ثوراتنا التي خربها النخبويون !!

 


 

 



انهم  هناك  دائما:  قادرون  على  التخريب  الممنهج  اما  بعجزهم  وفشلهم  . واما  بتآمرهم  المخطط. وقفت  فى تاريخ  ماض  عند  تحليل  عميق  نشره  مفكر مصرى  تحدث  فيه  عن الكراهية  المتبادلة  بين   الكتلتين  الكبيرتين  فى  المجتمع المصرى : الكتلة  الليبرالية والكتلة  الاسلامية. تلك  الكراهية  التى  زرعها ونمّاها  النخبويون  فى  ذلك  الوقت .  رأى  المفكر المصرى  ان  ما  يجرى  من تنازع  سياسى  بين   هاتين الكتلتين  ستكون  له  عواقب  مستقبلية  وخيمة  على  تماسك  المجتمع  المصرى طال   الزمن   أم  قصر ، لأن  التنازع  بين الكتلتين  تعدى  كونه  خلاف  افكار  وتحول  الى كراهية  اخذت  تتعمق  بين  مكونات  الكتلتين  المختلفة ،  حتى  اصبح  كل طرف  غير قادر على الاستماع  الى الطرف  الآخر. او له  القدرة  على تحمل  الاختلاف معه،  او الاحتفاظ  بذلك  الاختلاف  فى  حدوده  المنطقية . ذكركرنى  تحليل  المفكر  المصرى   بدراسة  قديمة  كان  قد  اصدرها  فى  كتاب  السياسى الاردنى  سعد  جمعة ، احد  رؤساء  الوزارات  الاردنية  السابقين .  اسمى  الاستاذ  جمعة  كتابه  المرجعى  ب( مجتمع  الكراهية ) . و دار الكتاب  فى  نفس  الفلك  الذى  دار فيه  تحليل  المفكر  المصرى  الحديث ، مع  اختلاف بسيط  فى  المسميات  والعناوين  الجانبية . الاستاذ  جمعة  كان  ينمط  التنازع  الحاد  وقتها  بين  تيار  التحرر العربى  و يقابله  فى الجانب  الآخر  ما اسماه  خصومه  بتيار  الرجعية  من  باب  القدح  والمذمة . و قد تراص  تحت راية  تيار التحرر العربى  الناصريون و  القوميون  العرب  واليساريون  العرب  بكل  طوائفهم  من  بعثيين  و شيوعيين  وغيرهم . لعله  من  الطرافة   بمكان  أن هذه  المكونات  بعينها  هى التى  تتراص  اليوم  خلف  الفريق أول  عبد  الفتاح  السيسى  باعتباره  صوت  الحداثة  المناهض  لما  يسميه  خصوم  الاسلاميين  الظلامى  الذى  تتمحور خلفه  الكتلة  الاسلامية .  الاعلام  المصرى الذى  كان  منفردا  بالساحة  الاعلامية  العربية  وقتها، وكان  قادرا  على  تلوينها   بما  يشاء  من الوان .  وكان   يصدر  براءات  الوطنية  لمن  يشاء  و يحرم  منها  من  يشاء . كما  يصدر من  جانب  آخر شهادات  الخيانة  والعمالة  ويلصقها على  وجه  من  يشاء .  وهكذا  ماج  الجميع  فى  فراغات  ملأها  الاستقطاب  الحاد  . و غاب  عنها  الماخذ  الرشيد. اراد  الاستاذ جمعة  بكتابه  العميق  ان  يقول  ان مجتمعا  بذلك  التفكك  الفكرى  والاستقطاب  لن  يحقق  اى قدر  من النجاح  لنفسه  . او لاجياله  القادمة . بل سيترك لها  عالما  يتناطحون   فيه  على  فتات  تركة  الحرب  الباردة ،  يعتركون  فيها على  غير معترك . واذكر  حتى اليوم  قول  احد  المحللين  الغربيين  فى  يوم  وفاة  الرئيس  جمال عبد  الناصر " ان  بطل  الوحدة  العربية غادر الدنيا  وترك  امته  وراءه  وهى   اكثر  تشققا   مما  كانت عليه  قبل  ظهوره  فى  الساحة  بدعوته الى  الوحدة  العربية " . كمراقب  يقيم  فى القاهرة ، استمع  باهتمام  الى  خطاب  النخب  المصرية  وهى  تعترك  ضد  بعضها  البعض  اليوم .  وهى  تحتشد  ضد  بعضها  البعض. وارى  استقطابا  حادا  يجعلك  تقول  فى  نفسك  ما اشبه الليلة  بالبارحة .  فها هى الكراهية   بين  النخب  ، مصرية او  غير  مصرية ،  تدب  على  رجلين  .  الخطاب  النخبوى  المصرى   العنيف  المتبادل  بين   اطراف  لا  يكاد   يجد  اى  طرف  فيها   فضيلة واحدة  للطرف  الآخر . لا احد  يستمع  الى  ما يقول  الآخر.  الكل  يخّون  الكل . ويكوّم  فوق  كاهله  كل  الرذائل التى  اعلاها  خيانة  الوطن . واقلها  بيع هذا  الوطن !  كل  طرف  يبحث  عن   سوءات يلصقها   بالطرف  الآخر حقيقية  كانت او  متخيلة .   فى مصر  - مثلا -  صار  لجبهة  الانقاذ  المعارضة  للرئيس  مرسى  ، صار  لديها  هم  واحد  هو  كيف     تمنع  حكومته  من  تحقيق  أى  تقدم  على  أى صعيد.  و كيف تقفل امامه  كل  الطرق  حتى  لا  يمضى  الى  الامام  فى  أى  مسار .  واهتمت  هذه  الكتلة  باقناع  الذين  يستمعون  اليها  ان  أى   خطوة   يخطوها  الرئيس  مرسى  هى  ليست  من عنده :  انها   من املاءات  المرشد  العام  لجماعة  الاخوان . شطط  ومغالاة  سياسية  بلا  حدود  كانت  نتيجته  بحور  الدم  الذى  يسيل اليوم  فى  طرقات  قاهرة  المعز  لدين  الله  الفاطمى  وتوابعها  .  لقد بدا  الخطر  المحدق  بمصر  الكنانة  واضحا  تراه  العين  المجردة  حتى  داخل  الاكمات  المكتظة   ولا تحتاج  رؤيته  الى  عيون  زرقاء  اليمامة . كان  الجميع   يبحثون   ليس  عن  السبل  الموصلة  الى  الجلوس  حول  مائدة  حوار  يفضى  الى حلول  ترضى  جميع   الاطراف ، ولكن  كان  البحث  جاريا  عن  سبل   سد  الأفق  امام  الحوار  والتراضى الوطنى .  اطراف  كثيرة   نشطت  باتجاه  لم شمل  الفرقاء  فى الوطن  الواحد  قبل  انفجار قنبلة  الفريق اول  عبد  الفتاح  السيسى.  ولكن  اطرافا  اخرى  كانت  تسابق الساعين  الى  لم  شمل  مصر  بالسعى  باتجاه  تجميع   ملايين  التوقيعات  التى  تسوغ  اسقاط  الرئيس  المنتخب . كانت  تلك  هى  الشرارة  الصغيرة  التى  لم  ينتبه  لها  الكثيرون  قبل  ان  يتعاظم  اوارها  ويصبح  لهيبا  يستعصى  على  الاطفاء .   وهكذا صعدت  مصر  سلم  المرقى  الصعب.  ولم  يعد  لديها  لا الوقت  ولا  الرغبة  فى  تفادى  زلزال  الثلاثين  من  يونيو  الذى  هدّ  المعبد  على رؤوس  ساكنيه. واسلمنا  جميعا  الى ما نحن  فيه  من هم  وخطر . نعم  نحن  مهمومون  ومعرضون  للخطر  كما شعب  مصر  الشقيق .  وفشلت   المعارضات  المصرية  المتعددة  فى  تحكيم   عقلها  السياسى . لقد  شلع النخبويون  المتشاكسون  مصر  المؤمنة   واسالوا  دماءها  انهارا.  ووقفوا  يتفرجون  عاجزين  عن  فعل  أى  شئ  لوقف  حمامات الدم  المصرى, تماما  كما  وقف  نيرون  روما  عاجزا عن  اطفاء  الحريق  الذى  اشعله ،  ونزع  الى  الضحك  الهستيرى ، لأن  شر  البلية  هو  ما يضحك . قصدت  ان  اقول ان  غباء  النخب  السياسية   المصرية   هو  الذى  اوصل  مصر  الى  ما هى عليه   اليوم . نحن  فى السودان  نعانى  من غباء نخبوى اعظم  . كنكش  النخبويون  الحاكمون  فى  السلطة بحب  عذرى غلاب  واغلقوا  اسماعهم   وعيونهم  وناموا  على  العوافى  كما نام  أهل  الكهف . لقد  خرب  النخبويون احلامنا  فى ربيعنا  العربى  وابدلونا  سرادق  العزاء  الممتدة.
أخ  . . .  ياوطن !

Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]

 

آراء