ان حادثة الاسراء والمعراج حادثة جسيمة ومناسبة عظيمة تحمل في طياتها الدلالات وما بين غضونها الاشارات وفي حواشيها العظات والتي نسأل الله ان يعيننا على ازاحة الستار عن مستورها وكشف الحجاب عن محجوبها والله يعلم وانتم لا تعلمون فالرسول صلى الله عليه وسلم منذ أن أنزل عليه:( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)بدأ الدعوة الى ربه من غير كلل أو ملل فبدأ بعشيرته الأقربين فكان يدعوهم الى النجاة ويدعونه الى النار فما كل ولا مل فظل يدعو الى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة لأنه يعلم من الله ما لا يعلمون وهم يقابلون ذلك بالصدود والتكذيب والاستكبار والترهيب قائلين لقومهم:( لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فضيقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذوه وأخرجوه من مكة وطاردوه فأتجه صوب الطائف لعله يجد ناصراً أو مستجيب فكان أهل الطائف أشد وأبغى فسلطوا عليه السفهاء ورموه بالحجارة والحصباء فظل صابراً محتسباً موقناً أن ربه سينصره ويهديه فلم يحتج الى ربه ولم يسخط ولم يتضجر ولم يغضب ولم يعاتب ربه لماذا تركتني لهؤلاء يذلوني ويستضعفوني على مرأى ومسمع منك وأنت المنتقم الجبار لم يقل ذلك بل في تلك اللحظات الحرجة وقد ضاقت به الأرض بما رحبت رفع يديه مناجياً ربه بتواضع وأدب وذل وخشوع منادياً بسكينة ووقار ):أنت ربي, إلى من تكلني, إلى بعيد يتجهمني, أم إلى عدو ملكته أمري, إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي,(أنظر الى هذه الكلمات (إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي)غاية مطلوبه صلى الله عليه وسلم أن يكون الله راضياً عنه فرضاء الله عنده تهون معه كل مصيبة في هذه اللحظات فتحت السماء أبوابها لترتفع تلك الكلمات الطيبات الصالحات من عبد مغلوب الى رب محبوب فأستقرت تلك الكلمات من فوق سبع سماوات عند مليك مقتدر يسمع ويرى فجآءت الإجابة مسرعة وكأنها تقول يا محمد أن ابتك دار فلله ديار وان ضاق بك أهل ومكان فكم لله من أهل ومكان فالسماء مفتحة لك أبوابها مستقبلك أهلها محتفي بك ربها مستبشرة بك ملائكتها فأقبل ولا تخف انك أنت الأعلى فجاء الأمر الى جبريل بالهبوط فوراً الى الأرض ومعه الملائكة المقربين مقدماً الدعوة من رب العزة في السماء الى المتوج بالعز في الأرض والسماء فكانت دعوة عظيمة من رب عظيم يحملها ملك عظيم الى نبي عظيم في مكان عظيم والى مقام أعظم فكانت دعوة خآصة لا تدركها العقول ولا تحصرها النقول فأسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى في زمان استعصى على المقاييس والحساب ولقي هناك الأنبياء والرسل وصلى بهم اماماً دلالة على مكانته الإمامية فرأى في مسراه من العجائب ما رأى فكان يسأل وجبريل يجيبه قال الامام البصيري: سريت من حرمٍ ليلاً إلى حــــــــــرمٍ كما سرى البدر في داجٍ من الظـلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلــــــــــةً من قاب قوسين لم تدرك ولم تــرم
وقدمتك جميع الأنبياء بهـــــــــــــــا والرسل تقديم مخدومٍ على خـــــدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهــــــم في موكب كنت فيه صاحب العلــــم
فقربه ربه وأدناه وكلمه وناجاه ومن فضله أكرمه وأعطاه(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) فدنا من ربه فكان قاب قوسين او أدنى ما زاغ بصره وما طغى ما كذب فؤاده ما رأى فرأءه بعين بصره من غير كيف ولا مثال كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)فأعطاه ربه وأجزل له العطاء وأوحى اليه ما أوحى فرجع الى مكة راضياً مرضياً مستبشراً بما رأى وما وعد به من نعيم له ولأمته وهبط الى مكة كأن لم يفارقها بحال فأخبر قريشاً بقصة اسرائه وعروجه فصدقه الصديق وكذبه أهل الغواية والضلال فلبث في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعوا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة بشيراً ونذيراً فذاك هو الإسراء والمعراج. ان مناسبة الإسراء والمعراج لم تكن حادثة عابرة ولا قصة غابرة طواها الزمان كطي السجل للكتب لكنها مناسبة أتت لتبقى وظهرت لتحيا ولتظل جذوتها متقدة على مر الزمان وذلك لنستلهم منها العبر ونأخذ الفكر لما لها من دلالات وما تضمنته من عظات فأول ما تدل عليه هذه المناسبة مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه ومكانة ما يحمله من رسالة والى مكانة هذه الأمة(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)ومن دلالاتها أن حزب الله هم الغالبون وأن جنده لهم المنصورون وأن الحق لا بد له أن ينتصر مهما طال الزمن(كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أن الحق لا بد له أن ينتصر مهما طال الزمن ومهما كانت صولة الباطل(كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) وكذلك تشير هذه المناسبة الى ما نال هذا النبي من أخلاق عظيمة وشمائل فخيمة فكان يقابل الإساءة بالعفو والأذى بالصبر والشتم بالصفح كان قومه يزيدون سفاهة ويزداد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً وهو يقول):اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ( ما أعظم خلقك يا سيدي يا رسول الله ما أرحمك وقد أرسلت رحمة للعالمين ما أرأفك وقد كنت بالمؤمنين روؤف رحيم ما أحلمك وقد كنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجك امهاتهم قد صدقت يا سيدي يا رسول الله عندما قلت:( أدَّبني ربي فأحسن تأديبي) وقد صدق قول ربك فيك:( قَدْ جَآءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)،( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). طبت حياً وميتاً يا سيدي يا رسول الله وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا آمين. Email:ahmedtijany@hotmail.com /////////////////