جهاز المغتربين.. لآخر مرة
(كلام عابر)
كتبت وكتب غيري عن جهاز المغتربين حتى كمل الكلام وملّ الناس الكلام وما يزال هذا المسخ الفاسد يمشي في الأسواق ويلاحق المغتربين في مهاجرهم ويتطاول في البنيان ويستنزف قدرات البلد المنهكة أصلا.عندما أنشأ نميري هذا الجهاز الخبيث في أواخر سنوات السبعين من القرن الماضي لم يكن الهدف هو الإهتمام بشئون المغتربين ومعالجة قضاياهم ودمجهم في الاقتصاد الوطني بطريقة مرضية وعملية ولكن كان الدافع أمني في المقام الاول، فكل نظام عسكري هاجسه الأول والأخير هو الأمن ..أمن النظام وليس أمن الوطن.
وكان الهدف الثاني هو جباية أكبر قدر ممكن من دخول ومدخرات المغتربين، على شحها، بفرض الرسوم واللوائح التي تكفل استنزاف عرق المغترب. كانت بدعة جواز السنتين. أصبح عمر جواز المغترب سنتين بدلا من خمس سنوات كسائر أو معظم جوازات الدنيا وكعمر جواز السوداني غير المغترب، وارتبط إجراء المعاملات القنصلية في الخارج ،بما فيها تجديد الجواز بسداد الجبايات المختلفة في حين ربط الحصول على تأشيرة الخروج للمغترب بسداد نفس الجبايات. معظم هذه الجبايات، التي لا مثيل لها في أي بلد آخر، كان يقوم بتحصيلها الجهاز نيابة عن جهات حكومية أخرى (وش القباحة).
في دراسة شملت حوالي العشرين سفارة في المملكة العربية السعودية،وهي سفارات البلدان التي تصدر العمالة للسعودية،إتضح أن حال المغترب السوداني هي الأسوأ مقارنة بالمغتربين من الدول التي شملتها الدراسة وذلك بمقارنة الرسوم القنصلية، الضرائب، عمر جواز السفر،الإمتيازات والإعفاءات ، والسياسات الثابتة التي تتخذها تلك الدول تجاه مواطنيها المغتربين.(بهذه المناسبة درجت السفارة السودانية في الرياض وبقبح جاهل على استخدام كلمة "رعايا" بدلا من "مواطنين" في مخاطبتها للمواطنين السودانيين المغتربين.. هم مواطنون لا رعايا. ما يزال هذا الخطاب القبيح في انتظار تطهير السفارة من القبح المستوطن فيها وتغيير أطقمها بآخرين يتمتعون بالكفاءة والمناعة الخلقية. تجدر الإشارة إلى أن استعادة جواز المغترب لعمره السابق (خمس سنوات) ليس تفضلا من دولة الكيزان ولكن لأن العالم قد فرض استخدام الجواازات الالكترونية والتي لا يقل عمرها عن خمس سنوات.(يعني ما كتر خيرهم).
من المفترض أن يهتم جهاز المغتربين،شكليا على الأقل أو كما تقول أدبياته، بحماية السودانيين المغتربين. لا أقصد بالحماية على سبيل المثال متابعة قضاياهم ومشاكلهم العمالية من خلال ملحق عمالي،ولكن حمايتهم من السفارات. تعرض المغتربون في السعودية لأكبر عملية نصب وسرقة من السفارة السودانية. كانت السفارة،وما زالت، تجبي مبالغ مالية من مراجعيها في كل معاملة تحت مسمى خدمات أو غيره من المسميات. جزء كبير من هذه الجبايات يذهب للصندوق الخيري.الصندوق الخيري لا يعرف أحد مقدار أمواله. السفير نفسه لا يعلم. تقدر أموال الصندوق الخيري رجما بالغيب بعشرين مليون ريال سعودي أو عشرة ملايين ربال سعودي أو حتى خمسين مليون ريال سعودي. يقال أن بعض القائمين عليه يستغلون أمواله في التجارة. على كل هناك أموال كثيرة مهدرة(لا أحب استخدام كلمة سرقة او إختلاس) سواء بواسطة القائمين على هذا الصندوق (الخيري) إسما أوبواسطة بعض اللجان التنفيذية التي فرضتها السفارة على الجاليات. السفارة وجهاز المغربين يتنافسان في التطفل على جاليات وتجمعات المغتربين. يكفي أن يستصدروا ختما وتوقيعا على أوراقهم من أي مكتب مراجعة قانونية بدراهم معدودة ابراء للذمم الخربة. جهاز المغتربين ليس مؤهلا أخلاقيا لمتابعة هذه الأموال لأنه غارق في الفساد إلى أخمص القدمين.أمين عام سابق للجهاز وظف في الجهاز زمرا من أقاربه وأهل منطقته ليزيدوا جيش العاطلين عددا،ووقع أكثر من ثلاثين عقدا مشكوك في سلامتها ونزاهة مقصدها وخلوها من العمولات مستندا على فقه السترة ومبدأ (خلوها مستورة).
لكي تستقيم الامور ونرجع لنقطة بداية نظيفة يجب، أو أتمنى، أن يصاحب كنس السفارات إزالة جهاز المغتربين من الوجود وتخصيص مبانيه لمرفق تعليمي أو صحي وتسريح جيوش المتبطلين الذين تكتظ بهم مباني الجهاز وإعادة تعيين القلائل الجديرين منهم في مواقع حكومية أخرى،ونهج سياسة جديدة مع المغتربين لا تهتم بجيوبهم هذه المرة، وتخصيص قسم صغير في وزارة الخارجية لشؤون المغتربين وإذا تعذر إنشاء مثل هذا القسم فالمغترب لا يرجو شيئا من الدولة سوى أن ترفع إذاها عنه وتكف عن مشاركته في قوت أهله وعياله،ومعاملته بشيء من الاحترام عندما يتردد على السفارات. آن الأوان فعلا لزوال جهاز المغتربين.
(عبدالله علقم)
abdullahi.algam@gmail.com