جرت مياه كثيرة تحت جسر منبر جدة.!!

 


 

 

المثل يقول: الذي يأبى الصلح لابد وأنه سيندم، وما اندلعت حرب إلّا ووضعت أوزارها بانعقاد مجلس للصلح بين أطرافها، ومنبر جدة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ومعهما الرباعية الدولية، هو المنبر الأوحد الذي لاقى قبولاً من جميع الأطراف التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بحرب السودان، القطر المحتوي على ثروات خام طائلة تحت جوف أرضه وعلى سطحها، وكذب من راهن على الداخل السوداني وحده وأهمل الدور المحوري الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية، في حل المعضلة، فالمصالح الاقتصادية هي المسيّرة لكوكب الأرض ببلدانه وإنسانه، ولكي تتمتع الدولة المعنية بالأمن والسلام والاستقرار، لابد لها من أن تحافظ على علاقات تجارية وأمنية متوازنة، بينها ومحيطها الإقليمي والعالمي، وفي الحالة السودانية رأينا كيف انحازت الأنظمة الحاكمة منذ الاستقلال لحلف بعينه، وعزفت عن الالتحاق بالأحلاف والتكتلات الأخرى، وكلنا تابع مسيرة الدولة الست وخمسينية في تخبطاتها بين موالاة الشرق والتحول لحضن الغرب، ونظام جعفر نميري خير شاهد على هذا التأرجح الكبير ما بين نجمة لينين وتمثال الحرية، ثم بؤرة الإرهاب الدولي – جماعة الإخوان المسلمين (التي غطّست حجر نميري)، فالبلد الذي رأس أولى حكوماته أستاذ الرياضيات – إسماعيل الأزهري، وختم آخرها العميد عمر حسن البشير، لم يهنأ بالاستقرار السياسي ولا بالأمن الاجتماعي في جهاته الأربع، فعاش حياة مليئة بالتناقضات والإرهاق الذهني الذي تأصل وتجذّر في الفرد، نتاج الحالة السائلة التي ميّزت كل مراحله الحكومية، هذا البلد الذي وصل لنهاية مؤسفة ومأساوية باندلاع الحرب الشاملة فيه، والتي حذّر منها حكماء الأمة منذ زمان بعيد، أصبح فيه الصلح بين أكبر مكونين عسكريين متحاربين ضرورة وطنية قصوى.
بعد عام من الحرب التي شنها الاخوان المسلمون، من خلف واجهة الجيش الذي يسيطرون عليه بالكامل، ثبت بالأدلة القاطعة أن قوات الدعم السريع المُستهدفة بهذه الحرب، ما فتئت تتمدد في غرب ووسط وشرق البلاد بكثافة، يحسدها عليها الجيش الذي يقوده الاخوانيون، لقد أنهت هذه القوات الداعمة أسطورة الدولة القديمة الرافضة للتغيير، وجعلت ما تبقى من جهابذة المؤسسة العسكرية يعلنونها داوية، بأنهم ضد التغلغل الاخواني في المؤسسة، وقد أعلن هذا الأمر الجنرالات العظام الملتفون حول قائد الجيش المهزوم، الذي فقد غالبية القواعد العسكرية والمواقع الاستراتيجية في العاصمة والولايات، نتيجة لإصراره الأحمق على الذهاب وراء الجماعات الإرهابية الحافر وقع الحافر، ما أدخله في حرج مع الشعب الذي صُدم بحقيقة هشاشة الجيش الرخو، الذي عجز في الذود عن مقرّاته الأساسية، بعد ارتكابه لخطيئة إشعال الحرب، وهذه النكبات والهزائم التي تكبدها الاخوان المسلمون وهم يختبئون خلف راية الجيش، ستكون القشة القاصمة لظهر بعيرهم الذي جثم على صدر الوطن خمسة وثلاثون عاماً، لما لهم من إسهام كبير في إيصال السودان لحربٍ، كانت كل العوامل مساعدة على عدم اشتعالها لولاهم، وكما هو معهود فإنّ الشعب السوداني لديه ميل طبيعي للسلم والأمن المجتمعي، وأن دعاة الحرب ما لبثوا أن أصبحوا قلة معدودة ومحدودة ومهزومة، هذا فضلاً عن أصدقاء السودان في الشرق والغرب وإفريقيا، الذين يبادلون هذا الوطن الجريح وداً بود، وما أدل على حديثنا هذا غير مؤتمر باريس، الذي عكس الوجه الآخر للذين يريدون لهذا البلد وشعبه الخير الوفير، لكل ذلك أمست مسألة إيقاف الحرب ضرورة وطنية قصوى، لا يقف ضدها إلّا أنصار النظام القديم أملاً منهم في الحفاظ على مكتسباتهم غير المشروعة.
مفاوضات جدة لابد وأن تصل لوقف دائم لإطلاق النار التي أوقد عود ثقابها قائد الجيش غير المسؤول، هذا الرجل الذي يتباهى بتفكيكه لبلاده مع سبق إصراره وتخطيطه وتدبيره، لكي يعيد النخبة الاخوانية الإرهابية لسدة الحكم مرة أخرى، وفاء لها بما قدمته من جزاءات ومكافئات جراء خدماته الجليلة، منذ الانقلاب الذي أقدم عليه ثمانية وعشرون ضابطاً، في شهر رمضان من العام التالي لانقلاب الاخوان المسلمين، فهذه الحرب لم يتضامن مع أجندتها الشعب النازح واللاجئ داخلياً وخارجياً، بل نطق بلا الناهية بعد سماعه للطلقة الأولى الخارجة من مدفعية الكتائب والمليشيات الاخوانية، في ذلك اليوم المشؤوم، الذي قرر فيه قائد الجيش تحت إمرة المتطرفين خوض حرب بلهاء، الخاسر الأول فيها رب الأسرة السوداني البسيط، الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها مشرّداً في أصقاع البلاد القريبة والبعيدة، لكل ذلك ستصل جدة لوقف لإطلاق النار شاء الارهابيون أم أبوا، وإذا لم يبذل الجنرالات الذين قالوا لا للحرب جهداً صادقاً في القبول بالأمر الواقع، ستكتسح قوات الدعم السريع ما تبقى من حاميات صغيرة وفرق عسكرية غير ذات قوة، وسوف يتم فرض السلام والأمن على البلاد، رغم أنف أنصار النظام القديم الساديين العاشقين لامتصاص دماء بني الإنسان، فالواقع الحاضر الذي يشي بعلو صوت الاعلام المغرض مقابل ثبات وتقدم القوات المدافعة عن نفسها وكيانها، المستجيبة لتطلعات الأمة وطموحها المشروع في الحصول على منظومة حكم مدنية، لا تتغول فيها مؤسسة الجيش بنهب ثمانين بالمائة من موارد الدولة، ولا يعمل قائدها على إشعال الحرب تلبية لخزعبلات وأضغاث أحلام حلم بها أحد المقربين منه، فوقف وانهاء الحرب يعني هزيمة دولة الدجل والشعوذة.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء