في دولة المؤسسات والقانون، كل الأجهزة تعمل وفقاً للدستور، وهارموني وتنسيق تام دون تدخلات أو تقاطعات تعطل التنمية والتطور والتقدم. كل مؤسسة تعرف دورها تماماً داخل الدولة، وأي تجاوز للمهام الأساسية، يتسبب في خلل كبير يعطل الأداء، وتبدأ المشاكل والأزمات، خصوصاً عندما تكون هذه الجهة سيادية. "الانقلاب العسكري"، فعل مخالف للقانون بكل المعايير، وجريمة تستحق العقاب، لذلك يواجه اليوم سدنة انقلاب 1998 المحاكمات بتهمة تقويض النظام الدستوري. وبسبب انقلاب الجبهة الإسلامية "الإخوان المسلمون"، تعطلت مؤسسات الدولة لـ30 عاماً، وتم تخريب الخدمة المدنية والمؤسسات العسكرية بسياسة "التمكين"، والتي نعمل الآن بعد الثورة على إزالته، وبسبب هذا الخراب يدفع الشعب السوداني حتى اليوم ثمناً غالياً، وتشهد البلاد تدهوراً في كل المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، ولكن لابد مما ليس منه بد. نعرف تماماً، أن الدستور والقوانين الخاصة بالمؤسسات العسكرية جميعها، من جيش وشرطة وجهاز أمن وكل الجهات التابعة لها، تمنع أفرادها من الجندي وحتى أرفع رتبة عسكرية (فريق أول أو مشير)، من ممارسة التجارة بأي شكل من الأشكال، لأن هذه الجهات هي التي تحمي النظام الدستوري وتحمي القوانين، وفي حالة ممارستها جنباً إلى جنب مع المواطنين الأفراد والشركات الخاصة، سينعدم "مبدأ المنافسة الشريفة"، إذ لا يعقل أن تتعامل الجهات الحكومية والخاصة بالتساوي مع شركة تتبع لجهة عسكرية وشركة خاصة تتبع لمواطن عادي لا يستطيع حماية نفسه وتجارته. وأيضاً، ذات المؤسسات العسكرية، تمنع أفرادها من ممارسة العمل السياسي الحزبي بأي شكل من الأشكال، والانتماء إلى الأحزاب السياسية يعتبر مخالفة تستوجب المحاكمة العسكرية، وهنا لا استثناء لأي رتبة عسكرية، ومن يريد أن يمارس العمل السياسي وتأسيس الأحزاب السياسية، عليه أن يقدم استقالته من المؤسسة العسكرية، وخلع البزة العسكرية أولاً، وذلك حفاظاً على مبدأ المساواة والمنافسة الشريفة، وإلا فإن الاحتماء بالمؤسسة العسكرية والاستقواء بها سياسياً، يعتبر استغلال لجهة يجب عليها أن تقف على مسافة واحدة من الجميع. وعطفاً على ما سبق، فإن قيام أي جهة عسكرية، بتقديم الدعم المالي لحزب سياسي أو عقد اتفاق ثنائي أو حتى لقاء سياسي أو حتى مجرد مدح أو ذم أي حزب بسبب توجهه اليساري أو اليميني أو الوسطي، يعتبر مخالفة دستورية وقانونية صريحة، لأن الشعب السوداني هو الوحيد الذي يختار من يمثله في البرلمان أو في السلطة التنفيذية عبر الانتخابات. وهنا، يجب علينا توضيح حقيقة، أن السلطة التنفيذية من رئيس وزراء، ووزراء، وولاة، وأعضاء البرلمان أو المجلس التشريعي، تخضع للمراجعة في أداءها بنهاية كل فترة انتخابية، ويتم تغييرها حسب خيار الشعب، عبر الانتخابات الحرة النزيهة. أما المؤسسات العسكرية والقضائية، تظل ثابتة دون تغيير، لأنها من ثوابت الدولة كالدستور، إذ لا يمكن تغيير الجيش أو الشرطة كل فترة انتخابية، لأن وظيفة هذه المؤسسات هي حماية النظام الدستوري، وحماية الحدود، وتطبيق القانون، لذلك يجب أن تظل بعيدة عن السياسة والتجارة، حفاظاً على الاستقرار. ونستطيع أن نقول، إننا في المسار الصحيح، وسنبدأ مشوار التطور والتقدم، بعيداً عن الاستبداد الذي يأتي بسبب السلطة المطلقة، والتي تعرف بأنها مفسدة مطلقة، وأي حديث عن أن الأنظمة الانقلابية هي القادرة على الإنجاز، هو حديث خطأ، وذر للرماد في العيون، وتغبيش للوعي. علينا مراقبة الدول العظمى، لنرى كيف نهضت، ونعرف أن أقوى الجيوش عقيدة وعتاداً، توجد في الدول المدنية، وأضعفها عقيدة وعتاداً، وأكثرها تسلطاً وقمعاً لشعوبها، هي جيوش الدول التي تحكمها أنظمة انقلابية، وإن أردنا اللحاق بركب التطور، علينا ألا نسمح تحت أي ظرف مهما كان بعودة الأنظمة العسكرية.. وإلا.. حباً ووداً..