حـل البرلمان (السلطة التشريعية) بين النظرية والتطبيق

 


 

 

مقدمة
يعتبر، حل المجالس التشريعية بواسطة السلطة التنفيذية سلاحاً مقابلاً لسلاح سحب أو حجب الثقة عن الوزارة في النظام البرلماني، أو مايعرف بالمسؤولية الوزارية السياسية أمام السلطة التشريعية، ويودي ذلك عملياً لخلق توازن بين الوزارة والسلطة التشريعية، لذلك يعتبر من الإبداعات التي توصل إليها الفكر الدستوري لحماية الأنظمة الدستورية والعمل على إستقرارها وقد إعتنقت الدساتير المختلفة التي تطبق النظام البرلماني مبدأ حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان بوصفه ضرورة أساسية لفن ديناميكية هذا النظام، وتخليصاً للحكومة من ربق السيطرة المطلقة عليها من البرلمان، ووقاية لها من شطط وتعسف البرلمان في إستخدامه لحق سحب الثقة من الوزارة، ويعتبر حق حل البرلمان أخطر الوسائل التي تملكها السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية، إذ يعتبر السلاح المقابل للمسؤولية الوزارية المقررة أمام البرلمان وعلى كليهما يقوم التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتتبدى مظاهر خطورة حق الحل في كونه يؤدى للإنهاء المبتسر للبرلمان قبل حلول الموعد القانوني الطبيعي المحدد لانتهاء وكالته عن الشعب ،ولقد نشأ حق الحل في بريطانيا مهد النظام البرلماني وإنتقل منها إلى بقية الدساتير في الدول التي تبنت النظام البرلماني ، على الرغم من ما أثاره هذا الحق في بداية نشأته من إعتراضات حول مدى ضرورته فلم يمنع ذلك من شيوع الأخذ به، وحق الحل قد يكون وزارياً أي بناء على طلب الوزارة، وذلك في حال نشوب نزاع بينها وبين البرلمان حول موضوع جوهري، كما قد يكون حلاً رئاسياً بناء على رغبة أو طلب رئيس الدولة، يلجأ إليه في حالة قيام خلاف بينه وبين البرلمان، دفاعاً عن أرآئه وسياسته التي يعتقد أنها تتفق مع ميول الشعب ورغباته ،كما أن هنالك أنواع أخري للحل سنتعرض لها في حينها، وبناء على ذلك سوف أتناول في هذا المقال حق حل البرلمان (السلطة التشريعية) في النظام البرلماني من خلال بيان ماهية هذا الحق، وأسبابه وتطبيقاته.

مفهوم حق حل البرلمان:
وفى مفهوم هذا الحق نتطرق إلى تعريف هذا الحق ونشأته وأنواعه وذلك وفقاً للآتى:

أولاً: تعريف حق حل البرلمان:
هنالك عدد من التعريفات لحق الحل نأخذ منها، يُعرف الفقه الدستوري حق الحل بأنه ( إنهاء مدة المجلس النيابي قبل نهاية المدة القانونية المقررة لنيابة هذا المجلس أو أنه ( إنهاء لنيابة المجلس التشريعي قبل النهاية الطبيعية للفصل التشريعي، كما تم تعريفه أيضاً بأنه إنهاء نيابة المجلس التشريعي قبل نهاية الفصل التشريعي أما بناء على طلب الوزارة في حالة نشوب نزاع بينها وبين البرلمان وأما بواسطة رئيس الدولة دفاعا عن سياسته التي يعتقد أنها تتفق مع رغبات الشعب ، وأخيرًا جاء تعريف حق الحل بأنه ( قيام السلطة التنفيذية بإنهاء مدة المجلس النيابي قبل النهاية الطبيعة للفصل التشريعي أى هو الإنهاء المبتسر أو المعجل للفصل التشريعي وهو وسيلة لتحكيم الشعب في النزاع الذي يقع بين الحكومة والبرلمان. ويختلف مفهوم حل البرلمان عن مفهوم تجميده ، الذي ثأر حوله لغط كثيف إثر القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس السعيد مؤخراً ،والتي تتضمن قرار بتجميد دور البرلمان والتي استند فيها على المادة 80 من الدستور التونسي الصادر في العام 2014م،فالتجميد يعني أن البرلمان سيعود لمباشرة نشاطه بعد انتهاء فترة التجميد عكس الحل الذي لا يعود معه أبداً نفس البرلمان لمعاودة نشاطه ولكن حتماً يتم انتخاب برلمان جدي.
وتترتب على هذا التعريفات السابقة لحق الحل عدد من النتائج المهمة نلخصها في الآتي:
1-أن إجراء الحل هو تصرف قانوني بمعنى أن السلطة التنفيذية تلجأ إليه مستندة إلى ماهو مقرر في الدستور أو القانون أو الأعراف والتقاليد السائدة في الدولة وبذلك يخرج عن هذا المفهوم الحل الذي يكون ناتجاً عن إستخدام القوة كالثورة أو الإنقلاب الذي يطيح بنظام الحكم في الدولة.
2- أن حق الحل هو إمتياز تملكه السلطة التنفيذية وحدها مقابل حق البرلمان في إسقاط الوزارة أي أنه الألية المقابلة للمسؤولية السياسية للوزارة أمام البرلمان ،ويترتب على ذلك أن حق الحل لاوجود له إطلاقاً في النظام الرئاسي، فلا يستطيع على سبيل المثال رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية –وهى مهد النظام الرئاسي أن يحل الكونجرس كما أن هذا الأخير لايملك بالمقابل تقرير المسؤولية السياسة للوزراء كما أنه لاوجود لحق الحل أيضاً في نظام حكومة الجمعية لأن البرلمان في هذا النظام هو المهيمن الحقيقي وهو صاحب الكفة الراجحة، فهو وحده الممثل للشعب أو الأمة، أما الحكومة فهي مجرد تابع أو أداة في يد البرلمان وبالتالي لايتصور أن يكون للتابع حق عزل الأصيل، أما النظام المختلط والنموذج المثالي المعبر عنه هو النموذج الفرنسي فقد نص الدستور الفرنسي الصادر في العام 1958م في المادة الثانية عشر منه على حق رئيس الجمهورية في حل الجمعية الوطنية بعد التشاور مع الوزير الأول بضوابط وقيود معينة .
3-أن الحل هو إجراء يتم بموجبة إنهاء دور البرلمان قبل إنتهاء المدة التي أنتخب من أجلها ولهذا فإن هذا الإجراء يطلق عليه حل البرلمان المبتسر أي المنجز قبل أوانه.
4-حق الحل وسيلة أساسية لإظهار دميقراطية النظام البرلماني، ويعد هذا الحق تطبيقاً سلمياً لمبدأ سيادة الأمة الذي يوجب الإحتكام إلى هيئة الناخبين –الحكم الأعلى في الدولة في الأمور المهمة التي تتعلق بمستقبل البلاد.

ثانياً: نشأة حق حل البرلمان: -
نشأ حق الحل في بريطانيا سنة 1784م على إثر خلاف نشب بين وزارة وليم بت وهو من زعماء حزب التوري وبين مجلس العموم البريطاني بصدد مشروع قانون إصلاح إدارة الهند المقدم من قبل المسترفوكس الزعيم المنتمى إلى حزب الهويج المناهض لإمتيازات التاج البريطاني، وكانت الوزارة تؤيد وجهة نظر الملك التي تتعارض مع وجهة نظر مجلس العموم وإزاء هذا التعارض طلب مجلس العموم من الملك إقالة الوزارة لأنها لاتتمتع بثقته إلا أن رئيس الوزارة بمهارته إستطاع إن يستمل الرأى العام الإنجليزي ويتفق مع الملك على حل مجلس العموم وإجراء إنتخابات جديدة وبالفعل قام الملك بحل مجلس العموم وإجراء إنتخابات جديدة جاءت نتيجتها بفوز كاسح لحزب وليم بت ، وبعد ذلك انتشر حق الحل فى الدول التي أخذت بالنظام البرلماني كنظام للحكم، إلا إن ظهور هذا الحق أثار العديد من الإعتراضات ولاسيما في فرنسا فرأى كثير من الكتاب والمشرعين أن في الأخذبه إعتداء على حقوق ممثلي الشعب وعلى مبدأ الفصل بيت السلطات وأنه يتعارض مع مبدأ سيادة الأمة، إذ إن المجلس النيابي هو الممثل الوحيد لهذه السيادة فكيف تعطى السلطة التنفيذية حق الإعتداء عليها بالقضاء على البرلمان، إلا أن هذه الإعتراضات قد ردُ عليها بأن البرلمان هو ليس صاحب السيادة ولكن هو ممثل للشعب، والحل يبدو في أحوال عديدة ضرورة واجبة لصالح البلاد كما أنه يساعد على الحد من استبداد البرلمان وإسرافه.

ثالثاً: أنواع حل البرلمان: -
يذكر الفقه الدستوري أن حق حل البرلمان بواسطة السلطة التنفيذية في ضوء التجربة والممارسة العملية له إحدى صورتين فهو أما إن يكون بناء على رغبة رئيس الدولة في النظم الجمهورية أو الملك في النظم الملكية ويطلق عليه في هذه الحالة الحل الرئاسي أو الملكي، أو يكون بناء على طلب الوزارة فيطلق عليه الحل الوزاري وفى الحالتين لايتم الحل إلا بإعلان من رئيس الجمهورية أو الملك. أما بالنسبة للحل الملكي أو الرئاسي فنجد أن الحل في هذه الصورة يتم بناءً على رغبة أو طلب رئيس الدولة أو الملك الذي يستخدم حق الحل كواحد من إمتيازاته المعترف بها ويلجأ إليه رئيس الدولة أو الملك في حالة قيام خلاف بينه وبين البرلمان، دفاعًا عن أرآئه وسياسته التي يعتقد أنها تتفق مع ميول الأمة ورغباتها، بالرغم من عدم تأييد الوزارة له فى إستعمال حق الحل، ولذلك فإن رئيس الدولة لا يلجأ لهذا الحل إلا في أعقاب إقالة وزارة الأغلبية وتعيين وزارة من الأقلية تؤيد وجهة نظره وتقبل الحل ، ويتضمن حل البرلمان في هذه الصورة مخاطر عديدة، ولا يستحب اللجوء إليه مالم يتيقن رئيس الدولة أو الملك تأييد الشعب لمعتقداته وأرائه وذلك لأن إعادة إنتخاب البرلمان المنحل تعنى أن الأمة قد إنحازت إلى نوابها ضد رئيس الدولة، وفى ذلك إحراج شديد لموقف رئيس الدولة إذ يجب عليه في هذه الحالة الرضوخ لرأى وسياسة البرلمان المنحل بإعتبار أنها تعبر عن رأى وسياسة هيئة الناخبين، الأمر الذي يكون له أعمق الأثر على شخصيته وكرامته وسمعته لأنها تعتبر هزيمة شخصية له.
أما الحل الوزاري فبموجبه يتم حل البرلمان بناء على طلب رئيس الوزراء، ويكون ذلك عادة عند نشوب خلاف بين الوزارة والبرلمان، كأن يقرر البرلمان سحب الثقة من الوزارة وترى الوزارة أنها على حق وأن أغلبية المجلس النيابي متعنتة، فتطلب من رئيس الدولة حل البرلمان كوسيلة غير مباشرة لإستفتاء الشعب في النزاع الذي أدى إلى سحب الثقة من الوزارة، فيقوم رئيس الدولة بناء على نصيحة ومشورة رئيس الوزراء بإصدار قرار حل البرلمان مع دعوة هيئة الناخبين إلى إنتخاب أعضاء جدد. فإذا جاءت نتيجة الإنتخابات العامة بذات الأغلبية البرلمانية السابقة، فإن الأمر يكون قد حسم لصالح البرلمان، إما إذا لم تأت هذه الأغلبية مرة أخرى فإن هذا يعنى أن الوزارة كانت على حق عند تشبسها برأيها بصدد موضوع النزاع ، وتجدر الإشارة إلى أن حل البرلمان سواء أكان حلاً وزارياً أم رئاسياً أو ملكياً يحاط في الغالب الأعم من الأحوال بضمانات دستورية عديدة تكفل عدم إساءة إستخدامه ومن هذه الضمانات (أ) أن يشتمل مرسوم الحل على دعوة الناخبين لإجراء إنتخابات جديدة خلال فترة زمنية محدد (ب)أن يتضمن مرسوم الحل الأسباب التي دعت إلى حل البرلمان (ج)إستقالة الوزارة التي توقع مرسوم الحل وتعيين وزارة جديدة تقوم بالإشراف على الإنتخابات (د) ضرورة دعوة المجلس الجديد إلى الإجتماع عقب إتمام إجراءات الإنتخاب (هـ) عدم حل المجلس الجديد بذات الأسباب التي حل بها المجلس القديم.

أسباب حل البرلمان وتطبيقاته
تختلف الأسباب التي تؤدى إلى حل البرلمان ولكن بإستقراء التاريخ الدستوري للنظم البرلمانية وجدنا أن هنالك عدد من الأسباب تتمثل في الآتي: -

أولاً: النزاع بين البرلمان والحكومة:
المعروف، أن النظام البرلماني يقوم على فكرة التعاون بين السلطات العامة في الدولة وبخاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، غير أن هذا التعاون لا يمكن أن يؤدى إلى تعايش سلمى بين السلطتين المذكورتين على وجه الدوام، ومن ثم فإنه لابد وأن يوضع في الإعتبار إمكانية حدوث خلاف حقيقي بين البرلمان والحكومة حول بعض المسائل ذات الأهمية، ويشكل حل البرلمان في هذه الحالة الوسيلة الملائمة للخروج من تلك ألازمة، ويعد هذا السبب أحد أهم الأسباب التي كانت تؤدى إلى حل البرلمان منذ القرن التاسع عشر، ولاشك أن تعبير نزاع أو خلاف هو تعبير واسع ويمكن أن يندرج ضمنه أي نزاع مباشر يحدث بين البرلمان والحكومة عقب هزيمة الحكومة أمام البرلمان، ويضاف إلى ذلك أي شكل من أشكال عدم الإستقرار الوزاري يمكن أن يعتبر نزاعاً وتطبيقاً لهذا السبب تم حل البرلمان في إنجلترا عام 1857 من قبل حكومة بلمرستون حيث أنه في مارس 1957م وجه مجلس العموم اللوم للحكومة بسبب السياسة التي تنتهجها في الصين، كما أدى النزاع المستمر بين المجلس والحكومة إلى دفع رئيس الوزراء إلى طلب حل البرلمان ومن الأمثلة الحديثة نسبياً لهذا السبب في بريطانيا مهد النظام البرلماني حل البرلمان بتاريخ7أبريل عام 1979م إثر نجاح الإقتراح المقدم بتاريخ 28مارس 1979م من قبل حزب المحافظين المعارض بزعامة مارغريت تاتشر لحجب الثقة عن حكومة جيمس كالاهن، في السودان ،نجد أن أغلب دساتير السودان المتعاقبة، قد نصت على حق رأس الدولة في حل المجلس التشريعي، بناء على نصيحة مجلس الوزراء فقد نص على هذا الحق قانون الحكم الذاتي 1953م، ودستور السودان المؤقت 1956م وذلك لأن هذه الدساتير أخذت بالنظام البرلماني كنظام للحكم، أما دستور السودان الدائم لسنة 1973م لم ينص على حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان بصورة واضحة ولكن رغم ذلك فسرت المحكمة العليافي 16/5/1978م بناء على طلب تفسير تقدم به النائب العام للمواد 108و124 من الدستور أن السلطة التنفيذية لها حق حل مجلس الشعب ، و تم تطبيق حل البرلمان عدة مرات ولأسباب مختلفة فنجد أن في فترة الحكم العكسري الأول عهد الفريق إبراهيم عبود حلُ المجلس التشريعي ضمن مؤسسات أخري في الدولة وتولي عمل السلطة التشريعية المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي سيطر علي السلطة وذلك بموجب الأمر الدستوري الأول الذي أصدره ذلك النظام وأيضاًحُل المجلس الوطني لخلاف بين الحكومة والسلطة التشريعية وذلك فى الرابع من رمضان عام 1999م وذلك فيما يعرف في السودان بقرارات الرابع من رمضان التي إنشق على إثرها النظام الحاكم في ذلك الوقت إلى جناحين المؤتمر الوطني الذي تمثله السلطة التنفيذية والمؤتمر الشعبي الذي يمثله رئيس السلطة التشريعية التي حُلت في ذلك الزمان. رغم أن المحكمة الدستورية في معرض فصلها في هذا النزاع قد توصلت من خلال استقراء نصوص دستور السودان لسنة 1998م النافذ وقتها أن الدستور سكت عن الجهة التي تملك حق حل المجلس الوطني، إلا أن المحكمة الدستورية رغم عدم النص على حل البرلمان فسرت أن إرادة المشرع الدستوري لم تتجه إلى إلغاء سلطات رئيس الجمهورية المتعلقة بحل المجالس النيابية ، بل إرادة المشرع الدستوري قصدت أن يتصرف الرئيس وفق للأعراف الدستورية وما تمليه عليه الظروف وحالات الضرورة، وأنه يمثل السيادة العليا للبلاد والمسؤول من أمنها وإستقرارها وقد فعل، كما توصلت المحكمة الدستورية أيضاً إلي أنه عند إكتناف بعض نصوص الدستور للغموض أو عندما يلاحظ أن عبارة من العبارات تحمل معان عديدة أو أن هنالك غياب نص كان من المفترض أن يضمنه في الدستور فإنه يمكن اللجوء إلى مصادر أخري لمعرفة ما كان يقصد المشرع وما هو التصرف الدستوري الصحيح في هذه الحالات وتستطرد المحكمة الدستورية - أباح فقهاء الدستور نظرية العرف المعدل للدستور_أخذت بلدان عديدة بنظرية الإباحة في حالة غياب النص وذلك لحل ما يواجهها من أزمات، ويمكن القول وفق الأعراف الدستورية وما تسيسر عليه البلدان الأخري المشابهة للسوداان في دساتيرها أن عدم النص على حالة معينة لا يعني منع رئيس الجمهورية من أن يتصرف وفق ما كلف به من مهام ومسوؤليات جسيمة تتعلق بالأمن والإستقرار ومصير البلاد.
ويمكن لرئيس الجمهورية عند حدوث بعض الحالات وفق ما استنبطه فقهاء الدستور أن يقوم بحل البرلمان حتي ولو لم يكن منصوصاً على حقه في ذلك في الدستور حتي ولو لم تنتهي فترة إنعقاد المجلس وقد حصر اتحاد البرلمانات الدولية هذه الحالات التي يجوز فيها حل المجلس في الأتي :-
أ-حل المجلس عندما يقترب من نهاية فترة انعقاده.
ب- عندما تشعر الحكومة أن مسألة قد طرأت تستوجب الرجوع للناخبين.
ج- عندما تأمل الحكومة في تقوية موقفها في الإنتخابات.
وخلصت، المحكمة الدستورية بعد مناقشة المبادي المشار إليها أعلاه أن الرئيس مارس حقه في إصدار ما رآه من قرارات الرابع من رمضان 1420ه وفقاً للدستور وما يتصل به من أعراف وماهو معمول به في البلدان الأخري وما اقتضه الظروف الإستثنائية والضرورية والمصلحة العامة وما يفرضه عليه واجبه بصفته أعلي سلطة في البلاد والمسؤول الأول عن أمنها وإستقرارها وسلامتها وقررت شطب الطعن الدستوري ، لا شك أن المحكمة الدستورية في هذه القضية قد تنكبت الطريق وجانبها الصواب في هذا القرار لأنه وفق القاعدة الفقهية المعروفة في مجال القانون لا إجتهاد مع وجود النص ، وطالما لم ينص الدستور على حق الرئيس في حل المجلس التشريعي هذا يعني عدم جواز الحل.
في مصر نص الدستور الدائم الصادر في عام 1971م على الحل بسبب الخلاف بين الحكومة والبرلمان في المادة (27) فيه إلا أنه عملياً لم يتم حسب علمنا أن تم حل البرلمان بسبب خلاف بينه وبين الحكومة.

ثانياً: النزاع بين مجلسي البرلمان: -
وهذا السبب من أسباب حل البرلمان يكون دائماً في الدول البرلمانية التي تأخذ بنظام المجلسين في تشكيل السلطة التشريعية وقد يحدث خلاف بين المجلسين أثناء القيام بالعملية التشريعية أو الرقابية يصل إلى حد عدم الإتفاق بينهما وقد يصر كل منها على رأيه وموقفه ويرى أنه على صواب، وفى هذه الحالة تنص بعض الدساتير على حل المجلسين معاً وإجراء إنتخابات برلمانية جديدة بهدف تخليص البلاد من أى أزمة دستورية محتملة، وإجراء إنتخابات جديدة بهدف سهولة المرور داخل القنوات التشريعية وحتى لاتتعرض الدولة إلى تعطيل العمل التشريعي ،كما أن الخلاف قد يحتدم بين المجلسين بسبب بعض المسائل السياسية العامة، مما يؤدى إلى إثارة الرأى العام نتيجة تلك المناقشات العميقة ويكون الحل هو العلاج لتلك المناقشات، ويهدف الحل في هذه الحالة إلى تمكين السلطة التنفيذية من تحقيق الإستقرار السياسي، حيث أن وقوع الخلاف بين المجلسين قد يؤدى إلى إصابة الحياة التشريعية بالشلل التام، بل قد يؤدى إلى إصدار قوانين لا تعبر إلا عن رغبة صانعيها، ومن ثم فإن الشعب صاحب السلطة الأصيل عليه أن يعبر عن رأيه ويمنح الثقة للمجلس الذي يرى أنه أقدر على التعبير عن رغباته وطموحاته، ولكن تطبيقياً نجد أن حل البرلمان بسبب قيام نزاع بين مجلسيه أمر نادر الحدوث، وخاصة في بريطانيا مهد النظام البرلماني فنجد أنه فى بريطانيامثلاً منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى الآن لجأت السلطة التنفيذية إلي حل البرلمان لهذا السبب مرتين فقط، وهاتان المرتان حدثتا في عهد حكومة حزب الأحرار برئاسة هنرى هيربت المرة الأولى حدثت بتاريخ 10، يانير1910م والمرة الثانية حدثت بتاريخ 28/11/1910م وسبب هذا النزاع كان يدور حول إختصاصات مجلس اللوردات فيما يتعلق بالمسائل المالية ومدى حقه في عدم الموافقة على مشروعات القوانين المحالة إليه عن طريق مجلس العموم سواء كانت مالية أو عادية، وقد تمخض هذا النزاع عن صدور قانون البرلمان العام 1911م الذي تم تعديله في عام 1949م .

ثالثاً: حل البرلمان إذا كان لا يمثل جمهور الناخبين: -
وحل البرلمان وفقاً لهذا السبب يتمثل في قيام السلطة التنفيذية باللجوء إلى حل البرلمان على إعتبار أنه لم يعد يمثل إرادة الناخبين، سواء لحدوث تغيير في إتجاهات الرأى العام أو لإقرار قانون إنتخابى جديد ومن التطبيقات العملية لهذا السبب من أسباب حل البرلمان في النظام البريطاني ما تم من حل للبرلمان بتاريخ 15/6/1945م في عهد حكومة رئيس الوزراء السير ونستن تشر شل وبعد إجراء الإنتخابات العامة منيت الحكومة بهزيمة واضحة.

رابعاً حل البرلمان إذا إقتربت نهاية مدته:-
ويقع الحل في هذه الحالة لتجنيب البلاد مخاطر الأعمال التي يقوم بها البرلمان في الفترة السابقة على إنتهاء مدته، وبيان ذلك أن بعض المجالس النيابية تعمد قرب إنتهاء مدة نيابتها إلى العبث بالقوانين، وإصدار تشريعات قد يكون الهدف منها في غير صالح الشعب، ومن ناحية أخرى فقد تسيطر على المجلس حمى الرغبة في إنجاز العديد من الأعمال التي يستهدف منها الأعضاء جمع أكبر عدد من الناخبين حولهم مما يشكل إضراراً بالمصلحة العامة ،وفى هذه الحالات تلجأ السلطة التنفيذية إلى حل البرلمان لتجنيب البلاد تلك المخاطر، ومن تطبيقات حل البرلمان لهذا السبب ماحدث في بريطانيا من حل للبرلمان بتاريخ 25/9/1964م في عهد حكومة رئيس الوزراء السير الليك دوغلاس وبعد إجراء الإنتخابات العامة، منيت الحكومة بهزيمة واضحة.

خامساً: الحل بسبب الإحتكام للناخبين بشأن مسألة محددة:
وهذا السبب يمكن أن تلجأ إليه السلطة التنفيذية عندما يثور الخلاف بينها والبرلمان حول مسألة معينة يشكل حسمها أهمية كبيرة في حياة البلاد، وفى هذه الحالة فإن السلطة التنفيذية تقوم بحل البرلمان وتحتكم إلى هيئة الناخبين للتعرف على رأيها بخصوص تلك المسألة، وتم تطبيق هذا السبب أيضاً في بريطانيا في تاريخ 25/ /10/1935م في عهد حكومة رئيس الوزراء بلدوين وبعد إجراء الإنتخابات جاءت نتيجتها لصالح الحكومة.

سادساً: الحل بسبب السياسة الحزبية:-
على الرغم من أن هذا السبب لم يكن له وجود عملي في القرن التاسع عشر، إلا أنه بفضل نشوء الأحزاب السياسية الحديثة، أصبحت أهمية هذا السبب تتزايد يوماً بعد يوم، ويعتبر هذا السبب من أهم الأسباب لحل البرلمان في بريطانيا مهد النظام البرلماني، وحل البرلمان وفقاً للسياسة الحزبية يشمل نوعين من الإحتمالات أولها أن تستعمل الحكومة الحل كسلاح ضد المعارضة، وذلك بهدف إحراجها أمام الرأى العام وإضعاف مركزها، وتملك الحكومة الحق في إختيار اللحظة المناسبة لإجراء الإنتخابات العامة ويكون ذلك عادة بعد إجراء إستطلاعات الرأى العام، وثانيها أن تلجأ الحكومة إلى حل البرلمان كوسيلة لتقوية مركزها بدعم الأغلبية البرلمانية، وهو ما يمكنها من إنجاز سياستها بسهولة ويسر، وتلجأ الحكومة عادة إلى ذلك في حال وجود تصدع أو إنشقاق خطير داخل صفوف الحزب الحاكم، ومثال لذلك ما حصل في بيرطانيا في عام 2005م عندما حُل البرلمان بسبب الإنقسامات الخطيرة التي شهدها حزب العمال الحاكم بسبب إشتراك بريطانيا في الحرب على العراق، أو في حال كانت الأغلبية التي تملكها الحكومة داخل مجلس العموم ضئيلة لاتمكنها من الإستمرار في تصريف شؤون الحكم بالفاعلية والكفاءة المطلوبة، وهو ما يحدث عادة في ظل الحكومات الإئتلافية ولاشك أن حل البرلمان بناء على هذا السبب ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة لمكانة الحكومة ومركزها، إذ أن الإنتخابات العامة التي تعقب إجراء الحل قد لا تؤدى إلى الغرض منها في إذلال المعارضة أو دعم الأغلبية البرلمانية، بل على العكس قد تؤدى إلى النيل من هيبة الحكومة أو إضعاف مركزها أو إقصائها عن السلطة.
وطُبق. حل المجلس التشريعي لهذا السبب في السودان في ظل حكومة الديمقراطية الثانية في ظل وزارة إئتلافية مؤلفة من الحزب الوطني الإتحادي وحزب الأمة جناح الإمام الهادي المهدي مما أثار أزمة سياسية في البلاد وذلك لأن الوزارة شعرت بأن الجمعية التأسيسة ستسحب الثقة عنها في الثامن من فبراير 1964م فأرادت أن تحول دون وقوع ذلك باللجوء لحل الجمعية التأسيسية نفسها،ولما كان دستور1964م ينص على تحريم حل الجمعية التأسيسية، لذلك لجأت أحزاب الحكومة بالتعاون مع مجلس السيادة لحيلة دستورية لحل الجمعية التأسيسية بدفع 90 من أعضاء الجمعية التاسيسية لتقديم إستقالاتهم من الجمعية وقام مجلس السيادة بناء على ذلك في السابع من فبراير من العام 1968م بحل الجمعية التاسيسية، على أساس أنها لم تعد تملك صلاحية وضع دستور دائم للبلاد، والذي يشترط لإقراره توافر أغلبية ثلثى أعضاء الجمعية، وهو ما يستحيل توافره بعد إستقالة 90 عضو من أعضاء الجمعية، وقد نجم عن هذا القرار أزمة سياسية عنيفة حيث أعلن أعضاء الجمعية التاسيسة المنتمين للمعارضة في تاريخ الثامن من فبراير 1964م رفضهم لقرار مجلس السيادة بحل الجمعية التاسيسية وحاولوا الدخول الى مقر الجمعية ، فتصدت لهم قوات الأمن ومنعتهم من ذلك فأصدر أعضاء المعارضة بياناً أعلنوا فيه أن مجلس السيادة ومجلس الوزراء قد خرقا الدستور، وأنهم يسحبون الثقة من رئيس الوزراء ، كما قاموا برفع دعوي دستورية أمام المحكمة العليا مطالبين الحكم بعدم دستورية قرار حل الجمعية التاسيسية بواسطة مجلس السيادة ،وانتهت الأزمة بالدعوة لإنتخاب جمعية تاسيسية جديدة. وقد حٌلت الجمعية التاسيسية مرة أخري في الخامس والعشرين من مايو من عام 1969م ضمن موسسات أخري عن طريق الرئيس جعفر نميري الذي تولي السلطة في هذا التاريخ وقضي علي كل موسسات الدولة بموجب الأمر الدستوري الأول، وشكل مجلس لقيادة الثورة من ضباط القوات المسلحة الذين نفذوا الإنقلاب على السلطة الحاكمة أنذاك.كما تم حل الجمعية التاسيسية في تاريخ 30 يونيو 1989 بموجب المرسوم الدستوري الأول الصادر من رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني والذي إضافة لحله للجمعية التاسيسية قضي علي جميع الموسسات الساسية في الدولة وحل محلها مجلس ثورة الإنقاذ الوطني أخيراً وبعد تفجر ثورة ديسمبر المجيدة في التاسع عشر من ديسمبر 2018م ودخول الثوار لمحيط القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في السادس من أبريل من العام 2019م وبعد عزل اللجنة الأمنية نظام الإنقاذ عن الحكم، أصدرت من بين قرارات أخراي قراراً بحل البرلمان. وذلك في الحادي عشر من ابريل من العام 2019م.
خلاصة القول نجد أنه من خلال إستعراضنا لحق حل البرلمان بواسطة السلطة التنفيذية نجد إن هنالك تفوق واقعي للسلطة التنفيذية في إستعمالها لحق حل البرلمان بالمقارنة مع السلاح الآخر الذي يملكه البرلمان وهو سلاح المسؤولية السياسية للوزارة وخاصة في بريطانيا مهد النظام البرلماني وكل ذلك يدل على أن السلطة التنفيذية تتفوق واقعياً على البرلمان ولايوجد توازن بينهما. و ذلك بعد أن تراجع دورها في التشريع وبعد أن بدأ الميزان يميل لصالح السلطة التنفيذية على حساب البرلمانات التي انكمش نفوذها وانحسر دورها وذلك مع تفجر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الحربين العالميتين ، ظهرت حاجة ملحة إلى تدخل الدولة وقيامها بدور فعال لمواجهة هذه المشكلات وتحقيق طموحات الجماهير وذلك بإعداد البرامج الخاصة والخطط الاقتصادية طويلة الأجل ومباشرة المتابعة الدقيقة وسرعة الحركة وكل هذا يتنافى في الواقع وطبيعة عمل السلطة التشريعية وما يتسم به من بطء ، بل ولما يفتقر إليه النواب من معرفة فنية متخصصة الأمر الذي جعل السلطة التنفيذية تبرز إلى الوجود وتأخذ مكان الصدارة في العمل التشريعي واقتراح القوانين وذلك لما يتسم به أعضاؤها من معرفة فنية وتقنية ولما تمتلكه من قدرات مادية هائلة ، بل ولكونها أكثر قرباً من الجماهير واتصالا بهم وهكذا لم يتبق لأعضاء البرلمان من سبل أساسية وهامة لمواجهة ازدياد دور ونفوذ السلطة التنفيذية سوى مباشرة وظيفتهم الرقابية تجاه أعضاء تلك السلطة. وأخيرا أرجو أن ألفت انتباه من يطلع على هذا المقال بأنه مستل من ورقة علمية بعنوان السلطة التشريعية الإشكالات والحلول دراسة تحليلية مقارنة نشرت في مجلة رييس للعلوم الاجتماعية والتربوية العدد 33 بتاريخ الأول من ديسمبر من العام 2018م التي تنشر اعدادها في تركيا وذلك لمن يريد المزيد من المعلومات والمراجع التي رجعت لها في كتابة الورقة العلمية.

E. emam.maher@gmail.com

 

آراء