حالة القرف السياسي فى السودان … بقلم: عبدالماجد موسى / لندن

 


 

 

 

حالات القرف فى السودان عديدة ومتشعبة ومتداخلة ومزمنة ومتناغمة أحياناً ومتناقضة حيناً ولكن الغريب أنها متماسكة ويشد بعضها بعضاً فى مشهد سوريالي مدهش وغامض ومجهول فى نفس الوقت ، فابتداءً من القرف القبلي والعنصري والرياضي والإقتصادي والأمني والإداري ومروراً بالقرف التعليمي والدبلوماسي إلى القرف الإجتماعي والصحي ووصولاً إلى القرف الغنائي وبالطبع ليس إنتهاءً بالمنظمة أو الحزب الذى قرفنا وقرف مستقبل السودان وقرف عبدالماجد موسى ليأتينا بهذا المقال المقرف نهاية هذه السنة المقرفة.

ولهذا وذاك ستظل هذه الحالات التى يتطاير منها القرف لحولين كاملين فى أشد الحالات تفاؤلاً تطل برؤوسها كيفما كان شكل أو تشكيل تلك الحكومات حزبية أو قومية ( بالمعنى الحقيقي للكلمة ) أو حتى إنقلابية عسكرية لأن عهد الإنقلابات العسكرية فى ظل هذه المهاترات السياسية على ما يبدو لم ينتهِ بعد لأن هذه الحكومات لم ولن تلتفت لإزالة الحالات آنفة الذكر بل يظل هدفها الأول مزيداً من الحواجز والأرضيات والسقوف المقرفة.

بالرغم من هذا كله فإن حالة القرف السياسي فى السودان تظل هي الحالة الأكثر قرفاً زماناً ومكانا والتى تأسست عليها وتسببت فى كل مشكل وغبن وجرائم ومجازر وتناحر وقرف السودان قاطبة ، فالمواطن العادي الذى أوصِل إلى حالة الإرتخاء القرفي هذه والتى بدورها ألقت به فى حالة ذهول مقرفة مع الإقتراب الحثيث لموعد القرف الكبير فى 2010م والقرف الأكبر فى 2011م يظل هذا المواطن أسير المفاجئات والمفجعات فى نفس الوقت وهي حالة نادرة جداً على مستوى العالم ولا يمكن أن تحدث لشعبٍ بأكملة ( حته واحده كدا ) ولكنها حدثت فى السودان ، فالمواطن فى الحالة إياها يكون غير مطمئن إلى جانب الحكومة التى تحكمه ( المؤتمر الوطني ) ولا يثق فى أجندتها المعروضة فى سوق المضاربات المسمومة والتخويف والتخوين والتهويل المريب ضد الآخر وحوله بالرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً فى الحكم ، ولا هو يأمـنَ جانب الحركة الشعبية التى تقدم رجلاً نحو الوطن وتؤخر ثلاثاً لصالح الإنفصال والبعد عن الوحدة التى أصبحت بعبعاً يطارد كل من يدعي الوطنية أو يزايد عليها ، ولا هو فى استعدادٍ نفسي وعقلي وجسدي ولا حتى خيالي تجاه الأحزاب المتخبطة التى تحاول أن تسند بعضها بعضاً لتنتزع لنفسها فرصةً أخرى لإكمال مشروع التنويم المغنطيسي الممنهج ضد مستقبل السودان وشعبه إثر توقفه لمدة عشرين سنة وهو يدور حول نفسه كل عامين وحول إنتفاضة شعبية قادمة كل عشر سنوات .

ما يحدث الآن على الساحة السياسية السودانية من قـِبل المتشاركين وليس الشريكين فيما تسمى بحكومة الوحدة الوطنية زوراً وبهتاناً وظلما يعكس بلا أدنى شك الخلفيات البغيضة والنوايا السيئة المبيتة للسودان وشعبه وضيق الأفق الذى يرتع فيه هؤلاء وأولئك ، فالمؤتمر الوطني رغم مرور مدة كافية وهو على كراسي السلطة ليعتدل فى جلسته ويعدل مزاجه الذى يدير به الوطن إلا أنه لم يستطع أن يفهم أو يتعلم لا من العالم الذى يعيش فيه ولا من الدول المجاورة بأن السودان لا يمكن الإنفراد به وإرهابه وغسل دماغه وخنقه ومن ثم تمرير قوانين نكرة بطريقة ( أخنق فطِّس ) وإجبار الآخرين على السير خلفها كارهين ومن ثم تنفيذها وفى نفس الوقت التنصل من تطبيق ذات القوانين ( وبشتى الطرق والأساليب ) على المؤتمر الوطني ومنتسبيه لتصبح عملية الإنتخابات والإستفتاء تحصيل حاصل ، وأقرب مثال على هذا النهج السقيم هو مسألة إخراج تصاديق أو أذونات لأي تظاهرة أو ندوة سياسية أو فكرية ينوى الآخرون إقامتها وكذلك الحال لكل مسيرة سلمية أو غير سلمية أو حتى مجرد تجمع لا يتعدى أفراده عدد أصابع اليد الواحدة ، فحكومة المؤتمر الوطني هي التى تفصّل القوانين بما يتناسب ومقاييس الهوى لديها وهي التى تقبل أو ترفض الإذن وليس كما تحاول أن تظهر بأن الأمر يخضع للشرطة مع الإشارة إلى أن الشرطة تابعة للمؤتمر الوطني ولذلك لا يستقيم أن تسمح لتظاهرة ضد سياساتها وقوانينها وعقيدتها والحالة النفسية التى تمر بها حتى لو أثبتت الحركة والأحزاب والأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي أن تلك التظاهرات سلمية ويمكننا أن نرى الأمر بوضوح أشد من الجهة المقابلة وهو لو كانت هذه الشرطة تابعة للحركة الشعبية لتم التصديق على التظاهرة لأن الحركة ترى عكس ما يراه المؤتمر الوطني لتلك التظاهرة أو ذلك التجمهر ولهذه الأسباب وغيرها لايعقل أن تسمح الإنقاذ بذلك وهي التى لا تسمح أيضاً لأي حزب من الأحزاب المعارضة لها داخل السودان بان تطل برؤوسها عبر ما يطلق عليه التلفزيون القومي لتخاطب منتسبيها أو لتعبر عن آرائها عبر الصحف والمجلات أو من خلال صوتها عن طريق الإذاعات ، وإذا تجرأت مجموعة ما كما فعلت الحركة الشعبية وبعض الأحزاب المعارضة يومي السابع والثامن من هذا الشهر تقوم الحكومة ( المؤتمر الوطني ) بمحاصرتها بالقوانين الأمنية والمصلحة الوطنية والسلامة العامة والدساتير والشرائع التى لا نسمع بها إلا عندما يكون الأمر لا يتماشى مع حزب المؤتمر الوطني وليس السودان ، ومن ثم يخرج علينا المركز الذري العالمي للإفتاء فى السودان بفتوى أن الخروج فى تظاهرات ضد المؤتمر الوطني ودون إذنه ومباركته حرامٌ شرعاً مما يدخل المتظاهرين فى دائرة أو باب الخروج على الحاكم أو أمير المؤمنين وبالتالي الخروج عن الإسلام الذى يؤدي بدوره إلى وجوب دخول النار والبعد عن رحمة الله والبقاء فى قعر جهنم  مع فرعون وهامان وأبى لهب وابن سلول ، مع أن السودان متعدد الديانات والثقافات والأعراق والسحنات أو هكذا يجب أن يفهم المؤتمر الوطني !! أمرٌ عجيبٌ حقاً وبليد ومخزى ما يدور فى السودان .

فتخيل معي لو أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني قد إتفقا ( فى سابقة إقليمية ودولية وتاريخية ) مثلاً فى إتفاقية نيفاشا على التناوب فى حكم السودان شهراً لكل منهما حتى تاريخ الإنتخابات والإستفتاء على أن يطبق كل منهما القانون الذى يريده على الاخر الذى يكون لحظتها مجرد مواطن عادي تسري عليه كل القوانين دون تمييز أو محاباة ، عندها لرأينا العجب العجاب لأن الإنقاذ ستسن قوانين وتشريعات ثم تأتي الحركة الشعبية بعدها بشهر وتلغي كل ذلك وما أن يعود المؤتمر الوطني للحكم حتى يعيد العمل بها وتصبح الحكاية بالضبط  كحكاية إمرأة واحدة تزوجت من رجلين ، وفى الحقيقة هذا هو ما يحدث بالضبط بين المتشاركين فى حكم السودان ولكن من زاوية أخرى .

أستطيع بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على حكم السودان من قِـبل الإنقاذ ممثلة فى مؤتمرها الوطني البغيض وتجربتها المريرة وممارسات رموزها اللا أخلاقية أنهم لا يصلحون إلا فى مقاعد المعارضة حتى لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية لأنهم والحق يُقال لهم أساليب وطرق أقل ما يقال عنها أنها خبيثة ومسمومة وأنانية وهم يجيدون اللعب عليها بحرفية عالية ولكن لأهداف وضيعة ، وأعنى بذلك إظهار عيوب الآخرين وتهيأة الظروف لتوسيع دوائر الخلل فيهم واللعب على مواطن الضعف لديهم وقلب الحقائق لتتماشى مع أهدافهم ومحاولات تسخير الدين لتمريرعبثهم ومن ثم توظيف كل ذلك للنيل من خصومهم بعد أن يقتلوا فيهم الأمل ويضخوا فى مساماتهم بحار اليأس وسراب التغيير ، ولعمري لو وظفت حكومة المؤتمر الوطني هذه الخاصية لصالح السودان ومن مقاعد المعارضة بعد أن تكون قد أسست لتداول سلطة سلمي وحقيقي طوال هذه السنوات التى قضتها فى السلطة والتى بعثرتها يمنة ويسرة فى الصياح والرقص والترضيات الشخصية للأفراد والجماعات والسماسرة وعواصم دول الجوار ، لو فعلت ذلك لتعافى السودان أو كاد ولَكَانَ هذا جزءً من الحل الشامل والمستقبلي لكل معضلات الوطن ولكن للأسف ما حدث هو العكس تماماً .

عبدالماجد موسى / لندن

seysaban@yahoo.co.uk

 

آراء