حزب الأمة بريء مما يؤفكون!
umsalsadig@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
حول اللقاء مرة أخرى
حمل لنا النعاة أول هذا الاسبوع وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الحبيب المجاهد تيراب تندل فالعزاء موصول لأسرته الصغيرة ولكيانه الديني والسياسي وللحبيب الامام الصادق المهدي ونعزي أنفسنا على هذا الفقد الجلل لرجل هو من جماعة قدمت وما استبقت شيئا وقد فاتته الشهادة مع اختياره التضحية بالنفس للدين وللوطن مرات ومرات (فروحه سايمها وجلده موسم إلا الأجل ما تم) أما وقد تم الآن فليتقبله الله في السابقين ورثة جنة النعيم و لا نقول إلا ما يرضي ربنا "وإنا لله وإنا إليه راجعون" .
دار جدل كثيف في الاسبوع الماضي حول لقاء الفريق البرهان لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتينياهو وهو اللقاء الذي برره البرهان بضرورات أمنية من أجل السودان.
كنا قد تناولنا هذا اللقاء في عجالة الاسبوع الماضي ناصحنا فيها الفريق البرهان مثلما أمرنا ديننا الحنيف حرصا علينا من مصير من أهلك من قبلنا حيث " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه" المائدة آية 79، وناصحناه بما حتّمه علينا حرصنا على نجاح ثورة ديسمبر المجيدة لتعبر بنا نحو (سودان جديد).
فنجاح الحكومة الانتقالية يعني نجاح الثورة ومن ألزم لوازم هذا النجاح علاقة متناغمة بين طرفي المعادلة المدني والعسكري خاصة وأن مركب الانتقالية قد سارت بنا متهادية حتى تاريخه برغم سيرنا في بحر متلاطم الأمواج ووجود من يتربصون بنا الدوائر وينتظرون الهفوات بل يصطنعونها عنوة. وهو طريق حرص طرفاه - مثلما يشهد المراقبون على التناغم والتوازن ..
لذلك عبنا على الفريق البرهان إثارة مواطن التنازع والجدل الآن بلا مسوغ مقنع في اعتقادي، فعلاقة مع اسرائيل ستفتح علينا صندوق باندورا بما تثيره من عداءات ضدنا وبما تكشفه من تناقضات إذ كيف تقوم حكومة تكونت بأمر ثورة ثائرة على الظلم بالتحالف أو التطبيع مع حكومة مغتصبة ظالمة لآخرين ومنتزعة لحقوقهم؟ إضافة لما سبق ذكره الاسبوع الماضي من أن الفعل نفسه خارج تكليف الحكومة الانتقالية المحددة الأهداف والمهام مما يعني حرفيا: ليس مخولا لحكام الانتقالية تجاوز هذا السقف مهما كانت الأسباب المتصورة .. و الالتزام بهذا ضروري ومن ضمانات نجاح الانتقالية.
ما دعانا للكتابة حول ذات الموضوع هذا الاسبوع أيضا برغم عدم اتضاح الصورة كاملة حتى اليوم المبررات التي ساقها المؤيدون للقاء البرهان/نتانياهو في طريق التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني.
مثالا على ذلك (برنامج قناة الخرطوم المسمى لقاء خاص الذي يقدمه الصحفي جمال عنقرة) -
ومن تلك المبررات التي ذكرها هؤلاء المؤيدون والحجج التي ساقوها تبريرا للقاء- في اللقاء المذكور وفي غيره، أن هذا اللقاء ليس بدعا في تاريخ العلاقات السودانية الاسرائيلية فقد بدأه حزب الأمة في الخمسينات وطفقوا يعيدون مقالا لدكتور محمود محارب الفلسطيني المقيم في اسرائيل الذي يقول أن مقاله مبني على ما رشح من الوثائق الاسرائيلية في تلك الفترة .
تناولت الحبيبة رباح الصادق هذا الزعم لمحارب عبر ست مقالات منشورة في الانترنت منذ العام 2011 وهو العام الذي نشرت فيه صحيفة السوداني مقال محارب الموسوم (التدخل الاسرائيلي في السودان) يونيو 2011 بشكل يعطي انطباعا تاما بتبني الصحيفة للأفكار الواردة في المقال .
فندت رباح ادعاءات محارب بتتبع دقيق وكشفت كذبه في عدد من الوقائع والأحداث ومما ذكرته على سبيل المثال:
الفترة التي أرخ لها محارب لتدشين اول لقاء مع حزب الأمة من 1953 حتى 1955 لم يكن فيها بن غوريون صاحب رؤية حصار مصر بالسودان رئيسا لاسرائيل -ومن الغريب أن يتم مثل هذا اللقاء في غياب صاحب الفكرة، ومع ذلك أصر محارب على إقحام اسمه مما يعني أن ذكر بن غوريون برمزيته كمؤسس لدولة اسرائيل أتى من قبيل الحشو غير المفيد وعلى سبيل الإثارة ولإضفاء زخم وتضخيم للقاء دون طائل .
تحدث في مقاله عن ثورة 23 يوليو المصرية كأنها كانت منذ بدايتها بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر بينما معلوم أن عبد الناصر لم يتسنم قيادتها الا في 1954.
وصف حزب الأمة بأنه في عداء متصل مع مصر والمتتبع لعلاقة حزب الأمة مع مصر ومنشوراته وأقوال قادته يعرف أن هذا كذب بيّن لا ينبغي أن ينطلي على من يدعي أنه مؤرخ.
ذكر أن رئيس حزب الأمة قام بزيارة مصر في اطار أزمة السويس في 1956 بصحبة رئيس البرلمان السيد محمد صالح الشنقيطي بحجة مهادنة مصر ابان الانتخابات وأن الشنقيطي قابل مسئولا اسرائيليا في جنيف وأبلغه بما دار مع عبد الناصر...لم يزر السيد الصديق مصر في هذه الفترة ولا أي قيادي في حزب الأمة يحمل اسم المهدي أو غيره كما أن رئيس البرلمان في الفترة التي حددها محارب لم يكن الشنقيطي انما كان مولانا بابكر عوض الله ولم تكن الانتخابات ذاتها قريبة وهو السبب المذكور للزيارة مثلما زعم (المحارب) فقد أجريت بعد ذلك بسنتين في 1958.
قدم محمد احمد عمر كنائب للأمين العام لحزب الأمة في تلك الفترة بينما هو أصلا بلا صفة معينة في حزب الأمة .
زعم أن الامام عبد الرحمن قد زار اسرائيل وهو ما فنده الدكتور احمد ابو شوك في مقال منشور ضمن ثلاثية (السودان: السلطة والتراث) وأثبت فيه أن من زار اسرائيل هو محمد احمد عمر الرجل المثير للجدل!
أخطأ في ركونه على جانب واحد من الصورة هو الوثائق الاسرائيلية دون اعتبار لشهادات سودانية رصينة وموضوعية..
ثم طعنت رباح في شهادة محمد احمد عمر نفسه وهو رجل قلب متنقل بين الأحزاب أنشأ عام 1952 (حزب السودان) الداعي للدومينيون مع بريطانيا، الحزب الذي لم يكن له وجود على الأرض لكن بسبب عمل رئيسه الدعائي اكتسب شهرة واسعة..
المبلغ الذي ذكره محارب كقرض- تقرأ رشوة لحزب الأمة ووصفه بأنه كبير على اسرائيل مثّل 15% فقط من قيمة انتاج الدائرة! (من رغب في الاستزادة توجد المقالات على الشبكة العنكبوتية) فإن صدقنا هذا الزعم فكيف يصعب على دولة الكيان الصهيوني توفير مثل هذا المبلغ لخدمة سياسة لتثبيت أركانها في المنطقة؟ وكيف لحزب بقامة حزب الأمة أن يلغ في هذا السقوط مقابل هذا المبلغ الزهيد الذي مثل 15% فقط من قيمة انتاج قطن الدائرة التي أنشأها مؤسسها أساسا لخدمة استقلال السودان موجها ابنه ومدير أعماله الصديق بأن لا يجيبه بأنه لا يوجد مال للقضية الوطنية ولو يباع البيت الذي يسكنه.
ثم تسائلت رباح- محقة عن غرض السوداني من نشر هذه الترهات بترويج جائر وقد أهملت (علاقات معاصرة مع اسرائيل ) في عام 2011 مع دولة اسرائيل خاصة اذا ما قورنت بمجلة الخرطوم مثلا التي عرضت الأمر دون إثارة ودون أن تتبناه ..
لا شك أن هذا العدد من مخالفة الوقائع يشكك تماما في روايات محارب و في تلك الوثائق الاسرائيلية التي أخذ منها -ان كان نقله أمينا، والتي ربما صيغت بروح تآمرية غير بعيدة عن دولة الكيان الصهيوني التي تريد أن تصنع لها موطيء قدم في جزيرة من العداء المحيط وتريد أن تطمن الراكبين الجدد في ركب التطبيع لستم بدعا من هذا..
وفي ذات الإطار يروج البعض لعلاقة حزب الأمة بدولة الكيان الصهيوني بسبب مصافحة عابرة من الحبيب الامام الصادق لرئيس وزراء اسرائيل السابق شيمون بيريز في مناسبة على هامش قمة نادي مدريد يقول عنها الحبيب (أنه وبينما كانوا في تلك المناسبة في مؤتمر نادي قمة مدريد لفته شخص من الخلف وسلم عليه فمد يده مصافحا) ولا أدري ماذا يمكن أن يكون تصرف الشخص الطبيعي في مثل هذا الموقف مهما بلغ الاستياء ودرجة العداء غير التجاوب مع يد ممدودة ..السؤال هل تحالف حزب الأمة مع دولة الكيان الصهيوني تاريخيا أو بعد تلك المصافحة ؟ بل ان أطروحات المهدي الرافضة للتطبيع مع اسرائيل إلا في إطار حل عادل يفرض على اسرائيل عبر ارادة دولية أطروحات معروفة وهو كثير التنبيه لخطر التطبيع الثنائي أو اللا مشروع ومعارض له منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى اليوم بمثلما ذكر بالأمس القريب في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مطار الجنينة في طريق العودة للخرطوم بعيد لقاء البرهان/ نتانياهو.
ومن المضحكات أن استشهد أحدهم بتصريح للسيد مبارك المهدي في عام 2016 يدعو فيه للتطبيع مع اسرائيل باعتبار أن ذلك موقف حزب الأمة القومي دون أن يطرف له رمش؟!(قناة الخرطوم).
نقول أنه مهما كان من أحداث تم تحريفها بقصد أو عن سوء فهم ، فبثمارها تعرفونها. وفي نهاية يومنا مثلما يقول الخواجات لم تنته هذه اللقاءات أو(الكلامات) الى نتيجة تربط حزب الأمة بدولة الكيان الصهيوني بل على العكس من ذلك فقد ظل حزب الأمة قائد ورائد الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وفي عهوده الديمقراطية حاكما – وعلى سبيل المثال فقط :كان مؤتمر اللاءات الثلاث في خرطوم المحجوب بل ان رئيسه الحالي استقال استقالة مسببة من الاتحاد الاشتراكي بعد شهرين فقط من تعيينه فيه بعيد المصالحة الوطنية لتأييد نميري لزيارة السادات لاسرائيل واتفاقية كامب ديفيد وقد أعلن نميري عن تأييده عبر أجهزة الاعلام ولم يشاور فيها أحدا ..
وظل حزب الأمة قائد ورائد القرار المستقل للسودان وعلى رؤيته تحت شعار "السودان للسودانيين" تحقق استقلال السودان الثاني..
وظل حزب الأمة قائد ورائد الخصوصية السودانية في المظهر وفي المخبر وفي السياسة وفي الأدب وفي النثر وفي الشعر وفي الغناء وفي كل مجال...
كما ذكر مبررو اللقاء من الحجج التاريخية غير ما فندناه من بهتان لحزب الأمة : علاقة مايو باسرائيل وهي علاقة سرية وتآمرية بالكامل فلا يمكنك الاستناد عليها لتبرير مثل هذا اللقاء في سودان اليوم.
و بعد تفنيدنا لمحاججات (ليس بدعا) نتسائل عن ظاهرة ملاحظة وهي أن أنصار النظام المباد والاعلام والاعلاميين الناطقين باسمه والخادمين لهدفه يروجون للتطبيع ويدفعون به دفعا للأمام ثم يسيرون المسيرات المحتجة عليه والتي تزعم مناصرة القضية الفلسطينية: (يداك أوكتا وفوك نفخ)..و تلك هي الفتنة..فعلينا فتح الآذان والعيون والتدبر لإفشالها.
وسلمتم
///////////////////