جميعهم حول السلطة، لا أحد يهتم لأمر المواطن: 10 مليون سوداني يواجهون انعداماً حاداً وشيكاً في الغذاء

 


 

 

(1)
خبر صادم بكل المعايير يُنذر بخطر داهم يهدّد حياة عشرة ملايين سوداني، ومع ذلك لم يعره أحد في النخبة السياسية مثقال ذرة من إنتباه أو أدنى اهتمام، لا أحد في الطبقة الحاكمة بمكونيها العسكري والمدني، ولا في السيادي ولا مجلس الوزراء، ولا أحد في المنظومة السياسية الحاكمة على اختلاف مشاربها سواء في قوى الحرية والتغيير بكل تشظياتها، ولا حتى الحركات المسلحة التي ترفع لواء الدفاع عن المهمشين، وللمفارقة لا أحد حتى من معارضي النظام مهتم لأمر المواطنين، فالجميع في الهم سواء طلّابا للسلطة، ولا أحد منهم معني بحال المواطن، لم لا فالأمر يتعلق بغمار الناس، ولذلك لا يستحق عناية علية القوم فهم في شغل مختصمون حول مغانم السلطة وامتيازاتها، ولا وقت لديهم ينفقونه للالتفات لحال المسحوقين، إذ لم يصدر من أي منهم مجرد تصريح ولو من ثلاثة أسطر يظهر اهتماماً بهذه القضية، على كثرة بياناتهم في كل شاردة وواردة مما يمس حظوظهم السلطوية، واجتمع مجلس الوزراء ولم تكن كارثة محدقة بهذا الخطر من بين أجندته، فلا طوارئ ولا تدابير احترازية!!

(2)
اما الخبر المنذر بحق فقد ساقته منظمتان للأمم المتحدة، وهي تحذّر في أحدث تقرير دولي إثر تقييم لأوضاع الأمن الغذائي من أن عدداً قياسياً من السودانيين يُقدر بنحو 10 مليون مواطن يواجهون انعداماً حاداً وشيكاً في توفر الغذاء في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ولفت التقرير إلى أن خطورة هذه النتائج تأتي من طبيعتها القياسية، ذلك أن هذا المستوى من ندرة الغذاء يُعد أعلى رقم يتم تسجيله في تاريخ التصنيف الدولي المتكامل للأمن الغذائي في السودان.

(3)
أما هذا التقرير الذي جرى الإعلان عنه الثلاثاء الماضي فقد أصدرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) بالاشتراك مع برنامج الغذاء العالمي، وبمشاركة وزارة الزراعة السودانية، وحسب البيان الصادر حول نتائج هذا التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في السودان فإنه يتوقع أن يعاني 9.8 مليون مواطن من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة 3 وما بعدها من التصنيف المرحلي المتكامل)، حسب التقرير، في جميع أنحاء البلاد طوال موسم الندرة الغذائية من يونيو إلى سبتمبر 2021.

(4)
وأشار البيان إلى أنه من المتوقع أن يطال تأثير هذا النقص الحاد في الغذاء حياة 23% المائة من سكان السودان، الذي يُقدر تعدادهم ب 43 مليون نسمة، سيواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي اعتباراً من مطلع يونيو، لافتاً إلى أن هذا أعلى رقم يتم تسجيله في تاريخ التصنيف الدولي المتكامل للأمن الغذائي في السودان. وكشفت نتائج التصنيف المرحلي المتكامل أن انعدام الأمن الغذائي الحاد موجود بشكل كبير في 10 ولايات من أصل 18 ولاية من حيث عدد الحالات ونسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي مقارنة بولايتين فقط تأثرتا في التحليل قبل الأخير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي جرى إعداده خلال يونيو - أغسطس 2019.

(5)
وقال إدي رو، ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القطري في السودان "ينبغي اتخاذ إجراءات عاجلة لانقاذ الأرواح، وهذه هي أولويتنا كبرنامج الأغذية العالمي. لا يتعلق الأمر فقط بإنقاذ الأرواح، بل يتعلق الأمر بتغيير الحياة. يجب على جميع الشركاء – الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية والحكومة والقطاع الخاص، بما في ذلك المستثمرين المحتملين، أن يجتمعوا معا للحد من انعدام الأمن الغذائي في البلاد حتي نتمكن من القضاء على الجوع بحلول عام 2030".

(6)
والمفارقة أن البيان المشترك لفت إلى أن هذا التقرير الأحدث للتصنيف المرحلي المتكامل صدر "بعد أسبوع واحد فقط من اجتماع رفيع المستوى في باريس استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي دعا إلى إصلاحات اقتصادية أوسع. وتؤكد المستويات المرتفعة لانعدام الأمن الغذائي على الحاجة إلى الاستثمار في القطاع الزراعي والانتاجية في السودان"، ووجه المفارقة هنا يأتي من التساؤل عن جدوى ال"اختراقات" التي تعالى الاحتفاء بها كنتائج لمؤتمر باريس، ومعنى التغني بفك العزلة والإندماج في المجتمع الدولي، والعودة إلى مجتمع التنمية الدولية، إذا كانت منظمات دولية متخصصة تخرج بهذا التحذير عن تعرض ربع سكان البلاد لخطر مجاعة وشيكة بعد أيام فقط من هذا المؤتمر.

(7)
وعلى الرغم من هذا التحذير فقد اكتفت وزارة الزراعة، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بالدعوة إلى "زيادة الاستثمار في الزراعة والمساعدات الإنسانية في السودان"، على خلفية هذا التقييم الجديد للأمن الغذائي الذي يحذر من أن عدداً قياسياً من السودانيين سوف يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي. وكما هو واضح فهي في احسن الأحوال إجراءات مستقبلية لا تخاطب الأوضاع الراهنة، دون أن تقدم حلولاً من أي نوع، مما يجعل السؤال الأكثر أهمية وهل يملك ربع سكان السودان مواجهون بهلاك وشيك ترف انتظار غفلة الطبقة السياسية، وبيروقراطية المنظمات الأممية، ووعود المجتمع الدولي الجوفاء؟!

khalidtigani@gmail.com

 

آراء