حزب المؤتمر الوطني ونُذر الإنفصال …. بقلم: سارة عيسى

 


 

سارة عيسى
1 June, 2009

 

 

    لم يكن حزب المؤتمر الوطني محظوراً في الجنوب ، ففي الفترة ما بين أغسطس 1990 وحتى يوليو من عام 2005 كان يُطلق على مدينة جوبا " سايغون " السودان ، فقد كانت ممتلئة بأكثر من مليون – على ذمة برنامج ساحات الفداء – من القوات الأمنية من جيش وشرطة ودفاع شعبي ، كانت القوافل من الخرطوم تتحرك نحو الجنوب ، ليس من أجل بناء المدارس وتشييد المستشفيات ، بل كانت تتحرك من أجل نشر المشروع الحضاري الخاص بالجبهة الإسلامية ، لن ننسى شعارات مثل : أن يعد للدين مجده أو تُرق كل الدماء ، حتى المهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات الذين لقوا حتفهم في جنوب السودان كانوا في رحلة حرب أما البعد الإنساني ونشر قيم الخير والسلام لم تكن متاحة ، في أيام الحرب كان مجتمع الإنقاذ هناك معزولاً عن بيئة الجنوبيين ، فهو خليط من التجار والعساكر وصائدي الفرص ، وعندما رحلت قوات البشير من هناك تركت الحال كما هو عليه ، تركت الجنوب بلا مدارس أو صحة ،  بل في حقيقة الأمر أنها بعجالة سلمته  للحركة الشعبية ولم تكترث لمستقبل الدولة المدنية في جنوب السودان ، إتفاقية نيفاشا ركزت على آلية تقاسم عوائد النفط ، أما الحريات والديمقراطية والمجتمع المدني قد  تم إعتبارها قضايا ثانوية وغير محكومة بسقف زمني ، لذلك أقول أن حزب المؤتمر الوطني منذ بداية الأمر حظر نفسه في جنوب السودان وكان زاهداً فيه وليس كما زعم أن الحركة الشعبية هي السبب، ثورة الغضب الأخيرة مردها إلى تمدد الحركة الشعبية سياسياً في الشمال ، فالناس يأتون إليها ولكنها لا تذهب إلى الناس ، وهي لا توفر المغريات لجذب منتسبيها بل هي تلزم أعضائها بدفع المساهمة المالية ،على العكس تماماً من حزب المؤتمر الوطني الذي يذهب إلى الناس وينثر المال والوعود ، و كما قالها الرئيس النميري : أن إتفاقية أديس أببا ليست إنجيلاً أو قرآناً فقد قالها أيضاً الرئيس البشير في مقر حزبه ، أنه سوف يحظر الحركة الشعبية في الشمال ، وأقتبس مقولة حمورابي الشهيرة : العين بالعين والسن ، وخطورة هذا القول المأثور أن الحركة الشعبية قد ترد على ذلك بضرورة عدم تقاسم عوائد النفط لأن 90%  من الحقول تقع في الجنوب ،  وقد تجاهل الرئيس البشير أنه بحكم موقعه القومي ليس عليه التخلي عن الجنوب حتى ولو قررت الحركة الشعبية ذلك ، لكن الرئيس البشير أراد توسيع الإنشطار في الدولة السودانية ، فالحظر في الجنوب يقابله حظر في الشمال ، إذاً نحن أمام النموذج الفلسطيني لمحمود عباس وإسماعيل هنية  ، نحن أمام مشروع الدولتين قبل إجراء الإستفتاء على الإنفصال ، ولا أظن أن الشمال ينعم بالحريات المناسبة كما زعم الرئيس البشير  والدليل على ذلك حرب دارفور ، غير كل ذلك أن جهاز المخابرات هو الذي يتولى مهمة الرقابة على الصحف ومصادرة الحريات ، وقد تعرض الأخ ياسر عرمان لتهديد داخل قبة البرلمان ، وبلغ الأمر إلى درجة تفخيخ مكتبه ، ولا ننسى أن مقرات الحركة الشعبية كانت عرضة لغارات وزارة الداخلية في زمن بروفيسور الزبير طه ، والشيء المحير هو لماذا أختار الرئيس البشير مصادمة الحركة الشعبية في نفس الوقت الذي يواجه فيه المحكمة الدولية ، وحكومة الإنقاذ تراهن على الحل السياسي لأزمة دارفور من أجل الخروج من هذا المأزق ، لكنها الآن تضع نفسها أمام ثلاثة أزمات هي دارفور والجنوب والمحكمة الدولية ، وهي مشغولة بالكسب الإنتخابي لكنها غير مهتمة  بالحرب الشرسة التي تدور بين قبيلتي المسيرية والرزيقات ، ولا تملك جيشاً لوقف هذا النوع بل زجت برجال شرطة الإحتياطي المركزي الأبرياء لمواجهة قبائل أصبح سلاحها بفضل الإنقاذ أفضل من سلاح الدولة ، أتمنى أن تكون تصريحات الرئيس البشير في مقر حزب المؤتمر الوطني نابعة عن الغضب والإنفعال كما يحدث دائماً عندما تأتي سيرة أوكامبو .

 

سارة عيسي

 sara_issa_1@yahoo.com

 

آراء