حصري لفقهاء القانون الدستوري

 


 

 

القرار الانقلابي الذي اتخذه قائد الجيش بحل مجلسي السيادة والوزراء، يعني أن العودة للوراء مستحيلة و(ردة) كما تقول المقولة السائرة بين ركبان الثورة ومواكبها، كيف حصل قائد الجيش على الحق الدستوري في أن يقوم بتنصيب نفسه للمرة الثانية رئيساً للمجلس السيادي؟، من بعد ما انقلب على المجلسين ووصف نفسه بقائد للجيش، المنصب الذي وصفته الوثيقة الدستورية على أنه يتمثل في كامل عضوية المجلس السيادي – بشقيه العسكري والمدني، وكيف اعطى نفسه ذات الحق في أن يعيّن عضوية جديدة بقمة هذا الهرم السيادي؟، وهل يحق للمحلول أن يحل؟ بمعنى، هل هنالك مسوغ قانوني او تفويض دستوري قد منح لقائد انقلاب عسكري عربي او افريقي جعل منه القاضي والحكم في ذات الوقت؟ انظروا للرجل الذي اقسم امامه قائد الجيش كرئيس للمجلس السيادي، فعاد رئيس المجلس السيادي وعيّن الذي ادى القسم امامه رئيساً للقضاء، ما هو التعريف القانوني لمثل هذا الفعل؟، إن من اعظم بلايا الوطن وقوف اساتذة القانون الدستوري والقضاة والمحامين موقف المتفرج.
إنّ عدم استيعاب المعايير المهنية في اروقة دواليب العمل المؤسساتي للدولة، هو القشة التي قصمت ظهر بعير الحكم الرشيد، وهو العقبة الكؤود التي اقعدت البلاد عن النهوض والتقدم والازدهار والرفاه، فهذا الخروج عن ضوابط المهنة بدأ به نظام الحكم البائد عندما اختلق وابتدع في الجانب المالي والاقتصادي ما اسماه التجنيب، واوجد مؤسسات فاسدة موازية لوزارة المالية وحوّل ولاية المال العام ورهنها لهذه المؤسسات الفاسدة، ومن الناحية الأمنية تخلّت المنظومة البائدة عن مؤسستي الجيش والشرطة واستعاضت عنهما بالدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والدعم السريع، واستبدلت الشرطة الأمنية بمنظمة السلامة، واورثت الاستخبارات العسكرية للهيئة الخيرية للقوات المسلحة، واوقفت نشاط الروابط والاتحادات الشبابية الرياضية والثقافية والاجتماعية، ومنحت منظمة شباب الوطن هذا الامتياز بشكل حصري، وحتى نختصر افاعيل النظام البائد ونبسّط تعريف اجراءاته الشاذّة التي قام بها، ما علينا إلّا أن نقول: لقد وضع الحزب البائد المحلول الذي كان حاكماً، السيف بيد الجبان والمال في يد المختلس البخيل.
إنّ كارثة الكوارث قد حلّت ببلادنا الحبيبة عندما تلاعب استاذ القانون الدستوري بالدستور، وهو خريج السوربون واكسفورد وعميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، الدكتور حسن عبد الله الترابي، حينما سمح للعسكر لأن يأخذوه للسجن حبيساً ويذهبوا هم للقصر الرئاسي حكّاماً، وتلك كانت آخر نقطة دم سقطت من عنق المرحوم المقتول غدراً بسيف ابناءه – الدستور والقانون – وكانت بداية النهاية للدولة، وما يحدث اليوم من استهزاء بالمؤسسات العدلية واسترخاص للدواوين القضائية، ما هو الا امتداد لما اقدم عليه استاذ القانون الدستوري الراحل، الذي وضع اللبنات الاولى لدساتير بلدان ترفل اليوم في النعيم البترودولاري، بل وتسعى نفس هذه البلدان لرأب صدع بنياننا المهتريء الذي يعود تاريخ وضع حجر أساس بنيانه لحقب سبقت تكوين هذه البلدان، هكذا عاقبنا ابناؤنا الأبرار الحاصلين على اعلى الاجازات العلمية من ارقى الجامعات العالمية، بفاتورة مدفوعة من دم وعرق جبين المزارع الكادح والراعي المرهق والجندي المهموم والعامل المتعب في المصانع والمزارع، هل هي لعنة الفراعنة؟ أم أننا كابناء لهذه الأرض الودود الولود الحلوب لم نكن بقدر رد الدين وبر الوالدين؟.
استاذ القانون الدستوري الدكتور قيس السعيد رئيس الجمهورية التونسية، وضع النقاط على الحروف عندما علم وتيقن وتأكد من أن الدولة مهددة في وجودها وكيانها، فاستند على المادة الثانية والثمانين من الدستور، وقام باجراء التدابير الحافظة للدولة التونسية من الانهيار، وحماها من الانزلاق والزوال بسبب اختراقات العملاء وتخابر الجواسيس وتآمر الخونة، وعكسْ ما حدث بتونس جرت احداثه في السودان للأسف العميق، فبدلاً من أن يكون رمز السيادة الوطنية لدينا قانونياً خبيراً ودستورياً ضليعاً، جاءنا عسكرياً تزين اكتافه النياشين والدبابير وحدث الذي حدث، فلو كان حادي ركب سفينة الانتقال بدولتنا العريقة قانونياً (صادقاً)، وكان متخصصاً في علوم التشريع ومتشرباً لخصائص مهنة خياطة وحياكة وتفصيل الدساتير، لما حدث الذي حدث، ولما استقبلنا من امرنا ما استدبرنا وركبنا (التونسية) غير مأسوف علينا، لكنها تصاريف الأقدار ومشيئة الواحد الأحد القهّار الذي بشّرنا فقال:(وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون).

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
27 نوفمبر 2021

 

آراء