ثورة رجب بعيون أطرافها الثلاثة
محمد الشيخ حسين
5 April, 2009
5 April, 2009
أبريل انتفاضة ملفوفة بالنسيان
محمد الشيخ حسين
abusamira85@hotmail.com
هبت الخرطوم في أبريل 1985على مدى ثلاثة أيام وضاقت شوارع العاصمة المثلثة بما رحبت بالمتظاهرين والمنتفضين والمتذمرين من جور الحكم وقسوة الحياة أنذاك حتى تهاوت أركان الحكم المايوي، بإعلان الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، استيلاء القوات المسلحة على السلطة، انحيازا للشعب الذي انتفض ضد من قهره.
ما الجديد الذي يقال بعد 24 عاما على انتفاضة هزت العالم واصطدم الحديث عنها بعقبة تراكم إعجابي ضخم توزع شرقا وغربا. لكن يبدو أن انتفاضة أبريل مع مضي السنوات مثل من دخل طوعا أو كرها في غياهب النسيان.
وليس هدف هذا الحوار الثلاثي أن يلهث وراء تفاصيل انتفاضة هزت العالم، بل يسعى لإعادة مناقشة الحدث بصورة لا تنحاز للنظرة الإعجابية أو تعمل على نقضها، بل تحاول أن تربط أبعاد الزمن الثلاثة لعلها تقدم إضاءات ومداخل جديدة للعمل السياسي السوداني.
وقبل أن يلف النسيان ملف انتفاضة أبريل نوضح أن هذا الحوار قد شارك فيه أطراف أبريل الأساسيين الثلاثة.
فمن المجلس العسكري الانتقالي استضافتنا أريحية اللواء حمادة عبد العظيم حمادة. ومثل الحكومة الانتقالية الدكتور أمين مكي مدني وزير الأشغال.
أما قائد الانتفاضة (الحقيقي) التجمع الوطني فقد تكلم أصالة عنه الدكتور عدلان أحمد الحردلو رئيس نقابة أساتذة الخرطوم أنذاك، والتي استضاف مقرها كل المفاوضات التي قادت إلى تشكيل الحكومة الانتقالية.
ولسنا في حاجة إلى تأكيد أن آراء المشاركين ليست هي بالضرورة آراء الجهات التي شاركوا فيها أو مثلوها. أما اختيارهم فقد تم لأسباب قد تكون واضحة عند قراءة إجابتهم.
ويبقي أن نشير إلى أن هذا الحوار قد نشر في مجلة الأشقاء الأسبوعية بتاريخ 7/4/1987م، ثم أعيد نشره في كتاب (مرفأ الذاكرة السودانية ـ نحو عصر تدوين جديد). وهنا تفاصيل الحوار:
الخطوة التي قام بها الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب ورفاقه باستلام السلطة في السادس من أبريل 1985 كيف تفسرها، هل انحازوا فعلا للشعب أم أن جنرالات مايو أنقذوا أنفسهم في اللحظة المناسبة؟ وهل يمكن اعتبار الخطوة أنها حركة لامتصاص غضب الجماهير؟
اللواء حمادة
التفسير الوحيد لهذه الخطوة أنها تلبية لنداء الواجب والوطن والضمير والاحساس بالمسؤولية. وبأي حال لا يمكن تفسيرها بأنها محاولة لامتصاص غضب الجماهير، لأنها أن كانت لهذا السبب لاستمرأنا الحكم بعد أن هدأت الثورة.
الأمر الثاني أن كان غرضنا إنقاذ أنفسنا لشرعنا في إجراءات حماية أنفسنا وليس ثمة مبرر للخوف في الأساس حتى يكون تصرفنا مبنيا على إنقاذ أنفسنا والدليل على هذا أننا أوفينا بوعدنا وسلمنا السلطة وهذا مثال للزهد والوفاء ويوضح أننا لم نكن نخشى شيئا.
والخلاصة أننا انحزنا للشعب. وشاهدي أن هدف الانتفاضة كان إزالة الحكم المايوي ونحن قمنا بهذه الإزالة واتفقنا على أن نحكم في فترة انتقالية حددت بعام واحد ونسلم بعدها السلطة إلى ممثلي الشعب عبر انتخابات ديمقراطية وهذا ما تم بالفعل.
والشاهد من خلاصتي أننا انحزنا للشعب في أبريل 1985م عندما أعلنا نهاية نظام مايو، ثم انحزنا للشعب مرة ثانية في أبريل 1986م حين سلمنا السلطة لممثليه بعد انتخابات ديمقراطية نزيهة ولم نخرج في الانحيازين عن كوننا مواطنين سودانيين لبوا نداء الضمير.
وتحرك القيادة العامة كان منعا لتحرك الضباط الصغار ذوي التوجهات السياسية. من هذا المنطلق قد يكون التحرك إنقاذا للنفس وبالنتيجة والسلوك يمكن اعتباره امتصاصا لغضب الجماهير.
د. أمين مكي
كلمة )انحياز( القوات المسلحة إلى جانب الشعب كما وردت صباح السادس من أبريل 1985 وثبتت في الأذهان منذ ذلك الوقت لم تكن موفقة، إذ أنها تعني بالضرورة الموازنة بين طرفين واختيار احدهما الشيئ الذي لم يكن واردا أو ما كان ينبغي أن يكون أو أن الطرفين ـ إن صح التعبير ـ كانا بالضرورة الثورة الشعبية ونظام نميري.
إذن كيف يستوي أن تكون هناك موازنة ثم (انحياز) فالقوات المسلحة بالضرورة طرف مهم من القوى الجماهيرية ولابد من وقوفها مع الشعب والتصدي لقضاياها في كل الأوقات والظروف.
وعلى الرغم من ذلك ومن الناحية الموضوعية كان من الواضح تماما بعد موكب الأربعاء
3 أبريل 1985، وهذا في تقديري عيد الانتفاضة الحقيقي، ونحاج الإضراب السياسي ووحدة الحركة الشعبية المناهضة تأكد أن النظام المايوي قد انتهي في ذلك اليوم، وأن الثورة ماضية في طريقها نحو التغيير مهما كان الثمن.
ومن هذا المنطلق كان بيان القوات المسلحة تتويجا للانتصار وربما حقنا للدماء التي هب الشعب بأكمله ليدفعها ثمنا للحرية والديمقراطية.
أما السؤال عما إذا كانت قيادة القوات المسلحة قد تحركت لامتصاص غضب الجماهير أم إنقاذ بعض القيادات بإظهار التنصل من صلتها أو دورها في النظام المايوي فهذا سؤال أعتقد تكمن الإجابة عليه وسط تلك القيادات والأدوار التي قاموا بها في الانتفاضة والقناعات المتفاوتة أو التردد في اتخاذ القرار من بعض تلك العناصر، ولا أعتقد أن من كان خارج تلك الحلقة في ذلك الوقت بالذات يمكنه أن يجيب على ذلك بقدر كبير من الصحة.
د. الحردلو
الخطوة التي قام بها الفريق سوار الذهب ورفاقه لا تتوفر حولها المعلومات الكافية حتى هذه اللحظة.
والسؤال الذي تجب الإجابة عنه هو ماذا حدث في الأيام الثلاثة التي أعقبت موكب التجمع النقابي في 3 أبريل 1985م داخل القوات المسلحة؟
هناك روايات من بعض أعضاء المجلس العسكري الانتقالي انتشرت على لسان رواة كثيرين يصعب تحديد هويتهم، فمثلا هل صحيح أن الفريق سوار الذهب نفسه كان مترددا في اتخاذ الخطوة؟ هل صحيح أن الفريق تاج الدين عبد الله وضعه أمام الأمر الواقع عندما خاطبه بأنه سيأخذ مكانه؟ وهل صحيح أن الضغط جاء من ضباط غير الذين كونوا المجلس العسكري الانتقالي، وأنه لولا تحرك القيادة لكان التحرك من ضباط آخرين من مختلف التوجهات السياسية؟ وهل إبعاد القائمة الأولى من ضباط القوات المسلحة مرتبط بهذه المقولة؟ وهناك سؤال عن الاتصالات التي تمت خلال الأيام الثلاثة ومع من كانت؟ هل كانت مع اللواء عمر محمد الطيب كما قالت بعض الاشاعات؟ هل كانت مع بعض قادة الأحزاب التقليدية مثل السيد الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني؟ وهناك روايات تفيد أن بعض الضباط الكبار اتصلوا بهم.
وثمة أسئلة أخرى، لماذا أحيطت الخرطوم صباح السبت السادس من أبريل 1985؟ هل لتوقع وصول نميري كما فهم اللواء عمر محمد الطيب أم لمنع المواكب من دخول الخرطوم؟ من الذي كان يتوقع تحرك القيادة العامة؟
حسب معرفتي الوثيقة داخل التجمع الوطني أنذاك، لم يكن أحد في التجمع يتوقع تحرك القيادة العامة.
وتحرك القيادة العامة كان منعا لتحرك الضباط الصغار ذوي التوجهات السياسية. من هذا المنطلق قد يكون التحرك إنقاذا للنفس وبالنتيجة والسلوك يمكن اعتباره امتصاصا لغضب الجماهير.
توقيت هذه الخطوة – من وجهة نظرك – هل كان له علاقة بمتغيرات خارجية مثل زيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش أو داخلية مثل اعتقال قادة الحركة الإسلامية بقيادة الدكتور حسن الترابي؟
اللواء حمادة
نقطة انطلاقنا كانت من الواقع السوداني وقناعاتنا بأن النظام السابق لم يعد صالحا للحكم بل كان وبالا على السودان، وتحرك الشارع بكافة فصائله وتجمعاته كان مؤشرا لهذا. في هذا الجو تولدت أسباب التغيير ونحن في القوات المسلحة لم ننطلق من أي توجه حزبي أو عقائدي بل إن توجهنا كان من أجل السودان.
الجانب الآخر الذي اتعرض له بالتوضيح هو أن القوات المسلحة هي المؤسسة القومية الوحيدة التي يعمل بها كل أبناء السودان وهذا هو توجه القوات المسلحة الذي اتمني أن يستمر دون أن يحدث فيه أي خلخل.
ومن توجه القوات المسلحة انطلقنا تجاوبا مع الشارع السوداني الذي حركته أسباب موضوعية وتوجهنا أنطلق من حركة الشارع ولم تكن له أية علاقة بمتغيرات داخلية أو خارجية، فضلا عن أن واقع الحال ينفي مجرد التفكير في هذه العلاقة.
د. أمين مكي
على الرغم من أن الكثير قد قيل عن أن الانتفاضة كانت بتدبير مسبق وتوزيع للأدوار تحدد سلفا أو انقلاب قصر فوقي وتغيير في القيادات السياسية كإزاحة الإخوان المسلين عن السلطة السياسية وارتباط هذا أو ذاك بزيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش وبعض من قابلوه أو رفعوا إليه المذكرات وهم معروفون وينبغي عليهم أن يعلنوا غرض ونتائج تلك المقابلات والدوافع التي حدت بهم لمقابلته كل هذه الظروف والعوامل الخارجية لاشك في أنها ذات صلة بما كان يدور في
الساحة السياسية آنذاك ومؤشرات بداية نهاية نظام مايو بقيادة جعفر نميري، إلا أنني على يقين كامل بأنه ليس هناك قوة في الأرض مهما بلغت من حكمة وبعد نظر وقدرة على التدبير والتخطيط يمكن أن تدعي أو تسند إلى نفسها توقيت اشعال نار الانتفاضة والتحرك الشعبي الذي بدأ في السادس والعشرين من مارس 1985، والذي كان نتاج انفجار بركاني لثورة جماهيرية أصيلة.
د. عدلان الحردلو
أميل إلى الربط بين تحرك القيادة العامة وزيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش واعتقال الاخوان المسلمين، إن ما كشفت عنه محكمة الفلاشا يوضح تدخل الجهات الخارجية وتخطيطها لزوال شخص استنفذ أغراضه بالنسبة لها. وكان يهم تلك الجهات معرفة وجهة التغيير القادم وقيادته في اتجاه مصالحها. ولا يستبعد أن يكون اعتقال الاخوان المسلمين من تخطيط جهات خارجية، بل أبرئ الرئيس الأسبق جعفر نميري من اعتقالهم، لأنه ليست هناك ثمة مشكلة حقيقة بين الاخوان ونميري، بالعكس كانوا مطيعين ومساندين ولكن نميري أوهم بأن الخطر آت من ناحيتهم.
وأرجح أن يكون اعتقال الاخوان المسلمين قد تم بإشارة من بوش حتى لا يكونوا في صف النظام عندما يحدث التغيير وهذا يعني إنقاذا لهم.
وفي تقديري أن الجهات الخارجية قدرت أن فرملة الثورة والوقوف تجاه التيارات اليسارية والراديكالية لن يقف أمامها إلا الاخوان المسلمين، باعتبارهم الجهة المنظمة الوحيدة في الساحة آنذاك ومصلحتهم تلتقي مع المصلحة الخارجية في تحجيم اليسار والقضاء عليه.
الميثاق الذي بموجبه تكونت الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري إلى أي مدى التزمت به حكومة الانتقال في أداء مهامها؟
اللواء حمادة
أعتقد أن الحكومة الانتقالية بتسليمها للسلطة في موعدها المضروب من قبل القوى الممثلة لقطاعات الشعب المختلفة في تلك الأيام، يعد أكبر نجاح وكذلك ما قامت به الحكومة الانتقالية في إجراء (أنزه انتخابات) في تاريخ السودان، وكانت البلاد أنذاك تصارع المجاعة وتدرؤها، علما بأن الانتفاضة ساعة نجاحها لم يكن في بنك السودان دولارا واحدا.
أضف إلى هذا عودة اسم السودان في المحافل الدولية بإنجاز حضاري. وكذلك إضفاء الجو الديمقراطي في البلاد في مناخ معافى يدعو للتفاؤل والعلم. أظن أن هذه إنجازات كبيرة جدا. ولا مجال للحديث عن الميثاق كميثاق لأن كتابة الميثاق أي ميثاق شيئ وتنفيذه أمر آخر.
د. أمين مكي
أي تقييم لأداء الحكومة الانتقالية لابد أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي واكبتها المرحلة والضغوط التي تعرضت لها عبر المذكرات والاعتصامات والإضرابات والمواكب التي جعلت الحكومة في موقف تفاعل مع الكوارث أدى إلى تحجيم قدرتها على العطاء في إطار البرامج المطروحة في شعارات الانتفاضة وقصر المدة الزمنية.
د. عدلان الحردلو
لم تلتزم سلطة الانتقال بالميثاق الوطني إلا في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وبعض المحاكمات التي جرت لبعض رموز مايو والتي دار حولها الكثير من اللغط فيما يختص بأداء النائب العام ولجانه.
فيما عدا ذلك بالنسبة لتصفية آثار مايو – عموما – لم تلتزم سلطة الانتقال. وحتى في قضية الجنوب كانت هناك عراقيل وضعت من المجلس العسكري والحكومة في وجه الحوار الذي كان دائرا بين حركة الشعبية والتجمع الوطني.
الخلاصة إن التزام سلطة الانتقال بالميثاق لم يكن التزاما كاملا، بل كان هناك تجاهل للكثير من المبادئ التي وردت في الميثاق.
هناك وجهة نظر ترى أن بعض عناصر الحكومة الانتقالية كانت ضعيفة ولم تواكب مهام المرحلة، بل كانت تفتقد الكفاءة التي تؤهلها لتلك المناصب؟
اللواء حمادة
هذا سؤال يوضح مدى الديمقراطية التي وفرتها حكومة الانتقال ودليل على أن وجهة النظر غير صحيحة، لأن الحكومة الانتقالية في الحد الأدنى إن لم تكن متماسكة لما أوفت بوعدها.
والأهم من هذا هو تقدير الظروف التي استلمت فيها الحكومة السلطة.
د. أمين مكي مدني
بالنسبة للوزراء أعتقد أننا كنا نفتقد على وجه العموم التجربة السياسية والتنفيذية السابقة لمواجهة التحديات التي تواجهنا غير أن الوزراء كانوا جميعا من ذوي المؤهلات والتخصصات العلمية وقد بذلوا جميعا الجهد الممكن لأداء أدوارهم.
د. عدلان الحردلو
الضعف الذي اتسمت به بعض عناصر الحكومة الانتقالية لم يكن مصدره ضعف الكفاءة الفنية أو العلمية، فقد كان معظمهم من الرجال الذين يحملون مؤهلات علمية رفيعة في مجال تخصصهم ولكن مصدر الضعف في تقديري كان افتقار معظم هذه العناصر إلي التجربة السياسية النضالية.
وكانت هذه قاصمة بالنسبة لأدائهم ولعل المسؤولية هنا تقع على رئاسة مجلس الوزراء التي نهجت نهجا بيروقراطيا أكثر منه سياسيا، وبالتالي فرضت على جميع الوزراء التحرك في هذا الإطار فيما أسماه رئيس الوزراء بالنهج القومي.
التحرك في هذا الإطار فيما أسماه الدكتور الجزولي دفع الله رئيس الوزراء للفترة الانتقالية بالنهج القومي، هل صحيح أن بعض الوزراء الانتقاليين أسفروا عن حزبية واضحة؟ وما مدى تأثير حزبيتهم في الأداء الوزاري؟
اللواء حمادة
الشعب السوداني في غالبيته صاحب انتماءات حزبية أو عقائدية وحتى المستقلين يتجاوبون مع بعض الجهات في كثير من المواقف التي توافق أفكارهم.
وفيما يختص بالحكومة الإنتقالية وحزبية بعض أفرادها فهذه الحزبية أن وجدت لا تأثير لها في الأداء بحسبان أن العمل كان جماعيا وليس لأي فرد فيها اتخاذ القرارات التي توافق أفكاره الشخصية وفترة الانتقال نفسها كانت قصيرة لدرجة إذا حاول أي طرف فيها تطبيق أفكاره فإن الزمن لا يسعه لتحقيق أي شيء.
د. أمين مكي
لا أعتقد أن أيا من الوزراء قد أسفر بصورة واضحة عن الانتماء لحزب معين وشاهدي أن العمل كان لحد كبير بصورة جماعية، غير أن مواقف بعض الوزراء قد تفاوتت في القضايا العامة كمسألة الجنوب وقوانين سبتمبر وقانون الانتخابات بما قد يتفق أو يختلف مع الرؤى السياسية
لحزب معين أو لأخر، مع رؤية التجمع الوطني أو ضدها. وبهذا القدر أرى أن ذلك قد أثر سلبا علي أداء الحكومة الانتقالية في هذه المجالات.
د. عدلان الحردلو
لا شك مطلقا في أن بعض الوزراء كانت لهم صلات وثيقة ببعض الأحزاب وقد دارت الاتهامات حول رئيس الوزراء ووزيرا الصحة والتربية. وطالت هذه الاتهامات النائب العام، حيث كان سلوك هؤلاء الوزراء أقرب إلى الواجهات الحزبية منه إلى جسد الثورة الحقيقي التجمع الوطني، والحاصل كان هنالك غضب شديد من جانبهم نحو التجمع وسياساته.
والتهمة التي وجهت إلى رئيس الوزراء الدكتور الجزولي دفع الله أنه كان ذا صلة بالجبهة الإسلامية ووزير الصحة وضح أنه من الحزب الاتحادي الديمقراطي ووزير التربية لا جدال في صلته بالجبهة الإسلامية وأيضا النائب العام لا جدال في صلته بالاتحادي الديمقراطي.
وكذلك الحال بالنسبة للمجلس العسكري إذ كان سلوك نائب رئيس المجلس العسكري الفريق تاج الدين يوضح إنه ذو صلة بالجبهة الإسلامية. وطبعا هناك احتمال أن لكل وزير صلاته إن لم تكن حزبية فقد تكون أقرب من فكر الحزب المعين ماعدا وزير الإعلام الذي لم يحمل أي نوع من الانتماء قريبا أو بعيدا من أي حزب. وكل الضجة التي أثيرت حول شيوعية الأستاذ محمد بشير حامد وزير الثقافة والإعلام في الحكومة الانتقالية لا أساس لها من الصحة.
الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، والحكومة الحالية بررا فشلهما في التفاوض مع الحركة الشعبية بحجة أن الدكتور جون قرنق مسنود من جهات أجنبية في حين يرى قرنق أن الحكومتين لم تفيا بوعدهما، ما رأيك؟
اللواء حمادة
قبل الانتفاضة كانت لقرنق نظرة مقبولة في أنه راغب في اسقاط نظام نميري وله أسبابه الموضوعية في هذا. ولكن اسقاط نظام نميري لم يكن هدفا لقرنق وحده وإنما كان هدفا للشعب السوداني كله. هذا النميري سقط أسقطه الشعب السوداني، وبعد هذا ليس أمام قرنق شيء سوى العودة لمناقشة ما يريد تحقيقه للسودان مع الجميع.
(الحصل) أن الحكومة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني حاولت المستحيل مع جون قرنق، الدكتور الجزولي دفع الله رئيس الوزراء بعث له بمذكره ورد عليه جون قرنق بطريقة مخادعة. المجلس العسكري حاول أبان زيارة عضويه اللواء حسني فارس واللواء فضل الله برمة إلي أديس أبابا الالتقاء به. وفي مرة ثانية حاول اللواء فضل الله الاتصال بقرنق ولم يتمكن.
إذن الحكومة الانتقالية بشقيها بذلت الجهد ولم تقصر إطلاقا في محاولة الاتصال بقرنق. وبكل أسف لم يتجاوب قرنق مع كل هذه الاتصالات. وأنا شخصيا أعتقد أن من لا يملك إرادته لا يستطيع أن يجلس معك لاتخاذ قرار. وهذا هو جون قرنق أنذاك، إذ بدا واضحا إنه لا يملك إرادته، لأن هنالك من يمده بالمال والسلاح والعتاد والأفكار.
وفي هذا الخضم لم يكن هناك وعد من جانبنا حتى نفي به، النظام المايوي سقط وكل الذين حاربوه تنادوا وسلموا أسلحتهم. وأظن أن قرنق قد ضيع فرصة أن يكون السودان مستقرا.
د. أمين مكي
أعتقد أن تكوين المجلس العسكري كسلطة عليا ثم المضي في تكوين الحكومة لم يساعدا علي فتح القناة الضرورية لاشراك الحركة الشعبية، والتي كانت في ذلك الوقت المعارضة الحقيقة والفعلية للنظام المايوي.
وكانت الحركة الشعبية تحظى بتأييد جماهير الشعب السوداني، غير أن الحركة الشعبية نفسها لم تتريث وتعجلت بإدانة النظام علي أساس أنه وجه جديد لمايو ورفضت التفاوض مع المجلسين بصفتهما هذه، مما عرقل مسيرة الوفاق وإيقاف إطلاق النار.
إلا أن التجمع الوطني قد بذل جهدا مقدرا في كسر ذلك الحاجز وفتح باب المفاوضات وصولا إلى إتفاق كوكادام.
وبالنسبة للحكومة الانتقالية أرى أن إلغاء قوانين سبتمبر ورفع حالة الطوارئ اللذين سيتبعهما وقف إطلاق النار وانعقاد المؤتمر الدستوري هي الخطوات الأساسية نحو حسم قضية الوحدة الوطنية الشيئ الذي أخفقت فيه الحكومة الانتقالية وتباطأت فيه الحكومة الحالية. أما الحديث عن تبعية الحركة لجهات أجنبية وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات في المستقبل فهو اتهام يمكن دحضه أو اثباته باتخاذ تلك الخطوات والدعوة للمؤتمر الدستوري.
د. عدلان الحردلو
استندت الحكومة الانتقالية إلى أن هناك جهات أجنبية تسير الحركة الشعبية مع حركة جون قرنق، ولم تكتفي بهذا بل سعت إلى الادعاء بإيجاد براهين وافية تدعم هذا الاتجاه.
وفشل الحكومة الانتقالية في التعامل مع قضية السلام، مبعثه تواطؤ الحكومة الانتقالية مع الجهات المناهضة لجون قرنق وتشجيع المجلس العسكري لنهج الحرب الذي تبنته الجبهة الإسلامية القومية والجهات العنصرية في الشمال.
أما جون قرنق فهو أصلا لم يثق في المجلس العسكري وقد يكون في هذا الموقف صاحب بعد سياسي، لأنه منذ البداية تشكك في الحركة. وكان واثقا من أن هذا التغيير لن يقود إلى تغيير كامل بالنسبة لسياسات الحكومات الشمالية نحو الجنوب وبالتالي لم يحفل بسلطة الانتقال بشقيها.
في الجانب الآخر لم تكن هناك وعود حقيقية من الحكومة وإنما أبدت النية في حل هذه القضية سلميا. والحكومة الانتقالية ترددت كثيرا في الموافقة علي الإعلان السياسي. وتردد الدكتور الجزولي دفع الله كثيرا عند إصدار هذا البيان الذي تم الإعلان عنه بعد ضغط من التجمع النقابي وأحتوى ذلك الإعلان على مسائل إيجابية ولكنها لم تكن كافية لاستجابة الحركة الشعبية.
ترى هل استطاعت الديمقراطية اللبرالية ترجمة شعارات الانتفاضة أو تلبية حاجات الجماهير نحو التغيير؟.
اللواء حمادة
(بصراحة) لا وقبل أن أمضي في التعليل أقول يجب أن نكون أكثر واقعية بمعني أنه لا يمكن تصور إصلاح الدمار والتدهور الذي خلفته مايو في كافة مناحي الحياة خلال عام أو عامين. والمهم في هذه العملية هي بأمانة الرجال وجهدهم ونكران الذات يجب أن نحافظ علي الديمقراطية وهي المدخل لحل الكثير من المشاكل، لأنها تعني الحرية التي تفرز في سطح الحياة السياسية أطروحات عديدة تجد فيها ما يصلح ويغير مفاهيم الناس، والطرح الذي أتمني أن يسود هو أن نعمل أكثر مما نطالب، لأننا إن تمادينا في الطلب فمعني هذا إننا نطلب من العدم.
د. أمين مكي
لا أعتقد أن الحكومة الانتقالية قد نجحت في ترجمة شعارات الانتفاضة أو تحقيق أماني الجماهير خاصة في حل قضية الوحدة الوطنية ومعالجة الخلل الاقتصادي ومحاربة التهريب والغلاء والسوق السوداء ثم إزالة آثار مايو.
غير أنني لا أرى أن الاخفاق يقع علي نظام الديمقراطية اللبرالية كنهج سوي لحكم البلاد، رغم أن الديمقراطية اللبرالية تشترط بعض المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد لا تتوفر لنا في الوقت الحالي ولكن في ـ تقديري ـ لا سبيل لنا سوى إرساء قواعد الحكم الديمقراطي ومحاولة
توعية القيادات لأجيالنا القادمة ولن يجدينا كثيرا التبرم والاحباط من السلبيات التي يفرزها واقعنا السياسي والاجتماعي والتي لابد من محاربتها وتقويمها بدلا من استغلالها لوأد الديمقراطية.
د. عدلان الحردلو
في تقديري أن الممارسة الديمقراطية خلال الفترة الانتقالية جاءت وتجيء دون طموحات الجماهير الشعبية فالحصيلة اليتيمة التي تنسب إلي فترة الإنتقال هي أجراء الإنتخابات العامة للجمعية التأسيسية والتي لم تكن بالمعني وإنما كانت إنتخابات جزئية.
وممارسات المجلس العسكري السياسية وتواطؤه مع القوى التقليدية المحافظة فرضت على القوى السياسية الأخرى الدخول في الانتخابات دون أن تكون مستعدة لها. كما فرضت قانونا للانتخابات فصل تقريبا على مزاج القوى التقليدية والمحافظة سواء في توزيع الدوائر الجغرافية أو الصيغة التي جاءت بها دوائر الخريجين.
وإذا كان هذا هو الأساس الذي وضعته الحكومة الانتقالية فمن الطبيعي أن تنعكس سلبياته على الفترة النيابية الحالية.
فجزئية الانتخابات انتقصت من قيمة الجمعية التأسيسية ونتيجة الانتخابات نفسها أتت بحكومة ائتلافية يتناقض أطرافها في كثير من التوجيهات حول القضايا القومية داخلية كانت أم خارجية. أما المعارضة فيغلب عليها روح التشنج والخوف من أن تنقض عليها القوى الطائفية الحاكمة إذا ما أتيح لها التوحد.
هناك شعور في الأوساط الشعبية بأن نظام الحكم الديمقراطي ليس هو النظام المستقر الذي كانوا يتصورونه، هل هذا الشعور له مبرراته الواقعية؟
اللواء حمادة
كلمة مستقر تعني النظام الذي يرتكز علي مقومات الأمن وتوفير الاحتياجات الضرورية للإنسان، حرية الفكر، العقيدة وقاعدة جماهيرية كبيرة تدافع عنه بالطرق المشروعة والنظام نفسه يعمل من أجل المصلحة العامة.
ولكن ظروف السودان في ذاك الوقت غير طبيعية والحكومة الديمقراطية التي ترأسها السيد الصادق المهدي بدأت حينئذ من الصفر. وهذا يعني إنها قابلت صعابا كثيرة لتخطي هذه المرحلة. والمطلوب التخطيط السليم بالنأي عن العشوائية في ضوء ظروفنا وامكانياتنا حتى نصل إلى ما نصبو إليه. وقد أكون متفائلا إذا قلت إن الحكومة كانت تحتاج لخمس سنوات ـ علي الأقل ـ في ضوء ظروفنا وامكانياتنا حتى تتخطى تلك المرحلة. وهذا بالضرورة يتطلب نبذ الخلافات والصراعات الجانبية عديمة الجدوى وبالطرح الواقعي العملي يمكن للحكومة أن تنجز الكثير.
د. أمين مكي
تطابقت الإجابة مع إجابة اللواء حمادة عبد العظيم
د. عدلان الحردلو
أعتقد أن الجماهير كان أملها عظيما في أن تعي الأحزاب دروس الماضي وكانت تحلم بالاستقرار وتحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم، بالذات فيما يختص بحاجيات المعيشة المباشرة بانخفاض الأسعار وتوفير المواد الأساسية بإزالة السوق السوداء.
ذلك الجو السياسي الكريه الذي كان سائدا على أيام مايو كانت الجماهير تتطلع لإزالته. وفي تقديري أن الجماهير مازالت على استعداد للتضحية في سبيل أن تتمتع بحرياتها ولكن لن تضحي لزمن طويل ما لم تلتفت الحكومة القائمة لتلبية حاجياتها الأساسية.
مبررات هذا الشعور أمثلها في الإحباط الذي وقع نتيجة لخيبة الآمال التي حدثت من جراء توقعات لم تحقق وعدم وعي الأحزاب وانصرافها عن القضايا الأساسية وانشغالها بقضايا هامشية لا تهم في قليل أو كثير.
كيف ترى مستقبل الديمقراطية في السودان وأين هو موقع القوات المسلحة من هذا المستقبل؟
اللواء حمادة
هذا سؤال كبير (خالص) فالواقع إننا في السودان خلال ستة عشر عاما حكم البلاد خلالها المشير جعفر محمد نميري، لم نمارس الديمقراطية على الاطلاق، وحتى فترات الديمقراطية التي عشناها لم تكن كافية لكي نمارس الديمقراطية ممارسة صحيحة ونختبرها ونستفيد من تجاربنا فيها.
ويتعين علينا أن ننأي عن العجلة متحلين باليقظة والصبر وتقبل الرأي والرأي الآخر نتحاور نتفاكر، نختلف نتفق ويكون نصب أعيننا دائما السودان محافظين علي أمنه وسلامته. أما فيما يختص بالقوات المسلحة فإن أسعد لحظاتها في تقديري هي أن تكون آمنة وسالمة والناس تعيش حياة ديمقراطية سليمة لتكرس جهدها للتدريب والتأهيل لكي تقوم بواجبها الأساسي في حماية الوطن. هذه أسعد لحظات القوات المسلحة.
وأعتقد أن هذا الجهد الذي أصبو إليه يجب أن يتجه في المقام الأول نحو إبقاء القوات المسلحة قومية، لأن لحظة تجاذب القوات المسلحة بين أطراف سياسية كانت أو عقائدية ليس معناه انهيار القوات المسلحة فحسب وإنما انهيار السودان نفسه.
يجب أن تبقى القوات المسلحة الملجأ الأخير للناس عند احتدام الخلاف لحمايتهم جميعا وما حدث في أكتوبر 1964 وابريل 1985 خير شاهد، إذ كانت القوات المسلحة هي المخرج من الأزمة.
د. أمين مكي
في إطار إجابتي على السؤال السابق أري ألا بديل للديمقراطية ولابد من المزيد منها محاولة تقويمها وإزالة معوقاتها ودعمها حتى يتم استقرارها.
أما القوات المسلحة فقد كان ومازال يقيني إنها جزء من الحركة الشعبية تتفاعل معها وبها وتسهم بنفس القدر في إرساء قواعد الديمقراطية ولا ينبغي أن ننظر للجيش كسيف مسلط علي رقابنا أو شبح يهددنا.
غير إنني لا أؤمن بالحكم العسكري ـ فإننا في السودان خاصة وفي دول العالم الثالث قاطبة ـ قد جربنا ذلك ووصلنا إلي قناعة تامة بعدم جدوى الحكم العسكري، هذه القناعة تنسحب أيضا علي رجال القوات المسلحة أنفسهم وأختم حديثي هذا بأنني لا اخشى وقوع الإنقلاب العسكري، لأنه مرفوض بواسطة جماهير الشعب ولأنها أثبتت قدرتها علي إزالته طال الزمن أو قصر.
د. عدلان الحردلو
أظن أن إجابة هذا السؤال في الإجابة السابقة والجديد فيه هو أين موقع الجيش؟ فالجيش ليس جسما واحدا ولا أرى مبررا في الوقت الحاضر لتدخله طالما هنالك حكومة ديمقراطية قائمة مهما كانت سلبيات هذه الحكومة ولكن إن استمرت الأحوال كما هي عليه الآن قد يأتي اليوم الذي يفكر فيه الجيش بالتدخل.
وقد كانت وجهة نظري منذ البداية أن الصيغة الديمقراطية الليبرالية بالمفهوم الغربي لن تتمكن من العيش في ظروف السودان إلا إذا طوعناها لواقعنا وأدخلنا عليها ما يكسبها الاستقرار أكثر. من ضمن هذه الأشياء مبدأ تمثيل القوى الحديثة، النقابات، الأحزاب، التجمعات الإقليمية وإيجاد مكان للجيش في هذه الصيغة. وإذا لم نجد الصيغة التي تربطها ديمقراطيا يصبح من الصعب جدا تصور استمرار الديمقراطية في السودان وعزل أي طرف منها يشكل عزله تهديدا للسلطة والديمقراطية.
شكل نظام الحكم هو أكثر قضية مؤجلة في السودان ومع أن الفيدرالية في نظر البعض تبدو كأنها النظام الأمثل، بينما يرى كثيرون أنها في ظل ظروف السودان الحالية ستقود إلي تفتيت وحدته وربما انفصال أجزاء منه؟.
اللواء حمادة:
الواقع أن السودان هو قارة متباعدة الأطراف تفتقر إلي البنيات الأساسية طرق كباري مواصلات بحرية نهرية برية … الخ.
بالتأكيد بلد مثل هذا من الصعب جدا تحكمه مركزيا والحكم اللامركزي كان خطوة نحو إيجاد صيغة معقولة لحكم السودان وكانت له بالطبع ممارساته الخاطئة، ولكنها تجربة يتعين علينا الاستفادة منها.
أما الفيدرالية فهي طرح له إيجابياته وسلبياته وهناك دول متقدمة كثيرة تطبق الفيدرالية. ولا أعرف الخوف من الفيدرالية كمقدمة للانفصال؟! فالذي يرغب في الانفصال سيحقق رغبته سواء طبقنا الفيدرالية أم لا. وأميل إلى تحقيق طموحات الناس في نظام الحكم الذي يرغبون بالقدر الذي يجعلنا متماسكين بتقسيم السلطات وفق أسس واضحة وقوانين تضمن تماسك هذه الأقاليم.
إذن التقسيم أو عدمه هو أشكال للحكم والأهم إلا يسود رأي الأغلبية على حساب الأقليات بمعني أن نقرر موازنة سليمة بين آراء الأقلية والأغلبية وشكل الحكم ونوعه ولماذا اختير؟ هذه قضية يجب أن تكون عبر حوار يدور في حرية تكفل لجميع الآراء حقها في النقاش. ومرة أخرى لا أرى مبررا للخوف من الفيدرالية كمقدمة للانفصال، بحسبان أن الانفصال قد يحدث دونها ولا داعي للخوف.
د. أمين مكي
كان الحديث عن الفيدرالية أو الحكم الأقليمي أو المركزي في هذا الوقت سابقا لأوانه، إذ أن هذه المسألة من المسائل الجوهرية التي ينبغي أن تحسم حسب التطورات السياسية والاقليمية التي تطرحها الفعاليات السياسية المختلفة في محاولة الوصول إلي حد أدني من الوفاق.
ومن هذا أرى أن طرح الفيدرالية أو الإصرار عليه من جهة سياسية أو أخرى قد ينطلق من مواقف سياسية أو عقائدية حددت سلفا وعلى اختلاف موقفها من تصور نظام الحكم الذي يرتضيه الوفاق الوطني.
د. عدلان الحردلو
أعتقد أن الوضوح متوفر لدعاة الفيدرالية وفي تقديري من الخطأ جدا معالجة المسألة الوطنية في السودان بمجرد اختيار نظام الحكم.
والمسألة ليست في الشكل وإنما في المضمون وما لم يكن هنالك مضمون يحقق المعادلة المتوازنة سابقة الذكر من الصعب جدا أن نحدد شكل النظام الذي يحدد الاستقرار ويجد القبول.
دعاة الفيدرالية يغيب عن تصورهم إن مجرد الشكل لا يحل المشكلة.
ولا اعترض على الفيدرالية من حيث المبدأ ولكن الفت الأنظار إلي الخطر الذي ينجم عن تأسيس نظام فيدرالي دون مراعاة مضمون هذا الشكل، إضافة إلى غياب الوعي السياسي بالأخص في الريف يصعب معه فهم العملية الفيدرالية التي تقوم في الأساس علي تقسيم السلطات بين المركز والولاية وتفسير السلطة القضائية العليا لأي خلاف ينتج بين المركز والولاية.
وفي السودان لن نجد الوعي الكامل لتقبل أحكام المحكمة العليا التي تفصل في الخلافات وهكذا.
الأمر الثالث هو عدم وحدة الاقاليم نفسها ففي كل إقليم قبائل وطوائف مختلفة قد تجنح عند تطبيق الفيدرالية إلي تفتيت الاقليم إلى ولايات أكثر.
مسألة الانفصال في تقديري ليست هي الخطر وإنما الخطر هو تعويض نظام الحكم والعمل السياسي والإداري مما يشغل الحكومة بتصفية الخلافات في الأقاليم.