حب السودان بين مستر أشر ومسز فنقر … بقلم: هاشم بانقا الريح
12 February, 2010
hbrayah@yahoo.com
أرسل لي الأخ الصديق الأمين عبدالرحمن أحمد عيسى، الخبير الزراعي والاقتصادي، وابن مدينة الأبيض الغراء، والذي يعمل في مدينة صلالة بسلطنة عمان، أرسل لي قصاصة مقال كان قد نشره قبل فترة عن مستر رودني أشر، الذي عمل مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة خور طقت الثانوية في حقبة الستينيات من القرن المنصرم. وكان مستر أشر قد جاء لزيارة السودان بعد غياب دام 42 عاماً، حباً لهذا البلد ، فبادله طلابه حباً بحب واحتفوا به أيّما احتفاء. جاء الرجل إلى السودان عام 2007م، عندما التقى به صديقي الأمين عبدالرحمن، وكان مستر أشر حينها يبلغ السابعة والستين من العمر، وقال إنه أحب السودان وانه في شوق لزيارة كل الأماكن والربوع التي زارها من قبل ولمقابلة أخوة أعزاء هناك.
وقد ترجم مستر أشر حبه للسودان والسودانيين عملياً حتى بعد تقاعده عن الخدمة، إذ ذكر المقال المشار إليه أنه خصص يوم السبت من كل أسبوع ليستقل القطار ويقطع ما يقارب السبعين ميلا ليصل إلى لندن، فيتوجه إلى المدرسة السودانية حيث يقوم تطوعا بتدريس أبناء السودانيين المقيمين بلندن حصة في الأدب الإنجليزي ، وفي المساء يستقل القطار عائدا إلى مكان إقامته في بلدة كولشستر Colchester ، التي تقع شمال شرقي العاصمة البريطانية، وما يزال المستر أشر مواظبا على عمله هذا لم ينقطع عنه يوما.. فتأمّلوا!!
وقد أسعدني بحق أن أجد في موقع مدرسة الأسرة السودانية في العاصمة البريطانية Sudanese Supplementary School تنويهاً بجهود السيد أشر، الذي يعمل أيضاً إضافة إلى تدريس اللغة الإنجليزية وآدابها، مستشاراً فخرياً للتعليم بهذه المدرسة.
وليس بعيداً عن قصة السيد أشر قصة السيدة السويدية جونفوز فنقر، التي أقامت لها جمعية الصداقة السودانية السويدية حفل وداع في شهر يناير من هذا العام (2010م). ولكن من هي هذه السيدة وما علاقتها بالسودان؟
عرفت مسز فنقر في السودان من خلال عملها في منظمة اليونسكو إبان مأساة الجفاف والتصحر التي ضربت البلاد عامي 1983/1984م. وليسمح لي القارئ العزيز أن أقتبس مما أوردته صحيفة "الرأي العام" في عددها الصادر يوم 17 يناير 2010م بمناسبة حفل الوداع الذي أقامته جمعية الصداقة السودانية السويدية لهذه السيدة. كتبت الصحيفة:
(خلال عملها في منظمة اليونسكو بالسودان إبان مأساة الجفاف والتصحر التي ضربت السودان في العامين 83/1984 استطاعت السيدة السويدية جونفوز فنقر أن ترسخ علاقاتها الاجتماعية بالسودانيين في شمال كردفان، موقع عملها آنذاك وتحديداً في بارا وقبل ذلك أسهمت في تأسيس جمعية الصداقة السودانية السويدية مطلع ثمانينات القرن الماضي لتعيش مسز "فنقر" حياتها لربع قرن تتنازع بين حب السودان والسويد واستطاعت أن تجعل من أسرتها في السويد ضمناً من جمعية الصداقة التي تضم البلدين..). وأضافت الصحيفة أن مسز "فنقر" قد أسهمت في تدعيم المجتمعات الفقيرة بمعونات جمعتها من أوربا بشكل فردى وجمعت تمويلاً مقدراً لدعم مشروعات جمعيتها الخيرية في السودان فأسهمت في تنمية الريف الكردفاني وزراعة أحزمة خضراء في ست قرى بشمال كردفان كما قامت بتدريب النساء على الصناعات البسيطة.
وخلال حفل الوداع الذي أقُيم لها قالت هذه السيدة السويدية إن زيارتها هذه هي الخامسة والعشرون للسودان والأخيرة في حياتها، تمنت الخير للناس والوحدة للبلاد وشكرت أهل البلد الذين منحوها ابتسامة عريضة ومحبة لخمسة وعشرين عاماً قضتها بينهم.
هذان مثالان لحب السودان، وبالطبع هناك أمثلة كثيرة مشابهة، لأشخاص لم يولدوا في السودان، ولم يتلقوا تعليمهم فيه، ولم تدفع لهم حكومة السودان مخصصات الابتعاث والتأهيل الخارجي، ولا تربطهم به علاقات مصاهرة، وليس للسودان عليهم دين لكي نقول أنهم يعملون لرد هذا الدين. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: كم منا نحن السودانيين من يحمل حباً لهذا الوطن، ليس حباً "بالحكي"، وترديد الأناشيد والأهازيج والخطب الرنانة. السيد "أشر" والسيدة "فنقر" لم يدبجوا الأناشيد ويلقوا الخطب في حب السودان، بل عملوا لتقديم شيء مفيد لهذا البلد وأهله.
في ظني لو وجدنا مليون سوداني فقط، من بين عدد السكان البالغ حوالي 39 مليون حسب التعداد الأخير، وتبرع كل واحد منهم بساعة من وقته كل أسبوع للقيام بأعمال تطوعية خدمة للمجتمع، وبعضاً من ماله من أجل الوطن لكان حالنا أفضل بكثير. فهذا الوطن لا تبنيه الخلافات السياسية والمذهبية والعرقية، ولا تبنيه المنتديات التي لم يجد المشاركون فيها غير سب الوطن صباح مساء، بل يبنيه العمل والبذل والتضحية الخالصة من أجل الناس. ولعل في ما قام به البريطاني "أشر"، والسويدية "فنقر"، وغيرهم ممن يحملون حباً لهذا الوطن وأهله تذكرة لنا جميعاً، ولعله أيضاً يكون محركاً إيجابياً للبدء في مشروع أو مشاريع تؤتي ثمارها وتوقد شمعة، وهي بالتأكيد، خير ألف مرة من أن نستمر في لعن الظلام.
* مترجم وكاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية