تنقا, الهلال, مدينة الابيض .. الوفاء فى زمن الاقصاء

 


 

 


سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
طوال سنوات غربتى التى طالت والتى أتمنى صادقا أن تنتهى بالعوده الى الوطن الحبيب رغم التحديات التى تواجهنا كأمه الا ان حبنا له لم ولن يتزحزح فى تلك الفتره حالى كحال الكثيرين من السودانيين المنتشرين فى بقاع الارض ولكن ذلك الحب يصعب رده لمسبب أو داعى محدد وله أسباب شتى يصعب وصفها وتفسيرها وأترك ذلك لعلماء النفس وعلماء الاجتماع وبقية المختصين والذين من شأنهم تفسير الاحساس بالانتماء للمجموعه والمنطقه الجغرافيه والتمسك بالذكريات وما الى ذلك من دوافع الحب الجميل والهستيرى معا للأوطان والقوميات. ذلك الحب الذى أحمله للوطن واتذوقه بلذه وشوق وفخر تتوسطه نكهه فى غاية الحلاوه كالتى تجدها عندما تبدأ فى أكل الفطائر الحلوه (رغم أنى أكتفى بشراب الشاى كتحليه لاتضاهيها حلاوه)وفى تلك الفطائر تجد بداخلها فاكهه أو حشوه أشد حلاوة فى المذاق, أنا أعنى بتلك الحلاوه التى تتوسط الفطيره(السودان) مدينتى الحبيبه مدينة الابيض والتى تزيدنى حبا وارتباطا بهذا الوطن الحبيب الذى تتوسطه. تلك المدينه التى دأبت على ترك أثرا فى معظم أبنائها يصعب تجاوزه أو التنكر له. لقد شكلت مدينة الابيض وجدانا موحدا ومشتركا لكل سكانها مع اتاحة الفرصه لهم بتلوين ذلك الوجدان بما يحلو لهم ليكون كل منهم مدينة الابيض التى يعرفها هو ويحبها كل على حسب هواه ولكن يبقى القاسم المشترك بينهم جميعا وهو حب تلك المدينه العريقه والتى تتوسط السودان جغرافيا وتمثل كل أطياف التنوع الاثنى وممتلأه حتى النخاع بثقافات لم تتوقف عن رفد الوطن بالمبدعين وبالابداع نفسه والذى يتجسد فى كم ونوع العطاء المتدفق من تلك المدينه العريقه. أبناء وبنات الابيض فى الداخل والخارج لهم ولاء مدعم بحب جارف لتلك المدينه نابع من احساسهم بالامتنان لما قدمته تلك المدينه لهم ولرباط يصل لحد القداسه والذى لاندرى من أين الامساك به ولكنا نحسه فى كل مواضعنا وفى حلنا بها, ومؤكدا يلازمنا فى ترحالنا.
ذلك الاحساس بالانتماء لتلك المدينه لايمكن اخفائه او بالاحرى يسعى معظم أبناء وبنات الابيض لابرازه وبفخر فى معظم المحافل, تلك الصوره تجسدت وبكل جلاء عند مشاهدتى لبرنامج فى قناة الشروق التلفزيونيه السودانيه بعنوان (وين انتو) والذى بث فى ثانى أيام عيد الأضحى المبارك والذى استضافت فيه مقدمة البرنامج لاعب الهلال والفريق القومى السودانى السابق منصور بشير (تنقا). أولا أبدأ بالاعتراف الذى قد يجلب لى الكثير من الرسائل الغاضبه من أصدقائى المريخاب لأنى بصدد اغداق الحب والثناء على محبوب الهلال تنقا وأنا مريخابى على السكين منذ الصغر. أيضا أود أن أوضح أن تنقا أخ وصديق قديم من أبناء مدينة الابيض حيث ترعرعنا بها جميعا وكان تنقا يسبقنا بسنوات قليله فى الدراسه ولكنى كنت زميلا لشقيقه الاصغر محمد وبالرغم من الانقطاع عن التواصل بسبب الغربه الا ان أخباره لم تنقطع عنى عبر الاصدقاء المشتركين وحبى وودى  يتواصلان لذلك الرجل الخلوق. تنقا ولكل عشاق الكره تميز باداء رفيع ومستوى متطور وبفنيات عاليه وممتعه أعطته نكهه وأصبح اسلوبه مراقبا ومدروسا لدى معظم الفرق التى كانت تنازل الهلال والفريق القومى السودانى فى تلك الحقبه سواء كان ذلك افريقيا أو عربيا. فريق الاهلى والزمالك القاهريين,  الترجى التونسى, الوداد المغربى, الاشانتى كوتوكو الغانى, وغيرهم من الانديه كانت تقوم بفرز أو عزل تحركات بعض اللاعبين المميزين من الفرق المنافسه فى اشرطه فيديو منفصله وهى وسيله متبعه لكل الانديه العالميه لمتابعة اللاعبين الذين يمكنهم تغيير النتائج أو لهم تأثير على فرقهم, كان تنقا واحدا من هؤلاء اللاعبين الذين اهتمت بهم تلك الفرق وبتحركاتهم لما له من امكانيات عاليه وخطوره على الفرق النافسه. لكن هذا المقال ليس بمحاوله منى لابراز امكانيات تنقا الرياضيه الفنيه لأن تنقا لايحتاج الى كتاباتى ورصيده وتجربته ونتائجه تتحدث عن نفسها وتاريخه لايحتاج لمحامى مدافعا عنها ولكن أنا هنا أتحدث عن تنقا الانسان والذى أخذنى لآفاق بعيده وانا أشاهده يتحدث عن تجربته وبعض من حياته الكرويه ومسيرته الشخصيه. حديثى هنا سيكون مركزا وبقدر الامكان على  التعليق على بعض مادار بينه وبين مقدمة البرنامج من حديث وماله من أبعاد ودلالات أعمق وأرفع مما ظهر على سطح المعانى.
تحدث تنقا و بتواضع جم عهدناه فيه منذ أيام الابيض عن تاريخه الرياضى وأجاب على أسئلة مقدمة البرنامج بكل تواضع ورصانه لاتخلو من الحكمه والادب والذوق الرفيع لكنك لايمكن أن تتجاهل أو تغفل عن النبره التى فيها بعض من الحزن, أو عدم الرضا عما حاق به أو بجزء من تجربته فى الهلال. أنا وللأمانه الفكريه لست ملم بتداعيات مغادرته للهلال وما اذا كانت هناك بعض المرارات التى صاحبت علاقته ببعض افراد ادارة الهلال ولكن المراره أو الطعم الغير جميل لازالت عالقه بمذاق تنقا. لكن تنقا الرجل الخلوق صاحب الذوق الرفيع لم ينبت بكلمة سوء أو عتاب ظاهر على أى منهم بل ذهب الى الاطراء على بعضهم والدعاء بالسماح للآخرين فى لمحه تسامحيه تدل على رقى ونبل ذلك الشخص الكريم ابن الكرام. ذلك الوفاء الذى أبداه الاخ منصور تنقا تجاه الأسره الهلاليه يندر فى زمن أصبحت فيه الخلافات بين المشاهير تتحرى صفحات الجرائد ووسائل الاعلام لتجعل منها مسرحا للتعارك والتراشق بالكلمات الغير مريحه بل والمؤذيه فى كثير من الاحيان ولكن تنقا ارتقى وربأ بنفسه عن الانزلاق لتلك الهوه لعفته وعفة لسانه وعزا بعض أسباب عزوفه عن الانخراط أو الظهور على الساحه الرياضيه والتى هى فى أمس الحوجه لمثل خبرته وتجربته عزاها لانشغاله بأسرته الكريمه. ولكن الرساله المهذبه والراقيه التى أراد لها منصور أن تصل, قد كانت جليه وباينه كشمس منتصف النهار فى صيف السودان. لقد أسدانا تنقا درسا فى الاخلاق وعلمنا مكنونات الاخلاق والعفه التى نسعى جاهدين الى غرسها لدى أبنائنا وبناتنا. تنقا الأصيل أبن الأصيلين لازال يمتع الجمهور خارج ميادين الكره فى مساهمه اجتماعيه وخدمه عامه تساوى أقيم المحاضرات فى القيم والاخلاق والنبل. أيضا عرج تنقا وأبدى مدى احساسه (بتأنيب) الضمير لشعوره (بالتقصير) فى اسداء أو ايلاء أهله الاهتمام الذى يستحقونه والذين انشغل عنهم فى تقديره أثناء انخراطه مع الهلال والفريق القومى وايضا أبدى مدى ألمه أو أحساسه (بالانتقاص) من حق مدينته الحبيبه الابيض وما يمكن أن يقدمه لها. ذلك الاحساس والنبل الذى طغى على نبرة الاخ منصور فى حديثه عما يحس به تجاه الأهل وتجاه مدينة الابيض, أكبره فى نظرى أضعاف, وأعطانى الاحساس بصدق نظرية (الأغلبيه الصامته) حيث أن منصور لازال وسيظل منصورنا وحبه لأهله ولمدينته تتشرب وتتغلغل الى أعماقه رغم عدم المام الكثيرين بذلك ولكن كما يردد أن الذهب لايصدأ.  الكثيرون يحملون كل الحب والعزم على تقديم المساعده لأهلهم وذويهم ولكن ظهور معترضات فى طريقهم حالت دون ذلك ولكن منصور أعاد لنا الامل نحن الذين ننحت على الصخر لنشحذ الهمم لمصلحة أهلينا وعقابنا فى مدينتنا الحبيبه لسنا وحدنا وأنا هناك أمثال منصور تنقا رغم شهرتهم وحب الملايين لهم لازالوا يحملون حب الأبيض فى دوخلهم ولم يرفعوا الرايه البيضاء فى معركة البناء والتطوير ومساعدة الأهل. تنقا كان ولازال منصور المهذب المخلص والذى رأيت فيه من خلال شاشة التلفزيون نفس الانسان الذى كنا ولازلنا نحب لأنه كريم وابن كرام وسمات مدينة الابيض وفضائلها لازالت محفوره فى دواخله ويالفخر الابيض بأبنها ويالفخر منصور بالابيض الحبيبه. أنت لم تقصر يا منصور وان حديثك عن تقصيرك هو فى حد ذاته خدمه لمدينتك ولأهلك لأنها قد تكون دافعا لتلك الاغلبيه الصامته بحذو حذوك وتقديم مايمكن لخدمة البلد  وتعقيبات وتعليقات زملائه القدامى من هلال الابيض تنضح بالحب والوفاء له خصوصا ن الاخوان معاويه الوقيع وصديقه وصديقى وأخى العزيز اأشرف عبد الله الرجل اللبق المتمكن منذ الصغر والذى عهدناه منصفا حيث أوفى ونجح فى عكس حب أهل الابيض لتنقا ومدى تقديرهم له وكأن لسان حاله يردد أفكار أهل الابيض وبصوت مسموع لتنقا وكل أبناء الابيض الغائبين بأن الجايات أكثر من الرايحات والبلد لم تقطع عشمها فيكم والله المستعان.
 

 

آراء