حتى لا تعود ريمة الى قديمها !

 


 

 


 نحن  العالم العربى  ، حكاما  ومحكومين  ، نمثل  عالما  آخر ، يختلف  عن عوالم   الشعوب  الأخرى ، ليس  فى  المأكل  والملبس ، انما  فى  طرقنا  السياسية  .  كيف  يصل  بعض  قادتنا  الى  سدة  الحكم . و كيف  يحكمون . و كيف  يخلقون   المشاكل   مع شعوبهم . و مع  رصفائهم  من  حكام  المعمورة  الآخرين .   وكيف  يفشلون فى  حل  تلك  الخلافات  فى  كل  الاحوال ،  على  كثرة  ما  يحاولون .
مع  مراعاة  اليسير  من  الاختلافات ،  وفروقات  الظروف ،  يصل  معظم  قادتنا   الى  سدة  الحكم  إما  عن  طريق  القوة   الفعلية  او  القوة  المعنوية .  ونعنى  بالقوة  الفعلية  إمتلاك  الطامع  فى  السلطة  للسلاح  ، وامتلاك  القدرة  على   استعماله  حتى  يقهر  الذين  يحولون  بينه  وبين  ما  يطمع  فيه .  بمعنى أن  يكون عسكريا محترفا  تم  تأهيله  وتدريبه  على  حساب  دافع  الضريبة . و  شحن  ذهنه  بأنه  ،  من  دون  جميع  البشر ،  صار  مكلفا  بحماية  الحدود  والثغور .  ودافعا  عن  الوطن  كل  البلايا  والرزايا  حين  يجد  الجد .  وهذا  السبب  وحده  كفيل  بأن  يملأ  صدره  بالغرور ، و  يجعل  منه  طاوؤسا  غجريا   لا ينظر  تحت  قدميه  ابدا . ويكبر  هذا  الشخص  المعمدان  ويكبر  فى  ذهنه  الوهم  الكبير : بأنه  حامى  حمى  الوطن . المتحزم . والمتلزم  للزود  عنه  آناء  الليل  وأطراف  النهار  . ثم  يتطور  الوهم .  ويحس هذا  المعمدان  بأنه  الأحق  بالمكان العالى   من كل  العالمين  فى  الوطن . خصوصا  أنه  حين  يلتفت ،  يجد  قريبا  منه  سلاحه  المشكوك  عن  آخره . فيدعوه  ذلك  الى  حمل سلاحه   ومن  ثم  التوجه  الى  بوابة  القصر ، بينما  يرسل  آخرين  الى  محطة   التلفاز  والاذاعة  يبرطعون  نيابة  عنه ،   ببيانات  متتالية  باسم  حامى  الحمى الجديد . البيان  رقم  (1)  يخبر  البلد  والعالم  بأن  حامى  الحمى  هذا  قد  اصبح الرئيس  القائد ، و  اصبح  رئيسا  للبلد  مكرها  وليس بطلا . لأن فساد  الحكم  القائم  قد  ازكم الأنوف .  و لأن  العمالة  والخيانة قد  استشرتا  حتى  ضاع  البلد المنكوب  ، وتسرب  من  بين  يدى  أهله الغافلين  ، الامر الذى  حفّز  حامى  الحمى  لكى  يتقدم  لنجدة  الوطن  الغالى حتى  ينقذ  ما  يمكن  انقاذه . ثمر تأتى مرحلة  رص  الوعود  المتطاولة  بالخير العميم  القادم  مع  قدوم  الوافد  الجديد ، العذرى  من كل سؤ ، الناصع  المنقى ، كما  الثوب  الابيض  من  الدنس . فى  البيان  رقم (2 )  يلغى  حامى  الحمى  جميع  الفعاليات  والكيانات  السياسية   من احزاب  ونقابات  ،  واتحادات و منظمات  مجتمع  مدنى  باعتبارها جميعا  غثا   وباطلا  حنبريتا  أو  كالحنبريت .  ويصادر  اموالها .  وممتلكاتها .  فى  بيانه  رقم (3 ) يصادر حق  الجميع  فى ابداء  الرأى  الآخر المخالف لرأيه  .  ويلغى  القوانين القائمة  المعارضة  لهذا  العك الجديد .  وينشئ  قوانين  جديدة  مقيدة  للحريات  العامة  ،  ولا تبيح  من  الكلام  الا  الكلام  المادح  لحامى  الحمى  ، فرعون  زمانه ، الذى  يرى  الناس  ما يرى ،  ولا  يريهم  الا  سبيل  الرشاد . ولأن  حامى  الحمى  صار  مالكا  للاذاعة  والتلفزيون  والصحف  ، و مالك بالضرورة   للنسيم  السيار ،  وللنفس  الطالع  والنازل ، فانه   يبدأ   فى  التو  فى  التصويب الاعلامى  المركز ، و  يشقلب  كل  ما  كان  موجودا  على  ظهر  الارض   من  حقائق .   حتى تغيم  الرؤيا  ، فيصير  الابيض  اسودا ، ويصير  الاسود ابيضا . وتدق  المزيكة ،    ويصدح  ناعق  الحى  الجديد  يخبر  الناس  أن  الارض  صارت  حبورا . وصار  المجد  فى  الأعالى .  وتوسدت  افئدة  الناس  المسرة . ثم  يتحول حامى  الحمى  هذا  ،  فيصير  أحد   الاباطرة  الرؤساء  الدائمين  الذين  لا ينزعهم  من كرسيهم  الا أجل  الله  المحسوب . او  ثورة  شبابية   من ماركة  وائل  غنيم  وشركائه .  
 أما  الوصول  الى سدة  الحكم  والسلطان  عن  طريق  القوة  المعنوية  فى  عالمنا  العربى ،  فيتم   بتوفر الشروط  الموضوعية  الضرورية  مسبقا . كأن   يكون  والد  الطامع  فى  هذا  المنصب  رئيسا  دائما   ، قضى  حياته  كلها  وهو يتقلب  فى النعيم الرئاسى  المقيم . حتى   خطفه  الموت  على  حين  غرة  أو  كاد . فيرث  الشبل  الغضنفر العرين  المحروس .  و يتدلى  اليه  المجد  من  حيث  يدرى  ولا  يدرى .  ويصبح  حاله ،  بالدارجى  الفصيح ، حال  من  قام  من  نومه ،  و وجد  كومه . " و لا  من  درى  ولا  من  شاف " . و يصبح  هو  الآخر  " الرئيس  القائد "  الذى لا يأتيه  الباطل  من  بين  يديه  و لا من خلفه .  و ليس مطلوبا  منه  غير  السير على  خطى  الهزبر الكاسر . وأن يضرب  التردد  والخوف  والضعف  بيد  من حديد . ، حتى  لايترك  ثغرة ينفذ  منها عدو  متربص  من  داخل  الأكمة  المحيطة  او  من  خارجها . حتى  اذا  بطش  بطش جبارا .  فالرقة  هى اخت الضعف والهوان . ومن  يهن  يسهل الهوان عليه ، فلا  يعود  لجرح  يصيبه   ايلام. .  ومن  لا  يحس  بالإيلام   يكثر  الطرق  عليه  حتى  يهوى  بلا  سقم  غير  سقم ضعفه   وهوانه .  ويكون  قد  قضى عندها   بيديه  لا بيدى  عمرو  .
و لأن  أولى  العزم   الرؤساء  الاباطرة   فى  عالمنا  العربى  يدركون  هذه  المسلمات  ،  فانك  تجدهم  اشاوس  مغاوير  ضد  شعوبهم  متى  تحركت  هذه  الشعوب  خارج  الاطار  المرسوم  .  ومتى  رفعت  العيون  فوق  الحواجب  تعجبا  واستنكارا . عندها  يلبس  الواحد منهم  جلدا  غير  جلده .   ويذيق الدنيا  من  حوله  المر  من نكد .  ويطعمها الحصرم . ألا  ترى  ملك  ملوك  افريقيا  ومفكرها  الأممى  وهو    يبرطع  فى  البرية  ، و يتحول  فى رمشة عين  الى  ثور  اسبانى  هائج  يهشم   مستودع  خزف  المدينة  الجميل .  ويزهق  ارواحها ،   ويسيل  دماءها ، لأن المدينة  صاحت  بوجهه  وقالت  انها  تريد  ان  تشم الهواء  الطلق . فاخذته  العزة  بالاثم  ، فتحول  الى  فاتك  من  الدرجة  القصوى  الأولى  ،  وأخذ  شعبه  بالراجمات ،  والصواريخ   اخذا  اليما ،  شديدا ، أوجع   حيث  أصاب . حتى اذا  شكوا  من ألم  ،  مكر  بهم ، و  تبسم  فى  وجوههم  تبسما  خادعا ،  وأجزلهم   من القول أطيبه  وانعمه ، مدعيا  أنه   ترك  حربهم   وانزوى . حتى  اذا  صدقوه  عاد  اليهم  فى  ظلل  من  الدخان   الحارق   ، مكشرا  عن  انيابه  من  حنق  ومن غضب  ،  وامطرهم  بالجراد  الروسى  ،   وحصدهم  حصدا ، وقطع  امعاءهم  بيت  بيت.  دار دار . شبر  شبر . زنقة  زنقة  . فلا  يكاد  يبقى  منهم  باقية ، و  لايذر .  يفعل  هذا  رغم  أنه  مفكر  اممى  بزعمه . والمفكرون  يغذون  الارواح   ولا  يفنونها .  ورغم  أنه  عميد عمداء  الرؤساء  الدائمين  كلهم  جميعأ .
 وهذا  الطبيب  المداوى  ألا  تراه   و هو  يستولد  حزن  حماه  القديم .  ويستولد  نكبة  تل  الزعتر . ألا  تراه  وهو   يرش  شوارع المدن المذعورة   بالدماء  القانية .  ويبرر قتله  العشوائى  للنساء  و الرجال  والاطفال  بأنهم  جميعا  مخربون  مندسون  ،  وشبيحة  يسعون  بالفتنة  بين الشعب  المحب  لنظامه الذى  تحاك  ضده  المؤامرات  لأنه  ذرع  الشهامة  القومية  على  الارض .  ولأننا  عالم  آخر ، مخالف  لعوالم  الآخرين ، فان  الاشياء  لا  تسمى  باسمائها .  فنحن  لا   نقول أن الناس  يقتلون  بمدافع  الدبابات  التى  لا  تصوب  الى  صدور  الاعداء  الصهاينة  فى  هضبة  الجولان  ، لأنهم  قد  اخذوا  حقهم  فى  الكلام  هذه  المرة   بدون  أذن الرئيس . أو بدون  إذن  بقية  الزبانية  ،  فخرج  الكلام أشترا  ونابيا  ،  ومتعديا للحدود  المرسومة . لقد  طلبوا  من  الطبيب  الرئيس  التداوى  من  اسقامهم  السياسية  والاقتصادية  والاجتماعية  القديمة . وجعروا  باصوات  باكية  " إعطنى  حريتى  ، أطلق  يديا .  أنا اعطيتك ، ما  تركت  شيئا ".  ولأن  فاقد  الحكمة  لا  يعطيها  ، فقد  اصاب  الجميع  بحمقه  ونزقه ،  ونشر  فى الارض الموت و الخراب  حين  وجه  سلاح  الشعب  الى صدر  الشعب ، ذلك   السلاح  الصامت  الابكم  الذى    لا يعوى  الا  فى  صدور الشعب الذى  كل  جرمه  أنه  كان  يصرخ مطالبا   بالحرية  والكرامة .  وأنه رفع  صوته  فوق  صوت الرئيس  الذى  عقدت  له  الولاية  على  افئدة  الناس  بالأمس ،  واليوم ،  وغدا  والى أبد  الآبدين  حتى يرث  الله  الارض  ومن  عليها .
 أما  الالعبان ، الثعلبان  الآخر ، الذى  يعرف كيف  يلون الكلام   الأجوف  ويردده ، وكيف  يحوره  عن  مواضعه  فى  كل  ساعة  وحين ،  حتى  لا  يربط  لسانه  بقول  قاطع  فيؤخذ  على  حين  غرة . ويلزم  به . ذاك  الالعبان  استمر  فى  القتل  الشجاع .  يصوب  رصاصه  فى  الرؤس . و فى  صميم  القلوب  التى فى  الصدور  وبدم  بارد . لماذا . لأنهم  نازعوه  كرسيه  الذى  مكث  فوقه  عقودا  كثيرة ، ذاق  خلالها  حلاوة  السلطة  ورطبها  .  لقد  اغراه  فى  الماضى  القريب   صبر   شعبه  الطويل  عليه  . حتى  ظن أنه  شعب  قد  فقد  وخزة  الاحساس  بالألم.  وفات   على  الالعبان  الكبير أن  لكل  شئ  حدودا .  ولكل  طاقة  نفاذا.  للصبر  حدود .  ولطاقة  التحمل  حدود . وللكذب  عمر  قصير . حتى  اذا  تجاوز  السائرون  فى  هذه  الطرق  الملتوية  الوعرة  ،  وحتى اذا  تجاوزوا  الحدود  والمدى ،  فار  غضب الشعب  الحليم ، وفار  التنور .  لقد  أخذهم   الطوفان ،  وجرفهم  سيل  العرم . ففقدوا  توازنهم   واتزانهم . فصاروا  مثل  الغرقى  يتشبثون  بأى  قشة  ، يقدمون التنازلات  هنا  وهناك .  و معها  يجددون  تقديم  الوعود القديمة . و لكن  كل  ذلك  ظل  يقع  على آذان  صماء  ترفض أن تسمع  المزيد  من الأكاذيب  من كثرة  ما  سمعت  من  جعجعات  لا  تنتج  طحينا .  
أن  كان  من نصيحة   تقدم  لشباب  الثورات  العربية  فهى  ان  تمضى   ثورات  الاجيال   الصاعدة  الى  نهاياتها  المأمولة  فلا  تلوى  على  شئ  دون  ذلك .  وأن  تسلك  سبلها  القاصدة  بعزائم شابة  و لا  تلين . وأن  تجرف   عن  طريقها  كل  الديناصورات  التاريخية  التى ظلت ماكثة    فى  مكانها  بلا  لزوم  ،  حتى  لا  تختطف  ثورات  الشباب هنا و هناك . وليحذر  الشباب  مؤامرات  الديناصورات  ومكرها وهى ديناصورات   ذات  خبرة  ومراس  فى سرقات  نجاحات الشعوب . على الشباب المتقد ذهنا  أن  لا  يغفل  برهة  واحدة . فالطرق ما  زالت   شاقة  وطويلة  ومتعرجة .   وحافلة  بالانحناءات   والالتواءات  والتعرجات . والمطبات  الخطرة . لقد  برزت  الوجوه  القديمة  هذه  الايام  مجددا  .وكشفت عن اوجهها الاقنعة  الساترة ، تريد  ان تعيد عقارب  الساعة  الى  الوراء  من  جدبد . الحذر  كل  الحذر  ان  تجرب  الاجيال  الصاعدة   الفرجة  على  تلك الافلام  القديمة  من  جديد . فتجريب  المجرب  هو مضيعة  للوقت   وتمهيد  لاعادة  انتاج  الازمة   مرة  اخرى.
وبعد : لماذا  هذا   الحرص  الشديد  على  التنبيه  ضد   الغفلة  التى قد  تسمح  بسرقة  ثورات  الاجيال  الصاعدة  التى تجتاح عالمنا  العربى . السبب هو ما جاء   فى صدر هذا  المقال : هو  اننا  عالم  آخر  مختلف .  يمكن  أن  يحدث  فيه  كل  شئ . ويمكن  أن لا  يحدث   فيه  أى  شئ  ،  فتعود  ريمة  الى  قديمها !

نقلا  عن  الوطن  القطرية )
 Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]
 

 

آراء