“ثروت الخرباوي” وكتابه ” سرّ المعبد ” و الإخوان
"ثروت الخرباوي" وكتابه " سرّ المعبد " و الإخوان
ليس هنالك من متعة للقراءة مع خير جليس ، غير متعة القص ،حين يستعين الكاتب أو الراوي بكل أدوات اللغة الروائية في السرد وعلوم البلاغة من البديع والمعاني والبيان والإيجاز ، وتخير لطائف اللغة ، بعيداً عن التقعُر المعتاد في كتابة الذين كانوا في داخل الحركة أو الجماعة وقد خرجوا عليها .فانبساط اللغة ومياهها السلسة ، وفخامتها وغزارة المفردات ودقة الوصف ، وما يحيط بالشخوص ، انفعالاتهم ومشاعرهم ، القرب والبعد ، التقديم والتأخير ، سينمائية الأحداث . تتجول في أنفس الراوي وهي تتوالد خلاياها ، تتفق و تختلف في حيرة ، وتتأمل الغوص في بحار غير مأمونة العواقب . تُمسك بالكتاب ولا تتركه من شغف حتى تختم قراءته .
*
الأمكنة والشخوص ، و استنباط الدفوع للأفكار من مرجعياتها ، وأسانيدها .والكشوف المضيئة في عتمة تخال نفسك خارج منها إلى الأضواء ، وتدرك أنك من بعد جهد ،لما تزل في لجة الغموض ، كأنك تُلاحق اسراب السحاب ترغب أن تقبضها بيدك . كتاب موضوع لك في قوالب تستدعيك لتقرأ وتتأمل ، وليس لملاحقة أبطال القص ومتابعة مواقفهم ورؤاهم وأفعالهم . يقف الكاتب في سماء الأفكار كلها بعين الناظر للأمر من البعيد ، يستخدم المنطق في إيراد الأسانيد ، ويقدم من ذات المرجعية العقدية ، كيف يكون التأويل ، والتفسير . كيف يمكن للخارج للقتل أن يخرج ليس بالاستناد إلى النصوص ، بل بالاستناد على نصوص مبتورة من سياقها جهزها القياديون ، ويستخدمها القاتل ببشائر ريح الجنة كما صوروها له ، وهو ينقاد بالتأويل الذي تلقنه كفتوى تُجيز له العمل والتعبد لله ، بوسائل قد تنافي الدين وسماحته. يذهب دون تفكُر ، فإن فكَّر فسيرتاب ويتشكك، وهذا ما يريده الذين يختفون في لُجج الظلام . يتوسط الكاتب بين الرؤى المتصارعة ، لا يجرّك إلى الطرف الذي يُحب ، بل يترك لك الخيار أن تقرأ وتتفكر فيما هو مكتوب .
*
يحتار المرء أهي رواية أم سيرة ذاتية أم هي قطوف من حياة سابقة ، أو لطائف من حياة البشر في صحبة الذئاب الجائعة إلى السلطان . تجد بكاء المتعبدين الباكين من آثار الجزالة والفخامة البلاغية للقرآن ، وهي تهزّ الأفئدة ودعوتهم بالخير في الطرف الرقيق من الحكاية ، وفي الطرف الآخر اقوام غلاظ شداد ،اتخذوا من العقيدة في القلوب المؤمنة ببساطتها ، عجينة طيعة ليجرّونها بخيوط التنظيم وحبائله وجعلها أدوات يمكنها أن تتحول إلى قنابل موقوتة للقتل ،.تتخذ من الآخرين حتى المسلمين المختلفين معهم في الرؤى أهدافاً لينفونها من الدنيا ! . كل جريرة الضحايا أنهم أصحاب رؤى وتأويل مختلف . يتم وصمهم بأنهم أعداء مارقين وخارجين عن الملّة ، و كفرة يستحقون القتل !. ويباشر التنظيم الفعل من وراء الأستار السميكة من بعد الإيمان بالفكرة التكفيرية . وهي في آخر أمرها كما يلحظ القارئ " جريمة منظمة " بكل الأعراف.
(1)
اسم الكتاب : سرّ المعبد – الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين
المؤلف : الأستاذ / ثروت الخرباوي . من مصر
كتاب من القطع المتوسط ( 359 ) صفحة – الطبعة الثالثة 2012 ، دار النهضة مصر .
*
كتب يوسف القعيد على مُغلف الكتاب :
إنه كتاب شديد الأهمية . فقصة "ثروت الخرباوي" تقول إن قادة الجماعة عندما يجدون أنفسهم أمام إنسان يُفكر وإنسان آخر لا يفكر ، فإن الاختيار يكون من نصيب الثاني . ذلك أن التفكير جريمة في عرفهم . مع أن التفكير في الإسلام فريضة كتب عنها الأديب عباس محمود العقاد كتابه " التفكير فريضة إسلامية ".
(2)
تبدأ الدهشة من أول الكتاب حين يخُط الكاتب " ثروت الخرباوي " " أسطورة الكتاب " في المقدمة وأنت تبدأ بها القراءة :
( إذا كنت ستقرأ هذا الكتاب لتأخذه كما هو فلا تقرأه ، وإذا كنت ستقرأه وقد اتخذت مُسبقاً قراراً برفضه فلا تقرأه ، ولكن اقرأ وفكّر ، ثم بعد ذلك أرفض أو أقبل ، أرفض الكل او أرفض البعض ، قراءة بلا تفكير ليست قراءة ولكنها تلقين ، الأحرار فقط هم الذين يفكرون حين يقرءون ، قراءة مضمخة بالتفكير تعطيك عُمراً جديداً ، وفي هذا الكتاب أهب لك بعض عُمري .)
وهي ذات المدخل الذي يُحررك من التبعية الفكرية ، ويشعل ذهنك بالحريق ، ويثب الفؤاد من تضارب المشاعر .
(3)
كتابٌ يعتز صاحبه بقيم الفكر والتفكير ، وتلك ميّزة امتاز بها على معظم المسلمين المُنَظَّمين في الجماعة . " الخرباوي " ، كاتب حرّ .يفكر " خارج الصندوق " . يأخذ من ينبوع الذكر الحكيم حين ترد نصوصه : أفلا يعقلون ، أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ، َلعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ، أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، كما وردت في سور البقرة وآل عمران والأنعام والأعراف ويونس والرعد والنحل والروم وسبأ والحشر والمدثر وغيرهم من السور القرآنية . وهي خصلة لا تتوفر لدى الذين ينتمون للجماعة دون إعمال الفكر ، أنه كالمغردين حفاوة بالفتوح المعرفية التي يتعين على المرء أن ينهل منها ما امتدت يده وما شخصت بصيرته . خرج هو من تلك العباءة الفضفاضة الغائمة الغامضة ، وأشرق في صبحٍ وجداني جديد منذ العام 2002 م. وهو عام مفارقة الجماعة . فقد كان ينتمي للوفد أول أمره ، ودخل الجماعة ، حين أغرته أشواقه للدعوة وسماحتها . وعندما تكشفت له أسرار التنظيم ومناظرتها التركيبة " الماسونية " ، والكهوف التكفيرية التي ولجتها ، وتبين كيف حاد هؤلاء عن الدعوة بالتي هي أحسن،و آثر أن يبتعد ويخرج ، حين قفزت الجماعة فيها من الفكرة إلى التنظيم ، ثم بحثت عن أسباب القوة لأنها تفتح الأبواب الموصدة على المنتمين للتنظيم ، ويدخلون بها آفاقاً رحبة .و يدّعي القادة أنهم يملكون " الحقيقة "، وغيرهم يعيش الجاهلية والكفر . والآخرون في نظر التنظيم يستحقون الموت لأنهم يعوقون الأهداف ويعطلون المطامح . أما القوة الصلبة فمرجعيتها لديهم من تأويلهم " أعدوا لهم " ، أياً كانوا ، للوصول بالقوة إلى السلطة ومن بعد ذلك التمكين . !
(4)
إن قضية " النظام الخاص" هي قضية اليد الباطشة للتنظيم السري ، الذي امتد أكثر من ثمانين عاماً . تخفتُ حيناً وتحيا أحياناً كثيرة ، وسادت قوتها الآن . ذكرها الأستاذ " ثروت الخرباوي " في عدد من المحاور والفصول . عَرَفها بالإسقاط و بالإبهام وبالمجاز من أصحابها قياديي الجماعة ، حين يهربون من الإفصاح عنها حتى على المقربين ، لخطورتها الجنائية ، وحبلها المتروك على الغارب . ولكنه يُشركك معه الوقائع ، ويترك لك أن تلُم أشتاتها وتفكر . إن التصفية الجسدية للآخرين سيرة مدفونة ، لا يعلم تفاصيلها إلا قلة .
(5)
ذكر " ثروت الخرباوي " في الفصل الأول من كتابه السابق " قلب الإخوان " أنه في مناظرة عام 1992 ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي في القاهرة ،مع الدكتور "فرج فودة "وموضوعها ( مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية ) ، راقب المستشار والقيادي في الجماعة " مأمون الهضيبي " في المناظرة ،حين كان جلّ همه أن يدافع عن تاريخ الإخوان المسلمين ورجال النظام الخاص فلم يستسغ هو ذلك الدفاع . ولم تقع صيحة " الهضيبي " المدوية بتعبد الإخوان لله بالاغتيالات موقعاً حسناً في نفس الكاتب عندما استدبر معناها . وذلك حين ذكر ما قاله "مأمون الهضيبي " ( نحن نتعبد لله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين قبل الثورة ). نطقها المستشار" الهضيبي "على مهل وبصوته الرفيع الحاد وبنغمة خطابية حماسية مفعمة بالفخر والزهو والخيلاء .ثم نظر " الخرباوي " ذات اليمين وذات الشمال ليرى أثر كلماته ووقعها على الشيخ محمد الغزالي والدكتور محمد عمارة وكانوا من الحضور ، ..لحظتئذ ضجت القاعة بالتهليل والتكبير والتصفيق.|1|
*
بعد أشهر من تلك المناظرة ، في يونيو 1992 تم اغتيال الدكتور " فرج فودة " من قبل جماعة إرهابية أمام " الجمعية المصرية للتنوير " التي أسسها !! . كفّرته جبهة كانت تسمي نفسها " جبهة علماء الأزهر " وقد أصدرت عام 1992 " بجريدة النور " بياناً يكفره ويستوجب قتله !!! .
ما أسهل صناعة التنظيمات التي تتناسل من عباءة التنظيم الأم . تطلق الفتاوى بالقتل ، لاختلاف في الرأي حول الدولة المدنية والدولة الدينية ! .
(6)
يصف " الخرباوي في كتابه " سرّ المعبد "" طقس البيعة للجماعة:بالدخول لغرفة البيعة المظلمة. يكونون في مواجهة أخ يرتدي لباساً أبيضاً يغطي كامل جسده ولن يعرف شخصه أحد ، ويقوم الجالس في المواجهة بتلقي البيعة إنابة عن المرشد بآيات الله التي تحض على القتال في سبيله وتجعله فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، والتذكير بسرية التنظيم وشرعية الظروف التي صاحبت ذلك ، ومن ثم أخذ البيعة على الجهاد حتى ينتصر الإسلام أو يهلكون دونه . ثم يخرج مسدساً ويطلب من المبايع أن يتحسسه في الظلام ، وأن يتحسس المصحف الشريف الذي يبايع عليه ، ثم يقول له " إن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك ويكون مأواك جهنم وبئس المصير ، وإذا قبل العضو بذلك كُلِّف بأداء القسم على الانضمام عضواً في الجيش الإسلامي والتعهد بالسمع والطاعة .
ذات المنهاج الذي أسسه " حسن البنا " مقلداً تجربة الانضمام إلى " الماسونية " ،و بذات الطقس وذات الغموض ، بل ذات المراتب التي يرتقي فيها العضو درجاته في سلم التنظيم .!!
(7)
يكتب " الخرباوي " على لسان مُحدثه ، أنه لم يكن "سيد قطب " هو أو ل من ابتدع جاهلية المجتمع ولم يكن "شكري مصطفى" وحده التكفيري النزعة ،بل تعليمات " حسن البنا " المؤسس الأول ،كانت تحمل لمحات تكفيرية واضحة الدلالة ، كما ورد في البند الخامس والعشرين من رسالة البنا للتعاليم وهو يوجه تعليماته للإخوان " أن تُقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة " !!.
(8)
عند جلوس الكاتب " الخرباوي " لأستاذه الوسطي المتسامح " أحمد إبراهيم أبو غالي"، الذي بينه وبين الإخوان اختلاف أخرجه من الجماعة ، تتكشف معلومات وتتفجر الأفكار المُسلّمة بصحتها عند الكثيرين ، ويدعوك بلغته الباهرة وتمكنه من الاستدلال والاستنباط أن يجعلك تتشكك في معانيها حين يقول : ( لا يوجد شيء اسمه تفسير القرآن الكريم ، فلو كان هنالك تفسير لكان من الرسول صلى الله عليه وسلم .وما كتبه المفسرون هو مجرد فهم لآيات القرآن ، وفهمهم هذا يردُ فيه الخطأ والصواب ، القرآن يا "ثروت "لا تنفد عجائبه وما دام الله جعله لكل الأجيال إلى أن تقوم الساعة ولا ينبغي أن يقول أحد إنني قد فهمته على النحو الذي اراده رب العالمين ، ولكنها مجرد خواطر ورؤى حول آيات القرآن الكريم ومعرفة لمعاني الكلمات وصولاً إلى بحث الأفهام عن المعاني ، ولأن الأفهام نسبية فإن ما ستراه يكون نسبياً بدوره .
كرهت الأجيال التكفيرية المعاني الجميلة التي في الكون ، اعتبرت الموسيقى زندقة والآداب العالمية مَحرقة والفنون شيطنة ، تربَّت هذه الأجيال على أن الديمقراطية حرام واللبرالية كفر !.فتحت هذه الأجيال رءوسها ليتم حشوها بكراهية كل المناهج السياسية والاجتماعية التي ابتدعها الإنسان. )
وخطة التمكين تقوم على السيطرة على الجيش والإعلام والقضاء ، هذه ركائز إن تمت السيطرة عليها كان طريق الوصول للحكم مُيسراً !!
(9)
علاقة " الخرباوي" مع أستاذه السابق في التعليم " أبو غالي "، ألقت بظلالها على تحفيزه النظر بالعقل والعاطفة للتنوير الديني الدعوي ، و ذكر له كيف أنه غادر الجماعة مثله بعد أن أحسّ بالتدابير السرية والشرعة المدفونة في النفوس والتي تفوح من بعض التصريحات ، فتشير إلى تحويل الجماعة من سماحة الدعوة إلى غلبة التنظيم العسكري ، ونزعة التدبير السري مدعوماً بالتقيَّة ، للدخول لمجالات إنشاء القوة الصلبة من ذات الموجودة في الدولة وفي غيرها ، و إقامة هيكل صلب من سدنة " النظام الخاص " ، وهو مفتوح لتنمية القوة التي سيحتاجونها ساعة زمان الصعود إلى السلطة ، بل لتنفيذ الشرعة التكفيرية خلال المسيرة الطويلة ، ومدّ اليد إلى القتل بفتاوى التكفير ، لإزاحة الأعداء عن الطريق.
أعادت للكاتب تجربة صحبته مع " أبوغالي " عذوبة حياة الداعية التّقي الذي يشع عمقاً في معرفته واجتهاده ، وسماحة نظرته للإسلام . يعرج بصحبته إلى آفاق رحبة ورحلة نورانية ومشاعر صوفية رقيقة حين يذكّره بقصص الذين يأخذون العلم عن طريق الأسباب ، وآخرين يأخذنه من رب الأسباب . ويشرع في تسليط ضوءه الكاشف على الآيات القرآنية التي تتحدث عن العلم الذي تُشير إليه العلوم التي تأتي من لدُن رب العباد ، كما هو مذكور في سور الكهف وطه والأنبياء والنمل . ويبحر معك في الجانب المضيء من خيارات التعبد ، التي ترتقي بالنفس البشرية ، لا تلك التي تقربك إلى السلطة والثروة والحكم ، أو تلك التي تزهق أرواح الناس ، أو الأعمال التي تدخل من بوابة الجريمة المنظمة ، ويقول التكفيريون زوراً أنهم يتقربون بها إلى الله !!|2|
(10)
يمكنك ملاحظة أن قادة هذا التنظيم السري الذين جاء ذكرهم في الكتاب وقد أوردهم الكاتب بأسمائهم ، بما فيهم رئيس مصر الحالي ومرشد الإخوان المسلمين !!.
(11)
أما قضية الإخوان الآخرين المنتشرين في أرجاء الكون ، والذين تتلمذوا في بواكير أيامهم على يد " سدنة معبد الجماعة بمصر " وحَمَلَة أختامها خلال أكثر من ثمانين عاماً ، فينطبق عليهم المثل المصري الذي يقول :
{ اقلب الجرَّة على فمها تطلع البنت لأمها }
*
المراجع :
|1| : ثروت الخرباوي ،( قلب الإخوان) ، الفصل الأول ، ص 11،ص 14
|2| : ثروت الخرباوي ،سرّ المعبد : الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين.
عبد الله الشقليني
13/01/2013
abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]