• تتداول الأسافير بكثافة هذه الأيام مقالاً منسوباً للصحفي الإسلاموي المتذبذب عمار محمد آدم، وهو لم ينفِهِ حتى الآن.. وسواءً صحَّت نسبة المقال إليه، أو لم تصِح فما جاء في المقال يشبه طرائق تفكير كثيرٍ من الإسلامويين المُتخبِّطين، مما يحدوني للتعليق عليه.. كتب عمار في المقال المنسوب يقول موجهاً كلامه لحمدوك حين زار الفاشر وهو يرتدي قميصاً أبيضاً متواضعاً بكُمٍّين قصيرين:
(ياهذا الشخص يا منزوع الهيبة والوقار، ما كان لمثلك أن يصطف هؤلاء الأماجد من رجال القوات المسلحة.. فما لمثلك تُبسط الفُرُش، وما لمثلك تُلقي التحية والوقار، تأتينا بهذا اللباس لتفتِّش طابور الشرف العسكري فيه من فيه الرجل فيه يعدل مئة رجل انضباط وقوام وعسكرية وثبات وشموخ وشمم وتأتي انت وكأنك ببجامة النوم تمتد كرشك ليهتز عرشك المصنوع من قش وزيف مايسمي بقوي الحرية والتغيير لا أفهم سوي، أنك قد أردت "اهانت" الجيش الذي إصطف لتحيتك !!) إنتهى..والمقال طويل..
يا سبحان الله..
هذا كلام كله خارم بارم، ولا يشي عن أية موضوعية، ولا يصدر إلا عن جاهل قصير النظر..ويدل بذات الوقت، على أن كاتبه منفصمٌ ليس إلا، ومتذبذب، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..وأنه لا يدري أهو مع الإسلام الصحيح، وكريم الأخلاق وما فيهما من تواضعٍ وبساطة أم هو ضدهما !!!
• متى -يا هذا- كان الهندامُ مقاساً للناس وللأفهام؟! وهل أغنى الهندام والبِدَل (المتجولخة) والكرفتات المتدلية التي كان يرتديها البشير ووزراؤه في حر السودان الحارقة، وبمناسبة وبلا مناسبة، ووسط الفقراء والمُعوزين، هل أغنت عنهم شيئاً؟!! وهل أكسبتهم إحترام الناس؟! وهل هي ساترةٌ عُريَهم أمام الله يوم القيامة، وأمام الناس في هذه الدنيا ؟!
ثم، فليعلم السيد عمار هذا أنه من حُسن الخُلق عندنا، ومن أدب الإسلام، ومما يُستهجن للرجل ذي المروءة والفضل، أن يذهب بعظيم هندامه وخُيلائه، وبِدَله، وكرفتاته يزور أناساً لا يجدُ الواحد منهم ما يستر به عورته، وما يسد به رمقه، ولا يفوح منه إلا رائحة عرق الكرامة والعِفة مما عليه من الفاقة، والفقر، والمسغبة !!
• لقد كان السلفُ الصالح رضوان الله عليهم، إذا كان الواحد منهم في زيارةٍ لقومٍ فقراء تواضع معهم، وتبسّط في الهندام بينهم حتى يحسبه من لا يعرفه أنه من الفقراء..وإذا قابل أهل السلطان والجاه تزيَّا لهم بما يناسبهم من لباسٍ ومظهر !! فهل -بنظر عمار- أن الأخ حمدوك كان ذاهباً لزيارة (كركول الشرف) أم لزيارة أهالي المنطقة التي طحنتها الحروب والنزاعات والمجاعات؟!!!
ولقد جاء في الأثر -يا عمار- أن أحد الصالحين وهو محمد بن مناذر كان يمشي مع صاحبٍ له وهو الخليل بن أحمد في حاجة، فأنقطع شسع حذاء محمد بن مناذر فخلعه ومشى حافياً، فخلع الخليل بن أحمد هو الآخر حذاءه (السليم) ومشى حافياً مع صاحبه، ولما سأله عن ذلك قال (حتى أساويك في الحَفي) أي حتى لا أبدو أفضلَ منك !!! هذا هو الأدبُ الإسلاميُّ الرفيع، وهكذا تكونُ مكارمُ الأخلاق في حضرة الفقراء، والمساكين وأصحاب العَوز والحاجات..لا أن يتزيا الرجلُ بينهم بفاخر الثياب، ويترفع عليهم بما لا يناسب المقام ولا الحال، وإنما يتبسَّط ويتواضع !!
• وإذا كان الشئ بالشئ يذكر فما يزال الناس في دارفور هذه نفسها -يا عمار- يذكرون أن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، والرئيس لاحقاً، جورج بوش الأب، وعندما زار دارفور إبان مجاعة ٨٣ الطاحنة، كان يرتدي قميصاً فقط، وبكُمَّين قصيرين، وبلا جاكت فوقه، مما لفت الإنتباه، والإعجاب، والتعجُّب، غير أن صنيعَه ذاك كان مما يناسب حالة الأسى والمأساة التي كانت تعيشها دار فور..ومن العجب، ويا للسخرية، فلقد كان مستقبلو بوش وقتها من المسؤولين السودانيين (يتخوجلون بهندامهم الفاخر) ويخنقون كذبَهم، ودجلهم، وحلاقيهم بالكرفتات الأنيقة والبِدَل الفاخرة، والحالُ أن بوش هو المتفضِّل عليهم، والمُحسن إليهم، وكان بسيطاً ومتواضعاً أكثرَ منهم !!!
يا أخي عمار، الواجب أن يقدِّر أمثالُك للأخ حمدوك صنيعه، وأنه أظهر تواضعاً ومسكنة وتبسُّطاً لهؤلاء المساكين التعساء، وزارهم وهو يتزيا بما يناسب حالهم، وبما يناسب خُلق، وتواضع أصحاب الفضل والوقار، وحتى بما يناسب طقس بلادنا الحار..لا أن ينتقدوه، وهو إنتقادٌ مردودٌ عليهم، ويكشف فهمهم المتهافت، وعدم معرفتهم بالأحوال والمقامات!!
لكين بس ياهو على قول المثل (الما بتريدو بتحدر فوقو سبب بلا سبب) !!