جرد حساب الانتقالية في عام: هذه محاولة لتصريح تلميحات رئيس الوزراء!!
ركن نقاش
كان رئيس وزراء الفترة الانتقالية دكتور عبدالله حمدوك متماسكاً ومالكاً لما يدلي به من معلومات عن جرد حساب عام من الفترة الانتثالية اخفاقاتها ونجاحاتها في لقائه الاذاعي، وفي خطابه بمرور العام الأول، المسؤولية على من يتسنم قيادة أمة بعد مرور ثلاثين عاماً من فوضى عهد ضرب مثلاً سيئاً لقيادة بلا علمٍ ولا هدى ولا كتاب منير تجعل اتخاذ القرار صعباً ومكلفاً وخطيراً تعتوره مزالق ومطبات وحفر طبيعية ومصنوعة، خاصة وأنت بين مجموعة شاهدت وعايشت وحضرت ما جرى على الواقع ولم تحرك ساكناً ثم وجدت نفسها في خضم ثورة شعبية عارمة لا يثنيها عن تحقيق مرادها حتى الموت الزؤام!!..
منهج في اتجاه تصريح التلميحات:
هذه محاولة لقراءة واقعية تحاول تفكيك وتجتهد لتصريح تلميحات د. حمدوك في لقائه الاذاعي الأخير، وخطابه بمناسبة جرد حساب الفترة الانتقالية بعد مرور عام من العمل المضني في مجالات الشراكة وشركات العسكر، و المأزق الاقتصادي بين رفع الدعم وترشيد الدعم، ومشوار السلام المامول بين ما جرى وما هو مطلوب انجازه..
أولاً: الشراكة وشركات العسكر:
قال حمندوك في برنامج مؤتمر إذاعي: " وحول الاتهامات التي وجهت للحكومة الانتقالية بعدم الشفافية قال حمدوك في مناسبات كثيرة خاطبنا شعبنا لكن هناك قضايا متعلقة ببناء التحالفات والشراكة بين المدنيين والعسكريين وتابع إذا ح أطلع لشعبنا في كل معضلة أقول: "يا جماعة دة الحاصل"، ما حنبني التحالف دة وما حنسوق الأجندة دي لي قدام، عشان كدا لما أنا ما أتكلم في قضايا الناس شايفنها كبيرة، نحن حريصين على أن ندرّج هذه الأجندة بطريقة تحافظ على هذا التحالف ولاتغيب عنا الرؤية البعيدة في إنقاذ بلادنا"، انتهت تلميحات رئيس الوزراء، لقد ربط كثير من المتابعين والمحللين بين قول حمدوك: "أن ولاية المالية على المال العام بحسب تقرير المراجع العام بلغت 18% فقط"، و الرقم المخفي من ميزانية الدولة والبالغ 82% ونسبوه إلى استثمارات العسكر (جيش وشرطة وأمن) ونحن هنا لا نثبت ولا ننفي وانما نؤكد أن جميع تقاطعات الجيوش في العالم وتدخلها في انجاز جانب اقتصادي تتم تحت اشراف الدولة المعنية لا بمعزل عنها، ونحسب أن ما جرى في حالة السودان ابان العهد البائد؛ بعد أن حول ذلك العهد حتى عقيدة الجيش القتالية من حماية للوطن والمواطن إلى عقيدة لحماية الاسلام والحرمين الشريفين والاسلام منها براء، ومن هنا يمكننا القول أن استثمارات العسكر المقصود بها (زوراً وبهتاناً) الاستعداد لقسمة العالم إلى دار حرب ودار اسلام وتغبيش الرؤية لتلك النفوس المهووسة في اتجاه أسلمة العالم، ومن هنا يحِلُّون لأنفسهم انتهاك حرمة المال العام، والآن تخندق العسكر خلف شركاتهم وخاطب البرهان قياداته العسكرية من الرتب العليا قائلا: "...الحكومة التنفيذية تريد أن ترمي فشلها على شركاتنا...الشركات دي حقتنا وح ندافع عنها..."، طيِّب يا أيها الفريق أول "البرهان" رئيس مجلس السيادة، والقائد الأعلى لقواتنا المسلحة: على من ترمى الانفلاتات الأمنية في دارفور وكسلا وحلفا الجديدة وبورتسودان؟، وعلى من تنسب الهشاشة الأمنية في البلاد؟، وبأمر من سحب قائد منطقة نهر النيل قواته من مناطق حراساتها، بعد تعيين الدكتورة آمنة أحمد المكي حاكمة لإقليم نهر النيل؟، من ما أحدث سرقة على خزانة بربر؟!، هل على الحكومة التنفيذية أيضاً؟، أم أن هناك جهة تتحمل أوزار هذه التفلتات والهشاشات؟، وهكذا (سادتي) يبدأ الاستقطاب الحاد!!..
المأزق الاقتصادي:
وفي تعليقه على الرافضين لرفع الدعم باعتباره خطاً أحمر قال حمدوك: "نحن لم نتحدث عن رفع الدعم وانما ترشيده واوضح أن الحكومة تقوم بدعم ثماني سلع تشمل (البنزين الجازولين، الكهرباء، الدواء، الخبز، الغاز، الفيرنسن، المدخلات الزراعية) وتابع طرحنا ترشيد الدعم والرفع المتدرج في سلعتي البنزين والجازولين وسنظل ندعم الصحة والتعليم الى آخر المعادلة" وعزا الترشيد إلى: "أن 40% من السلع المدعومة يتم تهريبها لدول الجوار"، وقد أكدت المالية في تصريح لها: "بأنه لا صحة لما يُشاع حول شراء الدولة للدولار من السوق الموازي لتغطية حوجة الدولة من السلع الإستراتيجية"، "ووصف رئيس مجلس الوزراء ما اثير حول أن الحكومة تقوم بشراء الدولار بأنه حديث ليس له أي قدر من المصداقية"، "وقطع حمدوك بعدم وجود مبررات اقتصادية لارتفاع سعر الدولار وارجعها للمضاربات في الدولار والذهب ،ووصف ذلك بالتخريب الممنهج"..
الكتلة المالية المهولة والاقتصاد:
معلوم أن الكتلة المالية في أي بلد لها ارتباط وثيق بكم الانتاج؛ ارتفاعاً وانخفاضاً، يقول بروفيسور احمد محمد سليمان (استاذ جامعي - الولايات المتحدة – ديترويت): "ان الكتلة النقدية في السودان بنهاية مارس من العام ٢٠١٩ تاريخ سقوط حكومة البشير والاسلاميين بلغت 273,344,964 ترليون ( الكتلة النقدية للدولة هي اجمالي العملة المطبوعة وصالحة للتداول بالدولة) ثم حدثت قفزة قياسيّة بنهاية العام حيث بلغ اجمالي النقود في نهاية ديسمبر ٢٠١٩ من ذات العام 439,283,411 - مبلغ الزيادة هو 165.9 ترليون - نسبة الزيادة للكتلة النقدية تمثل 60.7% من حجم الكتلة النقدية - هذا يعني أن الحكومة السودانية قد ضخت في سنة واحدة ما يقارب ثلثي الكتلة النقدية المتداولة بالاقتصاد السوداني منذ تأسيس الدولة السودانية - هذه القفزة القياسيّة حدثت خلال تسعة أشهر فقط"، السؤال الذي يفرض نفسه (إذا صحت معلومات الكتلة النقدية للبروفسير بعاليه): أما زالت المالية السودانية تطبع العملة بالاستدانه من البنك المركزي عن طريق "رُبْ رُبْ"، لقد وردتني معلومات غير مؤكدة أن هناك جهات تملك مطابع عملة من غير علم الحكومة، وهناك من يقول: أن دول جوار تزوِّر العملة وتهربها إلى داخل البلاد، والمؤكد ما أعلنته وزارة المالية في تصريح لها: " تم ضخ كميات كبيرة من العملة السودانية وأحياناً المزورة منها لشراء هذه الكميات (تعني من الذهب بزيادة 10% من سعره العالمي) مما يُشير لمخطط مُتعدّد المسارات وممنهج من بعض أفراد النظام البائد والموالين له مستهدفاً الاستقرار الاقتصادي وقوت المواطن"، فإن صح تصريح المالية كما ورد، أليس في مقدور المالية كشف العملات المزوَّرة من تلك غير المزورة، ومنعها من التداول؟!!..
مشوار السلام بين ما تمَّ وما هو مأمول:
نفى حمدوك تغوُّل المكوِّن العسكري على ملف مفاوضات السلام، وقال: "نحنا حكومة واحدة وليس حكومتين وكل ماتم في جوبا تمت هندسته في مجلس الوزراء وهناك ممثلين من السيادي وقوى التغيير في المفاوضات"، والمعلوم أن ملف السلام كان محدداً لاختتامه في ستة أشهر من عمر الفترة الانتقالية باعتبار عقدة المفاوضات تحولت من غرماء إلى كنف ثوار وطنيين أسقطوا جبروت العهد البائد، ولكن هاهو العام ينقضي ولم نصل إلى مرسى السلام المأمول، لم تستطع الانتقالية بشقها المدني والسيادي المختلط أن تقنع عبد الواحد محمد نور للانخراط في عملية السلام رغم التقاء د. حمدوك به في خارج البلاد ابان زيارته لفرنسا، وهاهي ثورية الحلو تنسحب من المفاوضات باعتبار عدم رضائها أن يقود المفاوضات نائب السيادي الفريق أول حميدتي، وتعلن الانتقالية تمسكها بقيادة حميدتي للمفاوضات، ما الذي يجري وراء الكواليس وفي الغرف المغلقة، أفيدونا يرحمكم الله!!..
eisay1947@gmail.com