جوار السودان مختلف وداخله غير مؤتلف !!

 


 

 

إسماعيل عبد الله
ما زالت ذاكرتنا تختزن صورة الرئيس التشادي الراحل إدريس دبي، وهو يغادر منصة الاحتفال بالوثيقة الدستورية، ذلك الاحتفال الذي كان نجمه الأول رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الذي صفقت له جماهير قاعة الاحتفال إجلالاً وإكراماً لدوره الفعّال في التضامن مع الشعب السوداني، في ثورته المصممة على إزالة وإزاحة فلول النظام البائد وعسكرهم عن المشهد، ولم يكن الرئيس التشادي وحده الذي غادر مغاضباً، بل هنالك وفود دول مجلس التعاون الخليجي التي خرجت على استحياء، جراء السلوك الانتقائي الذي مارسه جمهور قاعة الاحتفال المدفوع بأجندة ما، وهو جمهور قليل العدد محصور الاتجاه، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤثر على الخط العام للكيانات والمجتمعات السودانية العديدة والمتنوعة، ويمكن لكل متابع للشأن السوداني ملاحظة أن مخرجات تلك القاعة، كانت الخطوة الأولى لرسم السياسات الإقليمية المتعلقة بمدى نجاح أو فشل المرحلة الانتقالية، التي كان من المفترض أن تؤدي لإحقاق الكنس الأكيد للمنظومة البائدة، والمؤيدة لاستلهام العبر الضامنة لعملية التحول الديمقراطي، والمؤكدة على حتمية الهبوط الآمن والناعم في ميدان الحكم المدني الديمقراطي، فقد تبلورت أفكار تحولت لاحقاً لأفعال بسبب استمرار منهجية الدولة القديمة والاستعلائية في السودان، التي لا تُري الناس إلّا ما تراه، ولا تهدي نعيمها إلّا لمن كان متماشياً مع باطلها، فبدلاً من أن تكون ثورة الشعب السوداني نبراساً يضيء الطريق للشعوب الأخرى في القارة والإقليم، أصرّ دعاة الاحتكار وأصحاب الرؤية الواحدة على أن تكون امتداداً للفشل المقيم، منذ العام الأول لإعلان الاستقلال من برلمان النخبة، وبمثل ذلك السلوك ظلت ساقية السودان القديم تدور ثم تدور دونما جدوى.
شهد السودان هجوماً عسكرياً وحراكاً سياسياً أثر على استقراره السياسي منتصف سبعينيات القرن الماضي، حينما تم اقتحام العاصمة المثلثة، من قبل قوات الجبهة الوطنية بقيادة الدكتورين حسن الترابي وغازي صلاح الدين، ومعهما الثنائي – الشريف حسين الهندي والصادق المهدي، سنداً ودعماً من النظام الليبي الذي يجلس على قمته العقيد معمر القذافي يومها، إذ أنه لم يكن بمقدور الجبهة الوطنية إحداث جلبة في السودان في ذلك الوقت، لولا امتدادات العمق الغربي للبلاد، فظلت تلك المحاولة الفا شلة ملهمة لأجيال ما بعد المفاصلة، فاقتحم الدكتور خليل ابراهيم نفس العاصمة الوطنية (أم درمان)، التي يقاتل على أرضها الرامزة والتاريخية أشاوس قوات الدعم السريع الآن، جميع هذه المحاولات جاءت بدوافع الشعور بظلم الأنظمة السياسية التي توالت على حكم البلاد، ونسبة للكم السكاني الهائل الذي يقطن إقليم غرب السودان الكبير – كردفان ودارفور، فالإهمال الحكومي الذي طال هذه الكيانات الاجتماعية العريضة، والتي يمتد وجودها داخل الدول التي تجاورنا غرباً، أدى لانخراط الغالب الأعم من الشباب في سلك الجندية والأعمال الهامشية، وتمثل هذه الجغرافيا أكبر مصدر للفاقد التربوي بحكم كثافتها السكانية، ما أثار مطامع أفندية الحكومات المركزية المتعاقبة وأسال لعابها، لالتهام المورد البشري والمصادر الاقتصادية بهذه الجغرافيا، دون أن تضع الخطط والبرامج الاستراتيجية، الهادفة لانتشال المواطنين هناك، من التخلف الاقتصادي والقصور الخدمي – صحة – تعليم – أمن.
ومن كسل الإدارات الحكومية المركزية في تعاملها مع ملف الإقليم الغربي، أنها جعلت منه مجرد حديقة خلفية تقطف منها الثمار متى ما فرضت الضرورة أمرها، وعاشت المجتمعات الأوسطية رفاهية لم تخطر حتى على بال شعوب الخليج البترودولاري، فاستغلت الطبقات الفقيرة القادمة من الإقليم الغربي الكبير في المهن الهامشية، واستخدم الشباب والشابات اليافعات في العمالة المنزلية الرخيصة التكلفة، والتي يحصل فيها العامل والعاملة على ما يسد الرمق فقط، وازدادت العمالة الزهيدة الثمن بعد انفصال جنوب السودان، الذي كان له نصيب الأسد في رفد العواصم الأوسطية بذات العمالة ذات الكلفة المتواضعة في الماضي القريب، وكما هو متوقع أن البلدان التي تتكثف فيها الطبقية الاجتماعية والتفاوتات الاقتصادية، تندلع فيها الثورات التحررية وانتفاضات الجوعى والمقهورين اجتماعياً، وتتفكك سريعاً كنتاج مباشر لهزال البناء الوطني، وكمحصلة حتمية لانفجار تراكمات الغبن الاجتماعي المستمر، وهنا تكون الشريحة المقهورة هي الأكثر انتشاراً والأكفأ حملاً للسلاح، وتكون رهن إشارة كل من يثير فيها ضغينة الأوجاع الكامنة في العقلين الباطن والواعي، وهذه الروح المصادمة والمقاتلة تراها مجسدة في مقاتلي حركة قرنق وجنود يوسف كوة وفي ثبات وإقدام أشاوس قوات الدعم السريع، ويمكن أن يختزل تعريف الصراع المستمر منذ النشأة المشوّهة لكيان الدولة السودانية، في ارتداء الأفندية الوارثين لكرسي الحكم لجلباب قاهرهم المستعمر، الذي انتحلوا شخصيته وساموا الناس سوء التنكيل بناءً على تقليدهم الأعمى له، وحكى عن حالهم المثل السوداني (التركي ولا المتورك)، فأن يستعمرك المستعمر ذات نفسه خير لك من أن يمتطي ظهرك المستعمر (بكسر الميم) الذي قهره القاهر الأكبر.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء