حرب “الخال”
سارة عيسى
3 September, 2011
3 September, 2011
بعد تأسيس الدفاع الشعبي في عام 90 ليكون البديل العسكري للجيش السوداني سألنا المرحوم محمد طه محمد أحمد عن هوية هذا الجهاز ، وما هو الدور المنوط به ؟؟ كان ذلك في ركن نقاش في جامعة الخرطوم وبالتحديد في المنطقة الفاصلة بين مبنى البريد وبيت القزاز في ذلك الوقت ، لم يتلعثم المرحوم محمد طه في طرح الإجابة حيث قال: نريد تحرير الحبشة !!! ، وبعد ذلك التاريخ حدثت تغييرات مهمة في القارة الافريقية أعتبرتها حكومة الإنقاذ جزء من تحقيق حلمها ، فأستغل نظام الإنقاذ سقوط نظام مانغستو هايلي مريام في أديس أببا وحقق بعض الإنتصارات النسبية على الحركة الشعبية لتحرير السودان ، لكن شهر العسل بين حكومة الإنقاذ ونظامي التيغراي في كل من أديس أببا وأسمرة لم يدم طويلاً ، والسبب لأن نظام الإنقاذ كان يتبنى خط الحركات الإسلامية المناوئة لهذه الأنظمة ، فهذا التوجه جعل هذه الدول تقف مع الحركة الشعبية من جديد ، فأتسعت بؤرة القتال في السودان لتشمل البحر الأحمر والنيل الأزرق .
فقد كانت حروب الشمال في السابق ضد المهمشين تأخذ شكلاً أيدلوجياً ، حيث يتم تصنيف الحرب بأنها جهاد ضد الكفار والقوى المتربصة بالسودان ، لذلك كانت خطوط القتال واضحة فأندفع الطلاب والمهندسين والأطباء نحو ميادين القتال ، وقد كان الدكتور الترابي هو الاب الروحي لتلك الحرب اللعينة ، لكن من ناحيةٍ أخرى كانت حكومة الإنقاذ في حاجةٍ لهذه الحرب ، فهي كانت تقمع المواطنين في الشمال بحجة إرتمائهم في أحضان الطابور الخامس ، سأل الناس الوزير السابق عبد الرحيم حمدي والذي كان " يوسف " زمانه .. عن السبب الذي تخلت بموجبه الحكومة عن دعم الخبز والسكر والدواء ؟؟ فأجاب لأن فرق السعر ذهب لتحرير الكرمك وقيسان !!! ، ولذلك كانت حكومة الإنقاذ في حاجة لتلك الحرب وقتها حتى لا تلبي حاجات المواطن ، وهي في حاجة لهذه الحرب الآن ، وهي لن تنتظر دورها في طابور الأنظمة العربية المتساقطة ، فهي تريد أن تنتظر القادمين بأزمة جديدة ، خاصة بعد ثبت للناس أن أنظمة قوية مثل نظام القذافي يُمكن أن تسقط دون عناء كبير ، ولا ننسى أن الرئيس البشير أستبق أحدث ليبيا لأن مذكرة القبض بحقه تُعد جاهزة ولا تحتاج لجلسات مجلس الأمن المعقدة .فهم ظاهرياً مع التغيير في ليبيا ولكنهم من الباطن يشعرون أن نظام القذافي مشابه لهم من حيث التركيبة السياسية .
هذا هو الحال في حرب التسعينات ، حرب بين المؤمنين والكافرين ورحلة بحث عن زوجات الحور العين في أرض الجنوب ، اما الحرب اليوم فهي مُستلهمة من عائدات النفط والعنصرية ، وهي حرب زرع بذرتها خال الرئيس البشير الأستاذ/الطيب مصطفى ، فهو مثل " عجوبة " التي تسببت في إنهيار مملكة سوبا ، وهي قصة تحكي عن نجاح إمراة ماكرة في التسبب في سقوط تلك المملكة وذلك عن طريق إغواء قيادات الجيش بواسطة إبنتها الجميلة وجعلهم يفتكون ببعضهم بعضاً وهم يسعون للزواج منها مما تسبب في ضعف دولتهم الأمر الذي جعل الأعداء يتكالبون على سلطانهم والذي أنتهى إلى الزوال ، وهكذا يفعل الطيب مصطفى الآن والذي يدفع بالجميع نحو حافة الحرب والقتال ، وفي أقل من ثلاثة شهور أجتاح الجيش السوداني ثلاثة مدن في مناطق الهامش وفرض سيطرته عليها ، فأجتاح أبيي وكادوقلي والدمازين ، وأصبحت البيانات العسكرية التي يتلوها العقيد الصوارمي خالد سعد مثل نشرة الأخبار الجوية ، حيث تبدأ من الفاشر والجنينة وخور الدليب وكراكير النوبة وأبيي وثم الدمازين والكرمك حالياً ، هذا التسونامي جعل أخت نسيبة – أو الوزيرة سناء حمد – تتدخل وتدلي بدلوها مع الواردين ، ويبدو أننا أمام " هالة المصراتي " الجديدة ، حيث لوحت تلك المذيعة الليبية بمسدسها في وجوه المشاهدين ، نعم ، لقد استولى الجيش السوداني على تلك المناطق بمختلف الحجج ، ويكاد السيناريو يكون متشابهاً حيث يتم تجريد الحاكم من شرعيته وإصدار أمر القبض بحقه ثم تعيين حاكم عسكري على المنطقة بدلاً عنه ، في حالة مالك عقار يبدو هناك بعض الإختلاف لأن مالك عقار حاكم منتخب من قبل المواطنين ، لكن ذلك لم يشفع له عندما حانت ساعة الحسم العسكري ، فهذا كما قال مولانا أبيل الير النكوص عن المواثيق والعهود ، والآن تسيطر حكومة الإنقاذ على مدن الهامش وهي مدفوعة بحمى العنصرية والجهوية ، وهي تستخدم في هذه الحرب مليشيات الدفاع الشعبي ، وقد نتج عن ذلك إنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وتهجير قسري للسكان نحو مناطق غير آمنة ، كما أنهم غير مرحب بهم في الشمال حيث تطلب السلطات منهم التوجه نحو الجنوب .
وما أريد أن أخلص إليه أن حكومة الإنقاذ ترسم صورة مفزعة لمستقبل السودان ، فهي قد نشرت الحرب في كل أرجائه ، فهي تحارب الآن في دارفور وكردفان والنيل الأزرق ، وربما تعمد إلى جر الحركة الشعبية في جوبا لهذا المعترك ، وهي حرب مرتقبة ومؤكد حدوثها ، وهي ليست إلا شهور حتى نسمع الصوارمي وهو يتلو بيانه الأخير ويقول فيه أن قواته تشتبك مع قوات دولة جنوب السودان ، فحجر يرمي به مجنون يرهق مائة عاقل.
سارة عيسي
sara issa <sara_issa_1@yahoo.com>