حراك إماراتي لتسوية سودانية يزعج مصر

 


 

 

القاهرة/الخرطوم/العربي الجديد
تتحدث مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، عن انزعاج في القاهرة على خلفية تحركات لأبوظبي رأت فيها القاهرة تهديداً لمصالحها، وسط اعتقاد لدى الأخيرة بأن أبوظبي تستغل انشغالها في أزمتها الاقتصادية الراهنة، جراء تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، لتصدّر المشهد في الملفات ذات الصلة المباشرة بالمصالح المصرية.

ويأتي ذلك في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية في السودان الرافضة للانقلاب العسكري، والمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، وكان آخرها المليونية التي جرت أمس الإثنين.

وفد مصري في الخرطوم
وقال مصدر مصري، لـ"العربي الجديد"، إنّ وفداً مصرياً من جهاز المخابرات العامة زار الخرطوم، الأسبوع الماضي، والتقى ممثلين عن عدة جهات عسكرية ومدنية، بعد فترة من الفتور في العلاقات بين القوى المدنية السودانية والمسؤولين في القاهرة، في ظل اتهامات تلاحق النظام المصري بوقوفه وراء الانقلاب الذي قاده رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وأشار المصدر إلى أنّه في الوقت الذي اعتبر فيه المسؤولون في مصر أنّ زيارة الوفد بداية اختراق جيدة لموقف القوى المدنية الكبرى في الحراك السوداني، فوجئوا بتحرك إماراتي من شأنه إفشال المحاولات المصرية، عبر مبادرة وساطة بدأتها أبوظبي بين المكونين العسكري والمدني في السودان، بهدف التوصل إلى تسوية للأزمة هناك.

وأوضح المصدر أن التحركات الإماراتية تأتي في الوقت الذي توصلت فيه القاهرة لمعلومات متعلقة بشأن أزمة طريق "شريان الشمال"، التي تم خلالها قطع الطريق أمام الشاحنات المصرية التي تنقل البضائع في إطار حركة التبادل التجاري بين البلدين، مشيراً إلى أن "معلومات مهمة وصلت للقاهرة بشأن دور لرئيس قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الأزمة، بتنسيق مع طرف خليجي".

أبوظبي تسعى لتقديم نفسها وسيطاً في الأزمة، وقيادة مفاوضات مع كافة الأطراف

وكشف مصدر آخر أنّ "أبوظبي تسعى لتقديم نفسها وسيطاً في الأزمة، وقيادة مفاوضات مع كافة الأطراف، واستغلال نفوذها المالي على الكثير من مكونات المشهد في السودان، للتوصل إلى صيغة مقبولة للجميع"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك التقى في العاصمة الإماراتية أخيراً، مسؤولين رفيعي المستوى، بينهم مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد.

وتحدث عن أنّ "مجموعة من ممثلي المعارضة السودانية، وممثلين لقوى ثورية، زارت أبوظبي أخيراً، من أجل الحديث بشأن مبادرة تسعى الإمارات لطرحها".

وكشف مصدر دبلوماسي غربي في القاهرة أنّ "الأطروحات التي تُبحث في الإمارات، تدور حول إعادة تشكيل مجلس سيادة جديد، برئاسة شخصية مدنية، إلى جانب مجلس لشؤون الأمن والدفاع تترأسه شخصية عسكرية، بالإضافة إلى تشكيل مجلس تشريعي يضم ممثلي قوى الثورة ولجان الحراك". كما تتضمن الأطروحات "تشكيل حكومة تكنوقراط، تكون مهمتها إدارة شؤون الدولة إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية التي يتم تحديد مدتها خلال المفاوضات".

وأوضح المصدر أنّ "حمدوك مرشح رئيسي لتولي رئاسة مجلس السيادة الجديد"، مشيراً إلى أن "هناك رضى وقبولاً دولياً كبيراً لشخصية حمدوك وقدرته على إحداث التوازن في الحالة السودانية، بحال تم تشكيل كافة مخرجات المبادرة".

ولفت المصدر إلى أن "الجدل لا يزال مستمرا بشأن هوية رئيس مجلس الأمن والدفاع في التشكيلات الجديدة، وما إذا كان سيستمر البرهان، أم سيتم التوافق بشأن شخصية عسكرية أخرى من داخل المؤسسة العسكرية السودانية"، مشيراً إلى أنّ "ما عزز تجاوب القوى المدنية مع الإمارات هو عدم دفعها في اتجاه دور رئيسي لحليفها في المشهد السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)".

وبحسب المصدر، فإن أبوظبي "تدرك جيداً أن هناك عدم قبول شعبي كبير لشخص حميدتي في الوقت الراهن، لذلك لا تسعى لفرضه خلال المفاوضات التي تحاول فيها تقديم نفسها كوسيط"، وأشار إلى أن "ما يهم حكّام أبوظبي في الوقت الراهن هو تأمين مصالحهم فقط، خصوصاً أن رئيس قوات الدعم السريع يمكنه تأمين مصالح الإمارات من دون أن يتصدّر المشهد السياسي".

عودة حمدوك للسلطة؟

وفي الخرطوم، راجت طوال الأيام الماضية أنباء عن إمكان عودة حمدوك للسلطة، وزادت بعد الزيارة التي قام بها البرهان إلى الإمارات في الأسبوع الماضي، والتي استغرقت 4 أيام، وتسربت خلالها معلومات عن اجتماعه بحمدوك، واقترابهما من توقيع اتفاق يقضي بعودته رئيساً لمجلس السيادة وتعيينه رئيس وزراء لتشكيل حكومة كفاءات مع تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة قتلة المتظاهرين. كما زادت وسائل إعلام أنّ وفداً من قوى "الحرية والتغيير" شارك في المفاوضات.

وفيما قال مصدر دبلوماسي سوداني مطلع لـ"العربي الجديد"، إن البرهان التقى حمدوك بحضور إحدى الشخصيات الإماراتية رفيعة المستوى، في إطار مسعى أبوظبي للتوصل إلى اتفاق سياسي يشمل كافة مكونات المشهد السوداني، لكن أسرة حمدوك نفت، في توضيح منسوب لها نشر في وسائل الإعلام السودانية، ما سمّته الشائعات المتداولة عن احتمال عودته لمنصب رئيس الوزراء، كما نفت دخوله في تفاوض مع البرهان في هذا الخصوص، لكنها أكدت صحة لقائه مع البرهان في الإمارات، مبينة أنّ اللقاء بين الرجلين لم يتطرق البتة للعودة، وأن حمدوك لم يفكر مطلقاً بالعودة للسلطة.

نفت أسرة حمدوك ما سمّته الشائعات المتداولة عن احتمال عودته لمنصب رئيس الوزراء

وكان حمدوك قد غادر إلى الإمارات بعد أسابيع من استقالته من منصبه في 2 يناير/ كانون الثاني الماضي، وظلّ هناك مع زوجته وابنيه اللذين يعملان في واحدة من الشركات الإماراتية. وتفسر أسرته إقامته هناك بأن بقاءه في السودان سيعطي انطباعاً بأنه متوفر لتولي أي دور تنفيذي في المرحلة المقبلة.

تقارير عربية
السودان.. الشرطة تطلق قنابل الغاز صوب المحتجين ضد الانقلاب العسكري
بدوره، أكد مصدر مقرب من حمدوك، تواصلت معه "العربي الجديد"، صحة ما ذكرته الأسرة بشأن لقائه البرهان، لكنه أشار إلى أن الفرصة الوحيدة لعودته إلى رئاسة الحكومة أو ترؤسه مجلس السيادة، هو أن يتم ذلك عبر مبادرة الأمم المتحدة التي طرحتها منذ الثامن من يناير الماضي، موضحاً أن ذلك مشروط بحدوث توافق بين جميع الأطراف بما في ذلك "الحرية والتغيير" وأطراف السلام.

وأكد المصدر أن حمدوك لا يريد تجربة الاتفاق المنفرد مع البرهان، كما حدث في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لأن ذلك الاتفاق اقتطع كثيراً من رصيده السياسي وقلل من شعبيته وحمّله مسؤولية الدماء التي سالت في الشوارع على يد الانقلابيين.

كما نفت بعثة الأمم المتحدة، في بيان أمس الإثنين، صحة الأخبار التي تحدثت عن تسميتها رئيس وزراء في السودان في سياق مبادرتها الحالية لحل الأزمة في البلاد، مؤكدة أنها "لا تملك حق أي اقتراح بهذا الخصوص، لأن اختيار رئيس أو رئيسة وزراء هو شأن سوداني بحت".

وأوضحت البعثة أنها تعمل مع بعثة الاتحاد الأفريقي بشكل مشترك لدعم السودانيين والسودانيات على "إيجاد مخرج من الأزمة الحالية الناتجة عن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وتيسير العودة للوضع الدستوري ومسار انتقالي نحو الحكم المدني والديمقراطية والسلام في السودان".

"الحرية والتغيير": إنهاء الانقلاب أولاً
أما قوى "الحرية والتغيير" التي تحدثت تسريبات عن مشاركتها في المفاوضات السرية، فتقول إنها مشغولة أولاً بإنهاء الانقلاب، وعودة المسار الديمقراطي وإبعاد المؤسسة العسكرية نهائياً عن السلطة وإرجاعها إلى ثكناتها، وتشكيل سلطة مدنية كاملة. ونفت "الحرية والتغيير"، على لسان المتحدث باسمها جعفر حسن، أن تكون طرفاً في أي مفاوضات جرت في الإمارات أو في أي مكان آخر.

وأوضح حسن، لـ"العربي الجديد"، أنه ليس هناك شخص واحد، سواء حمدوك أو غيره، يمتلك عصا موسى لتغيير الأوضاع في السودان الآن، مؤكداً أن الشعب وحده هو الذي يقرر من يحكم ومن يكون في أي منصب.

نفت "الحرية والتغيير" أن تكون طرفاً في أي مفاوضات جرت في الإمارات أو في أي مكان آخر

وفي السياق، أكد المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين مهند مصطفى، لـ"العربي الجديد"، رفض التجمع ولجان المقاومة "فكرة عودة حمدوك لرئاسة الحكومة، نتيجة انضمامه من خلال اتفاقه مع البرهان في نوفمبر الماضي إلى معسكر الانقلابيين وشرعنة انقلابهم"، مؤكداً أن أي عودة لا تعنيهم في شيء ولا تعني الشارع الذي يواصل يومياً مناهضته للانقلاب من دون توقف حتى إسقاطه.

وأوضح مصطفى أن الميثاق السياسي المقترح من تجمع المهنيين حدد بشكل واضح طريقة اختيار رئيس الوزراء بعد سقوط الانقلاب، وذلك عبر قوى الثورة الموقّعة على الميثاق وليس عبر اتفاقات فوقية لا قيمة لها، كما لفت إلى أنّ الميثاق المقترح من لجان المقاومة هو الآخر تقدم كثيراً على ميثاق التجمع، باقتراح تعيين رئيس الوزراء بواسطة المجلس التشريعي الثوري الذي تشكله القوى المناهضة للانقلاب العسكري، وسيطرة العسكر.

وبعد الحديث عن ذهاب شخصيات سودانية للإمارات، وطرح اسم نائبة رئيس حزب الأمة القومي وزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق المهدي، وعمر قمر الدين مستشار حمدوك، علمت "العربي الجديد" أن مريم الصادق لم تغادر البلاد في الأيام الماضية مطلقاً، وكذلك عمر قمر الدين، علماً أنّ الأخير لا علاقة له بـ"الحرية والتغيير".

ومن الأسماء الأخرى الوارد ذكرها نصر الدين عبد الباري، وزير العدل في حكومة حمدوك، وهو الوحيد الموجود في الإمارات، لكنه شخصية مستقلة ولا علاقة له بـ"الحرية والتغيير"، مع العلم أنه تم التداول باسمه كمرشح لتولي منصب رئيس الوزراء.

من جهته، قال دبلوماسي مصري سابق، خبير في الشؤون الأفريقية، إن "تعقيدات المشهد السوداني داخلياً، تصعّب أي محاولة للوساطة، في ظل الاستقطاب الحاد في الداخل السوداني، وصراع الهيمنة والمصالح بين عناصر المكون العسكري نفسها من جهة، والصراع على السلطة بين المكونين العسكري والمدني من جهة أخرى".

وأشار إلى "وجود حركات مسلحة كبيرة خارج اتفاقية جوبا للسلام، بالإضافة إلى الانتفاضة الشعبية الواسعة ضد هيمنة العسكر على مقاليد الحكم في البلاد، تضع أي محاولة لأطراف دولية لدعم طرف داخلي ما على حساب الآخر، في خانة الفشل". ورجح المصدر أن "تدفع أبوظبي بشخصية عسكرية جديدة، تسمح بتوافق سياسي داخلي، وذلك مع ضمان ترتيبات ترضي البرهان وحميدتي".
//////////////////////

 

آراء