حقد الشيخ على الديمقراطية فاطاحها واطاح السودان !!
بعد انقلابه المشئوم فى الثلاثين من يونيو 1989 ، الذى ديره والشعب يتهيأ لاتفاق تاريخى ينهى حرب الجنوب ويحفظ وحدة البلاد ، بعد انقلابه الغادر ، عرف الشعب السودانى ان الشيخ لم ينس له حكاية دائرة الصحافة التى عاقب فيها الشعب الغاضب استاذ القانون الدستورى على توظيف قدراته القانونية والعقلية لدى طاغية كان يطيح رؤوس المثقفين والقادة الوطنيين يمنة ويسرة ، فتسيل الدماء والدموع ، وتصعد الارواح البريئة ، ويهوش جائلا خلال الديار فيرعبها كما يهوش ثور اسبانى ممسوس ومرعب فى مستودع الخزف الجميل فيهشمه بلا اكتراس . الشيخ لم ينس هبة الشعب ضده فى دائرة الصحافة . والشعب – ايضا - لن ينسى كل التفاصيل المرعبة التى تراكمت وتتابعت فى شريط مأساوى بدأ ت أولى مناظره فى صبح ذلك اليوم المشئوم ، صبح الجمعة بالتحديد ، الذى اطاح فيه الشيخ النظام الديمقراطى الذى كان مشاركا فيه حاكما ومعارضا ، فاطاح السودان بكامله . لن الشعب للشيخ غدره به وبالنظام الذى ارتضاه ودفع دماء وارواح بعض ابنائه فى سبيل استعادته مثلما لم ينس الشيخ حكاية دائرة الصحافة . لقد اخذ الشيخ هذه . ولن يطول الانتظار ، فالايام دائما حبلى بالاحداث يلدن كل عجيب . اذ ليس اجلب للحزن للشعب السودانى اليوم وهو يرى نتيجة مغامرة الشيخ فى الثلاثين من يونيو ، التى ارادها الشيخ تصفية حسابات صغيرة تستقر بعدها الامور عنده بالكامل ويصبح هو صاحب الصولة والصولجان الآمر الناهى على انقاض الديمقراطية التى أجلسته على المنقد الحارق فى دائرة الصحافة . ولكن رياح السياسة اتت بما لا تشتهى سفن الشيخ . نعم غدر الشيخ بالديمقراطية . واطاحها . ولكن الغدر اخذ بتلابيب صاحبه فقتله هو الآخر . ووجد الشيخ نفسه فى قعور سجون حقيقية هذه المرة . وليست سجونا مزورة . الشعب السودانى قيد فى دفتر التاريخ جريمة الغدر الكبرى بالحبر الشينى الصامد ضد صاحب الفعل الجنائى الأول ، القانونى الذى يعلم قبل غيره ان الاعتراف هو سيد االادلة . ومع ذلك لم يستنكف ان يعترف على رؤوس الاشهاد أنه ارتكب الجريمة وهو فى كامل وعيه . وارسل نفسه الى سجن كوبر التاريخى سجينا بينما ارسل شريكه الآخر الى القصر التاريخى رئيسا .
لقد صغرت همة الشيخ الفكرية فى ذلك الصباح المشئوم . وخانته قواه العقلية حين لم تسعفه بان ما كان يجرى فى الساحة السياسية السودانية من حراك سياسى فى تلك الايام كان ممارسة سياسية طبيعية وعادية ومطلوبة فى المجتمعات السياسية الديمقراطية الناشئة لجهة الاختلاف والتضاد فى الاجتهادات التى تعتورالحراك السياسى فيما يختص بتحريك دواليب الحكم والسياسة التى هى فى طور الاستقرار ، حيث تتصارع وجهات النظر المختلفة حول انجع السبل لتصريف الامور فى الدولة التى يراها الناشطون فى هذا المجال كل حسب منظوره ومعاييره ومقاييسه الخاصة به . صحيح أن حزب الشيبخ كان حزبا يافعا فى العمر وفى التجربة السياسية . وصغيرا فى الحجم العددى . ولم يخض تجارب اختلاف الرؤى وتعاركها . ولم يكن يعرف أو يدرك اسس احترام الرأى الآخر عملا بالحكمة القائلة أن نصف راأيك عند اخيك. كان ذلك هو مستوى فهم وادراك حزب الشيخ الصغبر . ولكن ما بال استاذ القانون الدستورى . كيف خان عقله وثقافته ومؤهله العلمى الكبير لا. الشعب السودانى يتذكر اليوم ، و لا يستطيع ان ينسى للحظة واحدة ، كيف كان الشيخ الترابى يخرج جماهيره الصغيرة ، وهم بعد تلاميذ مدارس لا حول لهم ولا قوة ، كيف كان يحرجهم الى الطرقات متظاهرين ضد اعلان المبادئ الذى توصل اليه السيدان محمد عثمان الميرغنى ، وجون قرنق واعتمدته فيما بعد كل الحركة السياسية السودانية فى طرفى البلد وتكونت على اثره حكومة وحدة وطنية حقيقية ضمت كل انواع الطيف السياسى السودانى إلا من أبى . وكان الشيخ الترابى و حزبه الصغير هو الوحيد الذى أبى. و لا ينسى الشعب السودانى كذلك كيف كان تلاميذ الشيخ يرفعون المصاحف فوق رؤوسهم وهم يصرخون فى البرية صراخ من اصابه مس . كانوا يصرخون فى تشنج معتور منددين باتفاق الحركة السياسية فى طرفى البلد على حل مشكلة الجنوب بالصورة التى حواها اعلان المبادئ المذكور. وكانوا يصفون الاعلان بأنه خيانة لله وللشريعة وبيع للوطن للمتمرد جون قرنق . واسبغ المتظاهرون الترابيون، الصبية منهم و غير الصبية ، على السيد الميرغنى ، ما يجل عن الوصف من صفات الخيانة والردة والعمالة ، التى هى معروضات سودانية مستهلكة يجابه بها كل تعيس ترميه اقداره فى طريق المهرجين السابلة الذين تموج بهم الساحات العاطلة عن الفكر والمرؤة السياسية فى هذا البلد الذى يتموضع فيه كل شئ فى غير مكانه . فالرأى عند جاهله . والسيف عند جبانه . وكان ملفتا للنظر ومثيرا للعجب الضعف المشين الذى اظهرته حكومة الوحدة الوطنية فى تعاملها مع تنظيم الشيخ الترابى رغم وضوخ خططه التى اخذت تهدد بقاء النظام الديمقراطى بكلياته. فرئيس الوزراء ، السيد الصادق المهدى ، رغم كل ما تبدى من تآمر واضح ضد النظام الديمقراطى من قبل الشيخ وتلاميذه ، إلا أنه واصل الركض خلف تنظيم الشيخ لارضائه وادخاله فى تشكيلته الوزارية ! كان الجميع يستشعرون الخطر الكامن فى جوف الأكمة إلا السيد المهدى الذى نام على مأمن مغشوش ، حتى ظن كثيرون أن السيد المهدى يشارك هو الآخر فى مؤامرة مدروسة مع صهره الشيخ ضد النظام الديمقراطى ، و هو ظن ظالم للرجل لا شك فى ذلك . بينما ظن آخرون ان السيد المهدى كان يعانى من رمد سياسى بسبب الثقة المفرطة فى النظام الديمقراطى الأمر الذى ، جعله غير قادر على رؤية ما كان يدور من تآمر واضح ضد النظام الديمقراطى . والحال كذلك ، فقد كان منطقيا ان يتهاوى النظام الديمقراطى على يد تنظيم الشيخ بتلك الصورة السهلة التى صارت فيما بعد محل تندر وسخرية من الكافة لجهة العدد المحدود الذى نفذ الانقلاب ، ولجهة هوياتهم المهنية التى ما كان لها ان توفر أى قدر من نجاح يطيح نظاما له جيش يحميه وشرطة وقوات امنية .. لقد ظن استغفل انقلابيوا الشيخ واستصغروا عقول الناس وهم يبررون انقلابهم على النظام الديمقراطى الذين كانوا جزءا منه حكاما حينا ، و معارضين حينا آخر . فقد اذاعوا على الناس عواءا عاليا يقول ان العقيد جون قرنق ، قائد حركة التمرد الجنوبية ، قد اصبح بجنوده على ضواحى ومشارف الخرطوم فى كذبة ثقيلة على اللسان . وحدث الانقلابيون الشعب عن انهيار الوضع الاقتصادى . وزعموا له ان سعر الدولار الامريكى كان سيصل الى عشرين جنيه سودانى اذا هم لم يعجلوا بذلك الاانقلاب! اليوم يجد الشعب السودانى على اطلاقه ، يجد متسعا للتندر والسخرية والتفكه وهو يقارن بين الموجود اليوم فى الساحة الاقتصادية والسياسية السودانية وبين الذى كان موجودا فى تلك الساحة فى صبيحة الانقلاب لجهة الواقع الاقتصادى و لجهة قيمة العملة السودانية . و لجهة الحفاظ على وحدة البلد التى زعم الانقلابيون أن العقيد جون قرنق كان قد هددها حين اصبح بجنوده على مشارف الخرطوم . ويسأل السودانيون اليوم وهم فى حالة من القلق العرندس واياديهم على قلوبهم أين هو السودان اليوم . وأين يكون غدا. اما قرنق الذى لم يكن فى ضواحى الخرطوم فى يوم من الايام فقد دخل الى قلب الخرطوم وليس فقط الى ضواحيها ومشارفها دخول الفاتحين ، وتربع على المناضد الوريفة فى قلب قصر غردون التاريخى الذى حرره المهدى الأمام ذات يوم . اما تلاميذ قرنق فقد واصلوا زحفهم نحو غايات قرنق الكبرى واخذوا الجنوب بكامله . ومع الجنوب اخذوا جنوب النيل الازرق بمدنه وقراه بما فيه من سكانه الشماليين . واخذوا وجنوب كردفان بما فيه من سكان شماليين وثروات يسيل لها اللعاب . اما مقارنة قيمة العملة السودانية اليوم مع قيمتها فى صبيحة الانقلاب ، فهى مقارنة مفجعة ، ولا تليق ! غير أن قمة الفجيعة السياسية تتبدى بصورة كالحة عندما يشمت الشيخ الترابى على تلاميذه ويعايرهم بأن السودان سينقسم على ايديهم وتحت سمعهم وبصرهم الى ما لايقل عن خمسة اقطار غدا . ما اتعس الساحات التى يقل فيها الحياء ، او تفتك بها امراض فقدان الذاكرة . الشيخ يشمت على تلاميذه بأنهم سيشهدون السودان وهو يتبعثر غدا تحت سمعهم وبصرهم الى ما لا يقل عن خمسة اقطار فى حالة يوغسلافية جديدة . ولكنه لا يسأل نفسه من الذى اعطى اشارة البدئ فى تمزيق السودان حقيقة؟ ومن سوغ للمهووسين ان يعلنوا الجهاد على اهلنا فى الجنوب لتمتلئ افئدة أهل الجنوب بالضغائن والكراهية التى لن يطفىئ اوارهما الا برد يقين الانفصال . لقد نسى الشيخ ان حزبه الذى كان حزب طلبة مدارس لا حول له ولا قوة قد تحول فى بضع سنين وصارت له منعة سياسية اهلته لكى يحتل الموقع الثالث فى قائمة الاحزاب السياسية التى يحسب لها حساب بفضل مثابرة قياداته الشابة . وكان حريا به ان يصعد الى اعلى واعلى لو استمر فى نهج المثابرة ذاك . ولكن الشيخ فى غمرة نسيانه غامر بالكرت الاخير مستعجلا الحصول على الجائزة الكبرى بضربة لازب واحدة . ولكن الضربة صرّجت وطلعت آوت سايد لعبة قون بلغة اهل الكرة . ليكون السودان فى عداد أول المفقودين غدا. اما الشيخ وحزبه وبقية مغامريه فالله وحده يعلم أى منقلب ينقلبون . ولكن الجميع يعلمون ان الشيخ الذى اراد ان يتفولح قد جاب ضقلها يتلولح - على لغة اهل السودان الدارجة الفصيحة . لعله من باب السخرية الماحقة حقا ان الانقلابيين الذين ملاأوا الفضاء زعيقا وهم يعلنون الجهاد على شعبهم حفاظا على ( عزة السودان ووحدته ) هم نفسهم الناس الذين سوف يشرفون على عملية طى عزة السودان وتشتيته ! اللهم لا شماتة . تماما مثلما اشرف جورباتشوف على طى عزة الاتحاد السوفيتى وتشتيته . ألا يسأل الشيخ نفسه و هو فى خلوة من امره : ما الذى كان يضيره لو ترك الشعب السودانى يمضى فى تنفيذ عملية السلام السودانية – الميرغنى – قرنق . ولماذا لا يسأل الشيخ نفسه اليوم : من الذى خان أمانة الوطن : الذى استلمها موحدة وحافظ عليها وهى موحدة . أم الذى استلمها موحدة وسلمها ممزقة شذر مزر . الناس لا تنسى والديان لا يموت ، والغدر لا تؤتمن عواقبه .
ياعازة حاضرة انت فى القلب ،
ومرصودة انت فى دفتر الغياب ،
Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]