حتي تكتمل الصورة: مساجلات دبلوماسية مع الدكتور حسن عابدين
استميح القاريء عذرا في ان اعيد نشر سلسلة مقالات السجال الدبلوماسي بعد أن تكرم الدكتور حسن عابدين بكتابة مقال خامس في الرد علي السفير عبد الله الأزرق، وبذلك تكتمل الصورة كما قال الدكتور حسن عابدين إذ استدارت فاعلية الحوار بنقد متبادل بين ثلاثتنا، توخينا فيها الموضوعية ومقاربة الحقيقة ما استطعنا الي ذلك سبيلا، وأعتذر عن نفسي من سواقط اللمم، إذا استجاش خاطر بفضول الكلام.
جرت خلال الايام القليلة الماضية مساجلات دبلوماسية في صفحات الصحف السيارة بين السفير الدكتور حسن عابدين، والسفير عبدالله الأزرق وشخصي. ولما رأيت اهتمام الناس المتعاظم بمجريات وحيثيات هذه المساجلات ، قدرت ان انشر حصيلة هذه المساجلات في وثيقة واحدة حتي يسهل للقراء والمتابعين الحصول عليها في مكان واحد، خاصة وان صحيفة (السوداني) اصبحت منبرا لهذا السجال القلمي الذي ما تزال فصوله مستمرة. ولعل الذي دفعني لإعادة نشر هذه المقالات في وثيقة واحدة هي انها تحمل قيمة ثقافية متعدية لحالة المناظرة والسجال القلمي الظاهري الذي ربما استشف البعض منه انه استجابة مسترخية لإعتوارات العصبيات المهنية او الانحيازات السياسية والاختيارات الأيدلوجية . وما ذلك الا عرض لمن اراد القراءة المبتسرة والمتعجلة والشخصانية التي تبتغي نصر طرف علي آخر. ولكن القيمة الأدبية لهذا السجال هو انه يعلي من الحوار في الفضاء الثقافي المفتوح ليناقش ظاهرة في الأداء المهني الدبلوماسي و التقدير السياسي . واصدار احكام قيمية عن اوضاع حقوق الانسان في السودان. تمثل أطراف هذا السجال ثلاثة اجيال مختلفة في سوح العمل الدبلوماسي يختلفون في المنهج والكسب والرؤية والحكم. منهم من ينتمي الي طبقة المخضرمين ومنهم الي الجيل الوسيط وكذلك الجيل الناهض الحديث. ولعل جوهر وهدف الحوار يغفر لأطراف السجال ما يُري انه جنوح بالقلم وجموح بالتعبير. وكما سيلاحظ القاريء فقد توخت أطراف السجال روح الموضوعية ما استطاعت اليها معرفة وسبيلا. و لا شك ان مثل هذه الحوارات تقع منها سواقط العتب اللطيف و التلاوم العنيف. و لكن رغم اختلاف وجهات النظر الا ان ظاهرة الحوار في الفضاء المفتوح والسجال القلمي المعلن لمناقشة ظواهر وقضايا الشأن العام تعد انتصارا للشفافية والحوار الديمقراطي وثقافة النقد والنقد المضاد.
إضاءت هذه المساجلات من ناحية اخري علاقة المثقف بالسلطة، بجدلياتها المعقدة كما وصفها الدكتور حسن عابدين، وهل هي عودة متأخرة للوعي والمراجعات الفكرية والسياسية الصميمة للمثقف؟، ام هي ظاهرة غسل الايدي من الموائد بعد ان كادت ان تكون قاعا صفصفا و الهروب من السفينة الغارقة كما قال الراحل محمد طه محمد احمد في نقده لكتاب دكتور عبدالوهاب الافندي الثورة والإصلاح السياسي في السودان.
وقد قدم الدكتور حسن عابدين دفوعات تدعوا للتأمل بأسلوب حصيف يليق بأهل الثقافة والفكر، وان مارس هواية حرق المراحل السياسية في احكامه القيمية المشار اليها.
ولا تحفل مثل هذه المساجلات بقائمة المهزومين والمنتصرين ، لأنه لا احد يملك كل الحقيقة، لكن يسعي الجميع للتعبير عن مقاربات تقترب او تبتعد من الحقيقة المطلقة، و لعل الأهم ان يبقي الحوار والمناظرة والنقاش المفتوح هو الوسيلة الأفعل للتعبير عن تصوراتنا للحياة والحقيقة والنَّاس ونقد الشأن العام. وهذا ما نجح فيه حوار المساجلات المنشور أدناه.
تشتمل سلسلة المساجلات علي خمسة مقالات:
الاول : خداع النفس الديبلوماسية بقلم الدكتور حسن عابدين
الثاني : الخديعة والحقيقة لنفس الدبلوماسية اللوامة . بقلم السفير خالد موسي دفع الله
الثالث: نقد النقد في الرد علي الدبلوماسي خالد موسي. بقلم الدكتور حسن عابدين
الرابع: غسيل الحال وتبديل المقال في الرد علي السفير حسن عابدين
بقلم السفير عبدالله الأزرق
الخامس: في الرد علي مقال السفير عبدالله الأزرق عني بعنوان "غسيل الحال وتبدل المقال". بقلم الدكتور حسن عابدين.
(المقال الأول)
خداع النفس الديبلوماسية ..
بقلم الدكتور حسن عابدين
سفير سابق
ظل السودان لنحو ربع قرن (٢٥ سنة) علي قائمة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الانسان والاسوأ سمعة وصيتا بين الدول في هذا المجال، ثم تارة أخرى الأقل سوء خلال العشرية الأخيرة، هكذا بقي السودان مدرجا تحت البند العاشر من لائحة الانتهاكات وعلي رأس القائمة السوداء مستحقا "للصدقات" وللمساعدة والعون الفني حتى يستوفي شروط ومطلوبات العتق والترفيع! وهي شروط لو تعلمون حبيبة علي الأنفس:
انفس المجتمع المدني : السلام والتحول الديمقراطي والحريات ومكافحة الفساد والمحاسبة وسيادة حكم القانون .
ظللت أعجب ان كبار ساستنا وديبلوماسيينا الرساليين وبعض إعلاميينا يهنئون أنفسهم عاما بعد عام بانتصارات ونجاحات متوهمة مصنوعة يحققها السودان في جنيف لمجرد إبقاء اسمه في قائمة الانتهاكات تحت المراقبة والتجديد المتواتر للرقيب والخبير الدولي المستقل- أو ما يسمى بالبند العاشر .
إنهم يعتبرون ذلك إنجازا وفتحا تستحق عليه بعثتنا الديبلوماسية في سويسرا ووزير عدلنا وحاشيته من المرافقين الرسميين والشعبيين في "حجهم" نصف السنوي لجنيف التهنئة والتبجيل !!
وما برح بعض ساستنا وديبلوماسيينا الرساليين يصنعون من الفسيخ شربات....! يلوون عنق الحقيقة بتصوير الإدانة السياسية إنجازا والفشل الديبلوماسي نجاحا وذلك ربما علي طريقة أهون الشرين .. فالشر الأقوى عندهم هو “الشيطان الأكبر" أمريكا الذي ألحقت به ديبلوماسيتنا الهزيمة والخسران بإسقاط مشروعه الهادف لإعادة السودان للبند الرابع في اللائحة-البند الأكثر سوءاً من السيء !!
وخداع النفس الديبلوماسية هذا لم يقف عند سنواتنا العجاف في جنيف بل له سابقات في علاقاتنا الأفريقية أخرها التباهي الأجوف أن أفريقيا أجمعت واختارت السودان رمزا للعزة والكرامة الافريقية -وليس جنوب أفريقيا ونلسون مانديلا الذي نصبت له التماثيل في ميادين
افريقيا وفي ساحات وعواصم أوربا - رمزاً حقيقيا لسيادة وعزة وكرامة أفريقيا وهو من أكرمه العالم كله بمنحه جائزة نوبل للسلام.
وإن أحسنا الظن بديبلوماسيتنا الراهنة وبديبلوماسيينا الرساليين فيحمد لها ولهم الجد والاجتهاد لتجميل وجه السودان بالمساحيق والكريمات لإخفاء البثور والقشور والنتوءات إلا إن هذا يزول ويمحي في الاصباح .....وعند كل صباح .
و ختاماً أخشى أن ينطبق علينا قول الشاعـر :
يقضى على المرء في أيام محنته ** حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
(المقال الثاني)
الخديعة والحقيقة لنفس الدبلوماسية اللوّامة
بقلم: خالد موسي دفع الله
قلم البروفيسور حسن عابدين مثل فرس المتنبيء يضر بحبره طول الجمام، لذا ظل يتحفنا بأنتاج معرفي عميق وإسهام ثقافي غزير، وقد استعاد عقله وقلمه جموح المثقف الباحث عن الحقيقة بعد ان تخلص من اعباء الوظيفة العامة.
وقد ارخيت لقلمي السدول، رغم ما يعتري مشافره من ريح القلق ، لأفتتح هذه المحاورة الجهيرة مع البروفيسور حسن عابدين بصفته الثقافية والفكرية، لا بحكم وظيفته الدبلوماسية السابقة. فأنا تلميذه في الاولي و احد بيادق رقعته في الثانية.
لو ادرك البروفيسور حسن عابدين عمق حكمته النافذة وهو يقوم بتحرير خطاب ممهور بإسم النائب الاول لرئيس الجمهورية حينها علي عثمان محمد طه دون إخطاره موجه الي الفنان الراحل عثمان وقيع الله لإنتشاله في أخريات أيامه من صقيع لندن وعزلته الي دفء عشيرته وحضن وطنه لربما أمسك جموح قلمه وهو يغلظ علي تلاميذه في الحقل الدبلوماسي. ولربما أعاد النظر في خطوط يراعه وهو يستدعي سفير المملكة المتحدة الاسبق بيتر استريمز ليبلغه قرار حكومة السودان بإعلانه شخصا غير مرغوب فيه وعليه مغادرة البلاد، ليجد نفسه بعد عدة أشهرا سفيرا لبلاده في لندن و يجد السفير آلان قولتي هو اول من يستقبله في لندن . لذا وددت ان اسطر هذا المقال بذات المداد الذي كتب به الأديب الراحل الطيب صالح قطعته الادبية الفخيمة عن جمال محمد احمد، وتعلمت من هذا المقال كيف يكتب رموز الجيل عن أساتذتهم، وكيف كان هؤلاء الأساتذة يعبرون عن سلطتهم المعنوية بأبوة حانية، وتشجيع لمن يخلفونهم بجميل النصح وبليغ الكلم، وعميق الحكمة من مستودع تجاربهم المهنية والإنسانية.
وربما بعدت بالبروفيسور حسن عابدين شقة التسفار بالذاكرة وهو يشغل منصب الوكيل ويرد علي احد رموز فترة التحول السياسي في الإنقاذ العميد سليمان محمد سليمان عضو مجلس قيادة الثورة وسفير السودان لدي دمشق عندما هاجم وزارة الخارجية لموجدة شخصية وكتب مقالا قاسيا تحت عنوان (دبلوماسية الأسفار والإصفار) فرد عليه البروف حسن عابدين ردا مفحما دافع فيه عن اداء الدبلوماسية السودانية وإنجازاتها، وتلاسنا بالقلم علي صفحات الصحف ، فما أشبه الليلة بالبارحة، و ربما غلب علي البروفيسور حسن عابدين حس الاستاذ الذي يغلظ علي تلاميذه ابتغاءً للتجويد، لذا جاء مقاله (خداع النفس الدبلوماسية)، آية في التقريع لابنائه الدبلوماسيين الذين تقلدوا مسئولية العمل الخارجي بعده، وقال ان السودان ظل لربع قرن من الزمان علي قائمة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الانسان، والاسوأ سمعة وصيتا بين الدول في هذا المجال. وهذا الاتهام الذي ساقه البروفيسور حسن عابدين يندرج تحت ذات الفترة التي خدم فيها في سلك الدبلوماسية السودانية وتقلد فيها مناصب قيادية رفيعة، فقد عمل وكيلا لوزارة الخارجية، وعمل سفيرا للسودان في عدة دول كان آخرها في المملكة المتحدة. فإذا صح هذا الاتهام بشأن تدهور سمعة السودان الدولية لإنتهاكات حقوق الانسان خلال العقدين ونصف الماضيين فإن المسئولية لا تقع لوحدها علي الكادر الدبلوماسي الرسالي حسب وصفه ومصطلحه، بل يتحمل البروفيسور حسن عابدين بحكم منصبه القيادي في السلك الدبلوماسي بعضا من تركة هذا الفشل السياسي الذي يقرع به تلاميذه.
ليت البروفيسور حسن عابدين تذكر ما كتبه في مذكراته ( حياة في السياسة والدبلوماسية) الذي نشره مركز عبد الكريم ميرغني في ٢٠١٣ وهو يروي قصة مقابلته للسيدة فاطمة احمد ابراهيم في لندن عندما رفضت مصافحته وهي تقول " ما بسلم علي سفير النظام الديكتاتوري القمعي الذي عذبنا وشردنا"، رغم ان العلاقة بينهما استقامت بعد هذا العتاب. والشاهد في الموقف انه كان متهما بتمثيل نظام دكتاتوري من قبل المعارضة في السابق، لكنه أعاد انتاج ذات السهام التي رمته من قوس الانحياز للجلاد ضد الضحايا. وحاولت ان اجد مرجعا في كتابات البروفيسور حسن عابدين لتحرير مصطلح الدبلوماسي الرسالي ، فعثرت علي وصف مبهم في كتاب مذكراته السياسية وهو يتحدث عن سلوك بعض مرؤوسيه من الدبلوماسيين في فترة الإنقاذ الاولي في الجزائر، ووقع في ظنه ان لهؤلاء سلطة خفية خارج نظام الوزارة الذي يقوم علي التراتبية الهرمية الصارمة مثل القوات النظامية. و اختار البروفيسور حسن عابدين من كل هؤلاء الرساليين حسب تعبيره السفير يحي حسين ليخصه بالتقريظ والمدح الذي يستحقه عندما خدم معه نائبا له في سفارتنا في بغداد في اعقد منعطفات تاريخ العراق الحديث .
ان التخلص من التركة السياسية بعد الخدمة الرفيعة في مجال السلك الدبلوماسي يتطلب من المثقف ان يقدم نقدا ذاتيا عميقا، يوضح فيه خطل نهجه السابق ويسوق الاعترافات الجهيرة والحجج الفكرية البهيرة عن سبب اختياراته وأسباب مراجعاته. وفي حديث المذكرات في كتابه الهام ( حياة في السياسة والدبلوماسية)، قفز بروفيسور حسن عابدين فوق العديد من المراحل السياسية التي شارك في صنعها وصاغ شعاراتها، وقدم إضاءات هامة لنشأة التيار الوطني الاستقلالي داخل الجامعة الذي كان هو احد قادته، لكن لم اجد ما يشفي غليل الباحث عن اختياره للحزب الواحد في مايو ( الاتحاد الاشتراكي) وتحالف قوي الشعب العاملة اداة للتنمية والتغيير ومنبرا للوعي والتعبير عندما شغل منصب امين أمانة الفكر في الاتحاد الاشتراكي. وقد حاول الدكتور منصور خالد ان يقدم استدراكات فكرية لمشروع الحزب الواحد الذي عده في ذلك العصر تنظيما مقبولا لصك الولاءات القومية ومواجهة تحديات دولة ما بعد الاستعمار، لتسريع عجلة التنمية والبناء.
ان العمل تحت مظلة نظامين متهمين بالدكتاتورية ( مايو والإنقاذ) تحت رايات مخضبة الحمرة ونقيعة الخضرة، من يسار ويمين، يتطلب من المثقف وهو يجدد أفكاره نحو الانفتاح والحريّة والديمقراطية، وتجاوز الارث السياسي السابق والكفران بالماضي ان يقدم جرد حساب سياسي وفكري لخطأ التقديرات السياسية السابقة وجدوي المراجعات الراهنة وخارطة طريق للمستقبل. و رغم ثراء الادبيات الواردة في كتاب المذكرات إلا انها لم تقدم حيثيات فكرية وسياسية كافية ومقنعة لهذا التغيير في التفكير والموقف السياسي.
ولعلني اكثر المراقبين والمتابعين والتلاميذ ترحيبا بهذا التحول في الفكر والموقف لسعادة الدكتور حسن عابدين، لأنه قرر ان يستعيد دور المثقف الباحث عن الحقيقة ، والناقد للمشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي الراهن، بعد ان قرر ان يتخلص من لبوس السياسي، وأعباء الوظيفة العامة. و لكن حتي يكتمل مشروع هذا التحول لا بد ان يتأسس علي قاعدة صلبة من النقد الذاتي وشروحات الموقف وحيثيات الفكر، وهو ما لم اجده واضحا في مذكراته ( حياة في السياسة والدبلوماسية). او في مقالاته الراتبة.
من السهولة علي السياسي المحترف ان يغسل يديه من الماضي وان يطفئ اضاءة الغرفة ويتسلل لواذا دون ان يحس به احد، لكن يصعب ذلك علي المثقف لأنه يتخذ موقفا من الوعي والتاريخ. خاصة اذا كان المثقف من اصحاب التجربة والوعي والنقد والريادة في ابتداع خط سياسي جديد منذ عهد الطلب المدرسي.
ولا اريد ان أخوض في سياقات نقده لمجريات مشاركة السودان في دورة مجلس حقوق الانسان ، واعتماد المجلس لقرار حالة حقوق الانسان تحت البند العاشر. وقد حمّل مخرجات القرار بأنها خداع دبلوماسي للنفس، لأنه قرار صادر بالإدانة وجعلت منه الحكومة والدبلوماسية الرسالية موسما للاحتفال والأفراح. ولعل الدكتور حسن عابدين يدرك ما تعلمناه منه ان عمل مجلس حقوق الانسان ظاهره حقوقي وباطنه سياسي. فهو ملف سياسي بامتياز. فكل القرارات و التقارير الصادرة تحت لافتة حقوق الانسان هي امتداد طبيعي لأقدار السياسة الدولية وفق اجندة القوي الكبري في العالم ، والتي تسعي لتكريس عزلة السودان الدولية، و زيادة الادانات الاممية لمزاعم انتهاكات حقوق الانسان، وتعميق الوصمة السياسية للحكومة تحت مزاعم بأنها الأكثر انتهاكا لحقوق مواطنيها. فكم من دولة تملك سجل مخزي في انتهاكات حقوق الانسان لكنها تحظي بالحماية والرعاية، لذا فأن ما تقوم به الدبلوماسية الان هو الاستخدام الأمثل للأدوات والوسائل والقضايا والموضوعات لكفكفة الاذي ومحاصرة السيناريو الأسوأ، وتحقيق بعض التقدم بالقدر الموضوعي المعقول بما تسمح به لعبة الامم وتوازنات القوي الدولية و الإقليمية.
ان مخرجات دورة حقوق الانسان، وقرار السودان الصادر تحت البند العاشر ليس مدعاة للاحتفال لأنه اقل من قامة السودان الفارعة والمديدة، ولا يتسق مع كل التطورات الإيجابية وحقائق الأوضاع علي الارض، ولأن طموح السودان المعلن هو الخروج من بند الإجراءات الخاصة لرفع ولاية المراقبة عن اوضاع حقوق الانسان عبر حاملي الولايات الخاصة من خبراء مستقلين او مقررين خاصين، فان التدرج حتي الوصول لذلك المبتغي يستدعي كفكفكة الاذي، و وقف التأثيرات السالبة واستخدام الوسائل والأدوات المتاحة في ظل توازنات مختلة للقوة الدولية في قضية السودان.
تؤمن الدبلوماسية السودانية ان لها قضية عادلة في حقوق الانسان وفي كل قضاياها المطروحة في منظومات الامم المتحدة المختلفة، وستظل تدافع عن مصلحة البلاد الوطنية والاستراتيجية في السوح الإقليمية والدولية، وكذلك ستدافع عن رمز سيادتها الوطنية. ولن يلين لها عزم وان تنكسر لها قناة امام التحديات و عواتي الرياح، لأنها ما تعودت ان تغسل يديها اذا ما توقف عزف الموسيقي، ورنين الدنانير.
(المقال الثالث)
نقد النقد في الرد على
الديبلوماسي خالد موسى
بقلم الدكتور. حسن عابدين
اشكر للديبلوماسي النابه خالد موسى (ولا اقول تلميذي في الديبلوماسية كما وصف نفسه) على تعليقه في "السوداني" بتاريخ 9 اكتوبر على نقدي "لنهائيات جنيف" وحصادنا المر فيها حول حالة حقوق الانسان في السودان.... واشكره على كلماته الرقيقة عني ووصفه لي بانني استاذه.
واحمد له توخيه الموضوعية في بعض ما قال ومفارقته لها احياناً اخرى كما سيرد من بعد.
قلت ان قرار مجلس حقوق الانسان قبل اسبوعين بابقاء السودان على البند العاشر من اللائحة لا جديد فيه او تقدم يذكريستحق الاحتفاء والتهليل كانجاز للديبلوماسية السودانية اذ ظل هو حال السودان مدرجاً – تحت هذا البند العاشر منذ عام 2009 خاضعاً للرقابة والتفتيش الدوري من قبل مقرر دولي خاص تم تجديد ولايته مرة اخرى وسبقتها سبع مرات خلال السبع سنوات الماضية... فما هو الجديد الذي صنعته واتت به ديبلوماسيتنا الراهنه؟؟ واحسب ان ما جاء في فقرات مقالي حول الموضوع اوجزه ابو الطيب المتنبئ في بيت من شطرين اصدق تعبيراً من رأي
يُقْضى على المرء في ايام محنته
حتى يَرْى حسناً ما ليس بالحسن
وليس عندي ما اضيفه لمقالي سوى اتفاقي معك يا خالد موسى في وصفك لعمل مجلس الانسان بجنيف بأن ظاهره حقوقي وباطنه سياسي ... نعم هذا صحيح ولكن الصحيح ايضاً بل الاصح ان الاتهام بانتهاك السودان لحقوق الانسان لا يخلو من حقائق ووقائع تمشي على الارض وتسعى بين الناس ولايجدي او يفيد الانكار وتعليق الاسباب على شماعة المؤامرة والاستهداف فالقول إن القوى الكبرى في العالم تسعى لادانه السودان وحده وعزله عن بقية العالم لا يقوى ولا يستقيم في ظل هذه الحقائق الماثلة امام الشعب السوداني قبل العالم... انه فقط منهج انكاري تبريري وخطاب سياسي متهافت درجت عليه كل الانظمة الشمولية في عالمنا المعاصر ....والسودان ليس استثناءً . ولئن اختار الديبلوماسي خالد موسى عدم التركيز في تعقيبه على ما كتبت عن "الحصاد المر" في جنيف فحسناً فعل بالاستطراد وربما الاسهاب في سيرتي السياسية والديبلوماسية ضمن حديثه عن علاقة المثقف بالسلطة... كان ذلك المثقف سياسياً وزيراً او ديبلوماسياً سفيراً وهذا موضوع قديم متجدد عن هذه العلاقة الملتبسة وليس لدي من دلو ادلو به في البئر العميق، وكل ما عندي تعليق على ما جاء عني في مقال خالد استند فيه على كتابي :" حياة في السياسة والديبلوماسية" المنشور عام 2013.قال خالد في اشارة لشخصي المستضعف في حديثه:
" ان العمل تحت مظلة نظامين متهمين بالديكتاتورية (مايو والانقاذ)... يتطلب من المثقف وهو يجدد افكاره نحو الانفتاح والحرية والديمقراطية وتجاوز الارث السياسي السابق والكفران بالماضي (هكذا!) ان يقدم جرد حساب سياسي وفكري لخطأ التقديرات السياسية السابقة وجدوى المراجعات الراهنة وخارطة طريق للمستقبل..." واضاف خالد :" لم اجد في كتاب البرفسور حسن عابدين ما يشفي غليل الباحث عن اختياره للحزب الواحد في مايو ،الاتحاد الاشتراكي، وتحالف قوى الشعب العاملة أداة للتنمية والتغيير ومنبراً للوعي والتبصير..." (وبالمناسبة يا خالد هل وجدت مثل هذا في تنظيم سياسي آخر معاصر في يومنا هذا؟)
وابدأ الاجابة على سؤالك بسؤال مني : لمن اقدم كشف حسابي السياسي هذا؟ ومن يستتيبني من الكفرانبالماضي (وهذا تعبيرك) ويمنحني صك الغفران ؟
عجبت لقولك ايها السفير النابه والكاتب المدقق ما عثرت عليه في كتابي "السياسة والديبلوماسية" مجرد وصف مبهم للديبلوماسية الرسالية ومصطلح الديبلوماسي الرسالي.... مصدر تعجبي ان بالكتاب فصلاً كاملاً من ما يربو على 4,800 الف كلمة في نحو عشرين صفحة (الصفحات 172-192) بعنوان :
الديبلوماسية الرسالية...ومنها ما قتل
استهللت الفصل ببعض التعريفات المتواترة للديبلوماسية الكلاسيكية المتعارف عليها منذ قرون والممارسة اليوم. ثم اشرت الى دراسة الاخ الصديق الدكتور عون الشريف قاسم رحمة الله عليه. عن الديبلوماسية الرسالية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كتاب بعنوان ديبلوماسية محمد ثم استطردت بالحديث عن ديبلوماسية الدولة المهدية وباشارة خاصة لرسالة الخليفة عبد الله للملكة فكتوريا وفحواها دعوتها للدخول في الاسلام ، ثم تحدثت عن ديبلوماسية "المشروع الحضاري" الذي جاءت به ثورة الانقاذ وعراب هذه الديبلوماسية الرسالية الدكتور حسن عبد الله الترابي رحمة الله عليه ومن بعد سردت تجربة هذه الديبلوماسية – او بالاحرى تجريبها في الجزائر حيث انتدبت سفيراً فيها وشاهداً على علاقات الجبهة الاسلامية القومية مع الجبهة الاسلامية للانقاذ الجزائرية وفي اطار الاممية الاسلامية التي ابتدعها وقام عليها الدكتور الترابي مؤسس المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي.
لقد امسكت عن ذكر كثير من التفاصيل حول هذه الديبلوماسية الرسالية في الكتاب وعدم الجهر بآرائي الشخصية وملاحظاتي ونصحي الذي لم يستبان ولاسباب تعلمها انت تتعلق بسرية التقارير الرسمية وبالمصالح العليا للبلاد وبما يسمى امانات المجالس هذا فضلاً عن الاعراف والتقاليد الديبلوماسية "واخلاقيات المهنة".
وكدتَ تستدرجني في جانب من مقالك للدفاع عن نفسي باعتباري متهماً بمولاة نظامين شموليين: مايو والانقاذ ولكني اقول يامولانا القاضي الديبلوماسي : انا غير مذنب I am not guilty ولكني لن ادافع عن نفسي امام محكمتك! وانما ابدي الآن رأي في قضية عامة شغلت المجتمع السياسي والثقافي السوداني لسنوات طويلة بعيدة وحتى اليوم وهي علاقة المثقف بالسلطة وهي القضية التي سبر اغوارها بالكتاية المتعمقة كثيرون من الجيلين السودانيين المتعاقبين وبعض الاعلام المعاصرين ممن ذكرت انت كالدكتور منصور خالد واذكر انا الدكتور عبد الله علي ابراهيم وصديقي الدكتور اسماعيل حاج موسى في كتابه المثقف والسلطة... الخ.. بل ان الشعر السياسي تناول هذا الموضوع ومنه رائعة نزار قباني "السيرة الذاتية لسياف عربي." طال هؤلاء المثقفين الاتهام بموالاة النظم الشمولية طمعاً في المال والجاه والوجاهة والشهرة ...مجرد انتهازيين.. يغسلون ايديهم من النظام كما وصفتهم انت متى ما توقفت الدنانير.. وهذه كلماتك!
الا انك لو عدت لقراءة كتابي الذي اتخذته شاهداً عليَّ بمنهج الاستدلال بالحذف او راجعت بضع مقالات لي بعنوان الجمهورية الثانية نشرت عام 2011 وورقة اخرى اسميتها "البراءة من الشمولية" وثالثة عنوانها :"ثورة مايو من الداخل " وفيها نقد موضوعي لمسار الثورة وانا جزء منها آنذاك عام 1980 ثم مقال آخر منشور نفس العام بعنوان "ثورة داخل الثورة" وكل هذه المقالات لم تخلو من نقد ذاتي بلا مواربة او تبرير.. فكتبت ذات العام ما يلي "خرجنا على مايو ومنها بعد نحو ثمان سنوات من التأييد والمشاركة بروح ملؤها المسؤلية والقناعة وربما التجرد والنزاهة لا نادمين على قول او فعل يشين ولا معتذرين عن خطيئة او ذنب في حق آخرين... كنت في رحاب مايو ابن عصري واسير شعارات زماني راقت لنا في ربيع اعمارنا، براقة تخلب الالباب: الاشتراكية، الوحدة العربية، الوحدة الافريقية، تحالف قوى الشعب العاملة...والوحدة الوطنية.. لا للطائفية والتوريث..ولا للرأسمالية ولا للشيوعية ولا للالحاد." وقلت في صفحة 137: "الانظمة الشمولية تلد الدكتاتور وهذا ما حدث في الثلث الاخير من عمر ثورة مايو بعد ان تحولت كل المؤسسات التشريعية والسياسية والتنفيذية بل والخارجية لمؤسسسة الرجل الواحد نصفق له ونهتف باسمه وننصاع لقراراته والهاماته!
قال نزار قباني عن الدكتاتور:
أيها الناس..
أنا الأولُ والأعدلْ..
والأجملُ بين جميع الحاكمين
وأنا بدرُ الدُجى وبياض الياسمين..
كلما فكرتُ أن أعتزل السُلطة، ينهاني ضميري
من تُرى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟
....
منذ أن جئتُ إلى السلطة طفلاً...
لم يقل لي مستشار القصر: (كلا)
لم يقل لي وزرائي أبداً في الوجه (كلا)
لم يقل لي سفرائي أبداً في الوجه (كلا)
إنهم علموني أن أرى نفسي إلهاً
وأرى الشعب من الشرفة رملاً...
شهادتي على التاريخ المايوي مجروحة بالضرورة يا خالد اذ شاركت في سرائها وضرائها وفي ما اصابت وما اخطأت وفي التصفيق والهتاف لها وفي بعض الاحيان الصراخ في وجهها او في الدعاء عليها احياناً.. وكل هذا لا يعفيني من المسؤلية العامة ومن عبئ الامانة واوزار الممارسة واخطائها وان برئت ذمتي من انتهاك حق خاص او عام او نفع خاص اغتصبته وحزت عليه بغير حق.." اقول قولي هذا لا دفعاً لاتهام كما اسلفت ولكنه رأيٌ في علاقة مثقف "افتراضي" بالسلطة.
ختاماً فهل لي من عتاب لك يا خالد ..يا من وصفتني "استاذك" ووصفت نفسك بتلميذي : فقد كتبت في خاتمة مقالك ما يلي: " نؤمن ان الديبلوماسية السودانية لها قضية عادلة في حقوق الانسان ولن تنكسر لها قناة امام التحديات وعواتي الرياح لانها ما تعودت ان تغسل يديها اذا ما توقف رنين الدنانير." حزنت واسفت لما جاء في هذين السطرين الاخيرين لافترائك الكذب بالايحاء الخبيث انني من الغاسلين ايديهم من الديبلوماسية بعد توقف الدنانير!
(المقال الرابع)
غسيل الحال وتبدل المقال في الرد علي السفير الدكتور حسن عابدين
بقلم السفير عبدالله الأزرق.
أخي الأكبر وسعادة السفير دكتور حسن عابدين عاطر تحياتي
. أرجو أن تسمح لي أن أحاورك جَهْرًابشأن من زعمتهم دبلوماسيين " رساليين " فقيدت فيهم شوارد النقد ، ورميتهم بنبال الكلم وحملتهم كل جريرة حاقت بالسودان، ولو أنك لم تجهر بما تعتقده لما تجرأنا عليك. وأبدأ سعادة الوكيل لأقرر أن تجربتي في وكالة الخارجية علمتني أن المسؤولية لا تنقضي بمغادرة المنصب فما يتاح للوكيل من أسرار وما يطلع عليه من أحوال مرؤوسيه تضاعف هذه المسؤلية وتديم شطراً منها إلى أن يلاقي ربه . وليسمح لي سعادة السفير الوكيل ان أفيد أنني لا أعتقد قداسة في الإنقاذ ولا في رئيسها ولا أظن أن ثمة اجتهاد بشري مبرّأ من الزيغ والخلل . ولا تدفعني لهذا الحوار الجهير عصبية ولا تزمت لرأي وتعجبني حكمة علي رضي الله عنه إذ يقول " لا يُعرف الحق بالرجال أعرف الحق تعرف أهله ". وأحسب أن كلا الدبلوماسية وما بيننا من تبادل الإحترام يحول بيننا أن نجعل من هذا الحوار معركة :
بضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله.
أراك بداية قد تجنيت على من أسميتهم دبلوماسيين " رساليين " واتخذتهم سخرياً وذلك بعد سنوات من العمل معهم وفي قيادتهم. سنوات لم تمحضهم فيها نصحاً فيما تراه أعوجاجاً.
ولكم تمنى من سماهم أستاذنا بالرساليين أن لو اكتحلت أعينهم بمذكرات ناقدة لمسارهم خطها يراع الوكيل ولكم تمنوا أن لو ضجت أضابيرالخارجية برسائل ملؤها التوبيخ والتسديد والتصويب لنهجهم وهو يقودهم حتى تستقيم قناتهم الدبلوماسية وفق رؤى الاستاذ السفير والوكيل وقد كانوا أطوع له من بنانه خضوعاً وانقياداً.
وساءهم أن يرسل عليهم سهام النقد الجوارح وكلمات التقريع القوادح بعد أن خبا بريق المناصب وحفيف " الأخضر الإبراهيمي " الجميل. وليت أستاذنا فعل والقوم يومئذ خضر عيدانهم طيعة قناتهم مطرقة رؤوسهم له إطراق التلميذ الفتى لأستاذه الشيخ.
ولعل أستاذنا يشهد أنهم له انقادوا وما ذكروا له ماضيه في أمانة الفكر والمنهجية ومايو تجز الرؤوس وتغلق أبواب الزنازين حتى على طائفة منهم ولم تستثني حتى يحيى حسين الذي كان معه هيناً لينا. ذبهم حسن الخلق أن يذكروا لمايو ولك سؤ صنيعها بهم وبالإنسان وحقوقه ، بل وطأوا لك الأكناف سماحةً وأكرموا مقامك تأدباً. ولقد علمت أنه ما كانت أخلاقهم دقاقاً ولا كان عهدهم معك شقاقاً وما كان احترامهم إياك نفاقاً.
لقد كانت لمايو من بينهم صرعى كثيرة في ود نوباوي مع الأنصار وفي الجزيرة أبا وفي أقبية سجونها وأسالت بين العمائم واللحى دماءهم فلما قدتهم في ثلاث سفارات وتقدمتهم قائداً ووكيلاً كان الرجل منهم اذا حدثته نفسه بماضيك في مايو زجرها قائلاً" من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر "
سيدي الوكيل
لقد شايعت مايو وبايعتها وما كانت مايو لحقوق الإنسان راعية وما رقبت في الناس إلّاً ولا ذمّة ، ثم لبثت في الإنقاذ من عمرك سنيناً بلغت العشرين فلم نر لك من حسٍ في نصحها ولم نسمع لك من ركزٍ في تقويمها فما بالك أخي الأكبر تسود الصحائف ذماً لأبنائك ومرؤوسيك وكان حرياً بك ذمهم وتقريعهم وتقويمهم وانت بين أظهرهم سفيراً ثم وكيلاً منتكباً قوس المناصب الرفيعة ومتبهنساً في مشيتك تشرئب إليك الأعناق وتقول فتطاع. وما كان يمنعك عن المقال عيٌّ ولا حصر وما كان يثير مقالك يومئذ ريبة.
كان يمكن لدكتور حسن عابدين أن يركل المنصب الرفيع وعرض الدنيا الزائل وهو متسنم ذروة الخارجية لما أستبان له خطل " الدبلوماسية الرسالية " فما جاءها سوقاً وغصباً بل أختياراً وطوعاً ورغبة وما كان فيها مرتهناً أو مقيداً. وكنا حمدنا له موقفاً مبدئياً ولانحنت له الرؤوس تجلةً وتقديراً. تقدير حظي به د. منصور خالد والمبدع الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد إبراهيم حين لم يرق لهم نهج النميرى وحسبوا أنه تنكب الطريق فنبذوا إليه على سواء.
ليت شعري ما الذي حال بينك وبين ذلك وقتها وما هذه الجرأة التي أعترتك على الرئيس الآن ؟؟ !! أتراه بلغك أن رؤوساً قد أينعت وحان قطافها فأردت أن تكون من بين قاطفيها ، أم أنه " غسيل حال " كما قال الإديب الأريب مصطفى البطل !!
كان الأمل أستاذنا الجليل ووكيلنا الموقر ان تستدعي بعضاً من ماضيك الإشتراكي حين كان في الإشتراكيه بعض نبل دعاها إلى التمرد على قوى الطغيان العالمي فتدرك أن تلك القوى ما تزال في غيها سادرة إستهدافاً للأحرار ترميهم بأدوائها وهي التي قتّلت وما انفكت وتعدد المكاييل وما برحت وتدعي زوراً رعاية لحقوق الإنسان في السودان وتغض الطرف عن من رضيت وأحبت وان قتّل ورمى بالآلاف في غياهب السجون. وكان العشم ان يعصمك علمك عن زلة كهذه. وأربأ بك أن تكون ممن
يقعقع له بالشنان أو يغمز جانبه كتغماز التين. ولأني لا زلت أحفظ لك سابقة أستاذية ومقاماً فإني أربأ بك أيضاً أن تكون ذيّالاً ميّالاً تأكل الخُضْرة وتنسى العُشْرة وكان هؤلاء "الرساليون " لك البطانة والعشيرة.
أما والله أخي الأكبر إنه ليحزنني سيدي ان تعريضك بمن وصفتهم بالرساليين ليسؤ الذين آووك من قيادات الإنقاذ بعد أن نبذتكم الأحزاب بعد مايو نبذ الحصاة ، أكثر مما يسؤ هؤلاء الرساليين الذين زعمت. ومع تقديري أرجو ان تسمح لي بسؤال : أما تستحي من هؤلاء القادة وقد استصرختهم والهاً فضموك لصفوفهم وقدموك على شيعتهم ( وفيهم من هو مثلك تأهيلاً وتجربة )وبوؤك المناصب العلية ؟؟؟ أما تستحي أن تشحذ عليهم السيوف القواطع بعد أن أكرموك فنقضت بيعتك إياهم بعد إنقضاء الأجل والتقاعد. أما والله أخي الأكبر إنه ليحززني أن أقارعك الحجة بالحجة على رؤوس الأشهاد ويسؤني أن أسفه لك رأياً على الملأ ولكنك على الملأ غمزت من قناة أقوامٍ أطاعوك ووقروك فسفهت أحلامهم وعرّضت بهم غمزاً ولمزاً وصورتهم للناس ضعاف ألباب أغماراً أغراراً . ولو أنك نثلت كنانتهم لعلمت ان من بينهم الخطيب المفوّه والكاتب المًؤلف النابه والشاعر الخنذيذ والأديب الروائي ثم إن فيهم من كان أستاذاً في جامعات الغرب والباحث في مؤسسات البحث فيه ومن عمل في المنظمات الدولية وحاز كثيرون منهم الدرجات العلمية العلا في جامعات باذخات غربية ، ثم أن ربع قرن في بلاط الدبلوماسية ، بما أورثتموهم من تجاربكم قد عجمت عيدانهم . ورغم ذلك أوحيت بما يقطع الظهر ويهيض الجناح ، ومثلك لا يُوعظ أن الظلم يفضي إلى الضلال ،ومعاذ الله من ذلك . ومعاذ الله ان أدع الشيطان ينزغ بيني وبينك ولكني علمت أن الشر كله بحذافيره في النار . وإني وإياك لن نحمل الشر بأوزاره ونحذوه بنعله ونجزي بمثله إن شاء الله. أخي الأكبر لقد رأيتُ أن أصدقك فالصدق يوفي بأهله إلى البِر والبر يوفي بأهله إلى الجنة.
ثُمّ أمّا بعد : فإني لا أحمل لك موجدة ولاحقداً ولا ضغينة ، فقد وجدتُ أن بغض الناس لا يضر وحبهم لا ينفع . أحبني الله وإِيَّاك
وما يسرني ان تكون أو أكون كما قال أخو هَوازن :
محّضتهم نصحي بمنعرج اللِوى فلم يستبينوا النصح إلّا ضحى الغدِ. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(المقال الخامس)
في الرد على السفير عبد الله الازرق على ما جاء
في مقاله عني بعنوان "غسيل الحال وتبدل المقال.."
بقلم الدكتور .حسن عابدين
سعادة السفير : تحيات طيبات
ترجاني بعض اصدقائي الاقربين وزوجي وابنائي الا أرد على ما قلته عني فغالبت النفس اللوامة وزجرتها ولكن غلبني ابو الطيب المتنبئ القائل :
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت ايلام
الا انني امتثالاً لرجاء هؤلاء قصرت تعقيبي على تصحيح الحقائق عني فقط على غير ما رويتها أنت فربما لم تك تعلمها..وسوف اتجاوز ما لحق بي من هوان واستهوان.
سعادة السفير :جاء في كتاب ابو حيان التوحيدي :"الامتاع والمؤانسة" الدعاء : اللهم اني اعوذ بك من سلطان جائر ونديم فاجر وصديق غادر وغريم ماكر...وأحمد لك سعادة السفير الازرق تحيتك لي في مستهل مقالك وثناءك على شخصي البسيط وان كان مدحاً بما يشبه الذم.
انني عاتب عليك اشد العتب اذ رميتني افتراءاً ببعض الاتهامات الجائرة ولكني احسنت الظن بك اذ عهدتك كاتباً مدققاً وشاعراً مرموقاً تعوذه فقط المعلومات الصحيحة والالمام بالمعلومة العامة عن سيرتي "المايوية" سادناً ومشاركاً في سراء مايو وضرائها ثم ناقداً وخارجاً عليها ومنها وهي في الثلث الاخير من عمرها.. ولك ان شئت ورغبت في الوقوف على رأي وموقفي منها ومآخذي عليها أن تقرأ ذلك في كتابي الصادر عام 2013 بعنوان :"حياة في السياسة والديبلوماسية.." ولا ازيد في هذا حول ما جاء في حديثك عن "سدانتي" وعنها الا وصفك لها بنظام الزنازين والاعتقالات والقتل والاعدامات وانتهاكات حقوق الانسان ولست مدافعاً هنا اليوم عن "مايو" وانما اذكرك بالمأثور وهو "رمتني بدائها وانسلت.. وقول الفرنجة لا يجوز لمن يسكن في بيت من زجاج أن يقذف الآخرين بالحجارة!"
ثانياً: قلت ياسعادة السفير عن تعييني سفيراً بالخارجية عام 1990 وهذه كلماتك :"أما تستحي من هؤلاء القادة (قادة ثورة الانقاذ) وقد استصرختهم والهاً فضموك الى صفوفهم وقدموك على شيعتهم وبوؤك المناصب العليا وفيهم من هو مثلك تأهيلاً وتجربة..."!! وزدت ياسعادة السفير أن هؤلاء القادة "اكرموك فنقضت بيعتك اياهم بعد التقاعد..." والحقيقة يا سعادتو والسؤال من قال لك انني سعيت "للانقاذ" واستصرختها لتعينني سفيراً ؟ اعلم بان الانقاذ هي التي سعت اليَّ في عريني الاكاديمي – جامعة الخرطوم – وطلبت من مدير الجامعة آنذاك البروفسور مدثر التنقاري أن يوافق على ندبي للعمل بوزارة الخارجية فالفوا موافقته بخطاب بتوقيعه قال فيه أن جامعة الخرطوم لتفخر بان احد ابنائها الاساتذة يكلف بمثل هذه المهمة الوطنية..امد الله في عمر الصديق مدثر وهو حي يرزق شاهد على ما اقول. ولتعلم ياسعادة السفير الازرق ان سبقت هذه الموافقة موافقتي انا على قبول "العرض" بالمنصب الديبلوماسي الرفيع إذ استدعاني الى مكتبه العميد عثمان حسن عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس ما عرف باللجنة السياسية وقال بالحرف الواحد.. "لقد قرر مجلس قيادة الثورة (يا دكتور) دعم وزارة الخارجية بعدد من الشخصيات الوطنية من أهل الكفاءة والتجربة فوقع الاختيار عليك ضمن آخرين..." ولن اثقل على القارئ بالمزيد من التفاصيل عن ذلك اللقاء ولك ان رغبت ولغيرك ان رغب قراءة او اعادة قراءة كتابي المذكور اعلاه صفحة 143. إذن مَنْ استصرخ من والهاً ؟؟
ثالثاً: زعمت سعادة السفير ان قبولي تبوء المنصب كان مبايعة للانقاذ فكيف انقض البيعة بانتقاد النظام بعد تقاعدي ؟ ولتعلم إنها لم تك بيعة على المنشط والمكره كبيعتكم انتم ابناء الحركة الاسلامية وكوادرها السياسية والديبلوماسية والمؤلفة قلوبهم بين صفوفكم؟ في سياق سياسة التمكين والتأصيل .
رابعاً : احيلك الى عشرين صفحة بلغ عدد كلماتها 4.800 الف كلمة عن الديبلوماسية الرسالية "والديبلوماسيين الرساليين" الذين قلت انني انتقصت من مؤهلاتهم وخبراتهم . ومرة اخرى اقرأ ما يلي وهو ما جاء عنهم في كتابي المذكور وفي صفحة 177 وبعنوان الديبلوماسية الرسالية ومنها ما قتل.
"الديبلوماسية الرسالية ديبلوماسية موازية خفية تتعايش وتتصالح ما تيسر لها ذلك مع الديبلوماسية الوضعية ولكنها تتقاطع وتتعارض معها احياناً كثيرة....ولكن لا نظلمن احدا من هؤلاء الديبلوماسيين الرساليين من حيث التأهيل العلمي والخبرة والدربة كل في مجال تخصصه فقد كانوا كلهم من خريجي الجامعات وبعضهم من حملة درجات الماجستير والدكتوراة..ولا يؤخذ عليهم انهم انتدبوا للسلك الديبلوماسي من خارجه فقد سبقهم اليه (ومن زمان) المعينون سياسياً خلال الستين عاماً من عمر الديبلوماسية السودانية..." فما هو الانتقاص، واين هو من سيرة هؤلاء . ولكني قلت واكرر الآن إن ما فعلته "الانقاذ" ان اوغلت في التمكين والتأصيل على حساب عشرات من الديبلوماسيين والمئات من المهنيين وموظفي الخدمة المدنية الذين اعفوا من مناصبهم غيلة وغدرا وشردوا ... اليس هذا صحيحاً يا سعادة السفير ؟
وخامساً : عفواً ايها القارئ الكريم والقارئة الكريمة كاد سعادة السفير الازرق يستدرجني للحديث عن نفسي واعوذ بالله من " الانا " ومن شراك الذاتية وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه "...اكثر الناس كذباً من يكثر الحديث عن نفسه " قلت جاء انتقادي لمايو والانقاذ بعد تقاعدي وبعد ان خبا بريق الدولار ولكن ربما لا تعلم يا سعادة السفير عن ما كتبته وقلته عن مايو في الفاتح من سبتمبر عام 1980 وكنت يومها من كوادرها السياسية العاملة اميناً للشئون الخارجية مقالاً في صحيفة التنظيم "الصحافة" بعنوان "ثورة داخل الثورة" اثارت عليَّ غضبة عارمة من الرئيس نميري رحمة الله عليه حتى وصفني في لقائه التلفازي الشهير بانني ثورة مضادة.. فغضبت ودفعت اليه باستقالتي وعدت الى عريني الاكاديمي جامعة الخرطوم قائلاً لنفسي "العرجاء لمراحها" ولحقت بصديقي الذي سبقني في الخروج على "مايو" الدكتور منصور خالد.
لن ادافع الآن عن "مايو" امام اتهاماتك لها بفتح الزنازين وجز الرؤوس والاعدامات وانتهاكات حقوق الانسان وتشريد الموظفين ولكن اذكرك يا سعادة السفير بالمأثور العربي والافرنجي : "رمتني بدائها وانسلت" "ومن يسكن في بيت من الزجاج لا يقذف الآخرين بالحجارة."
وسادساً واخيراً: قلت يا سعادة السفير عني بعد ذلك المدح الزائف والثناء من شاكلة أستاذي واخي الاكبر والوكيل الموقر.. قلت إنني "ذيال ميال يأكل الخضرة وينسى العشرة..."! وهذه كلماتك التي تذكرني بقول الشاعر:
من العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر ويؤلم.
نعم أكلتُ الخضرة لكنها خضرة الوطن الذي خدمته سفيراً لا خضرة حزب أو جبهة وكنت وفياً للعشرة ..عشرة الوطن لا عشرة بيعة حزب او طائفة...إذن لماذا تعيرني يا سعادة السفير انني لم ارسل سهام النقد الا بعد ان تقاعدت وخبا بريق المناصب "وحفيف الاخضر الابراهيمي" – تعني الدولار ؟ والشئ بالشئ يذكر فقد ساق ذات الاتهام الباطل في حقي مؤخراً ديبلوماسي رسالي غرير رماني كما انت بغسل يدي من الديبلوماسية عندما توقف رنين الدنانير !! قال المتنبئ واستجير به :
فصرت إذا اصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال.
وقال ايضاً:
فابلغ حاسدي عليك
كبا برقٌ يحاول بي لحاقاً
وسؤالي لك وله : ما الذي يمنع موظفاً أو ديبلوماسياً تقاعد من الخدمة العامة بعد بلوغه سن المعاش لا مفصولاً ولا مظلوماً ولا حاقداً او جاحداً او محروماً..وهاأنذا ذلك الرجل تقاعدت قبل اكثر من عشر سنوات...فما الذي يمنعني او يشين سيرتي صرت ناقداً ناقماً طليق الحرية والقلم؟
وختاماً سعادة السفير كتمت غيظي ارضاءاً لغر ميامين من الاصدقاء والاحباب فالجمت قلمي وكبحت جماحه ليعفو ويعف عن المساس بشخصكم وبسيرتكم التي لا اعلم عنها الا القليل وبالرغم مما لحق بي وبابنائي من هوان وتجريح وبهتان وافك. والله المستعان فهو عفو كريم يحب العفو عني وعنك.
khaliddafalla@gmail.com