ثلاثون دقيقة في وجه الابتلاءات … بقلم: سالم أحمد سالم

 


 

 


Salimahmed1821@yahoo.fr

كما هو معلوم، فقد مارست الجماعة الحاكمة للسودان كل الأساليب الباطشة لحماية سلطتها، وضربت حول نفسها جدارا سميكا من البطش باطنه الرحمة لها وفي خارجه العذاب للشعب. قمعت وتقمع الجماعة المستولية أي محاولة ولو بسيطة قد يعبّر من خلالها الشعب وجدانه. فما أن تحاول فئة من الشعب أن تعبر عن أشواقها للحرية أو حتى عن مطلب بسيط وتـافه، يبادر جلاوزة الحكم إلى قمعها وبمنتهى الوحشية والتشفي. اعدموا وقمعوا الشعب في الخرطوم وسفكوا دماء مليوني مواطن في الجنوب وعن دارفور فحدث وبورتسودان وكسلا وعطبرة والفاشر ونيالا وما بينها من قرى وبلدات وحلفا وكل ركن من السودان ظل ساطور القمع يهوي على أو صال المجتمعات السودانية وفي كجبار في الشمال أطلقوا الرصاص بدم بارد على الشباب الأبرياء العزل. وللنساء نصيب من المهانات والجلد والاستهداف وللطلاب والشباب نصيب من الاغتيالات وعمليات الخطف والضرب المبرح، توزع الجماعة المستولية بطشها بالعدل بيت فئات الشعب في أبهى صور إرهاب المجتمعات. بالبطش والقتل والعنف، وليس بأي وسيلة غير البطش والعنف والمهانات، بقيت الجماعة الاسلاموية مستعمرة للسودان استعمارا استيطانيا أكثر من عقدين من الزمان.

بين البطش واليأس:
أخطر ما افرزه هذا القمع المباغت المستشري أنه أورث المجتمعات السودانية حالة لا أقول من الاستسلام بل من الإحباط وفقدان البوصلة. وقد ساء السوء سوءا بسبب الأحزاب السياسية. فقد علقت المجتمعات السودانية آمالها على هذه الأحزاب وزعاماتها بسبب الموروث الحزبي الذي كان فاعلا ذات يوم. لكن الواقع أن الأحزاب، كأي رخويات بحرية، قد حفرت لنفسها مكانا آمنا بين جور الحكم الباطش وبين رغبات المجتمعات السودانية. فلا هي انتمت للحكومة ولا هي وقفت مع قواعدها والشعب، فبقيت زعامات الأحزاب في مكامنها الآمنة تلتهم كل ما يمر أمام صدفتها من طفيليات الجماعة الحاكمة ومن أوجاع الشعب بيعا بثمن بخس دراهم معدودات. ومن هذا الموقع العجيب ضمنت زعامات الأحزاب مصالحها المادية وضمنت سلامتها من بطش الجماعات الحاكمة. وهكذا وقع الشعب السوداني بين مطارق البطش الحكومي وبين سندان الأحزاب. زد على ذلك أن الجماعة الحاكمة والأحزاب الطائفية بقيت على حلفها القديم بعدم السماح ببروز حزب وطني أو تبلور تيارات وطنية تقود حركة المجتمعات السودانية وتعبر عن نوازعها للحرية والانعتاق والعيش الكريم. وهكذا سدت كل المنافذ أمام الشعب المحبوس خلف جدار من العزلة الباطشة وخيبة الأمل في أحزابه.     

كان لابد من إعمال الفكر في كيفية كسر هذا الجدار اللئيم. كيف يمكن للشعب أن يعبر عن أشواقه دون أن تناله رماح وأسلحة الجماعات الجاهزة وعيونهم المتربصة؟ كيف يمكن للشعب أن يبدي حراكا ذاتيا خارج كنف الأحزاب وزعاماتها؟ المظاهرات؟ هدف مكشوف تتلذذ الحكومة باصطياده .. أماكن العمل والجامعات؟ هذه فرائس سهلة والحكومة تسيطر على النقابات والاتحادات .. المساجد؟ مؤممة ومصادرة! .. داخل البيوت؟ .. لا فائدة، فكل أسرة سوف تظل معزولة كما الحال .. أمام أبواب البيوت إذن. وهكذا هداني ربي إلى فكرة أن يقف أفراد كل أسرة في السودان أمام باب بيتها في وقت واحد لمدة نصف ساعة، ثم يعود الجميع أدراجهم إلى مساكنهم آمنين .. لا تظاهرات لا هتافات لا صدامات، فقط مجرد الوقوف أمام باب المنزل وإشعال شمعة لمن استطاع للشمع سبيلا والعودة للداخل بعد 30 دقيقة.

للحقيقة، فقد راقت لي الفكرة بعد أن قلبتها على أوجهها. وجدت أنها تشكل حضورا حضاريا سلميا، لكنه يوجه رسالة قوية، أقوى من أي تظاهرة أو عنف. ثم إن وقوف الأسر برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها يحدث تواصلا وجدانيا واجتماعيا فريدا على مستوى الجيران ثم الشارع فالحي والمدينة وكل السودان. شعرت أن المجتمعات السودانية بوقفتها كأنما تصنع بيديها ومشاعرها المتشابكة سياجا بشريا يحمي هذا الوطن من غلواء التطرف. والأهم أن وقوف الأسر عند أبواب المنازل من شأنه أن يحيّد إلى حد بعيد يد الحكومة الباطشة وآلتها العسكرية التي سوف تعجز تماما عن الإحاطة بكل شوارع السودان وأزقته وحاراته ومدنه وقراه. وحينها فقط سوف تبدو للشعب ضآلة الفئة التي كانت تخيفه وتسومه العذاب، ومن ثم ينقشع الخوف تدب الحياة في أوصال المجتمعات السودانية وتعود الحركة إلى مفاصلها.

30 دقيقة في وجه الابتلاءات:
واليوم، لا شك أن أحزمة الابتلاءات والانقسامات والغلاء والجوع وغرغرينة الحروب تدعو بإلحاح أن يخرج الشعب ويقف أمام أبواب مساكنه والقطاطي والخيام تعبيرا عن تعاضده مع نفسه وترابه الذي ورثه كاملا وأصبح منقوصا تأكل البلوى كما الجذام أطرافه الحية. وبين فرث الاستقلال ودم الانفصال يجيء الخامس عشر من شهر يناير الجاري الموعد الأنسب لهذه الوقفات من الساعة السابعة والنصف مساء حتى السابعة والنصف يوميا ولمدة أسبوع.

الخطوط الأساسية:
ابتداء من 15 يناير الجاري 2011 ..
تقف كل أسرة سودانية أمام باب مسكنها ..
من الساعة السابعة مساء حتى الساعة السابعة والنصف ..
الآباء والأمهات والرضّع والأبناء والبنات والحبوبات والأجداد وجميع أفراد الأسرة
في جميع مدن وقرى السودان يخرجون يوميا في هذا التوقيت ..
إيقاد الشموع، إن توافر الشمع، وإطفاء الأنوار خلال مدة الوقوف
وبعد نص ساعة بالضبط يعود الجميع إلى داخل بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية ..
يستمر ذلك لمدة أسبوع .. أو إلى ما يشاء له الله أن يستمر ..
لا مظاهرات ..
لا رشق بالحجارة ..
لا هتافات ..
فقط الوقوف أمام أبواب البيوت نصف ساعة والعودة إلى الداخل ..

كل الشعب السوداني أولا، ومنظمات وجمعيات العمل المدني وغيرها من التجمعات و الكيانات ثم الأحزاب وقوى الإجماع الوطني وتجمع القوى الوطنية الحديثة مدعوة للعمل على نشر الفكرة في أوساط المجتمعات السودانية في المدن والأقاليم بكل وسائل التواصل، حتى مجرد الكتابة على قصاصة ورق صغيرة عبارة: "الوقوف يوميا أمام المنازل من السابعة إلى السابعة والنصف" وتوزيعها على كل بيت ..

وسائل النشر:
كل الوسائل الممكنة:
الصحف والمجلات والتلفزيونات والإذاعات،
جميع المواقع الاسفيرية خاصة السودانية وشبكات الانترنت والفيس بوك
الرسائل بالموبايلات SMS
رسائل الايميل "الالكترونية" الفردية والجماعية،  
أثناء المكالمات الهاتفية العادية،
في مواقع العمل والمدارس والجامعات،
في المناسبات الاجتماعية وداخل المواصلات العامة والمكاتب ومن فرد لآخر ..
وكل وسائل التواصل المتاحة ..
 
الحذر .. الحذر
هنالك دائما من يسعى ويسعون إلى رمي الشعب في محارق الصدام لتكسّب ضيق أو لإفساد هذا العمل الحضاري. لذلك لابد من الحذر من الانجرار إلى تظاهرات ومواجهات أو رشق بالحجارة أو أي شكل من أشكال التصادم. نحن شعب حصاري، معلم ورائد لكل شعوب المنطقة بلا استثناء. وهذه الوقفة الحضارية ملك لكل فرد ومن حق وواجب كل فرد أن يدفعها إلى الأمام بما يستطيع ..

لا تأجيل:
15 يناير هو التاريخ المحدد لبداية الوقوف. وقد طلب بعض الإخوة تأجيل البداية لبضعة أيام من أجل حشد جماهيري وأيضا حتى تدفع أحزاب التحالف بثقلها. لكني اعتقد أن حجم المشاركة خلال اليوم الأول وربما الثاني قد تكون اقل سواء شاركت الأحزاب "رسميا" أم لم تشارك. وعادة ما يرتفع حجم المشاركة الشعبية تلقائيا يوم وراء يوم إلى أن يبلغ ذروته. وعليه في إمكان الأحزاب وقوي التحالف والقوى الحديثة أن تنضم في أي يوم، فهي وقفة أسرية اجتماعية مفتوحة لكل الشعب وغير مرتبطة وغير مقيدة بحزب أو أحزاب معينة، علما أن الأحزاب لم تحرك ساكنا ولم ترد برغم أنها أول من توجهت له الدعوة. وعليه فإن التأجيل انتظارا للأحزاب يشكل مخاطرة كبيرة، بل مغامرة وغفلة. الشعب السوداني ناضج وقائد وسيد نفسه ولا يحتاج أن ينتظر زعامات حزبية لقيادته .. فلا تأجيل، توافقت الآراء على 15 الشهر كأول يوم. ولا يفوتني أن أشير إلى أن مقترحات: النشر على الفيس بوك، إيقاد الشموع وإطفاء الأنوار هي مقترحات أضفاها بعض الإخوة الأعزاء. لفت البعض انتباهي أن الشعب في شيلي طبّق فكرة مقاربة بقرع الأواني. والحقيقة هي المرة الأولى التي أعرف أن شعب شيلي قد قرع الأواني المنزلية! نحن أيضا قادرون على الإبداع، فقط إذا أعملنا عقولنا وخرجنا من عقد التقليد والتبعية وأصبحنا على ثقة في ما تنتج عقولنا. فالشعب السوداني كان رائدا في فلسفة العصيان المدني عام 64، ولا شك أن الشعب السوداني المبدع دوما سوف يضفي ما يراه لتنفيذ الفكرة .. مثل إخراج كراسي لكبار السن وغير ذلك.

تبلور قيادات اجتماعية:
كذلك أتأمل أن تفرز هذه الحركة الاجتماعية السلمية رموزها وقياداتها بما يسد الفراغ الهائل الذي حدث بسبب السيطرة الأزلية للزعامات الحزبية الخالدة الخانقة القابضة غير الديموقراطية. وأتوقع أن تبدع الحركة الاجتماعية أساليبها في التواصل ونقل وتبادل المعلومات والتغيير.

نموذج الرسالة القصيرة SMS
يوم 15 يناير 2011
من السابعة مساء حتى الساعة السابعة والنصف
كل أسرة تخرج وتقف أمام باب مسكنها
إشعال شمعة، إذا أمكن، وإطفاء المصابيح
لا مظاهرات ..
لا رشق بالحجارة ..
لا هتافات ..
لا مصادمات ..
كل يوم لمدة أسبوع

سالم أحمد سالم
salimahmed1821@yahoo.fr

 

آراء