاب – حيث جاء في متن الخبر أن الرجلين ناقشا قضية الإرهاب ، وأكدا أن معالجة ظاهرة الإرهاب الدولي لا تتم بالفعل ورد الفعل وإنما بالرؤية ، وعلى أساس مؤتمر دولي ، واقترح الصادق المهدي إقامة وكالة دولية تابعة للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، لوضع تعريف محدد للإرهاب وإجراء التفتيش والتحقيقات اللازمة لتعقب بؤر الإرهاب .
وفي سؤال لصحيفة الإهرام ( 30) للسيد الصادق المهدي حول حادث القصف الأخير أجاب : إن المعارضة أصدرت بيانا بهذا الشأن طالبت بإيفاد بعثة تقصي حقائق من قبل الأمم المتحدة لتحديد انشطة المصنع، وذكر أن الأمر لايقتصر فقط علي هذا المصنع وإنما هناك ايضا ملابسات وشبهات حول أنشطة بعض المواقع المدنية التي تستغلها الحكومة السودانية كشركة – الطيران السودانية وقيامها بنقل السلاح ، واستغلال النظام السوداني لمنظمة الدعوة الإسلامية والإغاثة الإفريقية في جوانب استخبارية ، وذكر الصادق المهدي أن الحكومة الحالية في السودان تمارس الإرهاب الدولي ضد شعب السودان ، وأنها مسئولة عما يصيب السودان ، مشيرا إلي أن تاريخ السودان الحديث لم يشهد من قبل مثل هذه الإتهامات .
ومن الواضح من السياق الأخير للأحداث أن لقاء السيد وزير الخارجية المصري ربما جاء بعد الإتهامات التي خرجت من الخرطوم بخصوص قدوم الطائرات المغيرة من الشمال ، ونفي مصر السريع لذلك الخبر ، وفيما يبدو أيضا أن المعارضة السودانية ذهبت  إلي مدي أبعد وصريح فيما يختص بإتهامات الحكومة السودانية بدعم الإرهاب ، حيث ذكرت صراحة دور شركة الطيران الوطنية في نقل اسلحة ، ولمثل هذا الخبر مدلولات إيحائية لو ربط بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك  ، حيث اتهمت الحكومة السودانية بدعم محاولة الإغتيال التي تمت عن طريق اسلحة مهربة إلي داخل إثيوبيا ، أضف إلي ذلك أن زعيم المعارضة أعلن صراحة ممارسة الحكومة السودانية للإرهاب الدولي.
وفيما يختص بهذه الأحداث أيضا ابرزت صحيفة الإهرام (31) في أحد أعمدتها بعنوان حقائق بقلم رئيس تحريرها السيد إبراهيم نافع – أن السياسة الأمريكية الجديدة بتوجيه ضربات عسكرية قوية إلي قواعد الأرهاب في أي مكان يمثل تطبيقا صارما لمفهوم جديد كان قد ظهر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في فترة حكم الرئيس كلينتون ولكنه لم يطبق إلا مؤخرا ، ويري هذا المفهوم أن الإرهاب الدولي أصبح يمثل أحد مصادر التهديد الخطيرة للمصالح الحيوية والأمن القومي الامريكي ، ومن الواضح أن الأقدام علي سياسة الضربة العسكرية القوية لقواعد الإرهاب قد جاء بعد فترة جدل في أروقة الحكومة الأمريكية ، حيث تغلب الرأي الذي يري أن سياسة مواجهة الإرهاب يجب التعامل معه كعدو أعلن الحرب علي الولايات المتحدة ، وبالتالي يجب الرد عليه بمنطقه نفسه ، وفي مواقعه.
وفيما يبدو أن حدة الأزمة بين البلدين تفاقمت بعد ذلك بشكل واسع ، وقد عكست صحيفة الإهرام هذا التطور ، وجاء في صفحتها الأولي (32) وتحت عنوان عريض مبارك يحذر الدول التي تأوي الإرهاب أو تدافع عنه سوف تدفع الثمن غاليا ، وقال إن هذه الجماعات التي تمارس الإرهاب تحت رداء الإسلام بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي ، وتعجب الرئيس مبارك من المسئولين السودانيين الذين زعموا أن الضربة الأمريكية أتت من الشمال ، وقال إن هذا القول غير دقيق وغير مسئول وبعيد عن الوعي والفهم ، وذلك لأن الولايات المتحدة نفسها أعلنت أن ضرب السودان تم بالصواريخ ، ومن المعروف عسكريا أن الطائرات ذات السرعة العالية التي تخترق حاجز الصوت لايمكن لها أن تحمل صواريخ أو قنابل ثقيلة.
واضاف الرئيس حسني مبارك كذلك في أخطر تصريح مباشر (33) ، لقد نصحنا النظام السوداني مرارا بالا يتبني عناصر الإرهاب التي تقيم علي أراضيه ، وقد تمكنت ( الجماعات المسلحة ) بعضها من التسلل إلي مصر فجري القبض عليها ، وبعضها الآخر ارتكب حادث أديس أبابا ، لقد نبهت لوجود عناصر إرهابية من  مصريين وأفارقة تتدرب تحت مسمي مزارع ، لكن يبدو أن الجبهة الإسلامية القومية التي يتزعمها حسن الترابي دولة داخل الدولة السودانية ، وقال الرئيس أننا نتعاطف مع الشعب السوداني ، لكننا لانساند نظاما يعمل ضد مصلحة الشعوب ، ونحن بدورنا نقف في كل المحافل الدولية مع مصلحة الشعب السوداني .
وبرز في نفس الصفحة الأولي أيضا تحت عنوان واشنطن ترفض التحقيق الدولي في قصف مصنع الإرهاب ( ربما أظهر الخبر وجهة النظر الأمريكية ) التي تقول بأنه تم فحص العينات الترابية التي حصلت عليها المخابرات الأمريكية قبل شهر من الهجوم على الخرطوم، حيث اثبت أن مصنع الشفاء كان ينتج موادا كيميائية ، واشار إلي أن علماء عراقيين ساعدوا في عملية الإنتاج ، وأن واشنطن كانت تعلم منذ عامين خطورة هذا المصنع الذي دمرته الصواريخ الأمريكية ، وذكرت أن الأدارة الأمريكية لاتري ضرورة إجراء تحقيق دولي حول هذا الموضوع لأن الأدلة التي تملكها مقنعة علي حد وصفها.
ولم تخلو صحيفة الإهرام من آراء أخرى حول هذا الموضوع ففى مقال فى صفحة قضايا (34) وآراء وتحت عنوان – حق الدفاع عن النفس لايبرز الضربة الأمريكية من جانب واحد – جاء فيه أن الصواريخ الأمريكية التي طالت من الدول العربية مثل لبنان ثم ليبيا ثم العراق ثم السودان في تنكر واضح لابسط قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، وبحجة واهية هي حق الدفاع عن النفس الواردة في المادة 51 من ميثاق الأأمم المتحدة ، وكانت الضربة الموجهة إلي كل من السودان وافغانستان فيما يبدو ردا على نسف السفارتين الأمريكتين في كينيا ودار السلام ، ولكن أمريكا استنطقت فردا واحدا لتأخذ شهادته مرجعا لضرب البلدين بحجة مكافحة الإرهاب ، ويشير تاريخ المنطقة منذ الخمسينيات إلي أنها لا تعرف اقوي وأقسي من الاعتداءات الأمريكية على الدول العربية ، إلا فيما يتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية التي تمثل فيما تمثل ليس فقط الموت والدمار ولكن أيضا أخطر أنواع الإرهاب وإرهاب الدولة .
وجاء أيضا في الصحيفة (35) مقال شبيه بهذا المقال بقلم صلاح الدين حافظ تحت عنوان " إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات " حيث ذكر أن الدولة العظمي مارست علنا وللمرة الأولي عادة الثأر القبلية ، دون أن تنتظر النتائج النهائية للتحقيقات ، وذلك الأمر عودة إلي قانون الغاب ، حيث القانون هو القوة والقوة هي القانون .
وقد حملت صحيفة الأهرام (36) في اليوم التالي مباشرة خبرا ارتاحت له الأوساط المصرية فيما يبدو ، جاء تحت عنوان عريض – الجيش السوداني ينفي انطلاق الطائرات الأمريكية من مصر – وكان الخبر كالآتي ( نفي الفريق عبدالرحمن سرالختم المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية الشائعات التي ذكرت بأن طائرات امريكية انطلقت من قاعدة عسكرية في حلايب وشاركت في ضرب مصنع الأدوية في الخرطوم – وقال سرالختم في تصريحات له أمس أن هذا  الحديث عار عن الصحة ولا اساس له ، ولايراعى المصالح العليا للسودان.
وفي الوقت نفسه أعرب (37) وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية الدكتور غازي صلاح الدين عن اعتقاده أن ما قاله الرئيس حسني مبارك في لقائه مع طلاب الجامعات في الإسكندرية لايعد هجوما علي السودان ، وأكد في معرض رده علي سؤال حول تصريحات الرئيس مبارك في اللقاء بشأن السودان أن الموقف المصري مساند للسودان ، وقد تجلي ذلك في الأمم المتحدة واجتماع جامعة الدول العربية .
وفيما يبدو من سياق سابق أن الحكومة السودانية ممثلة في قواتها المسلحة والناطق الرسمي بها سعيا إلي تهدئة الخواطر فيما يختص بالعلاقات المشتركة ، وهي خطوة حرص عليها البلدان في كل أزمة يتعرضان لها في علاقاتهما المتأزمة اصلا بحيث يحاولان كبح جماح التدهور المتزايد بمختلف تصريحات التهدئة ، وتبقي في الغالب المشكلات الأساسية عالقة بين البلدين دون حل شامل .
وفي إطار هذه التهدئة المتبادلة أوردت صحيفة الإهرام ( 38) أيضا في نفس الصفحة الأولي وفي عنوان بارز الرئيس مبارك يوجه بإرسال 100 طن من المساعدات الطبية والغذائية للسودان .
وجاءت في متن الخبر أن طائرتين محملتين بأول دفعة من مواد الإغاثة الغذائية والطبية سيتوجهان اليوم إلي السودان الشقيق لدرء المجاعة حيث تقدر كمية المساعدات المرسلة بنحو مائة طن .
وحفلت الصفحات الداخلية ( 39) كذلك بعدة مقالات تناولت تطورات الأحداث حيث كتب الاستاذ مرسي عطاء الله مقالا طويلا بعنوان ويبقي الإرهاب أخطر تحديات المستقبل ، وكتب الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه كذلك مقالا في نفس الخصوص قائلا ( إن كل مافعلته الصواريخ التي ضربت أفغانستان والسودان هي أنها أضافت دمارا إلي اعمال الدمار المستمرة والمتواصلة التي يقوم بها النظامان الحاكمان هناك ، فكلاهما نظام ( إن صحت تسميته نظاما لأنه أقرب إلي الفوضي ) الحق الاذي بأهله وشعبه وأسهم في إشعال الفتن والحروب الأهلية ، وأرتكب من أعمال التخريب الداخلي أكثر مما تحلم به آلة الحرب الأمريكية وصواريخها العابرة للقارات ).
وفي يوم السبت 29 اغسطس اعادت صحيفة الإهرام (40) في صفحة قضايا وأراء قضية اتهام السودان بقدوم الطائرات المغيرة من الشمال ، وفيما يبدو فإن محاولات التهدئة لم تنجح بالكامل في إغلاق ملف هذه الإتهامات المثارة ، وقد جاء  عنوان المقال – حكام الخرطوم ومواقفهم غير المسؤولة – وجاء متنه كالآتي ( لم يكن منتظرا من النظام الحاكم في الخرطوم أن ينزلق في إتهامات وجهها لمصر وفحواها أن الضربات الأمريكية جاءت من الشمال ، والغريب أن القيادة السودانية سارعت إلي اتخاذ هذا الموقف غير المسئول قبل أن تطّلع فيما يبدو حتي علي تقارير العسكريين السودانيين المختصين أنفسهم ، ووجدت نفسها في موقف لاتحسد عليه وهي تحاول التراجع عن الخطأ ، بينما جاءت كلمات المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية واضحة ومحددة تنفي الشائعات بان طائرات أمريكية انطلقت من قاعدة عسكرية في حلايب ، كانت المعلومات خاطئة في الأساس مما لاشك فيه ، وكان الموقف إنفعاليا واهوج وضع نظام الخرطوم مرة أخري في مسلسل التردي والتخبط والإدعاءات الظالمة التي طالما اعتدت علينا ).
وتعجب مصر لهذا التردي السياسي الذي وصل إليه النظام الحاكم في الخرطوم ، بينما كانت الابواق السودانية تكرر المزاعم لعلها تجد شماعة تضع عليها أوزارها التي اوصلتها إلي الوضع الذي جعل الاقربين والأبعدين ينتهكون سيادتها ويضربون شعبها عقابا علي الحلف المشين الذى دخل فيه نظام الخرطوم مع قيادات الإرهاب ، بينما يحدث هذا – كانت الإستعدادات المصرية جارية لإرسال المعونات الطبية والغذائية لشعب السودان .
إن مصر  كثيرا ما نصحت حكام الخرطوم بألا تكون الارض السودانية الطيبة وكرا للإرهاب الذي تضررت منه مصر بوجه خاص ، وعندما قرر مجلس الأمن في الماضي القريب معاقبة السودان وقفت مصر ضد  العقوبات لأنها حريصة علي شعب السودان الطيب .
وقد سعت مصر ولاتزال تسعي إلي خروج السودان من محنته السياسية التي ادخلته فيها جبهة الترابي وصداقته مع قوى الإرهاب ، وعندما وقعت الأحداث الأخيرة لم يرض مصر الاسلوب الذي اتبعته الولايات المتحدة ، وقالت في وضوح إن مكافحة الإرهاب مسئولية المجتمع الدولي كله .
وفي مقال آخر ورد بصيفة الإهرام (41)بقلم د. أسامة الغزالي حرب جاء فيه ( إن العالم الإسلامي ازاء لحظة تاريخية فاصلة ، تتضافر فيها جهود قوي معادية له ، مع جهود بعض المنتمين إليه ، لتضعه في موضع التناقض  والعداء ليس فقط مع الغرب وإنما مع العالم كله ، فهل يستسلم لهذا المصير ، وبعبارة أخرى هل يترك ملايين المسلمين في أنحاء العالم مستقبلهم يتحدد بناء على حماقات واوهام بن لادن والبشير وطالبان ونظريات هنتنجتون ؟ أم أن بالإمكان أن يتولي أمورهم العقلاء والمخلصون منهم .
وفي عمود آخر بقلم رئيس التحرير (42) ورد فيه بعض الإيضاحات حول الإرتياح المصري للتحرك الأمريكي الاخير ضد أعدائها أو جماعات الإرهاب كما تسميهم الحكومة المصرية يبين بوضوح التخوفات المصرية من ازدياد نشاط هذه الجماعات والتي لها عداء طويل معها ، وفيما يبدو من سياق المقال أن السبب الأساسي للتوتر بين البلدين كان ناجما عن هذه القضية ، وأن سبب الإرتياح المصري المتحفظ للتحرك الأمريكي كان نابعا من أن أكبر قوة في العالم إقتصاديا وعسكريا جعلت من محاربة هذه الجماعات أيديلوجية لها ، أما سبب التحفظ فيما يبدو كان متمثلا في مراعاة الجانب التاريخي والمستقبلي للعلاقات السودانية المصرية  ، والخوف من التسبب في إيذاء جماعات سكانية كاملة من السودانيين تجعل من العودة إلي العلاقات الطبيعية أمرا صعبا حتى على المدى الطويل ، أضف إلي ذلك أنها فيما يبدو لم تكن تثق فى الحركة الشعبية لتحرير السودان وهى قوة المعارضة الرئيسية للنظام الحاكم بسبب علاقاتها مع اسرائيل وانحيازها للإيديلوجية الإفريقانية ، وهي ايديولوجية متناقضة مع إيديولوجيا القومية العربية التي تتبناها مصر .
أما مقال رئيس تحرير الإهرام الذي يوضح فيه بعض التخوفات المصرية فقد جاء كالآتي ( إن اعترافات المتهمين الرئيسيين في قضية السفارة الأمريكية في كينيا ، بدأت تنبه ولو بشكل غير مباشر حتي الآن إلي دور التنظيمات الإرهابية في مصر ، مما يشير إلى إستكمال جميع جوانب هذه القضية ، وسوف يقود إلي كشف الكثير من أسرار تنظيمات الإرهاب في مصر وارتباطاتها الخارجية ومصادر تمويلها والقنوات السرية والخفية التي تتحرك خلالها  الأموال  التي تأتيها من الخارج لتصل إلي كوادرها الإرهابية في مصر .
ويوضح أعتراف المتهمين أنهم تلقوا تدريبا على صنع القنابل وتفجيرها ، وعلى عمليات الأختطاف ، وكيف أن هذا المعسكر يتبع أساسا قيادة أسامة بن لادن ، وهذا المعسكر هو مقر الجبهة التي بدأ أسامة بن لادن في تأسيسها ، وشارك فيها ممثلو تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر بالإضافة إلي جماعات إرهابية أخرى عربية أو من دول إسلامية غير عربية ، والتحقيقات الأمريكية التي بدأت بالفعل  لمعرفة أسرار امبراطورية بن لادن المالية لابد وأن تكشف الكثير عن مصادر تمويل الإرهاب في مصر .
وحملت صحيفة الإهرم (43) بعد ذلك بأيام خبر بدء إسقاط معونات الإغاثة المصرية جوا  فى جنوب السودان – وحملت تصريحات سفير مصر لدي كينيا حيث ذكر أنها المرة الاولي من نوعها التي تقدم فيها مصر معونات غذائية وطبية لمواجهة المجاعة التي تهدد شعب السودان في الجنوب عن طريق كينيا ومن خلال الأمم المتحدة ، وقال إنها بمثابة تعبير عن العلاقات الاخوية التي تربط بين شعب مصر وشعب السودان في الجنوب ، وذكرت الصحيفة أن السفير قام بزيارة مستشفي منطقة لوكشوكو في شمال غرب كينيا وتفقد المصابين من ضحايا الحرب الاهلية من المدنيين والعسكريين ( من قوات الحركة الشعبية )ووعد بدراسة طلبات أخرى يتقدم به الصليب الاحمر للحصول علي مساعدات من مصر .
وبعد خمسة عشر يوما من حادث قصف مصنع الشفاء للأدوية وبعض الأهداف في أفغانستان أوردت صحيفة الإهرام (44) القاهرية في صدر صفحتها الرئيسية خبرا منقولا عن الرئيس الأمريكي ذكر فيه أنه لم يثبت تورط اي دولة في نسف السفارتين الأمريكتين ، واكد أن مدبري الحادثتين يخضعان مباشرة لسيطرة أسامة بن لادن ،  ولعل هذه الإشارة التي صدرت من الولايات المتحدة كانت أول إشارة منذ حادث القصف تنفي تورط الحكومة السودانية في أنشطة إرهابية مباشرة ( على اقل تقدير في حادث السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام ) ، فاتحا المجال بذلك لتحسين العلاقات بشكل متدرج ، وعلى أسس جديدة تمنح فيها المراقبة اللصيقة ، والتعامل الحذر دورا مهما في معرفة نوايا كلا الطرفين .
وحفلت صحيفة  الإهرام (45) كذلك بوجهات نظر أخرى أغلبها لكتاب مستقلين لهم تاريخه المعروف وأراؤهم وخطهم الإيديولوجي، ومن هؤلاء الدكتور مصطفي محمود الذي كتب مقالا في تلك الفترة ذاكرا فيه بصراحة أن المعركة القادمة ستكون بين المسلمين الصادقين وقوي الشر الصليبية قائلا: إن الإسلام مرتبط  في الذاكرة الأوربية بالروح القتاية وبفريضة الجهاد ، والذين زرعوا إسرائيل في الوطن العربي استهدفوا اقتلاع هذه الروح القتالية التي مازالت تؤرقهم منذ غزو المسلمين للأندلس ووصولهم إلي مشارف أوربا ، وزرعوا كذلك مذاهب منافسة مثل البهائية والقاديانية التي احتضنها الاستعمار البريطاني وانتشرت بمساندته ،  وكانت أول مادعت إليه إبطال الجهاد.
وقد عشنا حملات التشويه في الفضائيات التي جعلت من الهجوم على الإسلام ركنا ثابتا في برامجها ، وبعد أن استعملت امريكا المجاهدين الأفغان لتحارب بهم الجيش الروسي في أفغانستان ، ونصبت بهم فيتنام جديدة هذه المرة للإتحاد السوفيتي ، وكان لابد لها أن تشوه هذه البطولات فتحولت لتسلح هذه الكتائب الأفغانية وتحرضها لتقاتل بعضها البعض وتمدها بالأموال والسلاح وتخوف كل فريق من الآخر ، لتشتبك آخر المطاف في حرب ابادة ، وتحولت الجيوش الأفغانية إلي غيلان تأكل بعضها بعضا ، وعندما أوشكوا على الوعي دفعت بالطالبان بتمويل أمريكي باكستاني لتسعر الجحيم من جديد.
وفي تركيا جرى التآمر على الإسلام بأسلوب آخر من خلال يهود الدونمة ، حيث اغلقت المساجد والكتاتيب وسجنت العلماء واستأصلت اللغة العربية.
وفي الخليج كان لها أسلوب آخر حيث استدرجت العراق لغزو الكويت ، وعندما فعل ذلك حطمت جيشه لصالح إسرائيل واستولت على البترول بأرخص الأثمان.
وماشاهدناه على أرض الواقع فى أوربا من أحداث الحرب البشعة التي أعلنتها دولة الصرب على مسلمي البوسنة ، وما جري فيها من أغتصاب للنساء وقتل بالجملة للأسرى ودفنهم في قبور جماعية وأكوام الجماجم والهياكل غير المقبورة والقرى التي أبيدت بمن فيها ، كل ذلك شاهدا على مشاعر أوربا نحو الإسلام وأهله.
ومايجرى فى السودان من حرب صليبية بين جنوبه وشماله ، وتدمير القرى البدائية ليموت أطفاله من الجوع .
لتذكرنا كل هذه المشاهد بمعركة الأحزاب الأولى واليهود يؤلبون القبائل على محمد عليه الصلاة والسلام ، ويجمعون الأعوان ويعقدون الأحلاف ليميلوا على جيوش المسلمين ميلة واحدة ويستأصلوا شأفتهم .
وحملت صحيفة الأهرام ( 46) القاهرية بعد ذلك فيما يختص بأخبار السودان طوال عدة أيام أخبار ارتفاع منسوب النيل ، ذلك الإرتفاع الكبير في مناسيبه الذي لم يحدث منذ 50 عاما ، وأخبارا حول تشكيل لجنة طواريء وغيرها ،وهي أخبار في مجملها تقريرية ليس لها صبغة سياسية .
وحملت (47) بعد ذلك أنباء تطلع سفير السودان في القاهرة لعودة العلاقات الكاملة مع مصر في أول بادرة انفراجية حقيقية بعد قصف مصنع الشفاء للأدوية ، كما حملت ايضا اخبار وصول وزير الخارجية السوداني لمصر للمشاركة في اجتماعات المجلس الوزاري للجامعة  العربية .
ثم حملت صحيفة الأهرام (48) بعد ذلك بأيام خبر توجه قافلة طبية مصرية للسودان برئاسة الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة والسكان بتوجيهات من الرئيس مبارك لتقديم الرعاية والخدمات الطبية والصحية لشعب السودان الذي أضير من السيول والفيضانات ( حسب الصحيفة ) ، وقد دللت هذه الزيارة أيضا على وجود تحركات ملموسة لتحسين العلاقات .
وورد ايضا في صحيفة الإهرام ( 49) في نفس الشهر أنباء عن ندوة مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية حول مشكلة إدراك الآخر في العلاقات السودانية المصرية ، حيث خلصت إلي ضرورة إحياء التكامل المصري السوداني مع التأكيد على قيامه هذه المرة علي أسس شعبية وليست فوقية كما كان في الماضي ، وورد في الندوة محاولة من بعض الأكاديميين المصريين شرح التوجه الإسلامي في السودان باعتباره راية من رايات السياسة الداخلية السودانية ، اي له ارتباطات محلية خاصة بالواقع السوداني ، إلا أنه ( الأكاديمي ) ، لم يذهب بعيدا ويذكر أن الراية الإسلامية السودانية ربما ليس لها وجه خارجي .
وسادت أفكار أخري كذلك في الندوة حول ضرورة اعتبار أن لا مستقبل للسودان بدون مصر ، وتنبأ البعض باختفاء النظام القائم في الخرطوم من الخريطة السياسية ، وأن الجبهة الإسلامية الحاكمة في السودان فى ورطة لأنها تتكون من سودانيين خلص ولكن بدون ارادة سودانية ، والمسيطر عليها هو الجماعات الإسلامية المتطرفة على مستوي العالم.
وحملت كذلك صحيفة الأهرام في أحدي صفحاتها (50) الجانبية خبر وصول طائرة مصرية أخرى للسودان تحمل مواد أغاثة للسودان ، ونبهت الصحيفة إلى أن عدد الطائرات التى وصلت حتى الآن بلغ في مجملها خمس طائرات ، حملت في جوفها 175 طنا من المساعدات المختلفة .
وفيما يبدو أن سيل الإتهامات المتبادلة لم يخف بعد والجدل حول دعم السودان للإرهاب ، وإنتاج أسلحة كيمائية ، وكان من المأمول أن يخف بعد زيارة وزير العدل الأمريكي الاسبق جيمي كلارك للسودان ووصفه (51) للإتهام الأمريكي للمصنع بالسخافة ، حيث ورد بصحيفة الإهرام (52) بعد ذلك بأيام قليلة وفي الصفحة الأولي في مكان بارز أتهام الولايات المتحدة لمواطن سوداني بمحاولة نقل مواد نووية إلي بن لادن .
وشهد السودان فى أواخر شهر سبتمبر 1998م معارك طاحنة في جبهتيه الجنوبية والشرقية ، مع تبادل اتهامات من قبل الحكومة السودانية بمساندة إريتريا ويوغندا ورواندا للمتمردين ، حيث كان هذا الموضوع مثار اهتمام إعلامي بصحيفة الإهرام فيما يختص بالسودان ، إلا أنه من الملاحظ أن جميع أخبار المعارك أتت في شكل أخباري تقريري دون وجود تعليق عليها ، كما أن الأعمدة وصفحات الرأي والكتاب وملفات الإهرام لم تورد اي مقال فيما يختص بهذا الموضوع ، حيث اكتفت الصحيفة بايراد الأخبار في صفحة الوطن العربي .
ثم أوردت صحيفة الإهرام (53) القاهرية في صفحتها الداخلية خبر وصول وزير الخارجية السوداني مصطفي عثمان المفاجيء لمصر ولم تعلق علي النبأ ، إلا أنها نسبت خبرا لوكالة الأأنباء الفرنسية إن اللقاء تطرق لعودة العلاقات إلي وضعها الطبيعي ، وفيما يبدو  من هذا النبأ أن الوزير السوداني كان من خلال زيارته هذه يطلب عونا ما فيما يتعلق بالتداعيات العسكرية التي انفجرت في حدود السودان الجنوبية والشرقية ، إلا أن الصحيفة لم تشر أو تتكهن بذلك واكتفت بايراد النبأ  ، وربما جاءت تلك التغطية للزيارة متأثرة بتوتر العلاقات ، أو بحساسية موقف مصر التي ربما ترغب في لعب دور الوسيط بين السودان وجيرانه .
وحملت صحيفة الإهرام (54) بعد ذلك أنباء متفرقة عن بداية تسجيل تحسن في العلاقات السودانية الإثيوبية ، وأنباء الحرب في جنوب السودان ، وغيرها من أنباء وجاءت في غالبيتها المطلقة بلا تعليق .
كما أنها استمرت (55) في نشر بعض المواضيع ذات الصبغة الصريحة عن أحوال السودان ومنها ما ورد بخصوص التجنيد للخدمة الألزامية في السودان ، حيث ذكرت الصحيفة أن السلطات السودانية بدأت حملة اعتقالات لآلاف الطلاب والموظفين الذين فروا من التجنيد الأجباري المعمول به في البلاد .
وصرح كمال حسن علي المتحدث باسم لجنة تنسيق الخدمة الوطنية أنه سيتم القاء القبض على الموظفين ممن تركوا وظائفهم هربا من التجنيد ، وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد اشار في ابريل الماضي إلي أن حكومته تعتزم تجنيد 655 ألف من الطلاب في الجيش مما اثار موجة من الاستياء خاصة بعد مقتل 52 طالبا في إبريل الماضي بينما كنوا يحاولون الهرب .
وفي تناولها المقتضب لأخبار الحرب في جنوب وشرق السودان التزمت صحيفة الأهرام القاهرية بتغطية محايدة لعرض وجه نظر الطرفين فمثلا في خبر(56) لها حول سقوط طائرة في جنوب السودان أوردت وجهة النظر الرسمية التي ذكرت أن الطائرة خرجت لتنفيذ بعض الأهداف بالمنطقة ، إلا أنها قبل أن تتمكن من الأشتباك مع الهدف حدث بها خلل فني ، واوردت كذلك وجهة نظر الحركة الشعبية لتحرير السودان التي ذكرت أنها هي التي اسقطت الطائرة .
ومن ضمن اخبارها المقتضية ايضا أوردت الصحيفة (57) حوارا قصيرا مع وزير المساحة والتنمية العمرانية السيد قلواك  دينق قرنق ذاكرا فيه : أن السودان يحارب حاليا جنودا أوغنديين واريتريين مع قوات التمرد ، ونفي الوزير وجود أي اتجاه داخل الشمال يدعو لإنفصال الجنوب للتخلص من الأعباء العسكرية والأقتصادية مشيرا إلي أن السودان ثابت علي مبدأ وحدة أراضيه ، ولعل توجيه مثال هذا السؤال  للوزير فيه  حرص علي التحريض علي الانحياز لصالح وحدة السودان ، وأوردت الصحيفة كذلك جانبا ايجابيا آخر  علي لسان الوزير الذي ذكر أن خلافات الحكومة مع قرنق ليست في الدين لأنه وزير مسيحي في الحكومة المركزية يقوم بأداء عمله على خير وجه .
والجدير بالملاحظة في تلك الحقبة التي تميزت بالقتال الضاري بالسودان والإتهامات السودانية بوجود غزو يوغندي اريتري ، ونفي من قبل الدولتين في الفترة من شهر سبتمبر وديسمبر 1998م ، حيث لم تخل من تغطية الحرب في صفحات الإهرام إلا من أخبار متفرقة في صفحة الوطن العربي ، كما أن الباحث لم يرصد مقالا او عمودا  يتناول مشكلة جنوب السودان ودوافعها ، أو يناقش اتهام السودان للدول المجاورة بالتدخل في شئونه الداخلية ، أو يتعرض لإدعاءات السودان أو تأثير الحرب على الإقتصاد السوداني ، أو الجيش السوداني أو المواضيع ذات الشبه .
واهتمت كذلك صحيفة الإهرام بتصريحات الرئيس البشير التي اعلن فيها (58) إن إنفصال جنوب السودان  افضل من استمرار الحرب ، وربما استشفت منها أن السودان يتجه نحو الإنفصال ويرجح خيارات السلام حتي لو أتت علي وحدة السودان كما صرح بذلك الرئيس البشير ، وهنا زاد اهتمام النظام المصري أكثر بمسألة السلام في السودان ، وذلك ربما لأن الحرب كانت في السابق تدور حول مسائل انظمة الحكم وإقتسام الثورة وغيرها ، بيد أن الإتجاه نحو التقسيم يعني أكثر بالنسبة لمصر التي  رتبت أوضاعها على وجود دول محددة على مجرى حوض النيل ، حذقت التعامل معها ، أو أرتبطت مع معظمها باتفاقيات دولية ملزمة تنظم مختلف المسائل المشتركة بما فيها تقسيم المياه وغيرها ، أما مسألة وجود دولة جديدة على مجرى حوض النيل ربما يضر ذلك  الأمر بالتوازن الدقيق الذي سارت عليه السياسة والإستراتيجية المصرية من مختلف جوانبها ، مثل علاقة الدولة الجديدة بها ، وكيفية التعامل معها ، وعلاقة الدولة الجديدة باعدائها التقليديين مثل إسرائيل وغيرها ، والمصالح التي يمكن أن تجمع بينهما ، والأطماع المحتملة من الدولة الجديدة ، ورأي الدولة الجديدة في المشاريع التي سبقت والتي توصلت إلي إتفاقيات بشأنها مع حكومة السودان والتي صارت تلقائيا من اختصاصات الدولة الجديدة مثل مشروع قناة جونقلي ومشروع قناة مشار وغيرها.
وظهر هذا الإنزعاج ( من تصريحات الرئيس البشير ) خلال عدة مقالات ظهرت في صحيفة الإهرام لعل من أبرزها مقال صلاح الدين حافظ ، الذي جاء فيه (59) هل نصارح أنفسنا بالقول إن السودان الشقيق يجري بسرعة نحو التقسيم ، وهل نعترف بأن أطرافا سودانية مهمة وعديدة من بينها النظام الحاكم الآن أصبحت تقبل فصل الجنوب عن الشمال ، وربما فصل الغرب ايضا تخلصا من الأزمة المعقدة .
ففي كل يوم يفاجئنا السودان بإشارات متناقضة قد لا يعبر ظاهرها عن باطنها ، فقبل ايام قليلة أكد الرئيس السوداني استعداده للتخلي عن جنوب السودان إن كان ذلك ينهي الحرب القائمة علي مدي سنوات ، فهل يعبر هذا القول عن توجه إستراتيجي  جديد لحكومة الخرطوم ، نقيضا لموقفهم السابق القائم علي إعلان الجهاد الإسلامي دفاعا عن وحدة البلاد ، وحربا ضد المحاولات الكنسية والإستعمارية لفصل الجنوب ، أم أن كل ذلك مناورة سياسية !! بل من غرائب الإشارات المتناقضة أنه حين يقبل الرئيس البشير بفصل الجنوب عن الشمال على عكس المواقف المعلنة السابقة فإن العقيد جون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان قائد التمرد الذي طالما وجهت له تهمة الحرب لفصل الجنوب المسيحي الوثني الإفريقي عن الشمال العربي المسلم هو الذي يطالب اليوم باقامة دولة كونفدرالية بين الشمال والجنوب ، وليس بفصل الجنوب في دولة مستقلة تماما فمن نصدق ! ثم يتساءل الكاتب في نهاية مقاله عن موقف مصر بعد كل هذه التطورات التي تفضي حتما إلي تفكيك السودان – بحسب تعبيره – ومن ثم أعادة ترتيب الأوضاع في العمق الإستراتيجي الإفريقي لمصر وللعرب ، هذه إستراتيجية متداخلة لايمكن الصمت فيها ، وصراعات وتطورات مزعجة تلعب فيها الأيدي الغربية والإسرائيلية دورا أكثر ازعاجا.
وفي مقال آخر بالصحيفة ( 60) يصب في نفس المنحي ورد – يحذر الخبراء اليوم من أن المياه ستكون أخطر أسلحة المستقبل جميعها بما فيها أسلحة الدمار النووية والجرثومية والكيمائية ، ذلك لأن المياه هي عنصر الحياة ولأنها محدودة القدر في عالم يتضاعف عدد سكانه يوما بعد يوم ، يجعل السلطة والمنعة في المستقبل لمن يملكها ، ومن هنا يمكن أن ندرك الخطورة الماحقة لتصريح الفريق عمر البشير رئيس النظام الحاكم في السودان في منتصف فبراير الماضي عن استعداد نظامه لفصل جنوب السودان .
وربما أدت كل هذه المحاوف المصرية إلي تحسين العلاقات بين الدولتين بالرغم من كل الخلافات الموجودة ، وذلك لتدارك التطورات الجديدة التي دفعت بالقيادة السودانية ممثلة في أعلي قيادتها في إعلانها عدم ممانعتها في فصل جنوب السودان.
ونجد أنه في تلك الفترة ظهرت بالصحيفة (61) عدة مؤشرات علي الرغبة المصرية في تحسين العلاقات وذلك من خلال إستقبال وزير الخارجية المصري لوزير الدولة بوزارة الخارجية بالسودان ، والهدف من ورائه بحسب الصحيفة التنسيق بين البلدين إنطلاقا من المصير الواحد ، وقد عرضت الصحيفة (62) أيضا للقاء وزير الخارجية المصري مع وفد المعارضة السودانية تحت عنوان عريض – مصر ملتزمة بالتعاون مع الإيجاد ( الإيجاد منظمة إقليمية إفريقية تعني بمكافحة التصحر والجراد ، إلا أنها سعت لحل مشكلة الصومال والسودان من خلال مبادرة ) لتحقيق  السلام والإستقرار في السودان – وورد لأول مرة على لسان وزير الخارجية المصرية رغبته في إجراء مصالحة بين المعارضة والحكومة السودانية بعد أن وجد رغبة عند كلا الطرفين .
وفي نفس هذه الصحيفة تم سؤال وزير الخارجية المصري حول ما تردد عن موافقة السودان على فكرة التقسيم قال الوزير : إن موقفنا في ذلك معروف ولا اعتقد أن أيا من القوى التي تود حل مشكلة السودان يمكن أن تقدم على أي تصرف من شأنه تقسيم السودان ، لأن ذلك ليس حلا وإنما تعقيدا للمشكلة ، ليس في السودان وحسب وإنما في كل المنطقة .
وحملت الصحيفة ( 63) تصريحات السيد محمد عثمان الميرغني التي ذكر فيها بأن التجمع الوطني الديمقراطي يمثل 90% من الشعب السوداني ، وأنه يرى أن لمصر دورا كبيرا ومسؤولية تجاه السودان ، وقال أن احتمال فصل الجنوب عن الشمال السوداني أمر غير وارد ولايقره التجمع ، وفيما يبدو أن الصحيفة رغبت في نشر تصريحات السيد محمد عثمان الميرغني لأن هذه التصريحات تتفق مع الموقف المصري الداعي لوحدة السودان ، بالرغم من أن السيد محمد عثمان الميرغني رئيس   التجمع الوطني الديمقراطي متفق تماما مع فصائل المعارضة بما فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان في مؤتمر القضايا المصيرية الذي عقد في اسمرا 1995م علي حق الجنوب في تقرير المصير ، وهذا الحق بدوره ربما يؤدي إلي فصل جنوب السودان .
وفي نفس هذا المنحي ايضا حملت الصحيفة (64) أنباء رغبة الحكومة السودانية في وساطة مصرية مع المعارضة بحسب الصحيفة ، وذكرت أن مصر ارسلت إلي السودان رسالة تتضمن وجهة نظر المعارضة الشمالية بشأن المصالحة مع الحكومة ،  ورد السودان رسالة تتضمن وجهة نظر المعارضة الشمالية بشأن المصالحة مع الحكومة ، ورد السودان علي الرسالة بالإعراب عن رغبته في التفاوض وقبول مصر وسيطا محايدا .
وحملت الصحيفة (65) بعد عدة أيام وفي صفحتها الأولي وتحت عنوان بارز تصريحات وزير الخارجية المصري التي جاء فيها : مصر حريصة علي وحدة السودان ، وفي متن الخبر أكد السيد عمرو موسي وزير الخارجية مجددا علي حرص مصر على وحدة أرض السودان والحفاظ على مصالح السودانيين وأن مصر لاتقف مطلقا ضد مصلحة السودان .
وفيما يبدو من بقية الخبر أن العلاقات تعرضت لنكسة جديدة عقب تصريحات الرئيس البشير الداعية لطرد المعارضة السودانية من القاهرة وذلك بعد إبراز الخبر الاسبق الذي دعت فيه الحكومة السودانية إلي أن تبقي مصر وسيطا محايدا بحسب الصحيفة ( وسنري فيما بعد آراء التيارات المتصارعة داخل الحكومة السودانية هي سبب هذا التناقض في التصريحات المتباينة التي تصدر من الخرطوم).
وفيما يبدو ايضا أن وزير الخارجية المصري حاول أن يتجاوز ذلك الموقف من خلال القول بأن تصريحات البشير ايضا لها جوانب إيجابية  اخري منها التأكيد على أهمية العلاقات المصرية السودانية ومحوريتها ، وأن مصر ترحب بهذا الجزء من التصريحات ، ثم استمرت خطوات التمهيد لتحسين العلاقات تتوالي من كلا الطرفين في تصريحات متتالية حملتها صحيفة الإهرام ففي أحد الأعداد (66) نجد تصريح بالبنط العريض لوزير الخارجية السوداني يؤكد فيه أهمية دور مصر في المحافظة علي وحدة واستقرار السودان ، وجاء في متن الخبر أن وزير الخارجية السوداني أشاد بالعلاقات التاريخية بين مصر والسودان وبموقف مصر الدائم والثابت  الذي يدعم وحدة الاراضي السودانية ، وبالجهود التي تبذلها مصر مع الأطراف السودانية المختلفة من أجل المصالحة ولم الشمل السوداني ، من خلال ثقلها ووزنها على النطاق الإقليمي ووضعها عربيا وإفريقيا ، من أجل المحافظة علي وحدة السودان والمساعدة في تحقيق أمنه واستقراره.
وحول العلاقات المصرية – السودانية في المرحلة الراهنة قال الوزير السوداني إن العلاقات بين البلدين تاريخية وهما الاقرب إلي كل منهما ، ولا تتوافر عوامل التنسيق والتعاون بين اي دولتين مثلما هو متوافر بين مصر والسودان ، واضاف  الوزير أن مصر مهمة للأمن السوداني وكذلك السودان مهم للأمن المصري ، وأن الامن المصري والسوداني يصبان في مصلحة الأمن القومي العربي واستقرار القارة الإفريقية ، ومن خلال هذه الرؤية يعمل السودان بجميع قياداته وطوائفه علي تحقيق مصلحة البلدين ، واشار إلي أن بلاده ايدت ودعمت عضوية مصر في مجموعة الإيجاد لأنها تري أن عضوية مصر في هذه المجموعة يمكن أن يسهم بصورة كبيرة ليس فقط في معالجة المشكلات في منطقة القرن الإفريقي بل ايضا في التنمية والإستقرار في المنطقة .
وعلي نفس المنوال أوردت الصحيفة (67) في عدد تال تصريحات وزير الثقافة والإعلام السوداني غازي صلاح الدين والمتحدث باسم الحكومة التي أشاد فيها بوزير الخارجية المصري لحرصه على العلاقات المشتركة ولتصريحاته المشجعة.
وفيما يبدو من تطور العلاقات أن المصريين حرصوا أشد الحرص على استصحاب المعارضة السودانية فى كل خطوة يخطوها نحو الحكومة السودانية وذلك لتطمينها بأن المصالحة لن تكون على حسابها أوخصما من رصيدها ، لذلك نرى بحسب الصحيفة (68) أن وزير الخارجية المصري حرص على لقاء المعارضة السودانية مباشرة عقب التصريحات الإيجابية بين البلدين.
بيد أن الموقف السوداني شهد تغيرا فجائيا عقب لقاء الدكتور حسن عبدالله الترابي مع الصادق المهدي زعيم أكبر حزب سياسي معارض في الخارج في مايو 99 ، ومما يبدو أنه اربك الحسابات المصرية التي كانت تهدف إلي تصالح الحكومة السودانية مع المعارضة تحت شعار وحدة السودان ، وربما التخفيف من الأنفراد المطلق بالسلطة من قبل الإسلاميين لعل ذلك يلين بعض المواقف والإيديولوجيا المتشددة ( بحسب الرؤية المصرية ) التي كانت تتبناها الحكومة السودانية طوال عقد من الزمان ، مع توفير السلام والتطبيع الخارجي للحكومة السودانية ، شرط أن يتم التصالح من خلال الوساطة المصرية .
ولعل الإستراتيجية المصرية رأت في التصالح المنفرد من قبل حزب الأمة تقوية للحكومة السودانية وتوسيع لقاعدتها ، مما يعني إن الإتفاق ربما لايسمح للحكومة المصرية بلعب دورا فعاعلاً ومؤثراً في السياسة السودانية من خلال التوسط بين الأطراف المتصالحة .
وقد حملت صحيفة الأهرام(69) بعد أيام قليلة من هذا اللقاء خبر لقاء السيد الصادق المهدي مع وزير الخارجية المصري تحت عنوان بارز يقول ( السيد الصادق : إن حزب الأمة لن يوافق على مصالحة منفردة مع حكومة السودان ، وجاء بمتن الخبر  نفي السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني اعتزام حزبه قبول مصالحة منفردة مع الحكومة السودانية بعيدا عن بقية فصائل التجمع الوطني الديمقراطي  المعارض .
وفي متن الخبر أيضا – وحول ما تردد أن دعوة الحكومة السودانية للحوار مع المعارضة تندرج في إطار عزمها الموافقة على فصل جنوب السودان وإشراك المعارضة  في تحمل مسئولية ذلك قال السيد الصادق المهدي : إذا كان هناك إتفاق سياسي سوداني فإنه سيتضمن موقفا سودانيا جماعيا ، وأشار إلي أن الحرب في الجنوب وغيرها من القضايا تتطلب ذلك ، واعتبر أن جنوب السودان منفصل من الناحية الواقعية ، وهناك اكثر من سلطة سياسية والجميع في السودان يبحثون عن اسس يتفقون عليها لتحقيق الإستقرار والسلام .
وفيما يبدو من لقاء السيد الصادق بوزير الخارجية المصري ونفيه عزم حزب الأمة عقد صلح منفرد مع حكومة الخرطوم ، ونفيه أن يكون حواره مع الخرطوم يهدف لدعم الحكوم في فصل جنوب السودان أن التأكيدات من الصادق المهدي تعكس مدى القلق المصري من هذا الموضوع ، وخوفه من أن تعتزم الحكومة السودانية وأطراف مؤثرة مثل حزب الأمة والحركة الشعبية وغيرها على المضي قدما في مسالة الإنفصال بالتنسيق مع أطراف خارجية مثل الولايات المتحدة الأمريكية .
وإستنتج كتاب في صحيفة أهرام عدة سيناريوهات في الشأن السوداني بعد لقاء المهدي الترابي في جنيف ، ويذكر أحد كتاب الإهرام (70) إن هذه اللقاء ربما يقود إلي ثلاث نقاط اساسية في المسألة السياسية السودانية وهي :
1-    إن المعارضة المسلحة وما يقال عن غزو عسكري من الشرق أو إنتفاضة من الداخل لن تجدي لأسباب : ومن ثم يكون الحل سلميا سياسيا بعودة قيادة المعارضة ، وإجراء مصالحة وطنية بين كل القوى والفعايات السودانية الحاكمة الموجودة في الداخل أو الخارج .
2-    تحديد فترة انتقالية يتولي خلالها الرئيس الفريق البشير الحكم ، وخلالها يتم عقد مؤتمر دستوري للإتفاق علي شكل ونظام الحكم في السودان ، بل والعلاقة مع الجنوب وغيرها من القضايا المعلقة .. ويمكن أن يكون الإتفاق إذا شاءت الأطراف السودانية بحضور أو بشهادة جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية بالإضافة إلي مصر وإثيوبيا ( مثلا) إذا أرادت الأطراف السودانية هذا .
3-    وفي نهاية الفترة الإنتقالية ونتيجة التفاعل التفاعل الطبيعي تجري الإنتخابات النيابية ، وفق نظام ديمقراطي سليم متفق عليه .
وفيما سيبدو من سياق لاحق فإن مصر أختارت قيام سياسة جديدة مع السودان ربما تختلف عن سياسة المواجهة وحضن المعارضين السابقة ، إلا أنها لا تذهب بعيدا في علاقتها بالسودان ، وتحاول على الدوام أن تبدو في دور الوسيط بين الحكومة السودانية والمعارضة بما فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان ، كما أنها تتمسك كذلك بالمعارضة الشمالية ورعايتها خصوصا الحزب الإتحادي الديمقراطي ، كما أن هذه السياسة لا تلغي تحفظات المصريين علي الحكومة السودانية ، ومن ضمن هذه التحفظات إسلامية السلطة ، والشك في أيواء المعارضين الإسلاميين لها ، والمطالبة بممتكلاتها المصادرة في السودان .
ويمكن أن نقول بشيء من التحفظ إن السياسة الجديدة هي سياسة الأمر الواقع نتيجة لعدة متغيرات لعل من أهمها فشل المعارضة المسلحة في تحقيق إنتصار حاسم علي الحكومة ، وإنسلاخ معارضين من الكتلة المعارضة وإبرامهم إتفاقيات مشتركة مع الحكومة ، وإتجاههم نحو العمل السلمي الداخلي ، ومنها وجود جناح نافذ في الحكومة السودانية يرغب بشدة في تطبيع العلاقات مع مصر ومناقشة كافة تحافظاتها ، والإستجابة لكثير من مطالبها ، وعدم الدخول معها في مجادلات إعلامية ، ومحاولة التقوية بها ضد التدخل الأجنبي الإفريقي والعالمي ، وقد وصل هذا التيار حدا كبيرا في سياسته هذه ولعل ابرز نجاحاته مصادقته على الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي لعبت مصر دورا اساسيا في صياغتها.
ثم اشتداد الحرب بين إثيوبيا وإرتريا وهما دولتان معاديتان للسودان في الماضي(1994-1998) ، حيث سبق لهما دعم المعارضة السودانية عسكريا علي طول حدود السودان الشرقية والشرقية الجنوبية مما هدد بإنهيار النظام جديا في العام 1997 ، وقد اعترف أحد كتاب الإهرام صراحة في أحد المقالات أن الصراع بين الدولتين أدي إلي تقارب سوداني إثيوبي حتي أنه يمكن أن نقول إن هناك قدرا من التطبيع قد تحقق بين العاصمتين ، والذي يحمل في طياته إتفاقا مشتركا بينهما موجها ضد إريتريا .
ومصر تتوجس في علاقتها الخارجية على الدوام من إثيوبيا لأنها أولا منبع للنيل الأزرق ، وينحدر من الهضبة الإثيوبية أكثر من 80% من إيرادات النيل الواصلة الي مصر ، كما أنها صاحبة كتلة سكانية كبيرة نسبيا مقارنة بجاراتها ، ويقول كاتب الأهرام في نفس مقاله للتدليل علي التخوف المصري – إن إثيوبيا وثقت علاقتها باسرائيل من خلال يهود الفلاشا المرتبطين بإثيوبيا ، فضلا عن العلاقة الوثيقة لأثيوبيا بالأماكن المسيحية المقدسة في إسرائيل ، ولاشك أن ظروف الصراع بين أريتريا وإثيوبيا قد أتاحت لاسرائيل فرصا حيوية جديدة للإستفادة من هذا الصراع الذي أدي إلي تزايد حاجة الطرفين للمعدات والأسلحة الإسرائيلية .
ومن جانب آخر رأت مصر ايضا أن السودان بدأ يتعافى من الأزمة الإقتصادية الخانقة من خلال حركة الإستثمار الأجنبي المتزايدة وعلى راسها البترول السوداني المبشر وغيرها من مشاريع التعدين في الذهب ، وفيما يبدو أنه لكل تلك الأسباب تمت تهدئة تأزيم العلاقات المشتركة ، ويمكن أن نقول أيضا أن الإندفاع الثوري والخطب الحماسية وغيرها ربما توقفت أوقلت في السودان ، فبعد جولة الحرب العنيفة الأخيرة التي دعمتها إثيوبيا وإريتريا ويوغندا ورواندا ضد السودان ربما رأت الحكومة أنه من المستحسن عدم احراق الجسور مع الدول العربية المضادة لها في الإيدولوجيا وعلي رأسها مصر العربية .
لذلك نجد أن صحيفة الإهرام حفلت في اعداد كثيرة بإشارات يستشف منها تحسن في العلاقات على مستوي الجانبين ، فنحن نرى في عناوين الصحيفة في أحد الأيام تصريحات لسفير السودان بالقاهرة يذكر فيها (71) إن مصر تبذل مساعى كبيرة لتحقيق الوفاق بين الحكومة السودانية والمعارضة ، وفي عدد آخر (72) نجد تصريحات لوزير الخارجية السوداني يتوقع فيه تسليم الممتلكات المصرية المصادرة بالسودان قريبا ، ثم في عدد يليه (73) نجد تصريحات رئيسية بالصحيفة – موسى ووزير خارجية السودان يبحثان أعادة الممتلكات المصرية ، وفي عدد آخر (74) مباحثات مصرية سودانية لتحسين العلاقات ، وتسليم البعثة المصرية 20 مقرا في الخرطوم ووزير خارجية السودان يشيد بدور مصر في تحقيق الوفاق الوطني ثم الوفد المصري (75) يتسلم 17 استراحة في السودان – والبشير يتوقع تطورا إيجابيا في العلاقات بين القاهرة والخرطوم ، وجدول زمني لإستعادة بقية الممتلكات المصرية بالسودان (76) ، والرأي العام السوداني يؤكد : اعادة الممتلكات المصرية بداية عملية لطي ملف الخلاف .
وتوجت صحيفة الأهرام (77) ذلك الحديث عن التقارب بإجراء حوار مطول علي صدر صفحتها مع وزير الخارجية السوداني حاولت من خلاله معرفة راي الحكومة السودانية في العديد من القضايا وعلي راسها دعم الجماعات الإسلامية أو الإرهاب كما تسميه الصحيفة ، والموقف الرسمي السوداني من حق تقرير المصير لجنوب السودان ، وقد بدأت ذلك الحوار بالذكر أن السودان بدأ في لحظة معينة أنه يتجه أتجاهات من شأنها التأثير بالسلب على محيطه العربي والإفريقي ، وتظهر الآن مؤشرات على تحول عن سياساته التي أثارت الكثير من الجدل بل وأحيانا الخصومة ، ثم سألته الصحيفة حول مسألة الإرهاب والإتهامات التي كانت توجه للسودان بأيواء مراكز التدريب كاحد أبرز الاسباب التي أدت لتوتر علاقاته العربية والدولية فما هو ردكم على تلك الأتهامات بكل صراحة ؟ ورد الوزير : بأن هذه الأتهامات جاءت عقب السياسات التي انتهجتها حكومة الإنقاذ الوطني في سنتها الاولي والتي حاولت تشجيع الإستثمار العربي في السودان ، وبالفعل فقد جاءت هذه السياسة بمستثمرين عرب استثمروا ومايزالون في السودان ، كما أنها جاءت ، واعترف بذلك ، بآخرين كانت لديهم أجندة أخري كالعمل ضد حكوماتهم ، كما أن مجموعات عربية أخري ارادت الإستفادة من تسهيلات الدخول والخروج للعمل على زعزعة استقرار دولها ، وهي مجموعات كانت في أفغانستان ولديها ميول متطرفة وتنتمي لعدة جنسيات ، وبعد محاولة أغتيال  الرئيس حسني مبارك عام 1995م في اديس ابابا فطنا لمدي  الاذي الذي يمكن أن تلحقه بنا هذه السياسة ، وقررنا فرض التاشيرات على كل مواطني الدول العربية ، كما أجرينا مراجعات شاملة في الأجهزة الأمنية واسلوبها وطريقة عملها ، واستطيع القول أنه لايوجد الآن أي أرهابي في السودان ، أو أي تسهيلات أو مساعدات لانتقال الإرهابيين عبر اراضيه ، وقد أكدنا ذلك فعليا بموقفنا من الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ، وفي سؤال آخر للوزير سألت الصحيفة عن التناقض في الحديث عن التمسك بوحدة السودان والترحيب بإجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب ؟ فأجاب الوزير أن الحكومة تري أن الإنفصال لن يوقف الحرب ، وإثيوبيا وإريتريا خير مثال  لما نقول ، وإنفصال الجنوب قد يحول الجنوب إلي رواندا أخري ، والحكومة تري أنه تدليلا علي جديتها في إتباع اساليب جديدة لتعزيز الوحدة لابد من طرح جديد ، ويقوم هذا الطرح على ثلاثة محاور :-
1-    الوقف الشامل لاطلاق النار .
2-    إقرار فترة انتقالية تمتد أو تقصر لمعالجة قضايا النازحين واللاجئين ، وإزالة الالغام وإحداث طفرة تنموية كبناء المدارس وشق الطرق وإقامة مستشفيات بحيث يشعر الجنوبي بأن السلام افضل من الحرب .
3-    إجراء استفتاء  لحق تقرير المصير .
وأحب أن أوضح أن الحكومة ليست محايدة في البند الأخير بل ستسعي بمختلف الآليات  السياسية والإقتصادية لإقناع الجنوبيين بالوحدة .
وحملت صحيفة الأهرام آراء اخري حول العلاقات المشتركة يظهر من خلالها انه ربما لم يتفق المخططون الإستراتيجيون المصريون علي موقف محدد من السودان بعد ، أو أنهم اتفقوا علي أن تبقي العلاقات المشتركة داخل حدود معينة لاتزيد عليها ، أو مايطلق عليه بعلاقة متحفظة ، فبالرغم من الحديث عن عودة جزء من الممتلكات  المصرية ، والزيارات المكوكية لوزير الخارجية السوداني للقاهرة ، والحديث بصراحة عن مسالة الأرهاب وغيرها من القضايا إلا أن هذه الأحاديث لم تترجم إلي عمل مشترك مثل تبادل إقتصادي أو حرية في إنتقال الأفراد من وإلي البلدين أو إلي مبادرة سلام مصرية إلا فيما بعد .
أضف إلي ذلك أن صحيفة الإهرام حملت مؤشرات على أن العلاقات لم ترجع إلي حالتها الأولي بعد ، فمن خلال أحد أعدادها (78) وفي الصفحة الأولي أتت بخبر منقول عن وكالة الأنباء السودانية حول لقاء قمة بين مبارك والبشير ، وجاء في متن الخبر في شبه نفي له أن الوكالة السودانية لم  تذكر اية تفاصيل ، كما أنها لم تحدد زمان ومكان اللقاء مع وضع علامة تعجب ، وبالفعل لم تحمل الأيام القادمة أي حديث عن لقاء وشيك بين الرئيسين ، كما أن الدبلوماسية المصرية لم تذكر شيئا حول هذا الخبر .
وحملت الصحيفة ( 79 ) ايضا في تلك الفترة مقالات صريحة ضد الحكومة السودانية من دون وجود   تحفظ ، ومن الأمثلة على ذلك أحد المقالات التي عقبت علي اللقاء الصحفي لوزير العدل السوداني بصحيفة خليجية ، وقد جاء مقال الصحيفة ساخر- لقد اقتصرت الأسئلة الصحفية لوزير العدل السوداني كما هو متوقع علي الإتهامات التي وجهت للنظام حول الإرهاب ، وانتهاكات حقوق الإنسان واقتصرت الإجابات كما هو متوقع ايضا علي إنكار كل شيء جملة وتفصيلا فالنظام لايرعي الإرهاب ، ولم يخطط لمؤامرات اغتيال في أديس ابابا وغيرها ، ولم يقتل أو يعذب أو يشرد مواطنا واحدا قط ، وليس في طول السودان  وعرضه معسكر تدريب واحد للأرهابيين ، وليس فيه بيت واحد للأشباح يعذب فيه أحد ، وان الجميع في بحبوحة من العيش ينعمون بالحرية والرخاء والأمان وحكم القانون ، وكل الإتهامات التي حفلت بها سجلات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وأقوال المعارضين وبشهادات الضحايا  ِأنفسهم – وفيهم من هشمت أسنانه وفيهم من أختل عقله ومن فقد رجله ومن لقي ربه – محض إفتراء تروج له الدوائر الإستعماريةالمعادية لوحدة السودان ومشروعه الحضاري الذي يمثل خطرا على الإستعمار والصهيونية واتباعهم من دول الجوار .
أما بعض الأحداث التي ارتكبت في وضح النهار مثل محاكمة عدد من الضباط محاكمة صورية واعدامهم في بضع ساعات وأعدام شابين في قضية حيازة عملة أجنبية تتنافي مع العدالة ، وإطلاق الرصاص علي طلبة حاولوا الهرب من معسكرات التدريب واغراقهم فقد بررها وزير العدل بأنها حدثت في الأيام الأولي قبل صدور الدستور !!.
وجاء في اعداد الصحيفة(80)أيضا في أحد استعراضاتها لأحد الكتب بعنوان دولارات الرعب – أفغان ابن لادن خططوا لمذبحة الاقصر ( وهي مذبحة حدثت في 13 اكتوبر 1997  في صعيد مصر ضد السياح الاجانب بقصد تعطيل السياحة المصرية ، وضرب الإقتصاد المصري ، وقد نتج عن المذبحة مقتل 50 سائحا) أن الاسلحة التي تم استخدامها في المذبحة جاءت من السودان باتجاه صعيد مصر عن طريق الشبكات الإرهابية التي تعمل مباشرة مع شركات أسامة بن لادن الموجودة في ضواحي الخرطوم .
و في تلك الحقبة التي اخذت العلاقات بين البلدين تتغير ببطء عن حالتها السابقة وإن لم تكن قد تبلورت بعد في شكل نهائي ، حاولت صحيفة الإهرام القاء مزيد من الأضواء على الحالة السودانية ومعرفة حقيقة اتجاهاتها ، وفي هذا الإطار عقدت ندوة مطولة تحدث فيها السيد وزير الإعلام السوداني حول مختلف القضايا المشتركة ، وقد قامت بنشر هذه الندوة في عددين من الصحيفة (81)-(82) ، ولعل أبرز ماجاء  فيها تذكير وزير الإعلام السوداني غازي صلاح الدين بأن السودان لازال بعد في طور التكوين ، وأن عوامل جهوية وعنصرية لازالت تلعب دورا  ما في السياسة السودانية ، إلا أن التغيير بدأ في السودان الآن خصوصا في نواحي وحدة الشعب والفكر  وترسيخ العروبة دون فقد الهوية الإفريقية ، وذكّر الوزير النخبة المصرية بأن احد مطالب جون قرنق الرئيسية منذ أنشاء يتمثل في فك الإرتباط مع مصر ، وإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك، وأن هذا مطلب إلي جانب مطلب سابق بالغاء التكامل المصري السوداني ، وأنه يذكرهم بهذا الأمر حتي لاينخدع الناس بتحولات ظرفية في مواقف الحركة التي تستبطن وجدانا مختلفا عن وجداننا نحن الذين مهما اختلفت بنا السبل مع السياسة المصرية إلا أننا نستبقي مساحة مقدرة مشتركة من الوجدان الموحد  ومن المصالح الموحدة ومن القيم والثوابت التي لايمكن أن نحيد عنها ، ونحن في السودان يمثل التيار الإسلامي لدينا بعكس الأخوة خارج السودان وجها من وجوه المحافظة علي الأمن القومي وتجمع المواطنين ضد محاولات الكيد لهوية وثقافة ولغة الأغلبية في السودان ، وأؤكد أنه بالنسبة للعلاقات المصرية السودانية فإننا وبالرغم من إختلافات وجهات نظرنا والوضع القائم الآن في السودان إلا أن اي إنسان ذي توجهات عربية إسلامية هو رصيد لكم في السودان حتي وان خالفكم سياسيا.
وواصل الوزير قائلا انه لاينبغي النظر إلي التيارات الإسلامية في السودان على أنها خصم عليكم ولكنها رصيد لكم لأنها تعبر عن الثقافة العربية في مستوي ما،
ولذلك نحن الذين عانينا من الهجمة علينا لذلك لا ننظر إلي اي دولة عربية باعتبارها عدو لنا  ، بل العكس تماما نعتبر أن المنطقة العربية هي المدد الطبيعي بالنسبة لنا ، والمعركة الحقيقية هي تلك التي تجري في جنوبه وليست معركة حلايب أو مع تشاد أو اثيوبيا ، والمشكلة انكم لاتغيرون سياساتكم بسهولة فقد اصبحت  هناك بيروقراطية سياسية لديكم في مصر وتعولون على الأطروحات وعلى المواقف التاريخية تعويلا أكثر مما ينبغي ، يجب أن تدركوا أن السودان به تحولات كبري ، وينبغي أن تكون لديكم المرونة السياسية التي تمكنكم من قراءة الواقع قراءة جيدة وأن تتكيفوا مع هذا الواقع تكيفا جيدا .
ونحن نتعامل مع تحسين العلاقات مع وجهة نظر استراتيجية وليس تكتيكية غير أن هذا الموقف لم يطمئن له البعض في مصر حتي الآن ، ولاتزال نظرة الشك موجودة .
ورد أحد المفكرين على الوزير قائلا إنه مع مجيء ثورة الإنقاذ الوطني في يونيو 1989م سعت الحكومة المصرية إلي إيجاد  صلة بينها وبين العالم الخارجي وعلي رأسها المملكة العربية السعودية وأمريكا  التي كانت تود إتخاذ قرار مناوي للسودان لولا التدخل المصري ، إلا أنه بعد ذلك حدثت تطورات سالبة في العلاقات لم يكن نتيجة للمؤسسات المصرية أو الشكل المؤسسي والبيروقراطية كما ذكر السيد الوزير ، مثل حرب الخليج ، ومحاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك في أديس ابابا 1995م ، وحتى لو افترضنا صحة اللبس الذي حدث في هذه المحاولة إلا أنه اعقبهاتصريحات غير مسؤولة من الشيخ حسن الترابي مثلا ذكر فيها أن من قاموا بهذا العمل هم من المجاهدين .
وفي سؤال آخر ذكر أحد المتحدثين أن السودان في ظل النظام الحالي مختلف عما كان من قبل ، وذلك لأنه نظام حكم مزدوج.. فهو أتي للحكم عن طريق انقلاب عسكري لكنه لم يكن عسكريا خالصا وإنما كان عسكريا به عناصر سياسية حزبية ايديولوجية وبالتالي اصبح لدينا نظام برأسين وبقيادتين ومن ثم بتوجهين ، وهذه الثنائية خلفت مشكلة وصفها السيد الوزير بغياب المؤسسية وإن كنت أراه عكس ذلك ، فمشكلتكم تكمن في تعدد الاصوات المعبرة عن السياسية السودانية ، فالرئيس السوداني عندما يقرر إرجاع الممتلكات المصرية ولاينفذ شيئا من هذا ويحدث تلكؤ أو مماطلة في التنفيذ ، وتأخذ المسألة مفاوضات طويلة وتذهب لجان مصرية إلي هناك وتعود دون أن تتسلم شيئا فهذا تعبير كما أفهمه يعني أن هناك عناصر أخري لاتزال تقبع في خندق آخر ، وتتبنى توجهات وقناعات ايديولوجية أخري.
وقد خلصت الندوة إلي أربع توصيات مهمة هي :
1-    حتمية العلاقات المصرية – السودانية لما تمثله من مصالح إستراتيجية.
2-    ضرورة الحفاظ على الثوابت الأساسية ( النهر – الثقافة – الإقتصاد ) بعيدا عن اي متغيرات طارئة تؤثر عليها سلبا .
3-    مطالبة الحكومتين المصرية والسودانية بإعادة التكامل بمؤسساته الرسمية والشعبية وتحديثها بما يخدم المصالح العليا للبلدين .
4-    تأسيس جمعية للصداقة بين البلدين في إطار المجتمع المدني .
وحملت صحيفة الإهرام ايضا عدة مقالات تناولت الشأن السوداني ومن ضمنها مقالة الدكتور ميلاد حنا تتبنى فيه ( من محتواها ) وجه النظر الجنوبية بخصوص الحرب في جنوب السودان حيث ذكر – أن الجنوبيين كانوا متوقعين أن يحتلوا المواقع التي أخليت مع رحيل الإستعمار الإنجليزي بعد الإتفاق على خطوات الإستقلال، ونقل السلطة ، بينما توهم الشماليون أن الجنوب صار مستعمرة لهم بعد أن كان مستعمرة للإنجليز فجاء هذا الصراع الطويل المرير.
وفي مقال آخر (83) – أن سلوك النظام السوداني أصبح موضوعا تحت الأختبار الأمريكي وماعليه إلا أن يسلك ويتعامل بطريقة ترضي السيد الأمريكي وباقي الحلفاء بأوربا ، وعلي النظام أن يضع في اعتباره الدرس اليوغسلافي ، والدور الجديد لحلف الاطلنطي الذي قرر أن يمد ميادين نشاطه ونفوذه إلي كل من البحر المتوسط والشرق الأوسط والسودان جزء من منطقة الشرق الأوسط ، وتزداد المخاوف على السودان من عدم تبين حجم المخاطر التي تحيط به ، ومن بعض المزايدين الذين يعلنون بين الحين الآخر أن السودان لايخاف وجيشه قادر علي قهر الأعداء كيفما كان حجمهم أو وزنهم ، وأن الصناعة الحربية السودانية قادرة على تصنيع جميع الاسلحة التي تحتاجها القوات المسلحة.
وفيما يبدو من أحداث أن الحكومة المصرية بالرغم من تحفاظاتها أو خلافاتها في كثير من القضايا مع النظام السوداني إلا أنها قررت القيام بخطوة جديدة لتحريك الأوضاع في السودان  ، فكان أن تبنت مع الجماهيرية الليبية مبادرة مشتركة، تنص أهم بنودها على وحدة  السودان وقيام مصالحة سياسية وإجراء إنتخابات عامة بعد فترة  انتقالية،وعقد مؤتمر دستوري ، وقد حملت صحيفة الأهرام (84)
علي صفحاتها إرهاصات  هذه المبادرة في عدة مقالات ,واخبار متفرقة ومنها تصريحات السفير السوداني عقب مباحثاته مع موسي : الخرطوم (85) تتابع باهتمام الجهود المصرية لتحقيق المصالح الوطنية – أو موسي يبحث مع الميرغني والمهدي عقد مؤتمر للمصالحة السودانية ، السفير السوداني بالقاهرة : مصر مؤهلة للقيام بدور إيجابي في حل الأازمة ،  أو جارانج (86) يصل إلي القاهرة قريبا : المعارضة السودانية : موقف مصر ثابت تجاه حل الأزمة ، وقد توجت لحل هذه الجهود بلقاء الرئيس المصري والليبي لدفع جهود المصالحة بحسب الصحيفة ، ثم قيام وفد مصري (87) ليبي بزيارة السودان وإلتقاؤه بالرئيس السوداني والدكتور حسن عبدالله الترابي وكبار المسئولين لمتابعة جهود المصالحة بين الحكومة والمعارضة ، وفي عدد (88) آخر السودان يوافق على مبادرة الوفاق المصرية الليبية .
وحفلت صحيفة الإهرام ببعض المقالات التي تحاول أن تجد تفسيرا جديدا للعلاقات ، ففي احد المقالات ( 89) يكتب أحدهم أننا ( المصريين ) يجب أن ندرك أن صورة الحكم في الخرطوم ليست بالضرورة صورة في المرأة من صورة الحكم في القاهرة ، إن أخطر مايثير حساسية السودانيين هو أن تتعامل معهم القاهرة وكأنهم ، تابعون لها .. وستختفي الحساسية يوم يشعر السودانيون أن المصريين يعاملونهم بالقدر الطبيعي من الإستقلال  والمساواة .
وربما في نفس الإطار الإستكشافي أجرت صحيفة (90) الإهرام حوارا مطولا مع وزير الخارجية السوداني تركز في مجمله حول المبادرة المصرية المشتركة حيث ذكر الوزير أنهم كونوا لجنة  للمشاركة في المفاوضات ، وهذا الأمر يبين مدي الجدية التي تتعامل معها الحكومة السودانية مع المبادرة المشتركة ، وأوقفنا الحملات الإعلامية وأعلنا وقف إطلاق النار .
وسألت الصحيفة الوزير أنه يتردد أن الجنوب والولايات المتحدة ودوائر غربية ضد المبادرة المصرية الليبية .؟ فأجاب الوزير : أن بيانا صادرا من مكتب جون جارنج في نيروبي حوى أمرا بهذا المعنى ولكنه نفاه فيما بعد ، كما صدرت تصريحات مماثلة من قادته .
وذكر وزير الخارجية السوداني لصحيفة الإهرام ( 91) أننا نقدر لمصر بقيادة الرئيس مبارك وقفتها إلي جانب السودان في العديد من المؤسسات الدولية والإقليمية حتى في أشد حالات الخلاف بين البلدين ، وقال السفير السودانى في القاهرة إن الاشواط الطويلة التى قطعتها مصر في مجال التنمية والمشروعات العملاقة تدل على أن قيادة الرئيس مبارك أكسبت مصر تقدما داخليا ومكانة إقليمية ودولية متعاظمة .
وحملّت الصحيفة ( 92) في أحد أعدادها ضمنيا الرئيس البشير خرق أول تعهد فيما يختص بالمبادرة المصرية الليبية المشتركة التي تنص على توقف الحملات الإعلامية المضادة وذلك عندما ذكر أن على المعارضة أن تغتسل سبع مرات وتتطهر إن هى أرادت التوبة والإنخراط في النظام ، في يوم الأحتفال بتدشين أول شحنة بترول خارج السودان .
وذكرت إحدي المقالات أيضا أن النظام يمر بفترة ضعف حاليا بدليل أنه تراجع سريعا عما يسميه ثوابت النظام الحضارية ، وتوقف عن دعم الحركات الإسلامية المسلحة وعطل عمل المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي لكيلا يثير غضب الولايات المتحدة ، ووقع أخيرا بعد تردد وتحفظات على إتفاقيات مكافحة الإرهاب ، وحظر إستخدام الاسلحة الكيميائية ، ويحاول باستمرار تقديم شهادة حسن سير وسلوك للعالم الغربي بالذات .
وتراجع النظام على المستوى الداخلي أيضا حيث حاول تأسيس إنفتاح محسوب وتعددية ذات مرجعية أحادية ومن هنا جاءت فكرة قانون تنظيم التوالي : فالنظام لايريد تعددية حزبية ، ولكن يريد تنظيمات متعددة  يشترط عليها موالاة النظام وبعض الصحف وبعض الندوات واللقاءات التلفزيونية فهي مجرد ديمقراطية الاسماك  الملونة للزينة فقط .
ومن نفس المنطلق فإن حديث السودان عن تسليم الذين تسببوا في تفجير أنبوب النفط السوداني باعتبارهم إرهابيين حديث يفتقد المنطق وذلك لأن السودان يعيش أوضاعا غير طبيعية .. وعملية التفجير المدانة شعبيا تتم  وسط ظروف صراع سياسي بين أطراف سودانية لها ثقلها ولها وزنها التاريخي والشعبي .
وفي تلك الحقبة فيما يبدو أن القاهرة سعت من خلال عقد اجتماعات التجمع الديمقراطي باراضيها إلي محاولة كسب التأييد لمبادرتها وعدم تمكين الاطراف الامريكية الإفريقية وغيرها من الإنفراد بالمساهمة في حل مشكلة السودان من خلال أطروحاتها ومبادراتها مثل مبادرة الإيقاد التي تنص على حق تقرير المصير  وهذا شيء تتخوف منه الحكومة المصرية .
وقد اهتمت صحيفة الأهرام (93) بزيارات السيد محمد عثمان الميرغني للقاهرة ولقاءاته مع كبار المسئولين المصريين مثل السيد يوسف وإلي الأمين العام للحزب الوطني الحاكم ، والسيد عمرو موسي وزير الخارجية ، كما اهتمت بقيادات التجمع الآخرين وأنشطتهم ، والذي ربما دفع مصر إلي هذا الإهتمام المتزايد بالتجمع الديمقراطي جولة الوزيرة الأمريكية مادلين اولبرايت في إفريقيا ومقابلتها لأعضاء معارضين على راسهم جون جارانج ، كما أن الولايات المتحدة عينت مبعوثا أمريكيا للسودان ، وربما رأت الحكومة المصرية في كل هذه المؤشرات والدلائل اهتماما بمبادرة الإيجاد ، والبدء في وضعها موضع التنفيذ ، لذلك نشطت الدبلوماسية المصرية لتفعيل مبادرتها .
وقد سألت صحيفة الإهرام (94) السيد عمرو موسي وزير الخارجية المصري حول الإصرار الامريكي علي مبادرة الإيجاد واستثناء الوساطة المصرية الليبية ، فكان رده أن مصر لاتري تعارضا بين المبادرة المصرية الليبية ومبادرة الإيجاد كما أنها ترى إمكانية التنسيق بين المبادرتين .
وجاءت تصريحات رئيس التجمع الوطني الديمقراطي على نفس المنحي حيث ذكر أن هناك تأييدا كاملا من التجمع الوطنى السوداني للمبادرة المصرية الليبية .
وحملت صحيفة الإهرام (95) مقالا حول معارضة مصر لتقسيم السودان حيث ذكر الكاتب أن الشائع في الأدبيات السودانية والإفريقية والعالمية أن مصر ترفض مبدأ التقسيم لتخوفها علي موارد مصر المائية من قيام دولة جديدة في حوض النيل تشعر أنها غير مرتبطة بالقواعد المرعية منذ عقود لتقسيم مياه النهر ، وقد يكون هذا الرأي صحيحا في بعض جوانبه لكنه لايمثل الحقيقة كلها ولا الجزء الاكبر  منها ، إذ أن الخطر على مصالح مصر المائية يأتى في الأصل من عدم الإستقرار وليس في تقسيم السودان الذي ربما لايضمن حلولاً لهذا الإستقرار ، بدليل أن استقلال أريتريا عن اثيوبيا مثلا لم يؤد إلي الإستقرار الذي كان منشودا ، بل  فتح الباب أمام صراع أوسع نطاقا وأكثر استنزافا للموارد ، وعلى الارجح فإن السبب البعيد للحرب الإثيوبية الإريترية هو تحول إثيوبيا إلي دولة داخلية بلا سواحل ولا موانيء وستنطبق هذه الحالة على دولة جنوب السودان الأمر الذى سيعني حلا من إثنين فإما أن يبقي كذلك فينزع الجنوب إلي التوسع على حساب الشمال ، وأما أن يقتطع جز من الارض الشمالية ليصل مابين الجنوب السوداني وساحل البحر الأحمر ، وفي كلا الحالتين فسوف يكون هناك مصدر دائم للنزاع لن تقل خطورته عن الوضع الراهن ، بل ربما تكون معالجة الوضع الراهن عن طريق إقامة دولة ديمقراطية علمانية لا مركزية أفضل  كثيرا .
وليس صحيحا كذلك أن مصر وحدها هي التي تعارض تقسيم السودان ، فمن الطبيعي أن الأسرة الإفريقية في مجملها تعارض التقسيم ، إعمالا لمبادأ قدسية الحدود الموروثة من العصر الإستعماري الذي يشكل أحد المباديء ، الرئيسية لميثاق منظمة الوحدة الإفريقية ، بل إن بعض جيران السودان أنفسهم لديهم مخاوف من تقسيمه فأوغندا مثلا التي يسكن في شمالها مجموعة عرقية مشابهة لسكان جنوب السودان تخشى أن يؤدي قيام دولة  مستقلة في الجنوب السوداني إلي اجتذاب قبائلها الشمالية إلي الدولة الجديدة بدعوي الوحدة القومية ، وبذلك تضع أوغندا نفسها عرضة للتقسيم ، وليس في التاريخ السياسي لإفريقيا مايؤكد أن وحدة بين أوغندا بكاملها وبين جنوب السودان يمكن أن تنجح .
أما القول بأن الرعاية الأمريكية الغربية يمكن أن تزيل جميع الصعوبات فمردودُ عليه بأن تلك الرعاية لم تفعل شيئا حتي الآن في الكنجو وغيرها من الدول المرشحة للإنضمام إلي ما يسمي بمشروع كلينتون للقرن الإفريقي الكبير.
وفي عدد لاحق صرح السيد الصادق المهدي للأهرام(96) بتأييده للمبادرة المصرية الليبية حيث ذكر أنه قال للمبعوث الأمريكي هاري جونستون إنه يتمسك بالمبادرة المشتركة لأنها تشمل جميع أطراف النزاع ، وكل القضايا ، وتلبي جميع الجوانب الضرورية لحل الأزمة السودانية .
وحشدت مصر أيضا تأييد الحكومة السودانية لمبادرتها (97)، من خلال جولات وزير الخارجية السودانية المتواصلة لمصر ، حيث نقل في إحداها موافقة الحكومة السودانية على تشكيل وفد تفاوضي ، وعلى البدء فورا في مناقشة كافة القضايا الرئيسية .
وحملت ضمنيا صحيفة الأهرام ( 98) ، وإن لم يكن علنيا ، على إنحياز جون جرانج لمبادرة الإيجاد ، وتأييد للمساعي الأمريكية حيث نجد بين السطور( أن مبادرة الإيجاد تؤيدها الولايات المتحدة وجون جارانج زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان).
وسألت الصحيفة (99) السيد محمد عثمان الميرغني عن مواقف جارانج المؤيدة لمبادرة الإيجاد فاجاب أنه ليس متحدثا عن جارانج ، ولكنه ( اي قرنق ) كان في القاهرة ,اعلن رايه بتاييد المبادرة المشتركة ، ثم ذهب إلي طرابلس وأعلن تأييده لها مرة أخري ، كما أن مندوبيه وقعوا على ذلك في اجتماع أسمرا الاخير الذي وضع الاسس الفعلية للحوار السياسي والحل الشامل في السودان .
وحول تحفظ أمريكا عي المبادرة المصرية الليبية بدعوي أعطاء الأولوية لمبادرة الإيجاد قال الميرغني : إن مبادرة الإيجاد تضم طرفين فقط من أطراف النزاع وهما الحكومة في الخرطوم والحركة الشعبية في الجنوب ، وقال إن التجمع يري أن يتم الحوار مع جميع الفصائل لأن القضية هي قضية السودان ، وإن مبادرة الإيجاد تري أن القضية هي قضية الجنوب ، وأضاف أن هناك ايضا حقا لدول الجوار لأنه لايجوز أن يقتصر حق إبداء وجهة النظر لتحقيق الحل الشامل في المشكلة السودانية على بعض دول الجوار وترك دول جوار أخري ، إن من حق مصر وليبيا كدول جوار أيضا أن تشاركا في إيجاد الحل الشامل ، حيث أن مايحدث في السودان يؤثر ايضا على هذين البلدين سلبا أو ايجابا .
ثم ما لبثت أن إنفجرت الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر حول مشكلة – السودان ، وانعكس ذلك الخلاف على صدر صحيفة الإهرام (100) حيث جاء ذلك في التصريحات الغاضبة من المسؤولين المصريين حين ذكر السيد اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري في تعليقه على سؤال حول وجود فيتو أمريكي على الدور المصرى الليبي لحل المشكلة السودانية ، أجاب أنه ليست أية قوة في العالم يمكنها ممارسة حق الفيتو علي السياسة المصرية  ، خصوصا إذا كانت هذه السياسة متعلقة بدور الجوار الإقليمي لمصر ، وقال إن الولايات المتحدة الأمريكية إذا كانت لاتروق لها المبادرة المصرية الليبية فإن هذا الموقف لايجعلنا نفقد الثقة في هذه المبادرة وإنما العكس من ذلك .
وأعرب عن اعتقاده ان الولايات المتحدة سوف تغير من موقفها السلبي من المبادرة المشتركة .
وفي اعتراف نادر بالصحيفة (101) ذكر أحد الكتاب أنه لا مفر من الإعتراف باشكالية الغياب المعرفي المعيب لدي قطاعات من النخب السياسية والثقافية العربية باوضاع السودان على نحو عام ، وبافتقارها للإهتمام بمتابعة التطورات المتشابكة التي تضافرت علي تعقيد أزمته ، ولا نستثني من هذا الغياب والتقاعس النخبة المصرية .
ومن هنا تكمن ظاهرة توجه السياسة السودانية إفريقيا باكثر من توجهها عربيا ، ومن ذلك إضطلاع نيجيريا ثم دول الإيجاد بمبادرات رأب الصدع في السودان تباعا ، وهو ما هيأ الظروف والمناخ المواتي الذي استثمرته امريكا مؤخرا للشروع في أعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية في شرق إفريقيا توطئة لانتزاع جنوب السودان من منطقة حوض النيل .
ثم مالبثت الصحيفة (102) أن وجهت اهتمامها بموضوع آخر يتعلق بالسودان ، وهو بادرة لقاء السيد الصادق المهدي بالرئيس السوداني في جيبوتي ، حيث سألت الصحيفة الصادق المهدي حول إرهاصات تعرض التجمع الوطني الديمقراطي للإنهيار ؟ قال المهدي : أنه لايعتقد ذلك بالرغم من كل الأختلافات الموجودة ، وفيما يبدو أن انزعاج الحكومة المصرية نابع من أنها كانت تؤمل كثيرا في نجاح مبادرتها المشتركة من خلال تعضيدها من أحزاب الأغلبية الجماهيرية في السودان ، وهما حزب الأمة القومي والحزب الإتحادي الديمقراطي اللذان فازا بأغلبية الاصوات في آخر أنتخابات ديمقراطية في السودان ( 1986) ، كما أنها من جهة أخري كانت لديها تحفظات علي الحركة الشعبية لتحرير السودان للإتجاهات  الإفريقية الإسرائيلية الأمريكية ، وتحفظات كذلك علي الحكومة السودانية لاتجاهاتها الإيديولوجية ولاحتضانها الإسلاميين المصريين في وقت من الأوقات ، والإستيلاء  على ممتلكات تدعي ملكيتها في السودان .
لذلك كانت فرصة الحكومة المصرية للتأثير على السياسة السودانية من خلال الأحزاب الجماهيرية التي ربما تكون مسيطرة على الشارع السوداني ، وهذا الموقف يعطيها ميزة خاصة خصوصا أمام الولايات المتحدة التي تتبني  مبادرة الإيجاد وتتحفظ علنا علي المبادرة المشتركة ، وبتفاهم السيد الصادق المهدي مع الحكومة السودانية يضعف التأثير المصري علي القرار السوداني ، ولعل ذلك هو السبب في أنزعاجها من هذا اللقاء .
وبرر الصادق المهدي موقفه هذا بحسب صحيفة الإهرام (103) من خلال القول إن طبيعة ولغة النظام في السودان تغيرت كثيرا بعد عام 1997م ، وإنه ساهم في إحداث هذا التغيير ، ودعا التجمع المعارض إلي تطوير اساليبه لمواجهة التغيرات التي حدثت داخل السودان ، ثم على المستويين الإقليمي والعالمي ، مؤكدا أنه يرى الشعب السوداني الآن أقرب إلي تحقيق أهدافه في نظام سياسي ديمقراطي من أي وقت مضي.
وأوضح المهدي أنه يعتقد أن هناك تساؤلات حول موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان وزعيمها جون قرنق التي قبلت بالمبادرة المصرية – الليبية ثم عادت لتعلن أنها لن تستطيع التفاوض عبر مسارين .
وعند توقيع إتفاق جيبوتي بين الرئيسين البشير والصادق المهدي خرجت صحيفة الأهرام بعنوان عريض يقول – علامات الإستفهام لاتزال قائمة حول إتفاق المهدي والبشير  وبحسب الصحيفة أن السيد الصادق المهدي برر إتفاقه لوزير الخارجية باعتبار أن هذا الإتفاق عبارة عن أعلان  للنيات ، وأنه لم يخرج عن الموقف العام للمعارضة السودانية .
وسالت الصحيفة ايضا السيد عمرو موسي حول إذا ما كان اجتماعه بالسيد الصادق المهدي قد ازال علامات الإستفهام حول إتفاقه الأخير مع الحكومة ؟ فأجاب الوزير أن العلامات لازالت قائمة .
ويمكن القول إن القضية الأولي التي حظيت بتغطية واسعة ، وخصصت لها مقالات عديدة وأعمدة رأي وملفات خاصة فيما يختص بالشؤون السودانية في الفترة من أغسطس 1998م وحتى نوفمبر من نفس العام كانت قضية قصف مصنع الشفاء للأدوية وذيولها الأخري المرتبطة بعلاقات السودان بجماعات الإسلام  السياسي ، او مكافحة الإرهاب بحسب  تعبير صحيفة  الأهرام والخطر الذي تمثله علي السلام العالمي .
كما أن صحيفة الأهرام حفلت بعد ذلك بالتأكيدات المتواصلة من وزير الخارجية السودانية وسفير السودان في القاهرة حول رغبة السودان في تطبيع العلاقات مع مصر ، وأهمية الدور المصري في دعم وحدة واستقرار السودان ، وقد حملت إحدي صفحات جريدة الأهرام تصريحات وزير الخارجية السوداني الذي ذكر أن تفاقم المشكلات الأخيرة في السودان يرجع لغياب الدور المصري لبعض الوقت ، وذكر الوزير السوداني أيضا أنه بعد المحاولة الغاشمة لاغتيال الرئيس مبارك في اديس ابابا قام السودان بمراجعة جميع القوانين التي كانت تتيح للعرب دخول السودان دون تأشيرات ، والذي استهدف تشجيع الإستثمار العربي ( القرار ) وتعزيز الإلتقاء العربي مع الشعب السوداني ، نظرا إلي إساءة استخدام هذه التسهيلات من قبل عناصر إرهابية ومعارضة فرض السودان تأشيرات على كل مواطني دول العالم بما في ذلك الدول التي كان السودان لايفرض على مواطنيها تأشيرات دخول من قبل ، واضاف الوزير إنه تم إبلاغ جميع المواطنين العرب بالسودان بأنه لا مجال لممارسة أي عمل عدائي ضد أي دولة أخري على أرض السودان منوها إلي أن السودان احترق بنار الإرهاب وكان ضحية له.
وفي خبر لاحق ( 104) رحب وزير الخارجية السوداني بانضمام مصر لمجموعة شركاء الإيجاد ، حيث اعتبر أن خطوة مثل هذه ستدعم الوحدة .
ورصدت صحيفة الإهرام القاهرية منذ وقت مبكر وجود خلافات ما وسط الحكومة السودانية ، بيد أنها اكتفت بإيراد خبر ( 105) استقالة الدكتور الترابي من المجلس الوطني ( البرلمان ) في الصفحات الداخلية بلا تعليق .
وقد اهتمت الصحيفة في تلك الفترة أيضا بالخلافات داخل التجمع الوطني الديمقراطي وتجميد عضوية أمينه العام السيد مبارك الفاضل المهدي بعد (106) توقيعه إتفاق تفاهم منفرد في جيبوتي مع الرئيس البشير ، حيث عرضت رفض الإتفاق من التجمع باعتباره لايمثل إلاطرفيه ، وغلب علي هذا الخبر أيضا الجانب التقريرى أي الذي يخلو من أي تحليل سياسي ، وربما يرجع ذلك إلي أن الإتفاق كان مفاجئا ولم تعرف أبعاده بعد .
وكانت مصر قد تقدمت كما ذكر من قبل بمبادرة سابقة بالإشتراك مع الجماهيرية العربية الليبية للجمع بين الفرقاء السودانيين تستبعد فيه خيار اللجوء إلي حق تقرير المصير الذي ورد في الإتفاقية الثنائية مابين الحكومة السودانية وبين بعض الفصائل الجنوبية المسلحة ومابين التجمع الديمقراطي وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ثم أخيرا من خلال مبادرة الإيقاد التي ترعاها الدول الإفريقية المجاورة للسودان والإتحاد الأوربي ثم أخيرا الولايات المتحدة ، لذلك اصبح الهم الشاغل لمصر في كثير من الاحيان الترويج لمبادرتها الخاصة .
وقد أتت بعد ذلك مقالات عديدة في صحيفة الإهرام (107) محبذة المبادرة المصرية الليبية ( المشتركة ) ومن ضمن هذه المقالات مقال د. إبراهيم احمد نصر التي ورد فيها إن أزمة الحرب زادت في السودان  لتشمل كل الجنوب وأجزاء واسعة من الشرق والغرب وجنوب الوسط ، فاتحة المجال لاستيلاء الحركة الشعبية على الخرطوم وطمس الهوية العربية الإسلامية بالسودان كلية ، والإشارة الاخيرة ربما تكون من أكثر الإشارات صراحة في إدانة الحركة الشعبية نشرت في صحيفة الأهرام ، وربما يرجع ذلك الأمر إلي أن العلاقات المشتركة تحسنت قليلا خصوصا بعد الإنتكاسة التي منيت بها في أعقاب تصريحات القيادة السودانية ، أن الطائرات التي اغارت على السودان أتت من الشمال ، والتي ربما صبغت الآراء المكتوبة في الشأن المشترك بصبغتها المتوترة ، وأثرت عليها وأرجع أيضا الدكتور إبراهيم أحمد سبب تعثر المبادرة المشتركة إلي انحياز الولايات المتحدة لمبادرة  الإيجاد إلي جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان في إعطاء حق تقرير المصير للجنوب ، وحمل المقال المعارضة السودانية البدء في الوعد بحق تقرير المصير لجنوب السودان من خلال إتفاق شقدوم في ديسمبر 1994م وفي أسمرا 1995م وفي مؤتمر اسمرا الثاني في يناير 1996م ليفضل خيار الوحدة ( المؤتمر ) مع تأكيده إلتزامه وتمسكه بحق تقرير المصير ، ويذكر أن الحكومة أيضا ساهمت في هذا الرهان الخاسر .
إلا أنه وفي مقال آخر ( 108) يذكر كاتبه أن العقيد جون قرنق هو الوحيد بين زعماء الجنوب وغيرهم الذي ظل يؤكد على الدوام إيمانه بوحدة السودان في محيط من الزعامات والفصائل الإنفصالية مما يجعلنا نعظم قيمة الحوار معه .
كما حملت الصحيفة عدة تنويهات ( 109) بأقلام عدة حول وجود مخطط أمريكي لمصادرة كل جهود ومبادرة الحل للأزمة السودانية، وذلك عبر السطو على مبادرة الإيجاد لتصبح مبادرة إفريقية بوجهة أمريكية ، أو أن السودان يتعرض هذه الأيام لمحاولات أمريكية ، تهدف إلي تهديد وحدته الإقليمية ، والقرارات الأمريكية الأخيرة  بتقديم مساعدات إلي المتمردين في جنوب السودان تشكل مساسا بوحدة السودان وتزيد من تعقيد الأمور.
وربما أتت هذه المقالات المتتابعة حول الخطر الأمريكي للترويج إلي المبادرة المصرية الليبية ، أو أنها جاءت للتحركات الأمريكية التي كانت تستهدف تنشيط مبادرة الإيجاد وربما عزل مصر عن تطورات الأوضاع السياسية في السودان.
أما الخبر الذي نال التغطية الكبري في صحيفة الأهرام القاهرية فقد كان يتعلق بخلافات الرئيس البشير والدكتور حسن الترابي ، وقد بدأ هذا الخبر بصورة علنية عندما أعلن ( 110) الرئيس السوداني حل البرلمان السوداني الذي يترأسه الدكتور الترابي واعلان حالة الطواريء حيث نال هذا الخبر تغطية إعلامية كبري في الصحيفة طوال أسابيع عديدة .
حيث ذكرت الصحيفة (111) أن الرئيس البشير أعلن مساء أمس الأول حالة الطواريء وحل البرلمان الذي يرأسه حسن الترابي الرجل القوى في النظام السوداني منذ يونيو 1989م ، وذكرت الصحيفة أن احتمالات الإنفجار بين أنصار البشير والترابي تتزايد بقوة خاصة في ضو قيام الترابي وأنصاره ببعض التحركات المضادة لما أعلنه البشير ، واكدت مصادر مطلعة في الخرطوم أن البشير اعتمد علي الجيش في الأطاحة بالترابي الذي يتمتع بنفوذه قوى  داخل البرلمان والحزب الحاكم ، قبيل أن يقرر  البرلمان غداة التصويت على مشروعات قوانين تقلص من سلطات رئيس الجمهورية ، وتعطي البرلمان سلطة عزله بأغلبية الثلثين .
أما فيما يختص بالعلاقات  المشتركة فقد جاء إعلان مصر حول الإجراءات الأخيرة فيما يبدو بحسب صحيفة الأهرام (112) أنه مؤيد للرئيس البشير ، وذلك من خلال تصريح وزير الخارجية المصري من أن مصر تتابع باهتمام ما يجري في السودان ، وهي على إتصال مستمر مع الحكومة السودانية للوقوف على تطورات الموقف .
وحملت الصحيفة في اليوم التالي( 113) مباشرة تغطية واسعة لأحداث السودان لعل من أهمها زيارة الرئيس مبارك المفاجئة إلي طرابلس ، والأعلان من هناك مساندة البلدين لقرارات رئيس السودان وذك في الصفحة الأولي من الصحيفة .
وجاء في متن الخبر أن الرئيس حسنى مبارك والعقيد القذافي قائد الثورة الليبية أعلنا مساندتهما ودعمهما الكاملين للقيادة السودانية وتأييدههما للقرارات الشرعية التي اتخذها الرئيس عمر البشير رئيس السودان للحفاظ على وحدة الصف في بلاده ، كما أجرى الرئيسيان إتصالا هاتفيا مشتركا مع الرئيس السوداني من طرابلس أطمانا فيه علي الأوضاع في السودان الشقيق.
وجاء في نفس الصفحة ( 114) الأولي للصحيفة ايضا نفي صفوت الشريف أن تكون مصر قد تدخلت في شئون السودان من خلال موقفها هذا ، فكل ماحدث أن النظام اتخذ خطوات لتأمين الشعب السوداني ، وهذا أمر لانتدخل فيه ولا نعلق عليه .
وفي اليوم الثاني أوفدت الصحيفة أحد كبار كتابها هو الأستاذ محمود مراد لأول مرة لمتابعة  أحداث وتطورات الأحداث الأخيرة ، وأجراء مقابلات وحوارات ومعرفة التفاصيل والخبايا ، وقد تمكن ( 115) من إجراء حوار مطول مع وزير الثقافة والإعلام السوداني تناول فيه الأحداث الأخيرة ، وقد سأله المراسل عن أسباب التطورات  الأخيرة ؟ وسؤال آخر هو هل تعني هذه التطورات إبعاد الدكتور الترابي عن الحكم وكان رد المسؤول السوداني أنه ليس المقصود إبعاد أي شخص من موقعه ولكن المقصود منهجية جديدة لتمكين الدولة من المبادرة في علاقاتها الداخلية والخارجية ، وتمكينها من إتمام التزاماتها ، وسؤال آخر حول الإعتقالات ؟ حيث نفي الوزير حدوثها ، ثم أخيرا سؤال حول التطورات المتوقعة بعد ذلك ؟ حيث أجاب الوزير بأن تحقيق الوفاق الشامل يأتي في سلم الأوليات.
وذكرت الصحيفة في خبر مجاور (116) إن قطاعات واسعة داخل الجبهة الإسلامية وفي مقدمتهم نائب رئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه ووزير الإعلام الدكتور غازي صلاح الدين والقياديون العشرة الذين قدموا قدموا مذكرة إصلاحية عرفت باسم مذكرة العشرة ، يطالبون فيها بتنحية شيوخ الجبهة وإعطاء الشباب دوراً فاعلاً في الحياة السياسية .
وجاء تحت رأي الإهرام بالصحيفة (117) أنه في الظروف الطارئة التي يمر بها السودان الشقيق حاليا ترنو أبصار المصريين جميعا إلي الجنوب بأمل إلا تتمخض هذه الظروف عن مشكلات كبيرة أو تعقيدات خطيرة ، وبرجاء ألا تتطور إلي مصادمات يخسر فيها اشقاؤنا في السودان الكثير في حين أن لديهم حاجة إلي اقل قليل من الموارد ووسائل العيش .
ويتمنى المصريون لأشقائهم السودانيين ايضا أن ينحو نحو التماسك وتفعيل الحلول السياسية ، لعلهم يصلون في نهاية مطاف قريب إلي وفاق ووئام يقيم القواعد اللازمة لحكم مستقر يحفظ للبلاد وحدتها .
وفي عمود آخر لأحد الكتاب يتساءل ( 118) هل يؤدي هذا الجو السلمي إلي تمكين الترابي من كسب ود البشير مرة ثانية ؟ أو استمالة مجموعة مؤثرة من قادة القوات المسلحة والشرطة إلي صفه وبالتالي يصبح في مركز قوة يمكنه من أن يفرض شروطا معينة ؟! عموما البشير اتخذ قراره ولن يقبل من الترابي أقل من الخضوع الكامل .
ويضيف صاحب العمود أن قضية وحدة أراضي السودان لعبت دورا جوهريا في قرار الرئيس باعلان الطواريء ، حيث يسعي إلي التودد من خلال هذا الموقف إلي القوة المهمة حتي يكسب جانبها ، كما أنه يتقرب إلي الولايات المتحدة بخصومته مع الدكتور الترابي ذي التوجهات الإسلامية الواضحة ، ونشرت صحيفة الأهرام (119) تنويها  يتعلق بالسودان ذكرت فيه أن السودان يعاني نقصا كبيرا في الادوية بعد القصف الأمريكي لمصنع الشفاء ، وجاء في متن المقال أن زيارة أطلال مصنع الشفاء للأدوية بالسودان الشقيق تثير الحسرة والغضب على حال العرب الذين لايملكون إلا الشجب بالكلمات فحسب ، ولاشك أن استخدام القوة من دولة تدعي الحيادية وحقوق الإنسان ضد دولة لاتمتلك قوة يومها بحجة حيازتها لمصنع ينتج الاسلحة الكيمائية دون بذل أي جهود في تحري الحقيقة يؤكد اسلوب البلطجة الأمريكية ، أن ضرب مصنع الشفاء للأدوية الذي يغطي 70% من أحتياجات السودان للدواء أحدث عجزا كبيرا في الأحتياج المحلي.
ثم واصلت صحيفة الأهرام ( 120) نشر أحداث السودان في صفحتها الأولي حيث نطالع عنوانا رئيسيسا في الصفحة الاولي – موسي : لا صراع علي السلطة في السودان ولا مصلحة لمصر في تفرق السودانيين – وجاء في متن الخبر أن الوزير المصري صرح بأنه لا تدخل من قبل مصر في شئون السودان الداخلية ، وإن الموقف المصري كان ومايزال يهدف إلي حماية السودان واستقراره وضمان الشرعية فيه ، وشدد وزير الخارجية المصري علي أن مصر لاتهتم بما يتردد عن وجود إيحاءات منها  للرئيس البشير لكي يفعل مافعله ، قائلا إننا لسنا في موقف الدفاع عن أنفسنا ، وفيما يبدو أن الموقف المصري في حقيقته كان مؤيدا للرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير لاسباب ربما تتعلق بالأيديولوجية الدينية التي ظل الدكتور الترابي ينادي بها من وقت مبكر وقد عرفت به وصار من الصعوبة بمكان أخراجه أو تحويله من هذا السياق ، علي عكس الرئيس الذي ينتمي إلي المؤسسة العسكرية السودانية وهي في حقيقتها الأولي ترفض انخراط العسكريين في العمل السياسي ، وبالتالي ربما تكون ايديولوجيتها أقل تماسكا ، كما أن الحكومة المصرية عرفت التعامل مع عسكريين كثر مروا علي سدة الحكم في السودان ، وشهدت من خلال تعاملها معهم مدى  تمسكهم بالسلطة ودفاعهم عنها مهما تسبب     ذلك في تقويض الايديولوجية التي حملتهم إلي السلطة ، وتجربة الرئيس نميري خير برهان علي     ذلك ، ولكل هذه الاسباب  ربما فضلت مصر التعامل مع الرئيس البشير ، أو ربما أن الرئيس البشير بكل بساطة يمثل الشرعية المعترف بها لذلك فضلت الوقوف مع الشرعية لحين تبينها شيئا آخر ، إلا أنه ومن المؤكد أن الايدولوجية المصرية الحاكمة كانت تنبع أساسا من ايدلوجيا القومية العربية النازعة نحو التحديث والعلمانية ، كما أنها تعاني من تحديات جمة وعلى رأسها ايديولوجيا الدولة الدينية التي يتبناها ويؤمن بها قطاع مهم في الدولة المصرية ويري ان حلول مشكلات مصر ينبع من الدعوة إلي تطبيق التشريعات الإسلامية في المجتمع والإقتصاد ، وقد دخلت الحكومة المصرية ، في منازعات طويلة وأحيانا عنيفة مع دعاة هذا التيار ، لذلك لم تكن مسرورة بوصول هذا التيار الذي ينازعها إلي الحكم في حدودها الجنوبية .
وفي اليوم التالي مباشرة قام وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحمن سرالختم بزيارة للقاهرة بهدف تنوير السلطات المصرية بما تم من تطورات في السودان وقد حملت صحيفة الأهرام (121) خبر زيارة وزير الدفاع في صفحتها الأولي تحت عناوين كبيرة ، وزير الدفاع يطلع الرئيس مبارك على تطورات الأوضاع في السودان .
وحملت صحيفة الأهرام (122) في اليوم الذي تلي ذلك الأجتماع خبر جولة الرئيس مبارك في كل من السعودية وقطر والبحرين بهدف مساندة الشرعية في السودان في أكبر تحرك من نوعه للقيادة المصرية يختص بالسودان منذ سنوات ، وربما يوضح هذا التحرك مدي الأهتمام الذي أولته القيادة المصرية لأحداث السودان بدليل قيام القيادة المصرية بعدة جولات مكوكية بهدف وحيد هو جمع التأييد للشرعية في السودان بحسب توضيحات الصحيفة .
وتنبأت صحيفة الإهرام (123) تحت عنوان رأي الإهرام بأن تطورات السودان الأخيرة سوف تشكل نتائجها في حالة اكتمالها تحولا في سياسة البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأمنت الصحيفة على تأكيد الخصوصية التي تربط الطرفين تاريخيا واستراتيجيا ، وذكرت الصحيفة أن الموقف المصري من أوضاع السودان يتمثل في الحرص على وحدته وازدهاره ودوره العربي والدولي ، برغم ما مر على السودان من رياح ترابية عكرت صفو هذه العلاقات.
وابتداء من جولة الرئيس مبارك التي بدأت في يوم 18 ديسمبر إلي الدول العربية لشرح تطورات السودان وطلب مساندة له أخذت الصحيفة تهاجم الدكتور الترابي صراحة بعد أن حاولت الوقوف على الحياد بقدر ما تستطيع مع الأيام الأولي للأزمة ففي عنوان تحت رأي الإهرام ( 124) أن الخلافات تصاعدت بين مصر والسودان فيما مضي بفعل تصورات وسلوكيات عناصر الدكتور حسن الترابي في الحكم ، وقيامهم بدعم العناصر الإرهابية في مصر عبر الإيواء وتسهيل الإنتقال وتهريب السلاح والتوجيه ، ووصل الأمر إلي التآمر على حياة الرئيس مبارك ، رغم ذلك كانت مصر تميز بين السودان كدولة وتلك العناصر المناوئة حتى أنها وقفت بشدة في مجلس الأمن ضد فرض عقوبات على السودان ، وعارضت بشدة كذلك فصل جنوب السودان برغم وجود عناصر من الحكومة والمعارضة تدفع باتجاهها .
ومما لاشك فيه أن مصر مهتمة مما يمكن أن يحدث لشعب السودان من محن في حالة استفحال الحرب أكثر من ذلك ، إلا أنها ومن جهة أخري كانت متخوفة من استيلاء العقيد جون قرنق على السلطة في السودان بأجندته التي كانت تدعو إلي العودة بالسودان إلي حكم إفريقي له ارتباطات أكثر مع اسرائيل ودول الجنوب الإفريقي وغيره ، وهي تركيبة حاكمة تتناقض مع المؤثرات المصرية الثقافية واللغويةوالدينية الموجودة في الشمال ، والتي ظلت تتعايش معها  منذ أوائل التاريخ ، كذلك كانت تتخوف من فصل جنوب السودان لأن الانفصال سيدخل إفريقيا باكمالها في تجربة معقدة مع وجود مشكلات عالقة مثل المشكلة السودانية ، أضف إلي ذلك أن الدولة الجديدة لايعرف أراؤها بخصوص الإتفاقيات التي وقعت مع الحكومة السودانية خصوصا المائية منها والتي تنص أحداها علي عدم تنفيذ مشاريع مائية علي نهر النيل إلابعد موافقة مصر عليها.
وحملت صحيفة الأهرام (125) في يوم تال خبرا حول زيارة الرئيس السوداني لمصر على لسان الرئيس مبارك في جولته العربية ، وهذا تطور جديد في العلاقات المشتركة والتي اتسمت فيما مضي بشبه قطيعة فيما يختص بالزيارات المتبادلة سواء أكان ذلك مستوى الرؤساء أو الوزراء او المسؤولين الحكوميين ، أو حتى على مستوى الإقتصاديين والمستثمرين .
وجاء في صفحة أولي في الصحيفة (126) حواراً مطولاً شغل نصف الصفحة الأولي مع الرئيس البشير في الخرطوم سؤل فيه مختلف الأسئلة عن الأوضاع في السودان تحت عنوان  عريض الرئيس السوداني في حوار صريح مع الأهرام ، جاء فيه أحاديث حول تطوير العلاقات المشتركة وتحسينها.
وتناولت أعمدة صحيفة الأهرام كذلك الشأن السياسي فتحت عنوان سياسة خارجية ذكر السيد عبدالعظيم حماد (127) أن صراع البشير والترابي كان سببا في فشل جميع محاولات التقارب السوداني المصري بسبب معارضة جناح الترابي تلبية الشروط المصرية لتحسين العلاقات ، كذلك يجب الإنتباه إلي أن الرئيس البشير لم ينقلب علي الإسلام السياسي الذي يمثله الترابي ولكن انقلب علي الترابي كشخص ، يجب كذلك التساؤل إلي اي مدي سيكون البشير نفسه مستعدا لمسيرة مطالب الدولة على حساب ايديولوجيته الإسلامية ؟ بحيث يرضى عن الجيران وشركاء الداخل الجدد ، أم سيكون لاعتداله حدود لايستطيع تجاوزها وإلا أصبح منشقا على الإسلام السياسي ؟ أم أن هذا الإعتدال مهما يكن حجمه يكفي الآن من باب أن مالا يدرك كله لايترك كله ؟
وفيما يبدو أن زيارة الرئيس حسنى مبارك لعدد من الدول العربية مباشرة بعد احداث السودان دفعت بعدد من الصحفيين في تلك البلدان للسؤال حول تطورات الأوضاع في السودان ، وقد سئل أسامة الباز(128) المستشار السياسي لرئيس جمهورية مصر عن اتهام الترابي لمصر بأنها تدفع الطرفين إلي مواجهة ؟ حيث اكتفي المستشار بنفي دفع مصر أحد الطرفين إلي اي مواجهة وذكر أنه يهمه تحقيق الإستقرار في السودان وقال إن اهتمام مصر بالسودان يأتي باعتبار السودان أحد ثوابت السياسة المصرية ، فالسودان هو التوءم وهو الأقرب.
وفي مكان آخر ( بنفس الصحيفة ) (129) أكد نفس الحديث السيد وزير الخارجية المصري حول عدم تدخل مصر في الشؤون الداخلية للسودان ، وأن السودانيين باتوا علي إقتناع بأن مركباً بربانين ، بحسب تعبيرهم ، ليس في وسعها الحركة الصحيحة ، لذلك لابد من ربان واحد يكن بمقدوره أن يمخر نحو سودان جديد ينظر للمستقبل ، وليس من مصلحة السودان أن يكون هناك رأسان .
وجاء في الصحيفة (130) تحت عنوان انحسار الأصولية أنه مع نهاية الالفية الثانية شاءت الاقدار أن تعزز المقولة التي اخذت في الإنتشار طوال السنوات القليلة الماضية وهي انحسار ظاهرة الاصولية الإسلامية ، وكانت هذه الظاهرة قد تصاعدت بقوة مع قيام الثورة الإيرانية في إيران 1979م ، ورمت إلي العمل علي إقامة انظمة سياسية ثورية تجعل من الإسلام إطارا فكريا لها لتغيير الأوضاع القائمة علي الصعيدين الداخلية  والخارجية ، وارتبط اطارها الفكري برؤية سلفية متزمتة وتفسير ضيق ومتشدد لقواعد الإسلام فيما يجب أن يكون عليه المسلمون في بلدانهم .
وبنظرة سريعة على أحداث منطقة الشرق الأوسط مهدت هذه الظاهرة يتضح أن السنوات الأخيرة شهدت بالفعل إنحسارا في إيقاع الظاهرة وتراجعا عن مقولاتها ، ففي إيران يعتبر البعض الثورة الثانية بقيادة خاتمي بمثابة ثورة علي الخومينية ، وفي الجزائر فشلت جبهة الإنقاذ في الوصول للسلطة وفي ايجاد قاعدة شعبية لها ، وانتصرت أخيرا كفة الدولة علي كفة الثورة في السودان بما يدشن لنهاية الترابية لتلحق بما يحدث للخومينية من إنحسار ، وفي تركيا منى الإسلاميون بخسارة سياسية كبيرة .
وورد في الصحيفة (131) في اليوم التالي وعلى صدر صفحتها الرئيسية تصريحات الرئيس مبارك من المنامة والتي ذكر فيها أن مصر تتطلع إلي الزيارة التي سيقوم بها الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلي القاهرة اليوم! مؤكدا أن الزيارة تشكل فرصة مهمة للتشاور بين قيادتي البلدين ، مشيرا إلي أن السودان ومصر يشكلان عمقا استراتيجيا لبعضهم بعضا ، وأن الظروف مهيأة الآن لعودة السودان إلي انتهاج سياسة قويمة  لا تشكل أي تهديد للأقطار المجاورة ، وتعزز مكانة السودان ودوره الإقليمي ، وتقوم علي التعاون والتكامل ، وأعرب عن أمله في أن تنتفي السياسات التي كانت موجودة في الماضي والتي كانت تقوم على اختلاق المشكلات وتسميم مناخ العلاقات بين السودان وجيرانه دون داع أو مبرر.
وجاء في صدر صفحتها الأولي (132) ايضا أن الرئيس السوداني سيصل القاهرة اليوم وسيوجه الشكر باسمه وباسم الشعب السوداني للرئيس مبارك علي تحركه السريع لمساندة الشرعية في السودان ، وذكرت الصحيفة أنه قدم من ليبيا تلبية لدعوة من العقيد القذافي ومن المنتظر أن يرتب له العقيد القذافي لقاءاً في طرابلس مع الرئيس الإريتري اسياس أفورقي والرئيس اليوغندي يوري موسفيني .
وأقامت القنصلية المصرية بالخرطوم نشاطا سياسيا لأول مرة بحسب صحيفة (133) الأهرام حيث عقدت ندوة عن العلاقات المصرية السودانية حضرها لفيف متعدد من الناشطين السياسيين السودانيين وبعض الرسميين وعلى رأسهم وزير الثقافة والإعلام السوداني للدلالة علي تحسين العلاقات .
وحملت صحيفة الأهرام في اليوم التالي خبر زيارة (134) الرئيس البشير للقاهرة لأول مرة منذ قطيعة استمرت سنوات تخللتها زيارة واحدة لمشاركة الرئيس السوداني في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في مصر في أواخر العام 1996م.
وكتبت صحيفة الأهرام علي لسان مراسلها (135) أن السودان سيشهد مواجهة حاسمة هذا الأسبوع بين الرئيس السوداني عمر البشير ومجموعته ، وبين الدكتور الترابي رئيس البرلمان المنحل ومجموعته ، خصوصا بعد أن تعثرت جهود لجنة المصالحة بين الطرفين كما  ان الدكتور الترابي كثف حملة إعلامية ضد البشير وأنصاره وقال إنه يعطيهم شهرا للتراجع وإلا كانت المواجهة ، وأتهم المسئولين عن الأمن والذين لايزالون مع البشير أنهم وراء حادث محاولة الإعتداء على الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا 1995م .
وفي مقال بنفس الصحيفة ( 136) بعنوان الأزمة السودانية والدور المصري ورد فيها أن هناك عدة ملاحظات في الأزمة الحالية منها أن الصراع بين البشيروالترابي ليس صراعاً  فكريا ايديولوجيا ، ولكنه صراع على مساحة السلطة والنفوذ ، فالجناحان معا يستندان إلي نفس الشعارات والمنظومة الفكرية الأسلامية ، وهذا يعني وبافتراض استتباب الأمور كلها للرئيس البشير فإنه لن يكون هناك تغييراً كبيراً في اسس السياسة السودانية ، خاصة ,ان بعض الدعم الشعبي الذي حصل عليه البشير ربط بين الإستمرار في الدعم والمساندة وبين وحدة القيادة وتماسكها وإستمرارها في تطبيق السياسات الإسلامية ، ولعل بيان هيئة العلماء في السودان يقدم ابرز النماذج علي مثل هذا الدعم المشروط ، والملاحظة الثانية ان استبعاد الدكتور الترابي من السلطة وتحميله وزر تدهور العلاقات الخارجية لايعني تغيير السياسات ، والسبب في ذلك يرجع لمؤيدي الترابي الاقوياء والمنتشرين في كثير من أروقة الحكم والأمن معا ، فحتي مع استبعاد كثير من المحسوبين على الترابي عن دوائر صنع القرار فإن تأثيرهم سيكون موجودا وغير وارد تجنبه .
ثم نشرت صحيفة الأهرام (137) في صفحتها الأولي عقب زيارة الرئيس البشير إلي مصر خبر عودة السفير المصري للخرطوم ، واخبارا حول قيام لجنة مشتركة بين البلدين .
وجاء في الصحيفة أيضا أن البلدين وافقا علي :
1-إتخاذ إجراءات لتحويل منطقة حلايب إلي منطقة للتكامل بين البلدين.
2- تشكيل لجنة وزارية مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين لبحث كل الملفات والتوصل إلي حلول ووسائل تنمية العلاقات .
3- - البدء فورا في تنشيط وتنمية العلاقات الإقتصادية والتجارية .
وتحت عنوان راي الأهرام (138) ذكرت الصحيفة أن الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير للقاهرة ستظل نقطة تحول فاصلة في تاريخ السودان المعاصر ، وبالقدر نفسه من الاهمية بحيث تعد خطوة إيجابية للغاية علي طريق أعادة العلاقات بين شطري وادي النيل إلي وضعها الصحيح لتسودها روابط الأخوة والجوار والتكامل .
وجاء في صحيفة الأهرام (139) علي لسان مراسلها في الخرطوم ، إن دبلوماسيا غربيا ذكر له أن موقف مصر هو حجر الزاوية الأساسي في القضية السودانية كلها ، ولما سألته كيف ؟ ثم إذا افترضنا أنه كذلك بالنسبة للعلاقات الثنائية والإقيليمية ، فهل هو كذلك بالنسبة للموقف الأوربي الأمريكي ؟ أجاب بنعم لأن مصر دولة محورية كبيرة ومن هنا لها دورها وتأثيراتها ، ومن هنا أيضا يحرص الغرب الأوربي الأمريكي على حسن العلاقات معها فإذا ما تحسنت علاقاتها بالسودان ، فإننا نفعل مثلها ونؤيد خطواتها ومواقفها – طبعا فيما  لايضر بنا أو بمصالح حلفاءنا -.
وبمناسبة الخطبة التي القاها رئيس الجمهورية في يوم عيد الإستقلال اقتبست الصحيفة (140) بقلم مراسلها في الخرطوم أجزاءاً كبيرة منها وعرضتها على صفحاتها بشكل موسع ، لعلها تستشف منها شكل الحكم واتجاهاته الجديدة ، حيث ذكرت أن الرئيس عمر حسن البشير حدد ملامح المرحلة الجديدة في بلاده والتي مازالت تجري بعد التطورات السياسية المتلاحقة وماصحبتها من أعاصير ، وأن سياسة الحكومة تود أن تنفذ عدد من الأهداف علي راسها تطوير العلاقات مع مصر ، وصولا بها إلي الوحدة ، لأنها علاقة أزلية تشكل مفتاح علاقتنا مع سائر الدول العربية ونريد أن يكون العام الجديد عام الوفاق وعام الرضا والتراضي.
وفي نفس العدد فصلت الصحيفة (141) باهتمام كبير قرارات مجلس شوري المؤتمر الوطني في السودان ، وذكرت أن الإجتماع كان في صالح جناح الرئيس البشير حيث وقفت الأغلبية الساحقة معه أما  القرارات فقد نصت بحسب الصحيفة على :
1-    يبقي كل من الرئيس والأمين العام في موقعه ( بالحزب )
2-    منعا للإحتكاك بين الأجهزة العليا في الدولة يلزم تحديد الأختصاصات والصلاحيات والسلطات تحديدا دقيقا .
3-    البيعة من الحزب تكون للرئيس وهي بيعة ملزمة ويجب طاعة ولي الأمر.
4-    تجاوزا  للأزمة الدستورية يلتزم طرفاها الرئيس والأمين بالنزول علي حكم المحكمة الدستورية .
5-    رفع حالة الطواريء السارية بأعجل ماتيسر.
6-    تقترح اللجنة وضع لوائح لتنظيم العلاقات بين الأجهزة التشريعية والتنظيمية .
7-    اعادة انتخاب وتشكيل الاجهزة التنفيذية للدولة وأجهزة الحزب بما يحقق الثقة والأطمئنان للجميع .
8-    تفوض هيئة الشوري رئيسها لتكوين لجنة لوضع اللوائح ومشروع لتعديل النظام الأساسي .
ثم فسرت الصحيفة هذه القرارات بالآتي :
1-عدم الإعتراض على قرارات البشير في 12 ديسمبر ، وسريانها ، وبالنسبة لقرار حل البرلمان وعدم دستوريته يحال إلي المحكمة الدستورية.
2- إنتصار البشير ومجموعته في عدم الإعتراض علي القرارات وفي ضرورة الفصل بين السلطات وتقنينها ، فالحزب له سياسته وبرامجه ، ولكن الحكومة ورئيس الدولة ينفذون باسم الشعب كله ووفقا للمتغيرات والتطورات بما يهدف إلي مصالح الدولة .
3- يعني قرار اعادة النظر في النظام الأساسي للحزب تحديد وتقليص سلطات الأمين العام ( الترابي ) التي كانت واسعة .. بينما لا سلطات لرئيس الحزب ( البشير ) ويصبح اي تعديل إضافة له .. كما تعطي سلطاته لأجهزة الحزب الأخري.
4- ويعني ايضا إعادة انتخاب وتشكيل الأجهزة القيادية والتنفيذية للحزب والحكومة .. واعادة  الفرصة للقيادة الشرعية ( البشير ومجموعته ) لتصحيح الأوضاع ، لكي تدخل عناصر جديدة هذه التشكيلات ، وتولي مواقع حساسة ، وربما اقول إن رغبة عامة في الحزب تنادي بانتخاب شخصية أخري لمنصب الامين العام بدلا عن الدكتور حسن الترابي ، وهناك أسماء مرشحة لهذا المنصب منها الدكتور إبراهيم عمر وزير التعليم العالي والقيادي البارز ، ويشارك في هذه الرغبة عدد من مؤيدي الترابي الذين يقولون إنه ينبغي أن يتفرغ باعتباره مفكرا وداعية دون أن يشغل نفسه بمواقع تنفيذية تضره أكثر مما تفيده .. فهو رجل فكر نظري وليس ممارسة سياسية ، ويدعم هؤلاء رأيهم بأن الأحداث الاخيرة نالت من شخصية وقدرة الترابي ، بل إن بعض الفرق الفنية في فنادق الخرطوم الآن تقلده بشكل كاركاتوري ، وتظهره بأنه الشخص المراوغ الذي يتكلم كثيرا دون أن يقول شيئا أو يحدد معنى .
5- تعطي هذه القرارات ايضا فرصة لاعادة ترتيب البيت الحزبي فإن البشير ومجموعته لن يتركوا الحزب ويقولون إنه ( الحزب ) مؤسستهم السياسية وقاعدتهم الشعبية وإذا شاء هو – اي الترابي – فإن عليه أن يترك لحزب – وربما يعود إلي الجبهة الإسلامية .
ولعلني أضيف ( المراسل المصري محمود مراد ) إنه في الليلة السابقة لاجتماع مجلس الشوري كان قد عقد اجتماع في قاعة الصداقة حضره 1600 من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، وكانت أمام المجتمعين ومنهم – البشير والترابي – أوراق  عمل لعدة لجان للمصالحة وكانت واحدة منها تقرير التعديلات الدستورية التي كان الترابي قد اصر علي مناقشتها  في البرلمان ، وكانت قد فاض عندها الكيل ، وفجرت الأزمة المتراكمة ، ومنها استحداث منصف رئيس لمجلس الوزراء بدلا من  رئيس الجمهورية ، وسحب سلطات الرئيس في تعيين وإعفاء الولاة وسحب حق رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية في ترشيح أعضاء مجالس الولايات بالتشاور مع القوي السياسية وقد تم رفضها جملة وتفصيلا.
والورقة التي قدمتها اللجنة التي رأسها الدكتور إبراهيم أحمد عمر والموالية للبشير – حظيت بالموافقة .. وقد جري حواراً معمقاً حولها شارك فيه الرئيس البشير ، أما الدكتور الترابي فقد لزم الصمت بل إنه وفي هدوء شديد إنسحب إلي الخارج وقال لمن تبعه " :لقد انتهت الجولة ، وبينما هو في الخارج سمع تصفيق الأعضاء مؤيدين تقريرا يقول في نهايته إن التعديلات المقترحة قصد بها استغلال المجلس الوطني (البرلمان) في اواخر إيامه لتصفية حسابات شخصية مع رئاسة الجمهورية ، والدخول بالدولة في صراعات شخصية بينما الدولة منصرفة بكلياتها لدرء المخاطر ، التي هي مقدمة علي جلب المنافع .
ومن الواضح من خلال هذا السرد أن الصحيفة بلغ أهتمامها باحداث السودان شأوا بعيدا ، ففي هذه الأيام التي عاني فيها الحزب الحاكم في السودان من الإنشقاق افردت الصحيفة عشرات الصفحات لبيان وتوضيح وتحليل أحداث السودان بتفاصيلها الدقيقة ، إضف إلي ذلك أنها بعثت بأحد كبار كتابها هو الاستاذ محمود مراد ليوافيها بالتفاصيل التي استطاع الحصول عليها من خلال حضوره كافة الجلسات العاصفة في تلك الأيام ، كما  أنه استطاع إجراء محادثات عديدة مع إبرز الشخصيات الحاكمة في السودان وعلي راسهاالرئيس  البشير والاستاذ علي عثمان محمد طه ، بالإضافة إلي قوي المعارضة الداخلية وغيرها من الفعاليات السياسية والأكاديمية .
وجاء في تلك الحقبة مقالا بالصحيفة (142) حول السودان ذكر فيها أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يخططان منذ عشر سنوات وربما أكثر للمنطقة العربية والإفريقية وينظرا للسودان من خلال ماوصف بالركائز الاربع لهذا المخطط وهي : الهيمنة ، وتفتيت الدولة المركزية ، وقضم أطراف العالم العربي ، وتدمير العلاقات العربية الإفريقية ، وأن هذا المخطط لايستهدف فصل جنوب السودان كما يعتقد الكثيرون ولكن يهدف إلي طمس الهوية العربية الإسلامية ككل ، ويدلل على ذلك جملة اعتبارات بينها: التمنيات  التي أفصح عنها مبكرا جون جارانج زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان حيث قال إنه سيصل إلي الخرطوم علي ضربات الطبول ، وأن الجلابة ويقصد العرب لايشكلون سوي 31% من سكان السودان ، ثم أمتداد الحروب والنزاعات  المسلحة  في شرق وغرب السودان ، واضطرار العديد من أبناء الشمال للجوء للمنفي بينما تتجه حركة نزوح الجنوبيين لتحيط بالعاصمة الخرطوم.
أضف إلي ذلك أن دول الجوار لن ترضي بدولة جنوبية مستقلة تغذي الدعاوي والحركات الإنفصالية الأخري في دولها ، وتصبح بمثابة عنصرعدم إستقرار في المنطقة ، وإن الشرعية الإفريقية كما تتجسد في ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية ترفض منطق الإنفصال والمساس بالحدود القائمة ، والأمريكان أنفسهم يدركون المخاطر  والتداعيات المحتملة على دول الجوار الإفريقي ، ويخشون ايضا من أن يسفر الإنفصال عن دفع الشمال للتفكير في نوع من الوحدة مع مصر .
وفي مقال آخر ذكرت الصحيفة (143) أن الظروف الحالية بعد القرارات التصحيحية الأخيرة للرئيس السوداني عمر البشير مهيأة لإجراء حوار تشترك فيه كل القوي السياسية والحزبية المعارضة في الداخل والخارج للإتفاق على رؤية مشتركة للحل الشامل الذي يدعم وحدة السودان ويحقق الوفاق الوطني بين أبنائه .
وقد عبّر عن ذلك الرئيس البشير في خطابه الأخير بمناسبة الذكري الرابعة والأربعين لاستقلال البلاد ووجه رسالة إلي السياسيين والحزبيين للعمل جميعا لبناء وطن يظلله السلام والوفاق والتعددية والتداول السلمي للسلطة وضمان  الحريات الأساسية وسائر حقوق الإنسان التي شرعتها العقائد السماوية وتضمنتها المواثيق الدولية وجاء في المقال ايضا أنه بصرف النظر عن اي خلاف عابر بين القاهرة والخرطوم إلا أن تقسيم السودان على اسس عنصرية ودينية وعرقية يمثل خطاً أحمر لمصر لأنه يمس عمقها الإستراتيجي في قلب إفريقيا لذلك فإن التحرك المصري يدعم في النهاية وحدة السودان ومصلحة البلدين .
ومع ميل الصحيفة (144) للمبادرة المصرية الليبية المشتركة إلا أنها أبرزت الرأي المساند لمبادرة الإيجاد في التجمع الوطني الديقراطي وعلي رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان ، حيث صرح مسؤول مكتبها في القاهرة أن مبادرة الإيجاد يجب أن يتم توسعتها لتشمل القوى الوطنية السودانية في الشمال لأن الحل السياسي لابد أن يكون شاملا ، وقد أكدت الإيجاد علي مجموعة من المباديء تمثلت في منح حق تقرير المصير مع إعطاء الأولوية للمحافظة علي وحدة السودان ، وهذا بالطبع لايمكن أن يتحقق إلا من خلال نظام ديقمراطي يحفظ لكل المجموعات الإثنية حقوقها ويحافظ علي حرية المعتقدات والثقافات في ظل نظام فيدرالي ، وتحقيق الإقتسام العادل للسلطة ، وأن جهود الوحدة تتخطي الحقائق والثوابت التي أجمع عليها الشعب السوداني في مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا 1995م لعلمه أن الأنظمة لن تقود إلا لتعقيد المشكلة ، ثم أوردت الصحيفة في مكان بارز زيارة وزير الخارجية المصري للسودان في 5 يناير 2000م ، ووصفتها بالتاريخية ودليل إضافي علي تحسين العلاقات المشتركة ، والجدير بالذكر أن هذه الزيارة تعتبر واحدة من أهم الزيارات خلال عقد كامل بين البلدين ، صحيح أن رئيس الوزراء المصري زار السودان في 1998م إلا أن الهدف من زيارته كان بقصد تقديم العزاء في نائب رئيس الجمهورية السوداني السابق الفريق الزبير محمد صالح ولم تكن ذات طابع سياسي تباحثي معد له مسبقا .
وجاء في متن الخبر تصريحات لوزير الإعلام السوداني ذاكرا فيها أن زيارة عمرو موسي حققت نجاحا كبيرا وتناولت كافة القضايا المطروحة ، وفيما يبدو من تصريحات الوزير السوداني أن القيادة المصرية أثارت معهم مسألة عقد  مؤتمر حوار وطني تشارك فيه مختلف القوي السودانية ، كما جاء على لسانه ايضا أن الرئيس البشير مستعد فورا لعقد لقاء مع السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الإتحادي الديمقراطي باعتبار أنه سبق وأن التقي بالسيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة في جيبوتي .
وأوردت الصحيفة( 145) في نفس الخبر أن المثقفين والكتاب إستنكروا تصريحات الدكتور الترابي التي قال فيها إن هناك زيارة لرأب الصدع ويقصد بها الزيارة  القطرية ، وهناك زيارة تعد تدخلا في الشئون الداخلية للسودان ويقصد بها الزيارة المصرية الليبية .
وفيما يبدو أن هذا المناخ الودي الذي رآن على العلاقات المشتركة عقب زيارة وزير الخارجية المصري للسودان دفع بالعديد من الكتاب بصحيفة الإهرام للكتابة في الشأن السوداني من مختلف الزوايا ويطالعنا(146) في هذا الخصوص وفي حجم صفحة داخلية كاملة تقريبا مقال مطول حول تجربة التكامل المصري السوداني ( الذي ولد في أوائل الثمانينات ثم مالبث أن مات مع رحيل النظام المايوي في ابريل 1985م ) مذكرا بفوائد تجربة التكامل ، والعيوب التي شابته وعجلت بنهايته والدروس والعبر المستفادة من هذه التجربة ، وكيفية النهوض بالعلاقات المشتركة .
ويذكر أن من أهم العيوب التي اعاقت بالتكامل المصري السوداني تمثل في :
1-    غياب الكوادر الشعبية المنظمة التي تحمي التكامل وتصون مبادئه وأهدافه في مواقع العمل والإنتاج والخدمات ، حيث كان ذلك عيبا جوهريا لاحظه البعض وطالب بالمعالجات اللازمة وذكر أن المطلوب إنشاء تنظيم شعبي واسع في إطار حزبي أو في غير  ذلك من الإطارات يعمل علي توسيع وتعميق فهم الناس والمؤسسات لأهداف التكامل ومبادئه فهما صحيحا.
2-    أدي وصول الموجات المتطرفة إلي سطح الحياة السياسية في كلا البلدين إلي تشتت أوليات العمل التكاملي ، والتأثير في نوع ومدي المعالجات اللازمة للمشكلات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية في البلدين.
3-    تعدد وتوالي عمليات التشريع والتفتت الخاصة بالنظم الإقتصادية والمالية كنظم الإستثمار والجمارك والضرائب والحوافز الأمر الذي اثر في سرعة تدفق رأس المال الاجنبي والخاص ، كما اثر بالتالي في إمكانية تخطيط وبناء مشروعات طويلة الأجل علي اسس إقتصادية مأمونة .
4-    الإستغراق المطول نسبيا في عملية إنشاء الأجهزة والادوات واللجان ، الأمر الذي أدي إلي تبديد جزء غير هين من ميزانيات التكامل.
5-    تعدد التوصيات والقرارات والتوجيهات التي كانت تصدر عن مؤسسات التكامل والتداخل في اختصاصات بعض الأجهزة واللجان وعدم قدرة قطاع المتابعة والتنسيق علي ملاحقة هذه التوجيهات بما يلزم .
6-    المعالجة الروتينية الجافة لبعض مشروعات التكامل من جانب بعض قطاعات التمويل ، وعدم توفر الجرائة في اتخاذ القرارات المناسبة لمشروعات غير تقليدية بطبيعتها.
والجدير بالملاحظة في هذا المقال المطول أنه لاول مرة يخرج من التعقيدات السياسية إلي آفاق جديدة حول التكامل الإقتصادي ، وماحدث في الماضي وكيف يتم تكوين رؤية جديدة للتكامل ، وكلها أشياء تصب في خانة تحسن العلاقات المشتركة  بدليل أن الكتابات في الصحيفة أخذت منحاً آخراً غير المنحي السياسي ، وإن كان المجال السياسي سيظل طاغيا ومهيمنا في صحيفة الأهرام .
ثم بدأت بعض المقالات المتفرقة بالصحيفة تعضد من موقف الحكومة السودانية في أحيان عديدة ، وتلوم خفية أو على استحياء مواقف المعارضة من المصالحة ومن السلام والمبادرة المشتركة وغيرها من القضايا ، وفي إحدي هذه المقالات(147) يذكر كاتب أن الأيام القادمة سوف تبلور المقترحات الخاصة بعقد مؤتمر الحوار الوطني في السودان والذي سوف تشارك فيه كل القوي السودانية بهدف وضع ضمانات لكسر الدائرة الخبيثة التي يمر بها منذ استقلاله ، والتي تتشكل من حكم ديمقراطي ثم عسكري ثم ديمقراطي وهكذا .. وأيضا لوقف نزيف الدماء والحرب المستمرة منذ نصف قرن – تتوقف ثم تعود – لتعيق حركة التقدم في البلد الذي تتسع مساحته وتضم مليونين ونصف المليون كيلومتر مربع أي نحو 600 مليون فدان منها اكثر من مائتي مليون فدان صالحة فورا للزراعة غير موارد أخري طبيعية فوق وتحت الأرض ، أما عدد السكان فلايزيد عن 26 مليون نسمة أي بمعدل نحو 23 فدان لكل فرد.
وبعد ان أعلن النظام السوداني نيته نحو المصالحة لبناء السودان اعتقد أنه يجب على الأحزاب المعارضة أن تسرع في الإستجابة ، ولعل أكثر النقاط حساسية وتعقيدا هي التي ينادي بها الحزبان والتي تنص على ضرورة المحاسبة عن جميع التجاوزات التي حدثت في العشر سنوات الفائتة ، وأن هذه الدعوة ستضع الامور على نقطة في محيط دائرة مفرغة لتظل تدور وتلف بلا نهاية ، بينما المفروض أن تكون الخطوة الأولي هي الحوار الوطني بمشاركة الجميع.
ولنري الآن في هذه المرحلة ماذا يدعو التجمع الوطنى الديمقراطي في ندواته وخططه وماذا تدعو كذلك الحكومة السودانية في طرحها في هذه المرحلة التاريخية الهامة ، أما التجمع وبحسب وثيقة البيان الختامي الذي عقد في الشهر الفائت ( ديسمبر 99) بكمبالا فقد نادي بأن تحدد الحكومة السودانية ( النظام بحسب البيان ) أهداف مشروعها التفاوضي بكل وضوح ، وأن  تنفذ التدابير اللازمة لتهيئة المناخ وفي مقدمتها الغاء أي مواد  في دستور 1998م تقيد الحريات العامة ، وإلغاء كل الإجراءات الإستثنائية ، وإلغاء قانون التوالي وقانون النقابات لعام 1992م ، ورفع القيود علي النشاط الحزبي والسياسي والنقابي ، واعادة المفصولين من الخدمة ، بحجة الصالح العام وإطلاق  كافة المعتقلين السياسيين ، واعادة الممتلكات المصادرة ، وعلي النظام أن يلتزم بتحديد جدول زمني لتنفيذها ، كما أن التجمع غير ملزم بالدخول في عملية الحل السياسي مالم يقم النظام بتنفيذ هذه التدابير علي الوجه المرضي .
أما رؤية الحكومة فقد تمثلت في الإلتزام بكل مبادرات السلام والوفاق التي سبق أن اعلن عن قبولها ، والإجتهاد في تجاوز جميع العقبات التي عطلت مسيرة السلام والوفاق ، ووضع برنامج خاص لترسيخ السلام ، وتكثيف برنامج التوطين ، والدعم الإجتماعي في الولايات الجنوبية وسائر المناطق المتاثرة بالحرب ، واعادة إصدار قانون التوالي تحت اسم قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية ، ومواصلة الحوار مع كافة القوي السياسية لتوحيد الرؤية حول مضمون القانون وصولا إلي أكبر قاعدة اجماع حوله تكون تعبيرا عن الوحدة الوطنية والوفاق السياسي.
وفيما يبدو من خلال عرض وجهة نظر الطرفين أن الكاتب ربما يريد ايضاح مدي تعنت التجمع الوطنى الديمقراطي في مسألة المصالحة بدليل الشروط الصعبة التي يطرحونها، وقد ذكر في فقرة أخري من مقاله أن جوهر ما تطالب به المعارضة قد تحقق وأن النية خالصة لدي الأمة السودانية لعقد مؤتمر الحوار الوطني.
ثم استمرت صحيفة الإهرام في نهجها الجديد الذي اختطته أخيرا والذي يفرد مساحات كبيرة للشان السوداني ، وإجراء مقابلات معمقة مع القيادات السودانية ، إلا أن جميع الأسئلة لاتخرج من الحديث حول تطورات الأوضاع في السودان خصوصا تلك المتعلقة بإنشقاق المؤتمر الوطني .
ففي حوار مع وزير الخارجية السوداني بالصحيفة ( 148) جاء فيه أن السودان يعكف حاليا علي وضع تصور شامل لكيفية تحقيق التكامل مع مصر في مختلف  المجالات ، وقال إن هناك  دعوة للرئيس مبارك لزيارة الخرطوم سيحدد موعدها قريبا ، وحول التوجه لإلغاء القرار الخاص بإلغاء تأشيرات الدخول للسودانيين إلي مصر قال د. مصطفي إن لقاء الرئيسين أعطي مؤشرا بأن مسيرة التكامل ستتجاوز الكثير من العقبات وتعود بالعلاقة أقوي مما كانت ، موضحا أن التأشيرات التي كانت قد ألغيت في الماضي أعيد فرضها نتيجة للتحسبات الأمنية مشيرا إلي أن التسهيلات ربما يستخدمها الإرهابيون مما يجعل البلدان يحافظان على وجود نظام التأشيرات لبعض الوقت ، وأن مصر والسودان ترغبان في الإطمئنان التام إلي أن رفع التأشيرات لن يؤدي إلي إخلال أمني ، وعندما يتحققان من هذا الأمر سيتم إلغاء التأشيرات.
وحول ما إذا كان نفوذ الدكتور حسن الترابي قد انتهي في السودان بالفعل ، دعا مصطفي عثمان إلي فهم الإجراءات الأخيرة في السودان بمعناها الشامل وهو تحقيق ثلاثة أهداف في مقدمتها توحيد القرار وأن تكون صلاحيات رئيس الجمهورية واضحة ولا تنازع حولها والمحافظة علي هيبة الدولة وتنفيذ إلتزاماتها والمضي في مشروع الوفاق والسلام في السودان بقوة وفعالية ، مشيرا إلي أن السودانيين يريدون رئيس جمهورية لدية كل الصلاحيات ، وأخيرا أكد الوزير أن السودان مقتنع بضرورة التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب باعتباره آفة تلحق الأذي بالجميع .
واهتمت صحيفة الاهرام ( 149) بشكل العلاقة  النهائية اتي ستكون  بين الرئيس البشير والدكتور حسن الترابي فجاء فيها بخصوص هذا الموضوع – أنه بالرغم من الخلافات الظاهرة علي السطح والإتهامات المتبادلة إلا أن الموقف بعد مرور أكثر من شهر يبدو علي حالته الأولي دون تغيير ودون حسم أو مصالحة ، ومازال الرئيس البشير رئيسا للسودان ومازال الدكتور الترابي برغم كل شيء هو الأمين العام للحزب الحاكم في السودان بصلاحيات واسعة ، كما أن لجنة رأب الصدع تواصل عملها.
دفع هذا الأمر الكتاب المداومين في صحيفة الإهرام إلي التساؤل علي لسان التجمع الديمقراطي حول النتيجة النهائية لمساعي لجنة راب الصدع بين البشير والترابي ، حيث مازالت بعض فصائل المعارضة تتردد في التعاطي مع التحولات السودانية داخل النظام ، وتعتقد أن هناك احتمالا لحلحلة الخلافات وديا إستنادا إلي قواعد متعددة نشطة في الحركة الإسلامية تسعي إلي إجراء ترميمات سياسية ووضع حلول مرضية  لتحديد صلاحيات لكل فريق.
ومن هنا يمكن القول إن نتائج اجتماعات هيئة الشوري تمثل نقطة نوعية في اتجاهين مهمين أولهما التعرف علي معالم خريطة وهياكل الحزب الحاكم ، وكذلك علاقتيهما بممارسات السلطة التنفيذية التي كانت محل خلاف طيلة الفترة الماضية ، فقد افضت اللجنة إلي تعاظم صلاحيات رئيس الجمهورية ، وتم حصر نطاق نفوذ الترابي الرئيسي في الحزب ، وثانيهما يخص اتجاهات العلاقة مع المعارضة وبعض الأوساط الدولية التي تشككت في جدوي الفراق بين البشير والترابي حيث عززت مناقشات هيئة شوري المؤتمر الوطني من مكانة إجراءات الرابع من رمضان غير أنها ابقت علي جانب حيوي من صلاحيات الترابي السياسية .
ونشرت صحيفة الإهرام(150) في مجمل تغطيتها للشأن السوداني لقاء السيد عمرو موسي والسيد الصادق المهدي وقد سألت الصحيفة رئيس حزب الأمة سؤالا يستشف منه مساعي السلطة المصرية في إزالة آفة الخلافات وسط التجمع الوطني الديمقراطي ربما رغبة منها في الوصول سريعا لحل يطوي صفحة الخلافات السودانية سودانية ، وكان السؤال هو مدي الخلافات بينه وبين السيد محمد عثمان الميرغني ، حيث أجاب السيد الصادق المهدي أنها خلافات بشكل اساسي حول سرعة التحرك أكثر من كونها تدور حول جوهر فكرة الحل السياسي الشامل ، وأعرب المهدي عن اعتقاده بأن وفد التجمع يقوم الآن بجهد لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف ، ويتوقع من هذه الجهود توحيد الموقف في الخارج قريبا من أجل التعاون المثمر بين كل الأطراف.
وفيما يبدو أن قرارات مجلس شوري المؤتمر الوطني التي اختطت الوسطية في معالجتها للخلافات داخل المؤتمر الوطني وابقت علي كثيرمن القضايا في محلها السابق دون تغيير جوهري ازعج القيادة المصرية والتي كانت وبلاشك تتخوف من أصولية الدكتور الترابي بدليل أن الهجوم الأعلامي في صحيفة الأهرام ارتكز على طرف واحد دون الآخر ، كما أن الباحث لم يجد عرضا محايدا في إبراز وجهات نظر كل الطرفين (في المؤتمر الوطني ).
وفيما يبدو أن الخرطوم إنتبهت لهذا الإنزعاج لذلك ارسلت وزير دفاعها للمرة الثانية بعد تفجر الأزمة للقاهرة حاملا رسالة شخصية من الرئيس السوداني لنظيره المصري تتعلق بمجمل التطورات الأخيرة .
وجاء في الصحيفة (151) أن وزير الدفاع السوداني أكد إلتزام البشير بكل ماتم في إطار المصالحة الوطنية ، وبالمبادرة المصرية – الليبية ، وحول تأثير الأحداث التي وقعت في السودان خلال الأسبوع الماضي وتاثيرها علي المصالحة بين البشير والترابي قال وزير الدفاع السوداني : إن ماتم في4 رمضان لايمكن التراجع عنه وإن كل الخطوات التي تمت في السابق هي تأكيد لتلك القرارات ، وهناك خطوات أخري ستتخذ لتلي الخطوات السابقة لتأكيد ماجري في هذا الإتجاه .
وفي اليوم الثاني مباشرة جاء في الصحيفة (152) وتحت عنوان رأي الإهرام لاتراجع عن قرارات رمضان في السودان وكان متن الخبر أن الفريق عبدالرحمن سرالختم وزير الدفاع السوداني والمبعوث الشرفي للرئيس عمر البشير أجاب على التساؤل الذي ظل مطروحا دون إجابة شافية طوال الأيام الماضية وهو هل يشكل إتفاق رأب الصدع بين الرئيس البشير والدكتور الترابي رئيس البرلمان المنحل تراجعا من جانب القيادة السودانية عن قرارات 4 رمضان الماضي ؟ وهذه القرارات كما نعلم إستهدفت تصفية هيمنة الدكتور الترابي على السلطة التنفيذية في السودان بدءا من رئاسة الجمهورية ، تلك الهيمنة التي شلت قدرة حكومة الخرطوم على تحقيق المصالحة الوطنية في الداخل وعلى تطبيع علاقاتها مع الدول المجاورة وسائر العالم الخارجي.
وقد أوضح الفريق سرالختم بعد مباحثاته مع الرئيس  حسني مبارك أمس الأول في القاهرة أن إتفاق راب الصدع يسير في الإتجاه نفسه الذي حددته قرارات 4 رمضان ، وانه أكد للرئيس مبارك أن رئيس السودان ملتزم بالخطوات التي قطعت في طريق المصاحة الوطنية ، وملتزم بالمبادرة المصرية الليبية لتحقيق هذه المصالحة ، ثم قال ( وزير الدفاع السوداني ) في نبرة قاطعة أن ما تم في الرابع من رمضان لايمكن التراجع عنه وإن الخطوات التي تلت ذلك هي تأكيد لتلك القرارات.
ونحن ( الإهرام) إذ نرحب من جانبنا بهذه التأكيدات التي تطئمنا على أن السودان لن يعود أسيرا للشلل المترتب على تنازع أجهزة السلطة فإنها في الوقت نفسه تأتي نفيا لما أوردته بعض الأوساط بأن القاهرة وغيرها من العواصم التى ساندتها شرعت في إبداء الحماس لقرارات الرئيس البشير دون ضمان كاف بعدم انتكاستها.
وفي الوقت نفسه لابد من القول إن حماس القاهرة وغيرها من العواصم العربية والعالمية لقرارات 4 رمضان في السودان له اسبابه الموضوعية ، لأن الأوضاع في السودان كانت قد وصلت إلي حد خطر التقسيم ، وخطر اندلاع حرب أهلية في الشمال ، وهو ما يهدد مصالح  جميع الجيران خاصة مصر ، ولم يكن ممكنا تدارك كل هذه المخاطر بينما تتحدث حكومة الخرطوم بصوتين متنافرين ، وقد كانت قرارات الرابع من رمضان في السودان انتصارا للصوت الذي ينادي بالمصالحة والوفاق في الداخل وحسن الجوار والتعاون السلمي البناء من الخارج.

مصادر الدراسة :
صحيفة الأهرام :
1-    24/7/1998م – صفحة الوطن العربي .
2-    30/7/1998م – صفحة الوطن العربي
3-    22/7/1998م – صفحة الوطن العربي
4-    22/8/1998م الصفحة الأولي
5-    22/8/1998م الصفحة الأولي
6-    22/8/1998م الصفحة الأولي
7-    22/8/1998م الصفحة الأولي .
8-    22/8/1998م – صفحة قضايا وآراء .
9-    22/8/1998م – صفحة قضايا وآرا
10-    23/8/1998م – الصفحة الأولي .
11-    23/8/1998م- الصفحة الأولي.
12-    23/8/199م- الصفحة الأولي.
13-    23/8/1998م- الصفحة الأولي.
14-    23/8/1998م - الصفحة الأولي.
15-    23/8/1998م - الصفحة الأولي.
16-    23/8/1998م- الصفحة الأولي.
17-    23/8/1998م- صفحة قضايا وآراء .
18-    23/8/1998م- الصفحة الأولي.
19-    23/8/1998م – عمود.
20-    13/8/1998م – عمود.
21-    24/8/1998م – عمود.
22-    24/8/1998م – عمود.
23-    24/8/1998م – صفحة قضايا وآراء .
24-    24/8/1998م - الصفحة الأولي.
25-    24/8/1998م - الصفحة الأولي.
26-    25/8/1998م - الصفحة الأولي.
27-    25/8/1998م - الصفحة الأولي.
28-    25/8/1998م – الصفحة الأولي.
29-    25/8/1998م - الصفحة الأولي.
30-    25/8/1998م - الصفحة الأولي.
31-    25/8/1998م – عمود.
32-    26/8/1998م - الصفحة الأولي.
33-    26/8/1998م - الصفحة الأولي.
34-    26/8/1998م – صفحة قضايا وآراء
35-    26/8/1998م –صفحة قضايا وآراء
36-    27/8/1998م - - الصفحة الأولي.
37-    27/8/1998م - الصفحة الأولي.
38-    27/8/1998م- الصفحة الأولي.
39-    27/8/1998م – صفحة قضايا وآراء .
40-    29/8/1998م – صفحة قضايا وآراء .
41-    29/8/1998م – صفحة قضايا وآراء .
42-    30/8/1998م – عمود.
43-    1/9/1998م – الصفحة الأولي .
44-    5/9/1998م – الصفحة الأولي .
45-    5/9/1998م – صفحة الكتاب
46-    7/9/1998م – صفحة الوطن العربي.
47-    10/9/1998م– صفحة الوطن العربي.
48-    15/9/1998م– صفحة الوطن العربي.
49-    19/9/1998م– صفحة الوطن العربي.
50-    20/9/1998م– صفحة الوطن العربي.
51-    24/9/1998م– صفحة الوطن العربي.
52-    27/9/1998م – الصفحة الأأولي.
53-    6/10/1998م– صفحة الوطن العربي.
54-    27/10/1998م– صفحة الوطن العربي.
55-    27/10/1998م– صفحة الوطن العربي.
56-    26/10/1998م– صفحة الوطن العربي.
57-    9/11/1998م– صفحة الوطن العربي.
58-    22/2/1998م– صفحة الوطن العربي.
59-    3/3/1999- صفحة قضايا وآراء.
60-    6/3/199م- صفحة الكتاب
61-    20/3/1999-– صفحة الوطن العربي.
62-    26/3/1999 – صفحة الوطن العربي.
63-    26/3/1999– صفحة الوطن العربي.
64-    12/4/1999– صفحة الوطن العربي.
65-    27/4/1999- الصفحة الاولي
66-    2/5/ 1999- صفحة الوطن العربي
67-    4/5/1999- صفحة الوطن العربي
68-    5/5/1999– صفحة الوطن العربي.
69-    14/5/1999– صفحة الوطن العربي.
70-    15/5/1999- صفحة قضايا وآراء.
71-    19/5/1999– صفحة الوطن العربي.
72-    20/5/1999- الصفحة الأولي.
73-    22/5/1999- الصفحة الأولي.
74-    23/5/1999- الصفحة الأولي.
75-    26/5/1999- صفحة الوطن العربي.
76-    27/5/1999 – صفحة الوطن العربي
77-    2/6/1999 – صفحة تقارير المراسلين
78-    29/5/1999 – الصفحة الأولي .
79-    12/6/1999 – صفحة الكتاب
80-    2/8/1999 – صفحة تقارير المراسلين
81-    25/6/1999- صفحة  ملفات الأهرام
82-    2/7/1999  - صفحات ملفات الإهرام
83-    15/8/1999- صفحة ملفات الأهرام
84-    18/7/1999- صفحة الوطن العربي.
85-    18/7/1999 صفحة الوطن العربي.
86-    21/7/1999– صفحة الوطن العربي.
87-    19/8/1999– صفحة الوطن العربي.
88-    24/8/1999– صفحة الوطن العربي.
89-    28/8/1999- صفحة الكتاب
90-    15/9/1999– صفحة الوطن العربي.
91-    22/9/1999- – صفحة الوطن العربي.
92-    10/10/1999- صفحة قضايا وآراء
93-    19/10/1999– صفحة الوطن العربي.
94-    18/10/1999– صفحة الوطن العربي.
95-    25/10/1999- عمود
96-    30/10/1999 – صفحة الوطن العربي.
97-    29/10/1999- الصفحة الأولي
98-    30/10/1999– صفحة الوطن العربي.
99-    27/11/1999-– صفحة الوطن العربي.
100-    4/11/1999- صفحة الوطن العربي.
101-    10/11/1999-صفحة قضايا وآراء.
102-    22/11/ 1999– صفحة الوطن العربي.
103-    22/11/1999– صفحة الوطن العربي.
104-    6/12/1999– صفحة الوطن العربي.
105-    30/11/1999– صفحة الوطن العربي.
106-    1/12/1999– صفحة الوطن العربي.
107-    3/12/1999- صفحة قضايا وآراء.
108-    3/12/1999- صفحة قضاياوآراء.
109-    5/12/1999 –صفحة قضايا وآراء.
110-    13/12/1999– صفحة الوطن العربي.
111-    14/12/1999- الصفحة الأولي.
112-    14/12/1999- الصفحة الأولي.
113-    15/12/1999 – الصفحة الأولي.
114-    15/12/1999 – الصفحة الأولي.
115-    15/12/1999– صفحة الوطن العربي.
116-    15/12/1999 – صفحة الوطن العربي.
117-    15/12/1999– صفحة الوطن العربي.
118-    15/12/1999 – عمود
119-    16/12/1999- صفحة الوطن العربي.
120-    16/12/1999- الصفحة الأولي
121-    17/12/1999- الصفحة الأولي
122-    18/12/1999- الصفحة الأولي
123-    18/12/1999- صفحة قضايا وآراء
124-    19/12/ 1999 – صفحة قضايا وآراء
125-    20/12/1999 – الصفحة الأولي
126-    20/12/1999- الصفحة الأولي
127-    20/12/ 1999 – عمود.
128-    21/12/1999- الصفحة الأولي
129-    21/12/1999- الصفحة الأولي
130-    21/12/1999 – عمود
131-    22/12/1999 – الصفحة الأولي
132-    22/12/1999- الصفحة الأولي
133-    22/12/1999- صفحة الوطن العربي
134-    23/12/1999 – الصفحة الأولي
135-    23/12/1999– صفحة الوطن العربي.
136-    23/12/1999- صفحة تقارير المراسلين
137-    25/12/1999- الصفحة الأولي
138-    25/12/ 1999 صفحة قضايا وآراء
139-    26/12/1999– صفحة الوطن العربي.
140-    1/1/2000 – صفحة الوطن العربي.
141-    1/1/2000 صفحة تقارير المراسلين
142-    2/1/2000-صفحة ملفات الأهرام
143-    3/1/2000 – صفحة ملفات الأهرام
144-    3/1/2000 - – صفحة الوطن العربي.
145-    6/1/2000– صفحة الوطن العربي.
146-    15/1/2000– صفحة الوطن العربي.
147-    25/1/2000– صفحة الوطن العربي.
148-    18/1/2000– صفحة الوطن العربي.
149-    26/1/2000 – صفحة ملفات الأهرام
150-    21/1/2000 – صفحة الوطن العربي.
151-    30/1/2000– صفحة الوطن العربي.
152-    31/1/2000- صفحة قضايا وآراء .


 

آراء