جميلة هي توصيات مؤتمر عملية التفكيك، جميلة هي ولكن مستحيلة!

 


 

 

* بغض النظر عن التسوية، وما لها وما عليها، فإن من يقرأ توصيات مؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ30 يونيو، قراءة هادئة، سوف يرى في محتواها ارتقاءاً نوعياً لمستوى الثورة المجيدة، في مجملها، ويجدها أقرب لخطاب الثورة وأشواق الثوار، ولكن!
* إنتقد أستاذنا القانوني الضليع، نبيل أديب، دمجَ القانون في السياسة بتسمية لجنة التفكيك "لجنة سياسية قانونية"؛ وقال أن اللجنة كان ينبغي " إمّا أنّ تكون قانونية وفق قانون لجنة التحقيق، أو لجنة اتّخاذ قرار... "..
* في اعتقادي أن في هكذا تسمية خطأ إصطلاحي لم يحسن توصيف مهام اللجنة والمفاهيم التي أُنشئت، أو سوف تُنشأ لأجلها؛ وذاك التوصيف الخطأ لا يغير من مضمون التوصيات شيئاً، باعتبار أن أساس اللجنة مبني على شيئ من القانون الثوري لا القانون الطبيعي الذي اتخذه أستاذنا الجليل مرجعيةً له..
* هذا إذا وضعنا في الاعتبار أن القانون الطبيعي غاب عن السودان طوال سنوات نظام البشير الذي هدَّ أساس كل قانون طبيعي في السودان، وبنى عليه قانوناً متسيِّباً ابتغاءَ تحقيق (مشروع حضاري) مزعوم.. ويستدعي ذلك التسيب تفعيل القانون الثوري، أو تفعيل بعض أدواته عند تطبيق عملية التفكيك..
* وجراء تسيب القوانين، ظل تقديم الموالاة لحزب المؤتمر الوطني على المؤهل والكفاءة هو قانون السائد في التعيينات لمختلف مناصب الخدمة العامة طوال عهد البشير؛ وعقب فصل الكوادر الكفؤة، فصلاً سياسياّ تعسفياً، من جميع المؤسسات العامة، تم تعيين الصف الأول والصف الثاني، من موالين جيئ بهم من خارج المؤسسات القائمة وقتها لإدارتها..
* إن فساد نظام البشير يتجاوز الأفراد الفاسدين إلى المؤسسات ذاتها، فساداً إدارياً ومالياً، وبإختصار، كان فساداً بنيوياً غير قابل للإصلاح.. واستمر حال الفساد البنيوي إلى أن سقط البشير.. وبعد سقوطه شرعت الثورة، أول ما شرعت، إلى تفكيك النظام كله.. لكن جاء إنقلاب البرهان ليجمِّد عمليات لجنة التفكيك التي اقتربت من عشه وعش ( دبابير) جنرالات اللجنة الأمنية..
* وتوصيات مؤتمر عملية التفكيك الجديدة توصيات جميلة جداً، كونها ترقى لمستوى الثورة، في مجملها، وكون أن مهامها أوسع من سابقتها، وتخاطب أشواق الشارع الحي، كما كانت تفعل السابقة.. لكن يعيب جمالها أنها في عداد المستحيلات، إذ أنها لا بد من أن تدخل عش (الدبابير) إذا تم تطبيق ما تحتويه من بنود تطبيقاً جاداً..
* لكنها لن تتمكن من الدخول، لأن البرهان وعصبته سوف يحولون بين لجنة التمكين وبين ِ(تفكيك الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها)، ويمنعون إصلاح المؤسسات العامة إصلاحاً جذرياً.. ويبعدونها عن الكشق عن ما يثار حول مشاركة الجنرالات في تهريب الذهب وعن مضارباتهم بالدولارات والعملات الصعبة في الأسواق..
* إذن، لأنها جميلة جداً، فإن التوصيات لن ترضي البرهان وعصبته عند تقديمها لهم، وسوف يعملون فيها (عمايل) بالقلم الأحمر ويعيدونها إلى المرسلين مكتوباً عليها كلمة: أَعِد!
* ومن يتابع خطابات البرهان الجماهيرية يكتشف الكثير من نواياه المخبأة في رسائل تدغدغ مشاعر كثير من غمار المدنيين، والعديد من العسكريين، عندما يتحدث بلغة يفسرها العسكر تفسيراً مختلفاً عن تفسير المدنيين؛ والكل يأخذ من الخطاب ما يريد سماعه..
* فكم مِن مرة تحدث عن تسليم السلطة للمدنيين، وكم من مرة ذكر فيها أن القوات المسلحة سوف تخضع للسلطة المدنية التى سوف تفرزها الانتخابات، وكم مِن مرة تحدث عن إصلاح الجيش، بينما يضِّن على الجيش بقليل من المليارات المُجنَّبة في خزائنه..
* ومن الدمازين أرسل البرهان، بالأمس، تحذيراً مُبِيناً للتسوويين وللجنة التفكيك في ما يتعلق بالتوصيات، وعلى رأسها التوصية المتعلقة بتفكيك الأجهزة الامنية وإعادة هيكلتها، قائلاً:- "مسؤوليتنا أن نحافظ على قواتنا المسلحة، وعلى السياسيين أن ينشغلوا بترتيب صفوف أحزابهم، ونحن قادرين أن نضع الجيش في الطريق الصحيح... "
* أتمنى أن يُعد الإخوة التسوويون أنفسهم لسماع ما لا يطيقون من البرهان عند عرض التوصيات عليه كي لا يُصدموا..
* أنا لا أثق في البرهان، على أي حال!
* وقرأتُ، في الراكوبة، قبل قليل عن عدم تفاؤل الأستاذ وجدي صالح بالتوصيات لأن البرهان لا يؤمن بعملية التفكيك من أساسها.. وأقول أن عدم تفاؤله (في محلو)!

osmanabuasad@gmail.com
///////////////////////

 

آراء