ثلاثة أسماء سودانية في حياة مالكولم إكس (1925-1965): مالك بدري، أحمد عثمان، أحمد حسون

 


 

 

 

مالكوم إكس مواطن أمريكي من أصل أفريقي، وُلِد في أسرة زنجيَّة رقيقة الحال، بمدينة أوماها في ولاية نبراسكا، في 19 مايو 1925م، وكان أبوه قسيساً معمدانياً، وناشطاً سياسياً في الجمعيَّة العالميَّة لتقدم السود وتحررهم من اضطهاد البيض الأمريكيين؛ ولذلك قُتل بطريقة وحشية على يد عصابة من البيض العنصريين عام 1931م، ووقتها لم يتجاوز عمر ابنه مالكوم ستة أعوام. التحق مالكوم بالمدرسة الابتدائية في الخامسة من عمره؛ إلا أنَّ سلوكه الأخلاقي بدأ يتردَّ بعد وفاة والده، فعاش حياة تسكعٍ وتطفِّلٍ وسرقةٍ، تسببت في طرده من المدرسة، وإيداعه سجن الأحداث. وفي السجن واصل تعليمه الثانوي، وكان طالباً ذكياً ونابهاً ومتفوقاً على أقرانه، ومتطلعاً أن يكون محامياً؛ إلا أن أحد أساتذته نصحه بأنَّ حُلم المحاماة في ظل سياسات التمييز العنصري الأمريكية حُلماً بعيد المنال، ولذلك ترك مالكوم الدراسة واقلع عن أحلامه المستقبلية. ويبدو أنَّ ذلك الواقع المحبط قد دفعه إلى عدم مواصلة تعليمه ما بعد الثانوي، فآثر الارتحال إلى مدينة بوسطن في ولاية مَاسَاتَشْوْسِتْسْ عام 1941م، حيث احترف صنعة مسح الأحذية وغسيل الأواني المنزلية، كما انغمس في حياة اللهو والمجون في حانات المدينة. وبعد عامين من الحياة العابثة-الماجنة في بوسطن، آثر الانتقال إلى نيويورك، حيث حصل على وظيفةٍ عماليةٍ في السكك الحديدية، وعمره لم يتجاوز واحد وعشرين عاماً. عاش في حي هارليم الشهير، مقترفاً شتى أنواع الجريمة المتمثلة في السرقة والسطو وتعاطي المخدرات، ومتظاهراً بالجنون لتجنب التجنيد الإجباري إبان الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لذلك فُصِلَ من عمله بنيويورك، فعاد إلى بوسطن عام 1945، وهناك تعرَّض للاعتقالات الشرطية بتهمة حمل السلاح والسرقة، وأخيراً صدر ضده حكماً قضائياً بالسجن عشر سنوات عام 1946م. وفي السجن تأثر مالكوم برسائل إخوته، الذين ابلغوه باعتناقهم لدينٍ جديدٍ، قائماً على "نصرة السود وانقاذهم من سيطرة الشياطين البيض"، وإن رسول الدين الجديد هو إلايجا محمد (1897-1975م)، مؤسسة جماعة "أمة الإسلام". فاعتنق مالكوم الإسلام على مذهب إلايجا محمد، ثم أقبل على قراءة الكتب الإسلامية والتاريخية، كما دخل في سلسلة من الحوارات الدينية مع بعض السجناء وزوار السجن من القساوسة النصارى. ونتيجة لتحسَّن سلوكه في السجن، تمَّ إطلاق سراحه عام 1952 قبل ثلاث سنوات من انتهاء المدة القانونية. وفور خروجه من السجن انضم مالكوم إلى جماعة أمة الإسلام في ديترويت، وفي مسجد الجماعة استرعت انتباهه عبارتان، أولهما "إسلام: حرية، عدالة، مساواة"، وثانيتهما على العلم الأمريكي، مفادها: "عبودية: ألم، موت". تدرج مالكوم في سُلُّم الجماعة إلى أن بلغ مرتبة الرجل الثاني بعد إلايجا محمد، وأضحى المتحدث الإعلامي الرسمي باسم الجماعة. وبعد سبع سنوات من النشاط الدعوي المتواصل لجماعة أمة الإسلام، قرر مالكوم إكس زيارة الشرق الأوسط وإفريقيا؛ لأنه كان معجباً بالقادة الأفارقة الذين ناصبوا الاستعمار الإنجليزي والفرنسي العداء، وحرروا بلادهم من أطماعه الإمبريالية، أمثال محمد أحمد المهدي (1844-1885م) في السودان، وجمال عبد الناصر (1918-1970م) في مصر، وكوامي نكروما (1909-1972م) في غانا، وأحمد سكيو توري (1922-1984م) في غينيا كوناكري. وأعقب هذه الزيارة بزيارة ثانية عام 1964م، حيث أدى فريضة الحج، وزار عدداً من الأقطار العربية والإفريقية. وفي تلك الفترة (1959-1964) تعرَّف مالكوم إكس على ثلاث شخصيات سودانية، تحاور معها فكرياً في ثوابت العقيدة الإسلامية، ومساره الدعوي لإعادة ثقة الزنوج الأمريكيين بأنفسهم، ونيل حقوقهم الإنسانية بكل الطرق الضرورية. أول هذه الشخصيات البروفيسور مالك بدري (1932-2021)، وثانيها البروفيسور أحمد عثمان (و. 1942م)، وثالثها الشيخ أحمد حسون (1897-1971م).

مالكوم إكس ومالك بدري
عندما ما زار مالكوم إكس الخرطوم في إطار زيارته لبعض الأقطار العربية والإفريقية عام 1959م، كان مالك بدري طالب دكتوراه بجامعة لستر البريطانية، وذلك قبل حصوله على الإجازة عام 1961م، والتحاقه بالجامعة الأمريكية ببيروت أستاذاً لعلم النفس (1962-1964م). وكان أول لقاء لمالك بمالكوم في بهو الفندق الكبير بالخرطوم، وبعد ذلك اللقاء العابر، دعاه مالك إلى زيارة منزل الأسرة بمدينة أمدرمان، ونظَّم له رحلة ميدانية لبعض المواقع التاريخية المهمة، وكان من ضمنها متحف بيت الخليفة، وقبة الإمام المهدي بأمدرمان؛ لأن مالكوم إكس كان معجباً بشخصية الإمام المهدي، "الزعيم النوبي" الذي ثار على الإنجليز وأعوانهم، وأنشأ دولة (1885-1898)، امتدت حدودها من البحر الأحمر شرقاً إلى دارفور غرباً. وأثناء تلك الزيارة دخل مالكوم في حواراتٍ فكريةٍ مع مالك بدري عن مرتكزات الإسلام والدعوة الإسلامية ورؤيته تجاه الأمريكيين البيض، ووضع المسلمين السود في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد وصف مالكوم تلك الزيارة بقوله: "لقد اندهشتُ، وأعجبتُ بالمسلمين السودانيين، وما يتمتعون به من تقوى وضيافة لا مثيل لهما في أي مكان آخر. لقد شعرت حقًا بأني في الفردوس." ويبدو أن تأثير تلك الزيارة واللقاء ببعض الشخصيات الإسلامية في السودان ومصر وفلسطين وإيران وغانا، قد دفع مالكوم لاحقاً إلى الاستقالة من جماعة "أمة الإسلام"، وذلك في 8 مارس 1964م. لكن بعض المصادر ترجع استقالة مالكوم إلى الخلاف الذي نشب بينه وبين إلايجا محمد؛ لأن الأخير قد حذَّر أنصاره من التعليق على اغتيال جى. إف. كينيدي (1917-1963م)؛ إلا أن مالكوم لم ينصاع لذلك التحذير، فصرَّح قائلاً: "سلاح كينيدي قد ارتد إلى نحره، وحصد ما زرعه وبأسرع مما توقع هو نفسه"، فجمَّد إلايجا محمد عضوية مالكوم في الجماعة. الأمر الذي دفعه إلى الاستقالة من "أمة الإسلام، وبعدها قرر الذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وذلك بإيعاز من صديقه أحمد عثمان. وفي طريق عودته من الحج دعاه مالك بدري إلى زيارة بيروت، حيث حط رحاله بالعاصمة اللبنانية في 29 أبريل 1964م. فحاول مالك بدري أن يرتب له محاضرة بالجامعة الأمريكية ببيروت؛ إلا أنَّ إدارة الجامعة رفضت استضافة مالكوم إكس، متعللةً بمواقفه المعادية لسياسة الحكومة الأمريكية. وعوضاً عن ذلك، نظَّم مالك المحاضرة بالمركز الثقافي السوداني ببيروت، وحضرها عدد من الطلبة وأساتذة الجامعة ورهط من أفراد الجالية السودانية. وفي تلك المحاضرة تحدث مالكوم عن أزمة السود النفسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بحكم أنهم كان يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية أو أدنى من ذلك. في زيارته الثانية إلى بيروت في سبتمبر 1964م، لم يلتق مالكوم بمالك، لأن الأخير كان في السودان؛ لكنهما تقابلا صدفةً في مطار القاهرة، عندما كان الأول قادماً من الخرطوم في طريقه إلى بيروت، والثاني من بيروت في طريق عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أشار مالكوم إلى تلك المقابلة التي استمرت لمدة ساعة في سيرته الذاتية. وبعد أداء فريضة الحج أطلق مالكوم على نفسه اسم "الحاج مالك الشبَّاز"، ويقول مالك بدري في إحدى رسائله ليَّ "أنَّ اختيار اسم مالك"، كان بسبب تقدير مالكوم له، ومحبته الفائقة إليه.

مالكوم إكس وأحمد عثمان
عندما التقى أحمد عثمان بمالكوم إكس عام 1963 كان طالب بكالوريوس بكلية دارتموث (Dartmouth College) في مدينة هانوفر بولاية نيوهامشر. وكان اللقاء الأول لقاءً عارضاً في المسجد رقم (7) بحي هارليم، ووقتها كان مالكوم يخاطب جمعاً من أنصار أمة الإسلام، موضحاً لهم أن الإسلام هو دين السود، وأن البيض شياطين مجرمين. وفي تلك اللحظة تداخل أحمد عثمان مع مالكوم، وأوضح له أنَّ الإسلام لا يصنف الناس على أساس اللون أو العرق، وطلب منه أن يأتي بآية واحدة في القرآن تؤكد ما ذهب إليه. فاحتج مالكوم بالآية 102 من سورة طه: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾، ناسباً كلمة "زرقة" إلى "أعين البيض المجرمين"؛ إلا أن أحمد عثمان خالفه الرأي، وأوضح أن المقصود بزرقة شخوص أبصار المجرمين من الخوف، بغض النظر عن ألوانهم أو أجناسهم. وأثناء تلك المداخلة تقول الصحافية إيميلي جين أوديل: "إنَّ مالكوم وقف أمام حشد بالمئات ليستمع بإنصاتٍ تامٍ لعثمان وهو يتكلم، وقد استمرت العلاقة بين الاثنين فيما بعد بالمراسلة، فقد كان كل منهما معجب بالآخر، بل إنَّ مالكوم طلب فيما بعد مشورة عثمان في أمور روحية بعد أن غادر حركة أمة الإسلام". ولذلك يرى الدكتور محمد وقيع الله أن تأثير أحمد عثمان كان أشد وقعاً على مالكولم إكس؛ لأنه دخل معه في حوارات مستفيضة وسجالات فكرية ناهضة، تناولت قضايا مهمة وحساسة في وقتها، مثل الاعتقاد بأنَّ إلايجا محمد نبي مبعوثاً من قبل العناية الإلهية، وكذلك مفهوم التمييز بين الناس على أساس ألوانهم وأجناسهم بعيداً عن قيم المساواة التي أخطتها الإسلام. ومن الشواهد الدالة على تلك العلاقة الوثيقة بين الرجلين، الخطاب الذي بعثه مالكوم إلى أحمد عثمان في 18 نوفمبر 1963م، والذي تُقرأ إحدى فقراته هكذا:

إلى السيد أحمد عثمان
[...]
أخي العزيز
[...] خلال الشهرين الفارطين كنت في ترحال مستمر، لذا لم أجد أدنى فرصة لأكتب لك رداً على رسالتك إليِّ. وأود أن أحدثك الآن بأني قد استمتعت ملياً بقراءة الكتيبات التي بعثت لي بها في شرح الدعوة الإسلامية، وإني لأود أن أبث هذه الكتيبات وسط حشود الأخوة والأخوات هنا، وذلك بمجرد أن أجد الوسائل اللازمة لإعادة طبعها ونشرها. وأود أن أخبرك بأمر آخر، هو أن بحوزتي ترجمتين لمعاني القرآن الكريم، الأولى بقلم يوسف علي، والثانية بقلم محمد علي، وإني لأوثر الأولى بمزيد حبي وإعجابي. في رسالتك القادمة إليِّ أرجو أن تشرح لي معنى الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، والآية الكريمة: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾". أسأل الله أن يوالي نعمه وهدايته عليك.
أخوك: مالكولم إكس

بعد استقالة مالكوم إكس من أمة الإسلام وأداء فريضة الحج، اقترح طلبة كلية دارتموث على إدارة الكلية دعوة مالكوم للتحدث في المنتدى السنوي الذي درجت الكلية على تنظيمه؛ إلا أن إدارة الكلية رفضت ذلك الاقتراح. فاتصل اتحاد الطلبة بأحمد عثمان لدعوة مالكوم، بغية أن يشرف اتحاد الطلبة على تنظيم المحاضرة دون الاستعانة المادية واللوجستية بإدارة الكلية. فلبَّ مالكوم الدعوة، وحسب رواية أحمد عثمان، أنَّ المحاضرة حضرها جمع غفيراً من طلبة الكلية البيض، وتحدث مالكوم فيها بطلاقة عن حقوق الإنسان، والإمبريالية ومثالبها، والعنصرية وأشرارها، وقضايا المساواة، وأوضح أن التغيير نحو الأفضل يقع على عاتق شباب العالم. ويبدو أن تلك المحاضرة قد وجدت استحساناً من الطلبة، لكنها كانت محل قدحٍ وتجريحٍ في بعض الدوائر الحكومية والمؤسسات الإعلامية، التي وصفت مالكوم بأنه داعية للعنصرية، ومهدد للأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية. بِيْدَ أن أحمد عثمان رفض هذه الاتهامات، متعللاً بأن مالكوم لم يكن "مؤيداً لأي من هذه الادعاءات منذ عودته من الحج بمكة المكرمة". ومن الشواهد الدالة على ذلك قول مالكوم نفسه: "إننا نعيش في حقبة ثورية، وانتفاضة الزنوج الأمريكيين هي جزء من الثورة ضد الطغيان والاستعمار، اللذان مازا هذه الحقبة. من الخطأ أن نصنّف انتفاضتنا على أنها صراع طائفي يخوضه السود ضد البيض، أو مشكلة أمريكية بالكلية. إننا نرى اليوم ثورة عالمية، يقوم بها المظلومون ضد الظلمة، والمستغَلّون ضد المستغِلين."
وعندما اغتيل مالكوم إكس كان أحمد عثمان في مدينة هانوفر، وفور سماعه النبأ سافر إلى مدينة نيويورك، واشترك في مراسم الإعداد لتشييع جثمان مالكوم إكس. وفي يوم التشييع الموافق 27 فبراير 1965م حضر أحمد عثمان للمرة الثانية إلى نيويورك، وشهد مراسم التشييع، وألقى كلمةً نيابةً عن المسلمين، أشار فيها إلى مآثر مالكوم وثوابت دعوته الإسلامية، كما اشترك مع الشيخ أحمد حسون وآخرين في مراسم دفن الجثمان على الطريقة الإسلامية.

مالكوم إكس وأحمد حسون
الشيخ أحمد حسون (1897-1971م) هو الزعيم المؤسس لحركة أنصار السنة المحمدية في السودان، وعندما زار مالكوم إكس الأراضي المقدسة كان الشيخ أحمد حسون مقيماً بالحرم المكي. فكلَّفته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بالعمل مرشداً بالمسجد الإسلامي رقم (7)، الذي كان قيد التأسيس بحي هارليم في نيويورك، وكان مالكوم إكس خطيباً لذلك المسجد، ومشرفاً على منظمة اتحاد الإفريقيين الأمريكيين، التي أسسها بعد عودته من الحج. وإلى جانب عمله في المسجد كان أحمد حسون مرشداً شرعياً لمالكوم، أعانه في فهم ثوابت الإسلام، وتثقيف مسار دعوته الإسلامية في أوساط السود الأمريكيين. وظل يرافقه في محاضراته العامة وندواته الدينية. وحسب تعليقات إكس هيلي على مذكرات مالكوم إكس أنَّ الشيخ أحمد حسون هو الذي قام بغسل جثمان مالكوم، وتكيفنه، ودفنه على الطريقة الإسلامية، وذلك خلافاً لعادات الدفن البدعية التي كانت سائدة في أوساط مسلمي أمريكا الشمالية آنذاك.
هكذا أسهم البروفيسور مالك بدري، والبروفيسور أحمد عثمان، والشيخ أحمد حسون في مساعدة مالكوم إكس في تثقيف مساره الفكري والدعوي، وتصفية بعض معتقداته من رواسب القومية العنصرية، والنظرة السلبية المثقلة بإسقاطات الاسترقاق تجاه البيض الأمريكيين.

لماذا اغتيل مالكوم إكس؟
واثناء فترة إقامة الثانية (1964م) في بيروت أسرَّ مالكوم إكس إلى مالك بدري عن إحساسه بالخطر، وأنه ربما يتم اغتياله من خصومة في أمة الإسلام، التي اختلف مع رئيسها إلايجا محمد، وأضحى ينتقد علناً ممارساته السلوكية والعقدية المتعارضة مع ثوابت الإسلام. كما أنه بدأ يدعو إلى نبذ العنصرية القائمة على اللون والعرق، الأمر الذي أثار حفيظة خصومه من أمة الإسلام، والذي أججَّ أيضاً مناهضة الدوائر الحكومية والمؤسسات الإعلامية لدعوته الإسلامية-العالمية، وشيطنته واتهامه بتحريض السود على العصيان. فردَّ مالكوم على تلك الاتهامات بقوله: "عندما تكون عوامل الانفجار الاجتماعي موجودة لا تحتاج الجماهير لمن يحرضها، وإن عبادة الإله الواحد ستقرب الناس من السلام الذي يتكلم الناس عنه ولا يفعلون شيئاً لتحقيقه". ولذلك يبدو أن بعض الجهات الرسمية والإعلامية قد أوعزت إلى جماعة أمة الإسلام بقتله. وبدأ مسلسل محاولات اغتياله بحرق منزله في 14 فبراير 1965م؛ لكنه نجا من الحريق هو وأفراد أسرته. وفي 21 فبراير أثناء القائه لمحاضرة بقاعة عامة للمؤتمرات في نيويورك أطلق مجهولون النار عليه فأردوه قتيلاً. فاعتقلتهم السلطات الأمنية، واعترفوا بأنهم ينتمون إلى جماعة أمة الإسلام؛ لكنهم أنكروا أن يكون فعلهم بتوجيه من رئيس الجماعة، فحكم على أحدهم بالسجن، وأفرج عن الاثنين الآخرين. ولذلك وصف أليكس هيلي، محرر سيرة مالكوم إكس، بأن اغتيال مالكوم كان "مؤامرة مدبرة".

خاتمة:
كان مالكوم إكس شخصيةً كاريزميةً متفردةً، يمتلك مهارةً خطابيةً مقنعةً، وكفاءةً ذاتيةً نادرةً، وتوضح طرفاً من ذلك الرسالة التي بعثها إلى زوجه أثناء أداء فريضة الحج، قائلاً: "كنت على الدوام رجلاً يحاول مواجهة الحقائق، وتقبل واقع الحياة، كما تكشف عنه المعارف والخبرات الجديدة." ويبدو أن هذا الانفتاح الفكري قد جعله يقول: "لقد أوسع الحج نطاق تفكيري، وفتح بصيرتي، فرأيت في أسبوعين ما لم أره في تسعٍ وثلاثين سنة، رأيت كل الأجناس من البيض ذوي العيون الزرق، حتى الأفارقة ذوي البشرة السوداء، وقد ألَّفت بين قلوبهم الوحدة والأُخوة الحقيقية، فأصبحوا يعيشون وكأنهم ذاتٌ واحدة في كنف الله الواحد." ولذلك فإن تأثير الشخصيات السودانية المشار إليها وغيرها في حياة مالكوم إكس، كان يمثل ضرباً من ضروب استيعاب مالكوم الفطن، ومرونة جدله الفكري بين الثابت والمتغير، وقدرته على توظيف الرأي والرأي الآخر في خدمة أهدافه الاستراتيجية، التي تدعوا إلى ضرورة الاعتراف بالحقوق الإنسانية للسود الأمريكيين وغيرهم من المضطهدين في سائر أرجاء المعمورة. وإن حقوق هؤلاء من وجهة نظره يجب أن تُسترد بالقوة، وعلى أصحابها أن يدافعوا عن أنفسهم "بكل الوسائل الضرورية". ولذلك كان معجباً بقيادات حركات التحرر الوطني في كل بلدان العالم. ومن نتائج مواقفه الفكرية والسياسية المؤثرة أنَّ ليندون جونسون، الرئيس الأمريكي (1963-1969م)، قد أصدر مرسوماً قانونياً، بعد شهرٍ واحدٍ من اغتيال مالكوم إكس، اعترف فيه بحقوق السود في التصويت، وتحريم استخدام كلمة نقرو (Negro).

 

ahmedabushouk62@hotmail.com

 

آراء