جنوب السودان وإدمان الإغاثة… بقلم كمال الدين بلال
20 December, 2009
kamal.bilal@hotmail.com
نشرت صحيفة (هاندلبلاد) الهولندية في عددها الصادر بتاريخ 15/12/2009 تحقيقاً صحفياً عكس صورة قاتمة لأوضاع جنوب السودان، وتكمن خطورة التحقيق في أنه صادر عن وسيلة إعلام غربية ذات مصداقية مما قد يؤثر سلبا على تقييم الدول المانحة لحقيقة ما يحدث في جنوب السودان ومستقبل الدولة الوليدة في حال اختيار الناخب الجنوبي لانفصال الجنوب. خلص التحقيق إلى أنه بعد حكم الحركة الشعبية لجنوب السودان لخمسة أعوام منذ اتفاقية السلام الشامل فقد فشلت حكومة الجنوب فشلاً ذريعاً في إدارة جنوب السودان بسبب انعدام الخبرة والفساد الحكومي. وتوقع معدو التحقيق أن تصبح دولة جنوب السودان في حالة انفصالها عن الشمال من أفقر دول العالم، بحيث لن تنتج سوى النفط. وبرر معدو التحقيق هذا التوقع المتشائم بانعدام مظاهر أجهزة الدولة ومقوماتها، فحوالي (90%) من مواطني الجنوب أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، ولم تقم حكومة الجنوب بتشييد بنية تحتية تذكر حيث لا يملك حوالي (97%) من السكان مراحيض في منازلهم، بينما تموت حوالي (14%) من نساء الجنوب أثناء الولادة. وأكد التحقيق أن المشكلة لا تكمن في شح الموارد المالية فالدول المانحة قدمت لحكومة الجنوب أكثر من (4,5) مليارات دولار كما تسلمت من الحكومة السودانية حوالي (7) مليارات دولار من عائدات النفط خلال الخمس سنوات الأخيرة. وأكد التحقيق أن دول الجوار أبدت مخاوف كبيرة من المأزق السياسي والاقتصادي الذي يواجه جنوب السودان مما جعل حكومات تلك الدول تدرس إمكانية إرسال مئات من موظفها الحكوميين للمساعدة في تسيير عمل الوزارات في جنوب السودان.
أكد البروفيسور «باري وانجي» رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية لبرلمان جنوب السودان لمعدي التحقيق أن حكومة الجنوب فشلت في تنمية الاقتصاد بسبب وضعها لأولويات اقتصادية خاطئة مما أنعكس بصورة مخجلة فيما تحقق من إنجازات على أرض الواقع. وأكد معدو التحقيق أن مواطني الجنوب يشعرون بخيبة أمل كبيرة حيث لم تنعكس عليهم فوائد السلام بينما يتطاول بنيان المباني الحكومية الحديثة في المدن، وأشاروا إلى أن مغادرة التجار الشماليين للجنوب سمحت للتجار الكينيين والأوغنديين والإثيوبيين بشغل الفراغ الذي حدث في أسواق الجنوب. وشبه التحقيق اقتصاد الجنوب برغوة الصابون الزائفة حيث لا يتحرك إلا من خلال إنفاق العاملين في حوالي (130) منظمة إغاثة، واعتبروا ما يحدث في الجنوب نوع من الرأسمالية المتوحشة التي يسيطر عليها مستثمرون أجانب يقدمون خدمات وضيعة للبلاد مقابل ثراء فاحش سريع. وفي مقابل ذلك لا يأمل المواطن الجنوبي في العاصمة جوبا في أكثر من وظيفة هامشية في تلك المنظمات أو في وزارة بفضل واسطة أحد أقاربه المتنفذين. أما بالنسبة لمستوى معيشة سكان القرى والريف فلم يتحسن بعد وقف الحرب، حيث ما زال المواطنون لا يتعاملون بالعملة الورقية بل يقايضون المنتجات الزراعية بما يحتاجونه من ضروريات الحياة. وخلص «هنري اوماي اكولوين» عضو برلمان الجنوب إلى أن حكومة الجنوب تفتقر لإستراتيجية واضحة للتنمية الاقتصادية مما جعل مصير مواطني الجنوب تحت رحمة المنظمات الإنسانية التي توزع الغذاء عليهم بما يعادل مليارات الدولارات، وأكد أنهم أصبحوا غير منتجين وتعودوا على الإعانات إلى درجة الإدمان.
دلل التحقيق على عدم تحسن البنية التحتية في الجنوب بتعفن المانجو تحت الأشجار في موسم الحصاد لعدم توفر وسائل النقل والطرق المعبدة، وأشار إلى مفارقة مؤلمة وهي أن هذا الأمر يحدث في الوقت الذي يتلذذ فيه أغنياء جوبا بشرب عصير المانجو المستورد من أوغندا، وأكد أن الجنوب بالرغم من غناه بالماشية إلا أنه يستورد اللحوم من كينيا لعدم وجود مسلخ واحد، هذا إضافة لاستيراده للسمك بالرغم من أن النيل يزخر بثروته السمكية تحت الأقدام، وأشار إلى أن المواطنين يشربون مياه وسخة من الحنفيات بدون تنقية بينما ينحصر استخدام مصافي تنقية المياه في الوزارات والفنادق ومقار المنظمات. وأشار التحقيق إلى أن معظم مشاريع التنمية تتوقف قبل اكتمالها بسبب صراع المافيا الأجنبية العاملة في مجال الاستثمار، حيث تفضل الاستثمار قصير الأمد الذي يجلب عائداً مادياً سريعاً، واستثنى من ذلك مصنع البيرة التابع لجنوب أفريقيا الذي أسهم في تطوير اقتصاد الجنوب بفضل استمراره في الإنتاج الغزير، وأشار إلى أن معظم الشركات الكينية العاملة في جنوب السودان لا يحق لها تنفيذ مشاريع داخل كينيا لعدم استيفائها لشروط الجودة، وأرجع حصولها على عقودات لتنفيذ مشاريع في جنوب السودان إلى تفشي الفساد في أجهزة حكومة الجنوب. وقد كشف وزير لم يذكر أسمه أن بعض زملائه يمتلكون بيوتاً فاخرة (فيلات) في أوغندا، وتحسر على أنه في أيام التمرد في الغابة كان يتم تصفيه المفسدين جسديا بينما يتم التسامح معهم في الوقت الراهن، وأعتبر تسامح القادة مع المفسدين يعطي قدوة سيئة لصغار الموظفين، وأشار إلى أن الفساد وصل إلى القطاع المصرفي حيث اضطرت حكومة الجنوب لإنقاذ بنك النيل من الإفلاس بسبب ثقل مديونيته الهالكة لبعض موظفي الدولة. وأستشهد بأن وزيري مالية تم عزلهم في الآونة الأخيرة بدعوى الفساد وذلك بدون ملاحقتهم قضائياً.
لاهاي