حزب الأمه…صراع التيارات والمصالح

 


 

 

السابع  فجر خلافاته
 
تقرير: خالد البلوله ازيرق
dolib33@hotmail.com
"لجنة الانتخابات الخاصة بالمؤتمر العام السابع لحزب الأمة القومي، قررت تكوين لجنة من قانونيين للنظر في الطعن الذي تقدم به عدد من أعضاء الهيئة المركزية المنتخبة حديثا حول اجراءات انتخاب الأمين العام للحزب وعضوية الهيئة"، هكذا كانت إحدى نتائج حصاد ما انفض عليه المؤتمر السابع الذي بدلاً من ان يطوي الخلافات بالاسلوب الديمقراطى، فاذا به يفجر الكثير منها، ليشكل المؤتمر السابع نفسه محوراً لخلافات جديده بين قياداته بدأت تدب في جسد الحزب الذي عانى غير القليل منها، خلافات لم تكن هذه المره بفعل الانشقاقات واختلاف السياسيات وانما بفعل التجاوزات الدستورية التى جرت من خلال انتخاب الهيئة المركزية للحزب في مؤتمره السابع.
ولكن يشير كثير من المراقبين لمسيرة حزب الأمه، ان الخلافات التى بدأت تسري وسط اعضاء الحزب بسبب ما اعتبر تجاوزات دستوريه أقرها رئيس الحزب ولجنة المؤتمر العام بإضافه أكثر من "200" عضواً للهيئة المركزيه للمؤتمر العام، وهو الإجراء الذي عده بعض الاعضاء انه تجاوزا لدستور الحزب الذي يمنح الرئيس نسبة "5%" لإضافتها للهئية المركزية، لكن تلك النسبة التى لا تتعدى "30" عضوا للهيئة المركزية المكونه من "600" عضوا اضيف لها "208" عضواً، وهى الاضافة التى بررتها قيادات الحزب في مؤتمرها الصحفي بدار الحزب عقب انتهاء اعمال المؤتمر العام، بأنها لم تكن من صنيع رئيس الحزب وانما أقرتها الهيئة المركزية بكامل عضويتها ولم يعترض عليها أحد، كما أن دستور الحزب لم يحدد عدد الهيئة المركزية للحزب، وأن زيادة اعضاء الهيئة المركزية أملته ضرورة معالجة بعض الخلل في تمثيل الفئات المهنية والنسويه والطلاب، ولكن المناوئون لذلك الاجراء يشيرون الى ان خطأه يكمن في أن الدستور اذا لم يحدد اعضاء الهيئة المركزية ولكن اللوائح اشارت الى نسبة تمثيل الولايات والفئات وبالتالي فإن ما جري يعد خرقاً للوائح لأن فيه اضعاف لنسبة الولايات في التمثيل في الهيئة المركزية. وعقب إنتهاء المؤتمر السابع تباينت ردود الأفعال وتقاطعت في تقييم ماجري في المؤتمر السابع، ففي الوقت الذي أقر فيه عدد من قيادات الحزب بوجود تجاوزات وخروقات لدستور الحزب ولوائحه، ذهبت  قيادات أخري نفي حدوث تجاوزات في المؤتمر، في المؤتمر الصحفي الذي عقب انتهاء اعمال المؤتمر السابع. وفي الثانى من مارس الجاري أقر السيد الصادق المهدى صبيحة انتهاء اعمال المؤتمر في حديثه لصحيفة "الشرق العالمية" بخرق الدستور وبرر الأمر بأنهم إَضطروا لذلك درءاً للغبائن وحفاظاً علي فئات وصفها بالمهمة لدي الحزب. وبعد يوم واحد فقط من حديث الإمام نفي الحزب وقوع أي تجاوزات دستورية من قبل الرئيس أو الهيئة المركزية وقال عبد الرحمن بشارة دوسة نائب رئيس المؤتمر في تصريحات صحفية أن الدستور لم يحدد عدد أعضاء المؤتمر وإن الأمر تم بواسطة اللجنة العليا ومضي عبد الرحمن الغالي في ذات الإتجاه وقال الزيادة لم تتم بقرارات وإنما جائت بطريقة التراضي  والديمقراطية والإحتكام للدستور
وإن بدأت الخلافات حول تجاوزات لدستور الحزب إلا أن منبعها بحسب كثيرون الى خلافات سياسيه حول الرؤي التى يسير بها الحزب، مما نتج عنه بروز تيارين متباينين في الرؤية السياسيه، تشكل ذلك عقب توقيع اتفاق التراضي الوطنى بين حزب الأمه والمؤتمر الوطنى، حيث عارضه كثير من اعضاء الحزب، وقد كان التنافس بين التيارين اكثر وضوحاً في مؤتمر الحزب السابع خاصة على منصب الامين العام.
وكانت تلك الخلافات التى قادت لتشكيل تيارات داخل الحزب تحمل رؤي وأفكار مختلفه تنمو داخل الحزب منذ فترة طويله وليست وليدة المؤتمر السابع الذي شهد خروج جزء من رؤي تلك التيارات وصراعها مع بعضها الى العلن، وهى تيارات تتقاطع وجهات نظرها حول ثلاثه قضايا داخل الحزب ممثلة في التطوير داخل الحزب وحل المسألة السياسيه والمسألة التنظيميه، هذه القضايا الثلاث أفرزت مجموعات مرنة غير ثابته متغيره بنسبة التغيير في المسألة السياسيه "الخط السياسي" وفي المسألة التنظيميه "صلاحية المؤسسات" وفي فكرة التطوير من داخل الحزب، وهى ما قادت للخلاف الحاد الذي ادى لإنقسام الحزب بقيادة مبارك الفاضل المهدى بإسم "الاصلاح والتجديد"، ويقول الاستاذ محمد حسن التعايشي القيادي بحزب القيادي بحزب الأمه لـ"الصحافة" ان انقسام مبارك الفاضل لم يحسم هذه القضايا داخل الحزب، لكن المؤتمر السادس جاء في اجواء الانقسام لذلك اهمل الجدل حول المسائل الثلاث لصالح رد الاعتبار، وقال بعد المؤتمر السادس بدأت تظهر هذه الرؤي المختلفه ولكن هناك سببين جعلا خلاف وجهات النظر لا يكرر نموزج مبارك الفاضل، وهما "كاريزما رئيس الحزب، وصدقية مشروع التغيير وبعده عن المؤثرات الخارجية، واضاف التعايشي ان الخلافات التى نشأت في المؤتمر السابع كانت قبله نتيجة لصراع الرؤي الذي اصبح واضحاً حول المسألة السياسيه في التقارب مع المؤتمر الوطنى والابتعاد عنه، وفي مسألة التطوير كانت حول "الدستور وهيئة الرقابة الشرعيه"، واضاف للاسف كان يمكن ان تخرج الرؤي من المؤتمر السابع بخلافات وليس انقسامات بما في ذلك عدم الاعتراف بنتائج المؤتمر وذلك نتيجة لأخطاء جوهرية حدثت في المؤتمر، طور موقف المجموعات الى معترف أو غير معترف مما عقد الامور، مشيرا الى ان هناك امكانيات للحلول لأن الاختلافات لم تصل نهاياتها، واتوقع بالرجوع للدستور يمكن حل الازمة ولكن اذا استمرينا في تجاهله وعدم اعتباره مرجعية او تجاوزناه سيقود الى نتائج ربما تكون كارثيه".
وفسر كثيرون ما أثير من اضافة اعضاء في الهيئة المركزية لمؤتمر حزب الامه السابع، أنه كان يمكن أن يمر دون ان يثير ما أثار من نقاش واستهامات حولها، لو لا ان تلك الزيادة ارتبطت بشكل وآخر بما جري في انتخاب منصب الأمين العام الجديد الذي ثار حوله كثير من الجدل، ففوز المرشح صديق محمد اسماعيل على منافسه محمد عبد الله الدومة، جعل من تلك الزيادة المقرة من الهيئة المركزية موضع جدل بين أعضاءه، فالجدل الذي دار حول تنصيب الفريق صديق قاد بشكل وآخر الى التشكيك في عملية الاضافة بأنها جاءت مرجحة لكفة الفريق صديق على حساب محمد عبد الله الدومه، الذي تدور التكهنات بأن السيد رئيس الحزب الصادق المهدى لا يتحمس لشغله لذلك المنصب لعداءه الصريح للمؤتمر الوطنى واتفاق التراضي الوطنى، وبالتالى فإن الصادق المهدى كان يسعي لتنصيب شخصية تكون أقرب لرؤاه وخطه السياسي مما جعله يدفع بالفريق صديق محمد اسماعيل الذي شغل في عهد الانقاذ منصب معتمد تلس. وقد كان التنافس داخل المؤتمر السابع للسيطرة على الامانة العامه لحزب الأمه تظلله المواقف السياسيه للتيارات المتناوئه داخل الحزب، والتى انقسمت الى تيارين، التيار الأول بحسب متابعين للمؤتمر السابع يحظى برعاية رئيس الحزب ويصنف بأنه يدعو لتقارب اكثر مع حزب المؤتمر الوطني ويساند تطوير التراضي الوطني، وتيار آخر يرفض التقارب مع الوطني، لذلك فإن الفريق صديق محمد اسماعيل مثل رمزية للتيار الداعي لاستمرار الحوار والتقارب مع الوطني، فيما مثل منافسه محمد عبد الله الدومة المحامي تيار مناهضة التقارب مع الوطني، أما د.ابراهيم الامين فاعتبره البعض يمثل تياراً يعتبر أن الانتخاب لتولي المناصب القيادية بالحزب ليست محاصصات على اسس جهوية وهو الدافع الاساسي لترشحه لمنصب الامين العام. ولكن الاستاذ محمد عبد الله الدومة القيادي بحزب الامه واحد المرشحين لمنصب الامين العام قال لـ"الصحافة" ان الصراع كان صراع مفاهيم وليس تقاطع اجندة بين القيادات، لأن هناك تيار وصل لقناعة أن الحزب محتاج لتطوير في الخط السياسي والعمل كذلك لأن كثير من الشخصيات تتولى المناصب بدون مقدرات ومؤهلات لإدارة الفعل السياسي داخل الحزب، قال نحن نري انه لابد ان يكون هناك تطوير وتحديث للحزب ومفاهيمه، واضاف نحن نري ان الحزب من مصلحته ان يعمل لمصلحته أولاً، وأن الاقتراب من الآخرين بصورة تهز من قناعتنا مرفوض لأننا لا يمكن ان نجرب المجرب في اشارة لاتفاق التراضي الوطنى الموقع بين حزب الأمه والمؤتمر الوطنى، وقال محتاجين في هذه الفترة أن نأتى بفكرة جديده لمصلحة السودان وليس بناء التحالفات مع القوي السياسيه التى خبرناها كثيراً. وحول معالجة الازمة القائمة في الحزب قال ان المعالجات الى حد كبير تترتب على تصحيح الاخطأ التى حدثت، مشيرا الى انه حدثت تجاوزات ومعالجة هذه التجاوزات يتوقف على رئيس الحزب ونظرته للأشياء، واضاف يمكن معالجتها ولكن خلاف ذلك لن تحل اطلاقاً.
وهى الخلافات التى تفجرت في يوم الاربعاء المنصرم من جديد بعد أن هدأت قليلا بعيد انفضاض المؤتمر العام،  اثر اعلان عدد كبير من اعضاء اللجنة العليا لاعداد المؤتمر العام الاخير، عدم اعترافهم بالامين العام الجديد الفريق صديق محمد اسماعيل. مما أدى لفشل اجتماعا للجنة الانتخابات بعد ان اقدم اكثر من نصف الاعضاء على الانسحاب على خلفية طلب الجهة الداعية اضافة 256 عضوا للهيئة المركزية.
ولم تقف خلافات الحزب حول تياراته المتصارعه في القيادة فقد انتقلت تلك الخلافات الى مستوى القطاعات ما ينذر بحالة عدم استقرار يشهدها الحزب في مسيرته، فقد شهد القطاع الطلابي للحزب صراعات ونزاعات بين قيادات طلابية،  كان أبرزها بجامعة الخرطوم التي وقعت فيها مفاصلة بين المتنازعين افرزت مجموعتين للحزب بالجامعة خلال انتخابات اتحاد طلاب الجامعة الاخيرة، واثر هذا الصراع على عقد مؤتمر الطلاب لتصعيد واختيار مناديبهم، مما جعل لجنة المؤتمر العام بحسب عبد الرحمن الغالي في مؤتمر صحفي انهم كانوا امام خيارين قبل يومين من انطلاقة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إما عقد مؤتمر الطلاب باستبعاد طلاب الجامعة أو التوصل لحل مقبول لضمان تمثيل الجامعة، والتي تكللت بالتوصل لصيغة مقبولة للطرفين المختلفين بالجامعة بتمثيلهم في المؤتمر العام السابع.  
وفاقم من تلك الصراعات ما شهده المؤتمر السابع للحزب من احداث شكلت وأبرزت حالة الاختلاف التى تعتري قياداته، فقد سجل المؤتمر حالات تفلتات كبيره اثناء المداولات ولكنها كانت تندلع وتنطفئ خارج سرادق المؤتمر، إلا أن تعرض المهندس مادبو ادم مادبو نجل نائب رئيس الحزب للاعتداء والضرب من قبل جماعة جيش الأمة وهي الجهة المنوط بها تأمين المؤتمر، ويفسر المراقبين أن هذا الاعتداء نتج كرد فعل لتصريحات ادلى بها مادبو الابن لوسائل الإعلام يرفض فيها ترشيح الفريق صديق محمد اسماعيل لمنصب الأمين العام ووصفه بعدم الكفاءة وموالاته لنظام الانقاذ في أول عهده حيث شغل الأخير منصب معتمد بأحد ولايات دارفور. لتتزامن معها في نفس اليوم حادثة منع رئيس المكتب السياسي للحزب حامد محمد حامد من الدخول إلي أرض المؤتمر علي خلفية مواقفه من المتفلتين من بعض أعضاء جيش الأمة لتلقي بظلال كثيفة من التساؤلات بين حضور المؤتمر.
المؤتمر السابع لحزب الأمه طوى صحائفه قبل اسبوعين، تاركاً من وراءه كثير من الخلافات التى بدأت تسري في جسد الحزب نتيجة اختلافات حول حدوث تجاوات في المؤتمر العام السابع، فهل تفلح مؤسسات الحزب ودستوره تبيان الحقيقه وبالتالي اسكات الاصوات التى علت بحدوث تجاوزات، أم أنها ستفشل في ذلك وتترك ابواب الحزب مشرعة لمزيد من الاختلاف والاحتقان  الذي ربما يقود لمزيد من الاختلاف والتشظي.

 

آراء