ولهذا السبب هي تكتسب معنى ومحتوى شديد الحساسية وشديد الخطورة، خاصة عندما يتعامل هؤلاء المسؤولون مع المنعطفات والمنعرجات الدقيقة والحرجة التي تمر بها بلدانهم وأقوامهم. ومباشرة أقول، من الصعب تخيل تمتع أي قائد أو مسؤول بسمات الانسان العاقل السوي اليقظ الضمير، إذا لم يقف مع ذاته ويراجع أداءه ومساهماته ودوره إزاء الأحداث الجسام التي تمر بها البلاد اليوم. ونحن ربما لا نستطيع أن نجزم بأننا على دراية بحال أي من قادة ومسؤولي الإنقاذ، وكيف سيعبر كل منهم عن وقفته الخاصة مع الذات، كما لا أستطيع القول إن كان هؤلاء القادة والمسؤولون ينامون كل ليلة، ونفوسهم راضية وضمائرهم مرتاحة، تجاه أدائهم في حكم البلاد، وتجاه نتائج هذا الأداء على الوطن والمواطن. ولكن، وبعد خطاب رئيس البلاد الأخير، مساء الجمعة الماضي، لم يعد مدهشا، أو مستغربا، ألا تجد أي وقفة، مع الذات أو مع غيرها، عند قادة البلاد الذين ظلوا يديرون دفة الحكم منذ ثلاثين عاما، ولم يحققوا لا العدالة ولا التنمية ولا الرخاء ولا السلام ولا الأمن والأمان، وإنما أتوا بعكس كل ذلك، حتى أوصلوا البلاد مشارف الإنهيار السياسي والإقتصادي. ومن هنا تساؤلنا البسيط: ما هي، من وجهة النظر الخاصة لنظام الإنقاذ، مبررات ومسوغات بقائه؟ ولماذا يتشبث بالحكم رغم إنتظام الإحتجاجات الواسعة المطالبة برحيله، ورغم فشله الذريع في السياسة والإقتصاد والحفاظ على وحدة البلاد وأمنها؟. لم يعد مقنعا أن ينثر النظام وهم أن المعارضة لا تمتلك بديلا ولا تستطيع أن تحكم، وأن من بعده الطوفان. والتاريخ يقول أن سيطرة حكم الحزب الواحد لفترة طويلة، تنتهي دائما بكارثة قد تصل حد إنهيار الدولة، أو إختناقها في نفق ضيق مظلم ومسدود، كما بينت تجارب الصومال وسوريا وليبيا واليمن. ويبدو أمرا كريها وممجوجا أن نظل نستمع إلى قادة الإنقاذ وهم يتحدثون عن الأصابع الخفية للقوى الأجنبية التي تحرك المعارضة للتآمر على النظام، ونحن نعلم أن هذا الوهم الذي يعتمد على إلصاق الأخطاء على الغير، تسبب في انهيار إمبراطوريات كبرى على مر التاريخ، وأن الأنظمة تنتهي وتسقط نهائيا حينما تصاب بحالة من الجمود والرفض للاعتراف بالأخطاء، وتستعذب إلقاء اللوم كله على الغير، وأن وحدها الأنظمة التي اعترفت بأخطائها هي التي استطاعت أن تبقى حية ومتطورة ومتجددة ولديها القدرة على الإصلاح الذاتي لمشكلاتها.
النظام الحاكم فى الخرطوم يسير وهو يترنح، مقاوما ألا يسقط إلا ومعه الوطن. هكذا يقول خطاب رئيس البلاد وإعلان حالة الطوارئ. إنها لأخطر المراحل على الاطلاق التي مرت على البلاد، وتزداد خطورة مع تمسك النظام الحاكم بآلية القمع لكل من يفكر فى أخذ حقوقه أو يصلح إعوجاج الحكم، ناهيك عن معارضته ومنازلته. لا بد من وقفة حاسمة، حتى لا يسقط الوطن. صحيح أن الكارثة على مرمى حجر، لكن المخرج ليس في إستمرار النظام أو الطوفان. فنظام الإنقاذ ليس المصد ضد الإنهيار، بل هو العقدة نفسها. ومن الواضح، لكل عين ترى، أن المصد ضد الإنهيار يتطلب وضعا إنتقاليا يحقق التحول الديمقراطي، كمدخل لإجراء إصلاح سياسي حقيقي ينهي دولة الإنقاذ لصالح دولة الوطن والمواطن، ولتنفيذ الاجراءات الضرورية بهدف منع الإنهيار الإقتصادي.
نقلا عن القدس العربي