جفّت الأقلام . . ورُفعت الصحف

 


 

 



hayder.ibrahim.ali@gmail.com
أما قبل:
أأيـقـــاظٌ أُمـيّـة أم نـيـامُ ؟
ظللنا نتهم نظامنا الفاسد والفاشل بالمكابرة وخداع النفس والناس، ولكنني أخشي أن تكون هذه خصال سودانية وليست إنقاذية، أو علي الأقل نمت مع حكمهم الطويل وأنهم نجحوا- نسبيا- في “إعادة صياغة الإنسان” بالطريقة التي مكنتهم.
السؤال المحوري والبدهي عندما يستمر نظام بمثل هذا السوء لربع قرن، هو: أين هم معارضوه؟ ولماذا استمر؟ وهنا يحق للشامتين علي شعبهم أن ينشروا الشهر القادم مع عيد النظام- مجددا- مقالتهم :"الإنقاذ تضيء شمعتها ال25 والمعارضة تلعن الظلام"!
لم تعد " الاخوانجية" بطاقة عضوية في أحد المؤتمرين :الشعبي أو الوطني،أو مع(الصادق عبدالماجد)؛ ولكنها سلوك، وثقافة، ورؤية للحياة. لقد اخذنا الكثير منهم، وصرنا نقلدهم في:
•    العدوانية اللفظية وعدم احترام الآخر المختلف، وعدم توقير الكبير، وشخصنة القضايا العامة.
•    الخوف من النقد والنقد الذاتي ، ونسميه " جلد الذات" و"معارضة المعارضة".
•    اللاعقلانية أو العقل المستقيل، والشعوذة والخزعبلات.
باختصار، نحن الآن :" كلنا كيزان". يقال:" من عاشر قوم أربعين يوما صار منهم". فما بالك لو حكموه ربع قرن من الزمان، حتي صارت صحيفة "الانتباهة" الأكثر توزيعا، وقناة" أم درمان" الأكثر مشاهدة، و"الرأي العام" بقيادة" عادل الباز"وكتيبته (13) هم الذين يشكلون وعي الأمة،والمجاهد" خالد المبارك"(سابقا) هو الذي يدافع عن ثغور الدولة الإسلامية في أكبر دولة صليبية.
******
تري بعض النظريات الاجتماعية أن التخلف الاجتماعي يؤدي حتما الي ثقافة سياسية ضعيفة. لأن المجتمعات البسيطة في تكوينها الاجتماعي – مثل السودان - يكون احتمال خضوعها لحكومة قمعية أكبر، لأن هذه المجتمعات البسيطة يسهل إدارتها بواسطة الاساليب الأمنية، والإدارية-العسكرية. ويلخص المنظرون الوضع، بأن السلطة مثل جميع أدوات السيطرة تكون في حاجة الي جلاد وكاهن، الجلاد (جهاز أمن) لقمع الثائرين والكاهن (طبعا ممكن يكون:(هيئة علماء، صحفي، أوحزبي. .) لقمع الوعي النقدي الشعبي بسلاح الايديولوجيا وتزييف الوعي. ولأنه مع الفقر، والجهل، والمرض، وخيانة النخبة أو انتهازيتها أو لامبالاتها؛يمكن لمثل النظام الحالي الاستمرار طويلا.
تفتقد النخبة والقيادة السودانية، صفتين، هما: الجدية والصدق، وفي نفس الوقت يتميز عقلها  بتساكن المتناقضات أي قدرتها علي التعايش مع تناقضاتها. فقد اكتشف الوطن أن نخبته الإسلامية هم الأكثر فسادا، وكذبا، وعدم جدية، حين حكمت. وحين نقارن ثقافتهم وسلوكهم بزملاء لهم في تونس أو المغرب مثلا، نحد الفرق شاسعا. فقد يكون السبب في سودانيتهم وليس إسلاميتهم. وكثيرا ما يستفزني سؤال (الطيب صالح) الساذج، والذي فرحنا به (تراجع عنه صاحبه) : " من أين أتي هؤلاء؟". سؤال عنصري ضمنيا، كأنه يقول: لو كانوا أولاد قبائل ما كان عذبوا واذلوا شعبهم. لسوء حظه أغلب جهاز التعذيب والإذلال من سلالة العبابيس : شايقية ، وأولاد جعل، ومن الأحجار الكريمة، وبديرية دهمشية، وأصليون، درسوا وتربوا معنا في نفس المؤسسات، وكثير منهم أقرباؤنا. وكما استوقفني فهم (المحجوب) للهوية او الشخصية السودانية. فعندما تخوفت الصحف البريطانية من الاوضاع في السودان قبل زيارة الملكة اليزابيث في فبراير1965 بدد خوفهم بقوله: "إن السودانيين يحترمون النساء ايما احترام، فكيف بملكة بريطانيا؟ ان أحدا لا يجرؤ علي مس سيده". (الديمقراطية في الميزان، 1989: 213) ياتري ماذا سيكون  رأيه لو جاء الآن، وشاهد سودانيين  يجلدون النساء عاديا أمام الجمهور؟
أورد هنا قصة طريفة لا تحدث إلا في السودان، وهي لضابط كان من المحتمل أن يحكم البلاد، تقول: " . . . ويظهر أن البيان الاصلي قد ضاع من المقدم (حسن حسين) وذكر أنه تركه في المنزل عندما قام بتغيير ملابسه. وشُكل فريقا علي عجل لاعداد البيان الجديد الذي جاء مهزوزا وخرجت كلماته ركيكة فتبين للمستمعين من الوهلة الاولي أن الامور ليست جدية". (اللواء محمود عبدالرحمن الفكي: القوات المسلحة في تاريخ السودان الحديث، الخرطوم، المطبعة العسكرية، بدون تاريخ، ص119). وهي ذات دلالة هامة في اللاجدية، والانضباط، واحترام الزمن. ألسنا نحن أصحاب الاغنية السريالية، التي يقول فيها المغني ، حين تخلفت محبوبته عن الموعد:
ابيت أنا  واباني البيت         قبل الميعاد بساعتين
اغالط نفسي في اصرار        أقول يمكن أنا الما جيت
ومن مظاهر اللاجدية، ومضحكات القدر في السودان، أن تستطلع بعض الصحف (بله الغائب) عن الأوضاع السياسية والمستقبل. فمازالت قصص (طبقات ود ضيف الله) تسير بيننا في شوارع الخرطوم. فقد تكهّن (بله) باكتساح (عمر البشير) لانتخابات رئاسة الجمهورية، وأنه  سيحكم (31) عاما و(25) يوما. وأضاف أن برج الأحزاب المعارضة مغلق حاليا، وأنه لن يفتح إلا بعد نهاية حكم البشير. (الصحف17 مارس 2014)

مشهد ما قبل السقوط
يتعامل هذا النظام مع شعبه،ونخبه، وقياداته بعدم احترام واستخفاف كاملين. ويصر علي استباحة الوطن وإذلال المواطنين. فالنظام قد وجد شعبا يتيما ومكشوفا لا تحميه قياداته ولا نخبته. والآن، بينما  يعلن النظام رغبته في الحوار ويصدر قانونا يدعي أنه ينظم نشاط الاحزاب، وزيادة حريتها في العمل، نقرأ في الأخبار: "أصدرت محكمة النظام العام بمدينة بحري، أحكاماً بالجلد والغرامة على (3) من منسوبي حزب البعث العربي الاشتراكي في أعقاب مخاطبة جماهيرية بالمحطة الوسطى بحري، وأدانت المحكمة "بشير يس، محمد حسين، ومهند محمد رزق الله" بالجلد (40) جلدة، والغرامة (100) جنيه. ونفذت فوراً على كل شخص من منسوبي الحزب المشاركين في الفعالية الجماهيرية، تحت المادتين (88 / 92) من قانون النظام العام -الإخلال بالأمن وإزعاج السلطات".
يصر النظام علي تطبيق هذه العقوبة المهينة والإذلالية علي النساء والناشطين، ليس التزاما بتطبيق شريعة، ولكن إمعانأ في اساليب الاستباحة، لأنه لم يجرب الردع الشعبي اللازم. ويمر الحدث بلا احتجاج، رغم أن عقوبة الجلد في القرن الحادي والعشرين تنهك كل قيم الكرامة الانسانية. ويبدو أن سبب الصمت، هو عدم مضايقة النظام في انتظار إنطلاق آليات الحوار. ولكن ، عند (حسن مكي) الخبر اليقين: "  لا أعتقد ان هذه التغييرات لها علاقة بالحوار ولو كان الامر كذلك لأعلن عنه. فهناك وثيقة اصلاح داخل الحزب كان يجب اطلاع الناس عليها (. . . .)  لكن يبدو ان هناك التفافا عليها فالحوار رغم الاستبشار به لا أعتقد أنه يمكن أن يؤدي الى نتائج، بل هناك أجندة خاصة يتم التمهيد لها تتعلق باعطاء الرئيس فترة رئاسية جديدة". (الرأي العام 25 ابريل2014)
أما الاستباحة  الاخري ،  فهي الإصرار علي تطبيع الفساد أي أن يصبح أمرا طبيعيا لا يثير الاستغراب ولا يستوجب العقوبة. فقد أطلقت اللجنة العدلية المكلفة بالتحقيق في تجاوزات بمكتب والي الخرطوم سراح المتهمين المتورطين في قضية استغلال النفوذ وحصولهما على مبلغ (17,835,000) سبعة عشر مليون وثمانمئة وخمسة وثلاثين ألف جنيهاً. وبررت لجنة التحقيق الخطوة أن المتورطين قبلا مبدأ التحلل من المال. (الإعلام 27/4/2014).وهذا نظام أعدم قبل ذلك، بسبب تجارة العملة. ويأتي الاستفزاز الأكبر:" أكد مساعد الرئيس البشير، العميد (عبدالرحمن الصادق المهدي)، تجديد رئاسة الجمهورية الثقة في د. عبدالرحمن الخضر والي الخرطوم وأعضاء حكومته" .
ومما يثير الاستغراب أن النظام يمارس الفضح المتبادل في قضايا الفساد، دون أن تتحرك قوى المعارضة لخلق معركة حقيقية ضد النظام ومحاصرته. ورغم وجود العشرات من المحامين الديمقراطيين، والقضاة والقانونيين المعارضين، والمراجعين والمحاسبين المفصولين؛ لم يبادروا بتشكيل هيئة أو منظمةلمكافحة الفساد وااكتفوا بالتعليقات والكتابة في المواقع الاليكترونية والصحف. وتركوا النظام يحاسب نفسه! وهنا لابد أن نسأل هكذا نعارض النظام؟
يعرّف البعض العقلانية بأنها اتساق الوسائل مع الغايات أو الاهداف، والتأكد علي أن ما نختاره من الوسائل سيؤدي حتما لتحقيق الأهداف المبتغاة. فقد دأبنا- كمعارضة- علي العمل علي كشف وتعرية النظام، واتخذنا من الكتابة في المواقع والصحف وألاعلام المرئي والمسموع وسيلة. وبالتأكيد أدي هذا النشاط خلال25 عاما لفضح النظام وعزله، ولكن لم يسقطه. فالنظام لا يكترث بوصفه أنه فاسد أو قمعي، فهو عكسنا تماما محدد أهدافه ووسائله بدقة:التمكين،بلا وازع أو ضمير أو قانون. ومن جانبنا، كان علينا منذ فترة بعيدة،الانتقال من الكتابة والقول الي مرحلة الآليات والوسائل العملية التي تحول أقوالنا ومطالبنا الي أفعال ناجعة وممارسة تؤذي النظام. ولكن حدث لنا، كما يقول علماء النفس تَثَبتُ (fixation)، وهو توقف التطور والنمو في مرحلة معينة. فقداستمر نفس اسلوب الكتابة المتكررة، وصرنا نستمتع باستحسان وتصفيق المعلقين:ياسلام يادكتور. . ولله درك ياستاذ. . . ولا فض فوك يامولانا. وصرنا نتلذذ برؤية صورنا علي صدر الصفحات الاولي. وتحول "نضالنا" الي حالة من نرجسية النخبة المعهودة. فمن المعلوم أن الكتابة ومنها الاسفيرية مطلوبة ولكنها محدودة التأثير، ولكن خطورتها في الشعور بارضاء الذات وتبرئة الذمة، وأننا:ما قاعدين ساكت! لقد أغلق الرئيس التركي(أردوغان) كل هذه الفضاءات ثم اكتسح الانتخابات المحلية بعد أيام ولم يؤثر  سلوكه القمعي علي اختيار الجماهير بالذات الريفية.
لابد لنا أن نراجع وسائلنا لماذا لم تنجح في اسقاط النظام؟ وبعدها لابد من تغييرها،ولكن الخوف من النقد الذاتي والاختباء خلف "عدم جلد الذات"، يفقدنا الشجاعة اللازمة . آن الأوان لتصعيد المقاومة بعد كل هذا الاذلال،والفساد: لدينا داخل هو في مواجهة يومية مباشرة مع النظام، وخارج له امكانات مالية ومعنوية أفضل . ولابد من تحويل الاثنين للعمل والنشاط والفعالية، مقللين من الادانات والبيانات والندوات ومقابلات الأجانب من أجل التضامن ودعمنا في الشجب. هذه الاساليب والوسائل لقد انقضي عهدها، فقد أدت دورها في حينها كما يجب، بل أحسن ما يكون، ولكنها بعد ذلك صارت أشبه بالزائدة الدودية بلا وظيفة. علينا الانتقال لمرحلة التغيير والبديل، ولابد من طريقة تفكيىر جديدة، ووسائل عمل مختلفة. كتبت أكثر من مرة عن ضرورة تشكيل لجان الانتفاضة في الداخل، ويأتي من الخارج الدعم المالي والتضامن . وما زال المطلب قائما ويستحق النقاش والتنفيذ العاجل.
ولكن البداية هي وحدة قوى المعارضة، وهنا لابد أن تبدأ المعارضة أي عمل بالسؤال: لماذا فشلت كل المحاولات السابقة؟ ومن الواجب في هذه الحالة، البدء بعقد ورشة  ذات مهمة واحدة:بحث أسباب الفشل من منظور نقد الذات والدور الخاص. وهنااتمني أن أجد اجابات شافية ومقنعة، عن أسئلة مثل: لماذا كل هذه الفصائل المتعددة ياخليل وعبدالواحد ومناوي،  بينما القضية واحدة شعب دارفور؟ألم تسمعوا بما يسمي اتفاق الحد الأدني في مثل هذه الظروف؟ وياالجبهة الثورية – علي الصعيد السياسي – أين وصل ميثاق الفجر الجديد وكيف تم تفعيله في الظروف الحالية ،وتوسعت العضوية فرديا وحزبيا؟ ألم يحن الوقت يا قوى الإجماع لأن تتركوا صراع "هيكلة" القيادة ويبدأ  النزول والعمل في الشارع خارج الدور المغلقة؟ماهي  الضرورة الموضوعية لكل هذه الأجنحة في الحزب الاتحادي وحزب البعث؟ ويا علي محمود حسنين وأحمد عباس هل نحن في حاجة لجبهتين عريضتين؟ وياشباب تنسيقيات وائتلافات الثورة في مصر وغيرها هل بدأتم مثل الكبار بالانشقاقات والتشرذم، حول ماذا تختلفون هل لديكم ما هو أكثر الحاحا من اسقاط النظام؟ ويامنظمات المجتمع المدني الا يحتاج الوطن لخروجكم من العاصمة والمدن الي الريف؟ وألا نحتاج لحملات محو أمية شاملة أكثر من ختان الأناث الذي لم ينقرض منذ نهاية الاربعينيات؟يااتحادات الكتاب والتشكيليين والمسرحيين هل من الممكن أن تتفقوا حول الإبداع ونختلف حول السياسة؟ ياأيها المنظمات النسوية واتحادات المرأة ألا نحتاج الي قانون أحوال شخصية متطور أكثر من مشاركة سياسية و"كوتة" تجلب برلمانيات ووزيرات لا يعارضن تعدد الزوجات؟ يا طلاب الجامعات حتام يسيطر الاخوانجية علي اتحادتكم وهم أقلية؟ وهنا يمتد النداء للصحفيين، والمحامين،والاطباء، والعمال، والمزارعين وغيرهم، لابد من الحشد وعدم التقاعس في المشاركة النقابية. 
أما معارضة المهجر والمنافي، فقد ركن الكثيرون لحلول الخلاص الفردي. وحين بدأت الهجرة مطلع التسعينيات من القاهرة، كنت قد تعرفت علي العشرات من المبدعين والفنانين والكتاب والاكاديميين. ورغم حزني علي هجرتهم، كان عزائي أنهم ذاهبون إلي حضارات جديدة وسيجوّدون لغات حديثة،وفي هذا إثراء واضافات جديدة. وللأسف سحقتهم الآلة الرأسمالية، والسوداني أصلا هش في الغربة لايقارن بالشوام أو الصينيين أو حتي الصوماليين. والسوداني محلي ومكتفي ذاتيا-كما يظن، تنقصه روح المبادأة والمغامرة. ففي واشنطون ولندن تنتشر المطاعم الاثيوبية ولا تجد مطعما أو حانوتا سودانيا. وفي المهجر كوّن الكثيرون من العرب والأفارقة "لوبي" ومجموعات ضغط، بينما أي انتخابات للجالية السودانية في أي مدينة تمثل فرصة ذهبية للإنشقاقات والمهاترات.
هناك العشرات من الإقتصاديين السودانيين تعج بهم المؤسسات الدولية والاقليمية والبنوك ووزارات دول اخري، ولكنهم لم يفكروا أبدا في التشاور وعقد مؤتمر اقتصادي. بينما يعقد اليمنيون دوريا في (لندن) مؤتمر اصدقاء اليمن (الأخير كان هذا الاسبوع 3 مايو). وينسحب نفس الشئ علي اساتذة الجامعات والمعلمين والتربويين، فهم في كل أنحاء الدنيا ، ولم يفكروا في مؤتمرات ودراسات لإنقاذ أجيال المستقبل في وطنهم من هذا النظام التعليمي القروسطي. ويمثل السودانيون الحاصلون علي درجات فوق الجامعية في تخصصات الزراعة والبيطرة، واحدة من أعلي النسب في العالم بلا مبالغة. فقد كان أي خريج- تقريبا- يحصل علي فرصة للابتعاث. أين هم من الوطن المهدد بالمجاعات؟ أما الأطباء المهرة الذين يطببون البشرفي كل الدنيا فهل سمعوا بكائن يسمي: أطباء بلا حدود؟ وهل أتاهم خبر الأمراض والأوبئة التي انقرضت منذ منتصف القرن الماضي وهي الآن تتجول في البحر الاحمر والجزيرة وجبال النوبة؟
وأخيرا، أين هي البورجوازية "الوطنية"؟ وعموما ثقافة التبرعات المنتظمة، فالكرم السوداني يركز علي الولائم أو الأكل حسب تراث المجتمعات البدوية الفقيرة. أذكر قصة في التسعينيات بأسمرا، حين اشتكي التجمع من ضعف الميزانية. فقل لهم القيادي الارتيري (عبدالله جابر): خادمات المنازل كن يقتطعن من أجورهن للتبرع للثورة وانتم عندكم آلاف المغتربين في أعلي الوظائف والدخول، وما قادرين تدعموا المعارضة؟
*****
هذه هي العناصر والالتزامات التي تخلق "روح الأمة"، والتي نفتقدها رغم الضجيج والصوت العالي. وهي المعادل الموضوعي للسفسطة ووهم ما يسمي ب "الهوية". بناء الوطن بتجرد، والاستعداد للتضحية بالمال، والوقت، والجهد. وأن يلتف السودانيون حول قيم الحرية والكرامة فقط مع الاحتفاظ بكل الحق في تكوين كل أشكال تنظيماتهم ورعاية تنوعاتهم الثقافية. هذا هو برنامج البناء والهدم، نعمل بجدية وصدق وانكار ذات- في كل لمحة ونفس عددا- لاسقاط النظام. وباليد الأخري نؤسس البديل ونبني وطنا جديدا ضيعه الكهنة والمفسدون في الأرض.

E-mail: hayder. ibrahim. ali@gmail. com


 

آراء