حصان دراج وصافرة بريش!!
ضياء الدين بلال
30 May, 2012
30 May, 2012
diaabilalr@gmail.com
لم أنس ملامحه وطريقة مشيته، وحصانه الذي تلتف الأحجبة حول عنقه، صوت حوافره على الأرض يخبر عن أهمية القادم ويبعث رسائل التطمين.
العم دراج شرطي بمدينة المناقل في منتصف السبعينات إلى بداية التسعينات، كان ضمن شرطة السواري الليلية، تقابله عيون الكبار نهاراً بنظرات الإعجاب والاحترام، واسمه في مجالس ليل الأطفال يرتبط بقصص الخيال والأساطير!!
كان بطل شعبي بمواصفات تختلط فيها حكاوي الحبوبات بأفلام الكاوبوي ومغامرات "تشارلز برونسون" وجيفري هانتر!!
وخيال الطفولة ينتج قصصاً مثيرة عن حصان دراج المصفح بمادة حماية باليستية من اختراق الرصاص. وحكاوي عن مطاردات دراج للصوص الليل،كان الخوف الذي يذهب معنا إلى الفراش حزمة هواجس وشريط توقعات بقدوم لصوص الليل،يكفي فقط أن تسمع خَبيب حُصان دراج لتشعر بأنك في أمان، فتنام قرير العين هانئاً.
وفي الخرطوم كانت ابتسامة شرطي المرور العم بريش وصافرته المنغمة على السلم العاشر، تمثل واحدة من مضادات "الزهج النهاري" ونسمة عابرة في ضيافة صيف الخرطوم القائظ،الخرطوم التي قال عنها خبير التبريد الباشمهندس عمر البكري أبوحراز أنها أسخن عاصمة في العالم، بريش بزيه الأبيض الذي ينتهي في آخر النهار للون آخر، كان ينظم حركة المرور في تقاطع القصر بالبلدية وكأنه قائد أوركسترا موسيقية مثل كارايان وريكاردو،صافرته وحدها كانت قادرة على حسم المخالفات دون تحرير عقوبات فورية!!
(دراج وبريش) حضرا لذاكرتي وأنا في طريقي لمقر الاحتياطي المركزي بالكلاكلة لحضور احتفال الشرطة بافتتاح المرحلة الأولى في مشروع (مسكن لكل شرطي).
كثير من المناسبات والدعوات الرسمية نعتذر عن تلبيتها لأن ميقاتها يتعارض مع ساعات نومنا،حيث نقضي كل الليل وبعض الفجر في مطاردة الأخبار وحينما نذهب للفراش لا ننهض منه إلا بعد انتصاف النهار.
ما دفعني للنهوض باكراً والذهاب لاحتفال الشرطة هو إحساسي بسعادة غامرة مردها معرفتي بأن هذا المشروع يستهدف شرائح جنود الشرطة وضباط صفها إخوان وأبناء (دراج وبريش)..محدودي الدخل قليلي الحيلة في ظرف اشتدت فيه وطأة الفقر واتسعت دائرة المسغبة، بعد انفلات الدولار من عقال بنك السودان وتضاؤل الجنيه وانزوائه في قعر الجيب وتطاول أظافر السوق،يأتي مثل هذا المشروع ليرسم بسمة على الوجوه المنهكة ويضئ شمعة أمل في آخر الطريق المظلم.
إن توفير مسكن لشخص محدود الدخل في العاصمة الخرطوم إنما يحمي أسرته ويصونها من بعض أقدار الزمان ونوائبه..فلن تعد ترهبه طرقات المؤجرين على الباب ولا تحرجه زيارة الضيوف وضيق المكان.
لم يكن من العدل أن تنفق أموال الشرطة في العمارات السوامق والأثاث الفخيم لمكاتب الضباط ومنازلهم والجنود وضباط الصف في الإشلاقات وبيوت الإيجار لا تحميهم سقوف منازلهم من عباب أمطار الخريف!!
لم تكن انتقاداتنا السابقة لسلوك الشرطة في قضية جلد فتاة الثورة بسوط العسكري (قدوقدو) وقتل عوضية بت الديم برصاصة ذلك الضابط المتهور وقصة بنطال لبنى وما ترتب عليها من تداعيات إلا حرصاً منا على أن تظل شرطة السودان مصدر لطمأنينة وثقة المواطن و أمينة على تنفيذ القانون، وألا يصبح القانون في يدها (إله حلوى) تأكله عند شعورها بالجوع.
وإشادتنا اليوم بها لأنها فعلت ما تستحق عليه الثناء ونياشين الانجاز.