ثلاثة قضايا تقود لمسار الديمقراطية الآن

 


 

 

أن العملية السياسية الجارية في السودان الآن، بدأت تفك آسرها من فكرة السلطة التي شغلت أغلبية قياداتها إلي فكرة التحول الديمقراطي، فالتركيز منذ بداية الحراك بعد سقوط النظام حتى ما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م كانت أغلبية القيادات السياسية تلهث وراء غنائم السلطة و المحاصصات، و السلطة فكرة تقوم على الصراع المستمر، لذلك ضربت التحالفات المدنية بكل مكوناتها، ثم عمقت الهوة بين المدنيين و العسكر، و أخيرا ضربت المكون العسكري نفسه، لأنها فكرة تؤسس على الإقصاء و ضييق دائرة المشاركة، و أيضا على الآحتكارية في السلطة. و هي أيضا تقوم على النفاق و عدم الصدق، لآن القيادات تقول ما لا تبطن، و تركز على الشعارات الزائفة، كما أن فكرة السلطة تعطل العقل و تجعله محصورا في زاوية المصلحة الحزبية و الشخصية. عكس فكرة التحول الديمقراطي لأنها تؤسس على اتساع دائرة المشاركة و الإرادة الحرة، و الشفافية و الصدق، و تعتمد على دور الفكر في عملية التغيير و ليست الشعارات، كما أنها توسع دائرة المصلحة تبدأ من مصلحة الوطن و المواطن إلي أدنى المصالح.
و كل ما تعمقت الأزمة السياسية أكثر أحرجت القيادات ذات القدرات المتواضعة، و فتحت الباب أمام القيادات التي تشتغل بالفكر، و معلوم أن التغيير في أي مجتمع يحتاج إلي قيادات نوعية ذات قدرات فكرية و إبداعية لكي تحدث أختراقا في جدار الأزمة، و ليس شرطا أن تكون هذه القيادات في واجهة التنظيمات السياسية، أو على قمة هرم الأحزاب، أنما تكون قادرة على فرض رؤيتها على القيادة لكي تعدل من مسار فعلها السياسي، و لكي يتوافق مع شعار المرحلة، فكل ما كان الحراك واسعا، كل مكانت القيمة المتوقعة منه متسعة اتساع الوطن. و الآن بدأ حراك جديد يأخذ منحى جديدا سوف يثير نقاشا عقلانيا في المجتمع، و سوف يتوسع، لكنه أيضا سوف ينتج ثقافة ديمقراطية تعزز من عملية التحول الديمقراطي. و يتمثل الحراك في ثلاث قضايا:-
الأول – التقاء قيادات من حزب الأمة مع قيادات في الحزب الشيوعي و يفقان على تفعيل عمل اللجنة المشتركة، للتنسيق في قضايا الحريات و الوضع المعيشي. و أعلنا أنهما يدعمان عملية بناء العمل النقابي على أسس الحرية و الاستقلالية و الديمقراطية و تعميق و ترسيخ عملية التحول الديمقراطي. و معلوم أن التطور و التقدم يؤسس على حوار المتناقضات، لأنه سوف ينتج تسوية جديدة يوافق عليها الطرفان. و حوار الأمة مع الشيوعي رغم الخلفيات الفكرية المتعارضة إلا أنه سوف ينتج رؤية جديدة و يفتح فيها بابا للجدل، الأمر الذي يوسع دائرةالحوار، و كانت قيادات حزب الأمة جلست قبل جلستها مع الشيوعي مع ( قوى الحرية و التغيير الديمقراطي) للوصول لمشتركات تقرب المسافة بينهما، و إذا كانت قيادة حزب الأمة مقتنعة بمشوارها السياسي مع القوى الأخرى يجب عليها أيضا أن ينعكس ذلك في التصورات التي تريد بها نجاح العملية السياسية.
الثاني الصراع السياسي الدائر داخل البيت الميرغني. و الذي برز من خلال توقيع الحسن نجل السيد محمد عثمان الميرغني على الاتفاق الإطاري، و ذهاب جعفر نجل الميرغي مع الكتلة الديمقراطية، و انضمام محمد هاشم نجل محمد سرالختم الميرغني للتجمع الاتحادي، هذه فصائل اتحادية ليست هناك خلافات جوهرية في المرجعية الفكرية، و لكن الأختلاف حول الرؤية لكيف تكون المؤسسة الحزبية، و الانتقال بها من حالة الكارزمة الأحادية التي تسيطر على القرار إلي سيطرة المؤسسة عبر اللوائح على القرار. هذا الخلاف الذي ضرب بيت الميرغني سياسيا في إختلاف الرؤى سوف يثير الجدل و يفتح باب المسكوت عنه، و كانت الكتلة الختمية طوال سنين السودان موحدة في صراعها مع الاتحاديين في توجهاتهم نحو المؤسسية، و الخلاف في بيت الميرغني إذا لم يجعل المؤسسة المحور الجوهري في أجندتها سوف تخسر موقعها القيادي و دورها السياسي في المستقبل، خاصة في واقع بدأ يتشكل من جديد، واقع يطالب أي قيادي أن يصعد على قمة الحزب عبر صناديق الاقتراع، أو بالتصويت المباشر في المؤتمر العام. واقع كل شخص في الحزب عنده صوت واحد، هذا الواقع الجديد هو الذي ينتج الثقافة الديمقراطية التي تعتبر العمود الفقري للديمقراطية. و الأجيال الجديد سوف تنضم للحزب من خلال رؤيته الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية للسودان، واقع يتحرر فيه الإنسان من الانتماءات الأولية ليصبح عضوا في مؤسسات وطنية. هؤلاء الثلاثة أيضا قادرين على العمل من أجل وحدة الكتلة الاتحادية التي تمثل قوة المعادلة الاجتماعية في الدولة.
3 – عدد من الناشطين السياسيين الذين كانوا يتبعون لحزب المؤتمر الوطني الذي اسقطته ثورة ديسمبر 2018م يعقدون مؤتمر صحفيا و يعلنون قيام حزب جديد بأسم ( حركة المستقبل للإصلاح و التنمية) و في عرض مشروعهم السياسي من خلال مؤتمر صحفي تم عقده " سمعت المؤتمر من خلال قناة البلد" أنهم يوافقون على تبادل السلطة السلمي عبر الانتخابات، و يدعون إلي النظام الديمقراطي التعددي، و أنهم يسعون لبناء علاقات مع كل القوى السياسية . و أن حركتهم تدعو إلي السلام و التسامح و نبذ الكراهية و التعصب الديني و الأثني . و دعو ايضا القوات المسلحة للتحلي بالمسؤولية و الوقف في الحياد تجاه العملية السياسية. كل ذلك يعتبر خطوة متقدمة لكي تتسع دائرة الإيمان بعملية التحول الديمقراطي. لكن ذات القيادات مطالبة أيضا أن تمارس نقدا للعملية السياسية التي استمرت ثلاثين عاما في حكم الإنقاذ، و الحركة الإسلامية، باعتبار أن نقد التجربة هو الذي قاد إلي تشكيل قوى سياسية جديدة استطاعت أن تستوعب رغبة الشارع السياسي. و لكن لا نتناول هذه القضية من باب المحبطات و لا من باب التخوين. و لكن من باب الإصلاح الذي جعلته الحركة مضافا لإسمها. بالضرورة هي خطوة مشجعة في طريق التحول الديمقراطي في البلاد. نسال الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء