حروب إسرائيل في السودان وسوريا في لبنان

 


 

 




(1)

في مطلع هذا الأسبوع، كانت أحد التجار السودانيين يقود سيارته في أحد الشوارع عند أطراف مدينة بورتسودان الساحلية حينما تفجرت السيارة واشتعلت فيها النيران، مما أدى إلى وفاة الرجل في الحال. وحتى قبل إجراء أي تحقيق في الحادث، كان الاستنتاج المتداول هو أن السيارة تعرضت لقصف صاروخي، وأن الفاعل هو بلاشك إسرائيل. ذلك أن هذه كانت المرة الثالثة (أو الخامسة في رواية أخرى) التي تتعرض فيها سيارات في هذه المنطقة خلال السنوات القليلية الماضية إلى قصف من النوع الذي ظلت غزة وبعض مناطق اليمن وأفغانستان وباكستان تتعرض له بوتيرة أكبر.


(2)

في أبريل من العام الماضي، أصابت صواريخ مجهولة المصدر سيارة في نفس المنطقة (طريق المطار القديم)، مما أدى إلى مقتل شخصين بداخلها. وبسرعة سربت مصادر إعلامية (عربية للأسف) على صلة بإسرائيل أن فلسطينياً يعتقد أنه خليفة المبحوح في حماس أصيب بالحادث. ولكن اتضح فيما بعد أن الضحيتين كانا سودانيين ولا علاقة لهما بفلسطين. وقبل ذلك بعامين أصيبت قافلة سيارات (اتضح فيما بعد أنها كانت تحمل لاجئين من الصومال واثيوبيا) وقتل العشرات من ركابها. وقد تحدثت مصادر إسرائيلية وقتها عن استهداف مهربي أسلحة. وفي ديسمبر 2011، أوردت مصادر إسرائيل أنباء عن هجومين استهدفا ثلاث سيارات في شرق السودان، ولكن المصادر السودانية لم تؤكد الخبر.


(3)

هذه الهجمات هي أعمال إرهابية بأي تعريف شئنا. وهي فوق ذلك تكشف مشكلتين متعاظمتين تواجههما إسرائيل. الأولى أن مصادرها الاستخبارية أظهرت هبوطاً كبيراً في مستواها، حيث أن الهدف في الحالتين السابقتين لم يكن هو الذي حددته التسريبات الإسرائيلية. أما الثانية فهي أن إسرائيل تواجه مصادر تهديد متعاظمة ومتوسعة لأمنها إن صحت مزاعمها. فبينما كانت في السابق تقاتل في لبنان وغزة، نجدها الآن تنقل معاركها إلى سيناء والخليج وإيران والقرن الافريقي. فما هي يا ترى الوجهة القادمة؟


(4)

وبذكر تصدير المشاكل فإن لبنان المجاور شهد في نفس الأسبوع تصاعداً للاضطرابات، ومقتل أحد كبار مشايخ السنة هناك، وذلك بعد يومين من اتهام سفير سوريا في الأمم المتحدة لبنان بأنه "يصدر الإرهاب" إلى سوريا، وبعد اربعة أيام من تهديد الأسد المبطن في مقابلة مع التلفزيون الروسي بتصدير المشاكل إلى الدول التي اتهمها بتصدير الفوضى إلى سوريا. ويبدو أن الرجل إذا قال فعل، ولكن فقط حين يتعلق الأمر بفعل الشر.


(5)

بالمقابل، وفي نفس الأسبوع، كان قادة حلف الأطلسي يأتمرون في مدينة شيكاغو الأمريكية حول أسرع الطرق للانعتاق من مستنقع أفغانستان. وقد كان قادة أمريكا وبريطانيا وحلفائهما سارعوا قبل عشر سنوات إلى غزو أفغانستان باعتبارها فاتحة "الحرب على الإرهاب"، وثنوا في عام 2003 بغزو العراق تحت نفس اللافتة. وقد بلغ الأمر أن أحد الوزراء البريطانيين وصف أفغانستان بأنها بمثابة "مرتفعات دوفر"، في إشارة إلى حدود بريطانيا الجنوبية. ولكن بعد زوال الغشاوة، أدرك الجميع أن بريطانيا هي بريطانيا، وأفغانستان هي أفغانستان، وكذلك العراق.

(6)

كما هو معروف فإن سوريا كانت بدورها قد مدت أذرعها الأخطبوطية إلى لبنان، واخترقت الساحة الفلسطينية، وتحالفت مع إيران ضد العراق، قبل أن تدعم "المقاومة" في العراق لحاجة في نفس بشار، ليس لأنها تحب المقاومة، فقد حارب جندها مع أمريكا من قبل ضد العراق لقاء أجر معلوم، وشر المقاتلين المرتزقة. ولكن امبراطورية الارتزاق والإرهاب هذه انهارت انهيار الاقتصاد اليوناني والبنوك الأمريكية، فانسحبت سوريا من لبنان، وخسرت حلفاءها الفلسطينيين وبلغ بها الأمر أن أصبحت تعتمد على الحكومة العراقية، عدو الأمس، في بقاء نظامها.


(7)

الدرس من كل هذا هو أن سياسة الهرب إلى الأمام التي تنتهجها إسرائيل ستواجه في نهاية المطاف انهياراً مدوياً كما حدث لسياسات التوسع الأطلسي والسوري، ولكن ربما بصورة مأساوية أكثر. ولعل خطيئة شن الحرب على إيران ستكون هي العلامة الفارقة التي ستعلن ارتداد التوسع الإسرائيلي على ذاته بصورة مدمرة لا يمكن تصور أبعادها حالياً.


(8)

هناك مع ذلك علامة استفهام كبرى حول تضاريس حرب المخابرات الدائرة رحاها حالياً في شرق السودان، والتي يبدو أن المخابرات السودانية كانت فيها دائماً آخر من يعلم. على سبيل المثال نجد أن خبر قصف قافلة اللاجئين في يناير 2009 جاء من وسائل إعلامية من خارج السودان، بينما لم تصدر الحكومة السودانية أي بيان رسمي حول المسألة التي ما زال الغموض يلفها. وحتى اليوم فإن السلطات لم تقدم للرأي العام أي معلومات شافية حول ملابسات أي من الهجمات وهوية المستهدفين في الهجمات السابقة.


(9)

كان لإسرائيل توغل استخباراتي قديم في شأن السودان، كان الحكم عنه غافلاً في غالب الأحيان، كما حدث حين أنشأت المخابرات الإسرائيلية منتجع "عروس" السياحي على ساحل البحر الأحمر في مطلع الثمانينات تحت غطاء شركة بلجيكية واستخدمته قاعدة لعملية ترحيل الفلاشا. وفي وقتها أنشأت إسرائيل مدرجات لهبوط الطائرات، وكانت ترحل مئات اللاجئين كل يوم والحكومة في غفلة تامة عن كل ذلك. وربما لو أن جهاز المخابرات أنفق اليوم وقتاً أقل في مطاردة المواطنين الشرفاء من صحفيين وناشطي حقوق إنسان، ووقتاً أكبر في تعقب عملاء إسرائيل (ولا نستبعد أن يكون بعضهم داخل الجهاز نفسه) فإن الأمن الوطني قد يتعزز أكثر.

Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]
////////////////

 

آراء