حتي السكر أصبح علقما وسعر الكيلو منه كاد يلامس الثريا !!

 


 

 

في الثمانينات القريبة كانت ارفف المتاجر الكبيرة في الخليج وخاصة السعودية تزدان بسكر السودان الابيض النقي الجميل وخاصة سكر المكعبات ( سكر المكنة ) وارد كنانة تلك الشركة التي كانت أكثر انضباطا من ساعة ( بق بن ) !!..
وكانت هنالك جبنة الدويم تشرفنا في دول البترودولار وفاكهتنا من مانقو وجوافة تجد القبول والاستحسان متي ماحطت رحالها في أي بقعة من هذا الكون ذلك الفسيح ولا ننسي الليمون السوداني دائم الخضرة عبق الرائحة يطلبه المستهلكون في الخارج مع الاحتفاء والترحيب به كأنه يشارك في أولمبياد الخضروات العالمية .
السودان كان كل شيء به مثالي والانسان السوداني كان عملة صعبة بالداخل والخارج وصار علامة مميزة في الصدق والتفاني ونال ثقة لا تقدر بثمن ولفت إليه نظر المجتمع الدولي اينما حل وفي اي زمان وكان الأيقونة والدرة المكنونة !!..
نعود لما آل إليه حالنا في الآونة الأخيرة وقد صرنا أبطالا نحصد كؤوس الخيبة في كافة تصرفاتنا التي أصبحت شتراء حتي حار الطبيب في تشخيص المرض وكتب في التقرير هذه حالة ميؤوس منها !!..
هل يعقل بعد أن كان رطل السكر بأقل من واحد جنيه وعند ظهور الإنتاج الجديد في شهر نوفمبر ينخفض السعر الي خمسين قرشا للرطل والكل هانيء وسعيد ومصانع السكر كلها في ايد أمينة مخلصة وطنية حتي النخاع يبذلون قصارى جهدهم من أجل أن يكون الخير وفيرا يعم القري والحضر !!..
صال وجال المهندس ابو إدريس الريح عوض الكريم في غرب سنار وعسلاية وحلفا الجديدة واينما حل كان الاجتهاد والتفاني من كل المنسوبين موظفين وعمال يعملون وفق اوركسترا تعزف اجمل السيموفينيات تحت قيادة مايسترو ماهر عينه علي الجودة وهمه اندياح السكر في سهولة ويسر ليكون في متناول الجميع في بلادنا الحبيبة من أقصاها الي أقصاها وفي تجرد ونكران ذات عانق أقصي درجات التصوف .
وكان المهندس بكري محجوب محمد علي في الجنيد الذي كان ناجحا بكافة المقاييس ويكفي أن المهندس بكري جعل من كل منسوبي المصنع أسرة واحدة وكم رفض أهل المنطقة ذهابه عنهم واحبطوا اي محاولة لنقله لمكان آخر وهذا يدل علي مدي الالفة والارتباط بين قائد المؤسسة العارف لمهام وظيفته المحصن بارفع الأخلاق واجود الصفات ومن يعملون معه كل علي حسب المهمة المناط بها والموكلة إليه . كان مصنع الجنيد عبر السنين يتفوق علي نفسه ويحقق العام تلو العام إنتاجا يفوق الربط المقدر في إنجاز وإعجاز ينال الرضا والقبول من كافة أهل البلاد .
رحم الله تعالي فقيد صناعة السكر ابان عصرها الذهبي الراحل المهندس كامل النعيم ولم يدخر جهدا في أن يسمو الوطن ويرتفع الي ذري المجد عبر السكر ومشتقاته التي أثرت الخزينة الوطنية وكفتنا مؤونة الاستيراد وجعلتنا نستريح في محطة الاكتفاء الذاتي ننعم بخيرنا الوفير من غير هم ولا كدر !!..
ولا ننسي المهندس غناوة فهو مع زملائه ابو إدريس وبكري والراحل كامل النعيم كلهم تخرجوا في حنتوب ودرسوا الزراعة في جامعة الخرطوم وابتعثوا للخارج خاصة امريكا والجزر القريبة منها التي بلغت شاؤا كبيرا في تكنولوجيا السكر وعادوا للبلاد بخبرات لا تقدر بثمن وكان التوسع في زراعة القصب واستخلاص السكر ومشتقاته بخبرة وحنكة ومعرفة وجودة في اعلي مراتبها !!..
اكيد أننا لا نغمط المهندس الراحل الغالي سليمان ابن الهلالية الذي وظف علمه وخبرته المكتسبة من المانيا في أن يكون لبلاده موضع لصناعة عصرية في مجال السكر وهنالك أيضا كثير من غير الذين ورد ذكرهم ساهموا وسهروا وتفانوا في هذه الصناعة الساحرة الحلوة التي تجعل لحياتنا طعم ويحبها الصغار قبل الكبار !!..
وياللحسرة ورغم الجهد الجبار الذي بذل بكل التضحية والفداء نجد اليوم كيلو السكر قد عانق ال ٨٠٠ جنيه والمصانع صارت يبابا ينعق فيها البوم والسعر مرشح أن يتضاعف بصورة مخيفة طالما أن الوطنية قد تبخرت وان هنالك حفنة لا تزيد علي اصابع اليد تتحكم في سوق السكر وأيضا نشأت شركات لتوزيع السكر مطففة للكيل مبالغة في السعر وكل مانقوله عنهم أنهم طفيليون يأكلون أموال الناس بالباطل !!..
نتطلع أن تعود صناعة السكر الي سيرتها الأولي يوم كان هنالك رجال يسهرون عليها ويحمونها بأرواحهم وفي سبيلها يواصلون الليل بالنهار لخدمة بلاط صاحبة السمو الملكي الأميرة صناعة السكر !!..

حمد النيل فضل المولى عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء