حتى لا تنكسر الجرة ويسوح في الرمل العسل !!

 


 

 



كيف  يمكن  لرئاسة  الجمهورية  المصرية  ان  تقنع  مشاهدى  الطوفان  البشرى  المصرى  المتقعّر  فى  ميدانى  رابعة  العدوية  والنهضة  يمكن  تذويبه  وتفريقه  ببضع  بيانات  وانذارات  تحذيرية  يصدرها  وزير  الداخلية وهم  يرون  الاكفان  التى  يحملها  هؤلاء  المحتشدين  فى  ايديهم  استعدادا  للموت  فى  سببل  قضيتهم.  كلمة  السر  السحرية  بالنسبة  لهم   هى عودة   الشرعية – اى  عودة  الرئيس  مرسى  الى  منصبه  الرئاسى  بالدارجى  الفصيح . الرئاسة  المصرية  الجديدة  تبسط  الامور  بصورة  مخلة .  وتستهون ما  يجرى  فى  الطرف  الآخر  من  الشارع  المصرى ،  وتغمض  عيونها عن  لوحة  كئيبة  قاتمة  اخذت  تتبدى  للناس  فى  افق المشهد  السياسى  المصرى واضحة  جلية .  هذه  الجموع   المحتشدة   فى  رابعة  العدوية  لن  تتفرق  بالتى  هى  احسن .  وسوف  يكون  الخيار  المتاح  للحكومة  هو  تجريب  تفريقها  بالقوة   المفرطة .  وهذا  القرار  سوف  يكون  قرارا  مأساويا  متى  تم  اعتماده. ومتى  جرى  تنفيذه.   نتيجته القريبة  سوف  تكون انفراط  عقد  النظام  والامن المصرى  بصورة  يصعب  بعدها  لملمة  اطراف  المجتمع  السياسى  المصرى المتشاكس  اساسا .  و يصعب  معها اعادة  رتق  النسيج  الاجتماعى  والسياسى  المصرى.   و سوف  يتسع  الفتق  على  الراتق .  كاتب  هذه  السطور  من  عادته  ان  يتحسس  موقع   سيفه   متى  ذكر العسكر  فى  الحياة  السياسية  للشعوب . لقد  شبع  من  حكايات العسكر السودانيين  الذين  تناوبوا على  حكم  شعبه  بقوة  البندقية على  مدى  قارب نصف  قرن  من  الزمن.  وانتهوا به  الى  تمزيق  وطنه  الذى  كان  بحجم  قارة ،  والى خلخلة  نسيجه  الاجتماعى  الذى  كان  مضرب  الامثال   فى التجانس  والتآلف  والتسامح  الاجتماعى  والسياسى  والثقافى.  وابدلوه  حروبا  لا تنتهى  الا  لتبدأ  من  جديد. واصبح  الرأى  الآخر  فريضة  غائبة   ممارسها  مقتول  او  مفقود  فى  احسن  الاحوال .اما العسكر المصريون الذين  تشبعوا  بثقافة ، و بروح  النهى  والامر  المطاع  على  مدى  ستين عاما ، حكموا فيها  الشعب  المصرى  من  وراء  حجاب ، ربما  لم  يهن  عليهم  المكوث  طويلا  خارج  مضمار  السلطة . و كان  من  حسن  حظهم  ان  وجدوا تأييدا  شعبيا  جارفا  لجهة  عودتهم  لتوجيه  دفة  السياسة   المصرية  فى ظل  وجود  معارضة  مدنية  ضعيفة  وعاجزة ،  وحكومة  منتخبة   ولكنها  قليلة   الخبرة  والدربة  وعديمة  الحيلة  فقبلوا  التكليف  بعد  تردد .  ويبدو  انهم  لم  يحسبوا  حسابا  للتحولات  السياسية  والفكرية  والنفسية  التى  طرأت  على  مخيلة   الشعوب  العربية  التى  كانت  تقبل التوجيه  بالريموت كونترول.  وكانت  تؤمر فتطيع . وكان  جلادوها  يبلغونها  بأنه  لا  صوت  فوق   صوت  معارك  التحرير والتنمية ، فتسكت  وترضى   وان  كانت  نفوسها  مشبعة  بشئ  من  حتى ! الآن  صار  الامر جد  مختلف . لقد  كبرت  الشعوب  العربية  بعد  أن  فاحت   فى ارجائها  نسائم  الربيع  العربى.  وهكذا اظهرت  هذه  الشعوب  سلوكيات  ملونة .  وغير  متجانسة.  و لا تقبل التسليم  غير  المشروط   فى  كل  الاوقات . ففى  مصر  الكنانة  رحبت  بعض  اطرافها بازالة  حكومة  عاجزة  ورئيس  قليل الدربة.  بينما  رفضت  اطراف  اخرى  الاسلوب  الذى  اسقط  به  الرئيس  حتى  وان  كان عاجزا . وهكذا  وجد  الجيش  المصرى  من  يرفع  له  اصبع  الرفض  والتحدى  للمرة  الاولى  وهو الجيش  الذى  كانت   تقدسه  كل هذه  الاطراف   المتشاكسة . ونتيجة  لذلك اصبح هذا  الجيش ، و للمرة  الاولى ،  ملزما  بالقيام  بمهام  جديدة  عليه تماما : ان  يحفظ  امن  حدود  مصر  الخارجية ،  وان  يساهم   فى  الحفاظ  على الامن  الداخلى.  مهمة  بوليسية  لا يدرى  احد  كيف  ينجزها الجيش  الذى  كان  لا يفتأ  يذكّر  الجميع  بانه  كيان  قومى  يحّوم  عاليا  فوق  الانتماءات  الضيقة  الشئ  الذى  اكسبه  احتراما  يجل  عن  الوصف .  لا  شك  ان  هذا  الجيش  يستبطن  هذه  المعانى  المتفردة   وهو  يقبل على  ممارسة  دوره   الجديد   الذى  يتمنى  ان  ينجزه  سريعا و يعود  الى  وظيفته  الاساسية.  ولكن  الذين  يواجهون  الجيش  اليوم  على  الطرف الآخر معنيين  بشئ  واحد  هو اعادة  الشخص  الذى انتفض  ضده  الجيش  مدفوعا بتفويض  شعبى  مصرى  غالب .  وهذا بيع  دونه  خرط  القتاد  بالنسبة  للجيش  وللشعب  المصرى . وهكذا بعدت  الشقة  بين  الموقفين المتعارضين  فى ميدانى التحرير  والعدوية .  وتبدو فرص  تضييق  هذه  الشقة  ضيقة  ان لم  تكن  معدومة. هذا  ما  يضيف  الى  قتامة  اللوحة  الماثلة  والى  جسامة  اللوحة  النهائية المتخيلة. كاتب هذه  السطور  كان  من  الذين  كتبوا  اكثر  من  مرة  معترضين  على  دعوة  الجيش  للعودة  الى  الفعل السياسى  فى  مصر  الجديدة  خوفا  من  ان  يقود  ذلك  الى ما هو حادث  اليوم .  وتحسبا  لما يحدث غدا اذا  لم  يكبر  الجميع  فوق  الجراحات  العارضة . ما يأتى  من  رابعة  العدوية من ردود افعال لا يبشر  بخير . اما مايأتى  من  قبل الجيش  فهو  من نوع  ما  قلّ  ودلّ : كلمات  قليلة مشبعة  بالجزم  والعزم  وقوة  الارادة . والتصميم .  هل من  أمل  ان  لا تنكسر  الجرة ،   و أن  لا يسوح  فى الرمل  العسل .        
Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]

 

آراء