حظوظ السودان في مجلس حقوق الانسان

 


 

معتصم أقرع
30 September, 2018

 

 


شهدت مدينة جنيف في الأسابيع الثلاث الماضية انعقاد الدورة ٣٩ لمجلس حقوق الإنسان . فشل النظام في الخروج من البند العاشر وانهاء ولاية الخبير المستقل وحصر العلاقة مع المجلس في تلقي المساعدات الفنية وبناء القدرات. وبذا يظل النظام تحت الإجراءات الخاصة كما قد يضاف الي ذلك, بعد التفاوض, افتتاح مكتب لحقوق الإنسان في الخرطوم تابع للمفوض السامي مهمته مراقبة ومتابعة حقوق الانسان بصورة يومية واعداد تقارير عنها .
رغم ان قرارات المجلس الاخيرة ليست سيئة من وجهة نظر المعارضة إلا انها اتت دون طموحات سقفها الاعلي , كما انها اتاحت للنظام الادعاء بان تعادله مكسب وبانه تمكن من احراز نصر دبلوماسي علي المستوي الدولي.
ولكن فهم الحدث في سياقه الصحيح يبدا بملاحظة ان مجلس الامم المتحدة لحقوق الإنسان ليس منظمة خيرية , نموذجية وكاملة الأخلاق. ومن المهم ايضا ملاحظة ان قرارات المجلس لا تصدر من قبل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولا من موظفيها بـل تصدر هذه القرارات من قبل الدول السبع واربعين الأعضاء في المجلس بعد تفاوض وضغوط فيما بينها ليتم تبادل الخيل (تجارة الاصوات) فيما يختص بقضايا اممية عديدة وشاملة ; لا تتعلق بحقوق الانسان فحسب بل تشمل التجارة والمال والاقتصاد والمناخ والسياسة . في سوق تبادل الاصوات الدولي هذا تشكل حقوق الانسان جزءا يسيرا ولكنه مزعج من سلع تبادل الأصوات المعروضة.
ينتخب أعضاء الجمعية العامة للامم المتحدة الأعضاء الذين يشغلون مقاعد مجلس حقوق الإنسان البالغ عددها 47 مقعدًا. مدة كل مقعد ثلاث سنوات ، ولا يجوز لأي عضو شغل مقعد لأكثر من فترتين متتاليتين. يتم توزيع المقاعد بين المجموعات الإقليمية للأمم المتحدة على النحو التالي: 13 لأفريقيا ، و 13 لآسيا ، و 6 لأوروبا الشرقية ، و 8 لأمريكا اللاتينية و الكاريبي وسبعة لأوروبا الغربية ودول أخرى .
في كواليس المجلس تعتمد حكومة السودان علي الدعم الذي يتوفر لها من عضويتها في المجموعة الافريقية والمجموعة العربية وعلاقاتها القوية مع الدول الاسلامية في المجموعة الاسيوية. كما تستفيد من تحالفاتها مع الدول المناهضة للهيمنة الغربية والمنافسة لها مثل الصين ورويسا ودول امريكا الجنوبية سواء ان كانت هذه الدول اعضاء في دورة المجلس ام بفضل ذراعها الدبلومسي الطويل.
حاليا تضم عضوية المجلس من افريقيا كل من: أنغولا , بوروندي , ساحل العاج , جمهورية الكونغو الديمقراطية , مصر , إثيوبيا , كينيا , نيجيريا, رواند, السنغال, جنوب افريقيا, توغو و تونس. ايضا تعتمد حكومة السودان في المجلس علي مساندة دول عربية واسلامية مثل قطر , المملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, العراق, أفغانستان, باكستان. في كواليس المجلس تعتمد حكومة السودان علي الدعم الذي يتوفر لها من عضويتها في المجموعة الافريقية والمجموعة العربية وعلاقاتها القوية مع الدول الاسلامية في المجموعة الاسيوية. كما تستفيد من تحالفاتها مع الدول المناهضة للهيمنة الغربية والمنافسة لها مثل الصين ورويسا ودول امريكا الجنوبية سواء ان كانت هذه الدول اعضاء في دورة المجلس ام بفضل ذراعها الدبلومسي الطويل.
. من اهم سمات المجلس هو التصويت ككتلة; اذ ان المجموعات سواء ان كانت جغرافية أو غير ذلك تصوت ككتلة موحدة . فالمجموعات الافريقية أو العربية في كل منظمات الامم المتحدة, مثل كل المجموعات الاخري, تجتمع فيما بينها وتتفاوض وتناقش مواقفها ومصالحها الدولية وتقرر ان تتخذ موقفا موحدا تصوت علي اساسه في كل القضايا التي تهمها سواء كانت هذه القضايا تختص بالتجارة, الاستثمار , المال , أو المناخ أو حقوق الانسان. في كثير من الاحيان يكون الموقف الموحد للدول الافريقية , أو دول الجنوب عموما ,غاية الايجابية ويلعب دورا هاما في التوازن الدولي بـالمحافظة علي ما يمكن المحافظة عليه من مصالح دول الجنوب الاقتصادية والسياسية والتقليل من هيمنة الغرب والدول الغنية علي السياسية الدولية والاقتصاد العالمي. ولكن الوجه الاخر الاقل اشراقا لهذا التضامن الجنوبي يتم التعبير عنه في اروقة مجلس حقوق الانسان , حيث تتواطأ دول الجنوب مع اعضاءها المنتهكين للحقوق في بلدانهم لتحمي بعضها البعض من الانتقاد, واهم من ذلك يتم هذا التضامن في أروقة المجلس كثمن واجب للحفاظ علي الموقف الموحد في ما يختص بقضايا دولية اخري لا علاقة لها بحقوق الانسان بالمعني الضيق ولكنها في غاية الأهمية بما انها تتعلق بالاقتصاد والسياسة والسلاح والمال والتجارة والاستثمار والمناخ.
نجح النظام في استغلال هذا الوضع وسوق لنفسه كدولة معادية للامبريالية والاستكبار الدولي ونجح من تحت هذا القناع في الحصول علي الدعم السياسي والدبلوماسي من دول الاتحاد الافريقي وكل الدول ذات التوجه اليسارى والتي, من منطلقات مبدئية, تعارض الهيمنة الغربية علي فضاءات السياسة والاقتصاد في العالم. كما ان ارتماء المعارضة التام في احضان الغرب وذهولها المتعمد عن الابعاد الاستعمارية الكامنة التي يرتكز عليها الغرب جزئيا في عداءه لنظام البشير قد سهل للنظام في ان يسوق نفسه زورا كقوة معادية للاستعمار الجديد الشيء الذي سهل له من حصد الدعم الافريقي ودعم دول الجنوب في المحافل الدولية , كمجلس حقوق الانسان.
تطرقت في مقالات سابقة لفشل المعارضة في اقناع الدول الاقرب اليها سياسيا وايديلوجيا بالوقوف مع حقوق الانسان السوداني بغض النظر عما اذا كانت هذه الدول اشتراكية ام دول تحكمها احزاب شيوعية ام دول معادية للهيمنة الغربية لاي سبب من الاسباب . وبـذا فشلت المعارضة بكل مكوناتها في تنويع من مصادر السند السياسي الدولي ووضعت كل بيضها في سلة الغرب المعروف بالمصالح المتقلبة والمبادئ عالية المرونة . ونتج عن ارتهان المعارضة السودانية الكامل للغرب مشهد فريد في المحافل الدولية حيث الدول الافريقية والدول التي تحكمها نظم يسارية معادية للاستعمار تقف مع نظام الخرطوم في التصويت. ولكن لا يمكن تفسير تصويت هذه الدول مع النظام علي انه نجاح اختراقي للنظام أو قبول لانتهاكاته لحقوق الانسان ولا هو بشهادة حسن سير وسلوك له. فهذا التصويت يعبر فقط عن توجهات هذه الدول وطبيعة تحالفاتها الخارجية وتكتلاتها في الفضاء الدولي الساعي للمحافظة علي مصالحها في عالم شديد القسوة والتعقيد.
ذهول بعض اركان المعارضة عن اشكاليات تحالفاتها الخارجية وتعقيدات السياسة الدولية ومناوراتها التي لا تنتهي يقودها احيانا الِي تفاسير سريالية تري ان النجاحات النسبية التي التي حققها النظام تمت عن طريق مقدرته علي رشوة صانعي القرار في عشرات الدول الافريقية , وهذا منطق فيه من الجهل والطفولة بقدر مافيه من الاسىاءة العنصرية والتنميط الذي يري صانع القرار الافريقي كانسان متاح للبيع علي نطاق واسع وبالجملة وعلي اعلي المستويات حتى من قبل دولة اخوانية تشكو من قلة الفئران في مطبخها.
ثم انه رغم ان القرارات الاخيرة لم تستجيب للحد الاعلي لطموحات المعارضة ، إلا انه لا يوجد ما يدعو للقلق حتى لو تم اخرج النظام من بند الاجراءات الخاصة . فقد كان ما يسمى المجتمع الدولي لعقود ضد الحكومة السودانية . ووضع مجلس حقوق الإنسان الحكومة تحت البند الرابع , أحد اشد بنوده قسوة . وفرض المجتمع الدولي عقوبات مؤلمة ضد الحكومة وأضاف الرئيس إلى قائمة الرجال المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك ، لم يتغير شيء ، فلم تهتز الحكومة ، لكن الشعب السوداني دفع ثمناً باهظاً. وهكذا فشل عداء المجتمع الدولي السابق في اضعاف الحكومة ولم يستفد العمل المعارض الحقيقي خردلة. فالصحيح ان حظوظ المعارضة ترتفع او تنهار بناء على جودة عملها الداخلي في اوساط الشعب السوداني أو بناء علي أمراضها الخاصة .فقوة المعارضة الذاتية داخل السودان هي الاهم . فرغم ان دور المجتمع الدولي مهم إلا انه يظل ثانويا في أحسن الاحوال كما انه يحتوي علي مخاطر لا يصح الذهول عنها بما انه ينبع عن دوافع لا علاقة لها بمصالح السودان واهله.
خلاصة القول ان القرارات التي يتخذها مجلس حقوق الانسان لا تعبر عن نجاحات دبلوماسية عميقة للنظام, فهي يمكن تفسيرها كانعكاس لازم لطبيعة مجلس حقوق الانسان , وعضويته , والتصويت الكتلي داخله, والتضامن الجنوبي المهم علي مستوي السياسة العالمية, كما ان القرارات تعبر بدرجة اقل حدة عن فقر الدم الفكري الذي اصاب العمل المعارض , وضعف الوجود الدبلوماسي لهذه المعارضة وتهالك خطابها الداخلي, ولكن كل هذه المشاكل من الممكن تجااوزها أذا ما صح العزم وارتفعت الهمم.

elagraa@gmail.com

 

آراء