حسناً وبكل وضوح !!

 


 

هيثم الفضل
14 September, 2022

 

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
حسناً علينا بكل وضوح أن نقول من (حقنا) رفض الدولة الدينية التي تلغي وجود الآخر ولا تعترف به ، ولكن في ذات الوقت ليس من (حقنا) أن نرفض الذين يؤمنون بالدولة الدينية كطرح منهجي ، ويعتبرون برنامجها السياسي وسيلة للإستقرار والرفاهية والسلام وإستتباب العدالة ، وهذا في حد ذاته مانسميه (ديموقراطية) و(حرية) ، ونُطلق عليه في (نشوة) الهُتاف في المنابر (فضيلة الإعتراف بالآخر) وحقهِ في إعتناق ما يشاء من الأفكار ، بل والتنافس (معنا) لحصاد تأييد المجتمع لأفكاره وقناعاته وبرامجه عبر كافة الطرق الديموقراطية الشرعية كالإنتخابات والإستفتاءات وغيرها من السُبل المعروفة والمتداولة ، يجب علينا كداعمين للمسار الديموقراطي أن نُقرَ ونعترف بإيماننا بما سبق ذكره من مباديء ، بغض النظر عن تفاصيل الأحداث التي واكبت واقعنا السياسي في الماضي والحاضر ، لأن الإبتلاءات والشدائد التي يكتبها الله على عباده ، لا تصلح أن تكون مُبرِّراً أو مدعاةً للكُفر والإلحاد ومُعاداة الرب ، فالإيمان بالديموقراطية والحريات (يستوجب) على المُنخرطين في مِحرابه أن يُصارعوا الأفكار والمناهج وليس الشخوص ومعتقداتهم التي يؤمنون بها ويتبَّنونها كعقيدة أو منهج.
الإخوان المسلمون في السودان مثَّلوا عبر صيغ (ركيكة) وبرامج سياسية (إقصائية) وموغِلة في الفساد وتجاوز الدستور والقانون ، ركب المؤيِّدين للدولة الدينية على مدى سنوات عديدة من تاريخ السودان السياسي الحديث ، وأثبتت التجارب والوقائع المُتعدِّدة في حراكهم السياسي مع منافسيهم أنهم لا يؤمنون بمبدأ الإعتراف بالآخر وحقه في التعبير عن ذاته العقدية والثقافية والسياسية بالقدر الذي يُشبع في وجدانه غريزة المواطنة والإحساس بالإنتماء التاريخي لهذا الوطن المُتعدِّد الأعراق والثقافات ، لكنهم رغماً عن ذلك لا يوردون (نقيصتهم) هذه في وثائقهم الشارحة لفكرهم ومنهجهم حول إدارة الدولة الدينية ، بل أن معظمهم يُسقط سوءات تجاربهم في مضمار الحراك السياسي السوداني إلى مغبة (التطبيق الخاطيء لفكرة صحيحة وصائبة) ، لكل ذلك إذا أردنا محاكمة منهج وفكرة الدولة الدينية (كمواثيق) مكتوبة لن نجد فيها ما يشير من قريب ولا بعيد إلى سوءة عدم الإعتراف بالآخر أو محاولة إضطهاده أو (العُلو) عليه لمجرد إنتمائه إلى تيار فكري أو سياسي آخر ، هذا ما يُفسِّر مُناداتنا بالإهتمام بمحاسبة (الأشخاص) الذين تورَّطوا بالأشهاد والأدلة في التعَّدي على الدستور والقانون (ليس لأنهم إخوان مسلمون) بقدر ما لأنهم مُجرَّد مخالفين للقانون بإسم منهج أو فكرة (وثائقياً) تتبرأ من ما إقترفوه من جرائم ، وتًعلن إستعدادها للتنافس الديموقراطي الإنتخابي النزيه مع مُنافسيها وفق مبدأ الإعتراف بالآخر وحقهُ في منافستها ومقارعتها بما يقرهُ القانون والدستور.
المباديء والقيَّم الديموقراطية لن تسمح لنا إذا كنا بالفعل مُجرَّدين من سوءة (الإنتقام) ، بحرمان أيي (شخص) لم يثبت تورُّطه في مخالفة القانون من (الإعتراف به) وبحقه في المنافسة بمنهجه وفكره مهما إختلفنا معه وإتفقنا على بغضه ومخاطر سياسات منهجهُ على البلاد والعباد ، علينا أن (نعترف) بعد أن يُحاكم ويحاسب كل من إرتكب جُرما في حق الوطن والمواطن أن تيار الإسلاميين والداعين إلى الدولة الدينية (جناح) أصيل من أجنحة الحراك السياسي السوداني لا يمكن تجاوزهُ بمجرَّد الهُتاف والشعارات الفضفاضة ، وأنه لا مناص للحركة السياسة السودانية من قبولهِ (مستقبلاً) عبر منطق مخطَّطاته الجديدة في باب المراجعات وتصحيح المسارات والعودة إلى جادة الطريق.
لا يُجيز لنا المبدأ الديموقراطي بعد إعمال المحاسبة القانونية (للشخوص) ، مُحاكمة ومحاربة (الأفكاروالمناهج) ومنع وجود التيارات السياسية الداعية للدولة الدينية في الساحة السياسية السودانية ، فإن كان الأمر يتعلَّق (بضمانات) إستمرارية و(ديمومة) بقاء النظام الديموقراطي بعد إرسائه بالدستور ووحدة قوى الثورة ، فذاك أمر يتطلَّب العمل (فقط) على إصلاح المؤسسة العسكرية عبر كافة التفاصيل المؤدية الي تحديد مهامهما المُتعارف عليها بما ينطق به الدستور نأياً بها من (الإختراقات) السياسية التي قد تتورَّط فيها كافة الأحزاب السياسية ، وقد سجَّل التاريخ في هذا المضمار نموذجين أحدهما (لليمين المتطرِّف) والآخر (لليسار المُطرِّف) ، (المؤسسة العسكرية والأحزاب الإنتهازية) هي السلاح إلموجَّه دوماً إلى خاصرة الأنظمة الديموقراطية في السودان ، وليس لإختلاف الأفكار والمناهج والآيدلجيات وتعدُّد الإتجاهات السياسية بما فيهم الداعين إلى قيام دولة دينية في السودان أيي (خطر) على المسار الديموقراطي المنشود في البلاد.

haythamalfadl@gmail.com

 

آراء