ثورة عبود : يا دوب ما الموت اتلوم
د. عبد السلام نورالدينِ
20 November, 2011
20 November, 2011
abdelsalamhamad@yahoo.co.uk
الرحيل المفاجئ لثورة عبود فجر الاربعاء العشرين من يوليو 2011 فجر في كل الحلقات التي تتحلق حولها وتتعلق بها من رندة ومازن وعبدالملك العبيد الى الاهل في مدني ورفاعة الى الاصدقاء وزملاء العمل والناشطين في الفكر والحراك النسوي والمعارف بتنوع وتعدد صلاتهم وصلاتهن بها مشاعر شتى تلافيفها الاسف ولوم النفس والعجز والحيرة والفجيعة والاستنكار والاستغفار والهزيمة والاستسلام ورغم تباين رسيس الاحاسيس أوتقارب وتباعد الامكنة واختلاف المواقع يلتقون على تكأة فجاءة المصائب التي تجمعن المصابيبنا.
**
لم يجد شيخ العرب الكبير– ابوسن بدا أن يلوم هادم اللذات – حينما نعي له في الصباح الباكر صديقه الذي فارقه مساء البارحة فأطلق زفرة حرى متمتما وكانه بخاطب نفسه : يا دوب ما الموت أتلوم .
يبدو أن الذي يبدو لوما من شيخ العرب للقط الاكبر الذي ينشب دون سبب وجية أظفاره في عنق صديقه وجليسه الحبيب هو عجب وخوف و سخط واحتجاج ليس على الفوضى غير الخلاقة التي يزوال بها الموت مهنته التي تحولت الى متعة وغواية ولكن على العشوائية السائبة التي تختار فيها "ابل القدرة " المواضع التي تحط فيها رحالها .
كلنا ذاك شيخ العرب حينما حطت ابل القدرة باخفافها على أم رأسه في ذلك الصباح الحزين الذي ذهبت فيه ثورة عبود بلا وداع فرددنا معه وقد تمثلنا قوله :يا دوب ما الموت اتلوم.
**
وصفت صديقة حميمة لثورة عبود أنها قد كانت منذ تعرفت عليها في الشباب الاول أكثر الناس وضوحا في رؤيتها حدية في مواقفها من الناس والحياة ولم يقل لها أكثر الناس قربا من ثورة عبود –انها قد ذهبت بعيدا في مقالها وأن قد كانت ثورة غير ذلك.
وصفت شاعرة غارقة في ميتافيزيقيا الاحزان قد بدا لها خبر وفاة ثورة عبود الذي طوى جانبي الاطلسي ليداهمها في أمتداد الاراضي الجديدة ، أنه أحد أخاديع طبلة الاذن أو من كوابيس المنام بان ثورة ومنذ أيام الثانويات رومانسية بالطبع وروح حالمة تألقت في خدمة الذين تعرفهم وتولهت بمن لا تعرفهم فنسيت نفسها في غمرة تحنانها العظيم الذي لا ساحل له فجرفها موج الموت المتلاطم.
لا يعرف زملاؤها الذين شاركوها العمل في مجالس ادرايات لندن المختلفة وجمعياتها الخيرية العديدة سوي ثورة التي تبذل كل ما بوسعها من جهود وطاقات وعاطفة متأججة لنجدة طالبى اللجوء السياسي والانساني والذين لا سكن لهم أو الئك الذين تقرر أعادتهم من حيث أتوا وليس لهم سوى انتظار الذي ياتي ولا ياتي لابقائهم –فتهب ثورة عبود بتناصرها المشبوب لهم لاغاثتهم في الوقت الحرج– وكثيرا ما تنجح في مهامها العسيرة لتمتعها بالتقدير والاعزاز من قبل السلطات والادارات البريطانية التي تتراجع عن قراراتها أمام صدقها وحماسها ومرونتها في حل القضايا المستعصية التي تتعلق باللاجئين والمشردين والذين كتب عليهم ان يعودوا الى الحدود التي فروا أو طردوا منها .
السؤال الدائم الذي يطارد اذهان زملاء ثورة في ادارات المجالس والعمل الطوعي لماذا تتبنى هذه السيدة ذات الاصول الافريقية قضايا وهموم الذين فقدوا الامل وتخلت عنهم كبرى المنظمات والمؤسسات وكأنها قضاياها وهمومها الشخصية ولا تستكين ولا تنثني حتي تنتصر لهم فيبقون ويكتسبون حقوقهم ومواطنتهم الكاملة – الامر الذي يعني بالنسبة لهم تحقق المعجزات على يد هذه السيدة في بلاد وازمان لم يعد فيها للمعجزات مكان.
ليس من الميسور الالمام بكل المسارب والجداول والجذور والعروق التي رفدت مكونات وتشكلات شخصية ثورة عبود وحوفزاها عبر مسار حياتها سيما وأن كثيرا منا لم يتنبة لهويتها وتمايزها وتفردها الا بعد أن خرجت ولم تعد ومع ذلك يمكننا أن نتلمس قسمتين بارزتين في معالم شخصيتها .
القسمة الاولى – الامومة بمعناها الواسع والعميق. يبدو أن قيام ثورة عبود في وقت باكر من عمرها باعباء شقيقاتها واشقائها ومشاركة والدتها في كل صغيرة وكبيرة قد نفح فيها احساسا دافقا بالمسئؤولية الكاملة تجاة اسرتها فانثال فيها بعفوية وتلقائية الاحساس بالامومة في الرعاية والعناية والاهتمام والحب والدفاع وامتدت تلك الامومة لدي ثورة لتشمل في وقت لاحق ليس فقط افراد اسرتها فحسب بل ضم ذلك الاحساس صديقاتها واصدقائها وزملائها في العمل والنشاط العام وربما قد امتدت امومتها لتشمل حتى زوجها عبدالملك فيما بعد –الاكثر طرافة ومدعاة للتأمل أن ثورة التي كانت أما لاشقائها وشقيقاتها تمتعت بصداقة متينة مع أمها في السودان ومع ابنتها في وقت لاحق في لندن. وهكذا قلبت ثورة عبود طبائع الادوار وهي تلعب نردا مع الحياة .
القسمة الثانية في شخصية ثورة عبود تطلعها وتوقها الدائب الذي لا يعرف المساومة للحرية المطلقة –هل تصورت ثورة أن قيامها بمسئؤوليتها الكاملة تجاة اشقائها وشقيقاتها وامها وزوجها وابنها وابنتها ومن يحيط بها وأن حماسها الدافق للدفاع عن المستضعفين في الارض ومن لا حقوق لهم يمنحها حق أن تكون انسانا كاملا يتمتع بحريته المطلقة في هذا الكوكب على الرغم أن زعيمها البلشفي الكبير قد حاور كثيرا أن الظلم الانساني الذي تراكم عبر آلاف السنين يشق ازالته بضربة واحدة ولابد من خطوتين الى الخلف ثم خطوة الى الامام .
وصف فريدرش وليهام هيجل – ايمانويل كانت بانه عاجز لانه يطلب المستحيل ولا ينتهي بالتالى الى اي شئ واقعي- هذا الوصف لا ينطبق على ثورة عبود التي كانت تطلب ايضا المستحيل( الحرية المطلقة) ومع ذلك فقد انتهت الى اكثر الاشياء واقعية –وهو الموت.
عبدالسلام
د- عبدالسلام نورالدين