حكايات الحلة ـ المندل
هلال زاهر الساداتي
8 June, 2013
8 June, 2013
ان من احداث طور الطفولة ما لا ينمحى ولا تطويه الازمان اللاحقة لذلك الطور حتى وان طعن المرء فى السن ووهن منه العظم وكادت تجف منه منابع الذاكرة ، وقد كنت طفلا" مثل كل الاطفال فى سن التاسعة أو العاشرة من العمرنرى الدنيا لعبا" ولهوا" بريئا" لا يثقل كاهلنا هم ولا يكدرنا غم ، فاباؤنا وكبارنا يكفوننا تحمل هذه الاعبآء . وكنت فى بدآية مرحلة التعليم وكانت تسمى حينذاك بالمرحلة الأولية ، وكنا فى العطلة الصيفية ، وكنت فى الشارع قريبا" من منزلنا ، واذا بامراة من الحلة تسكن بجوارنا تنادينى قآئلة ( يا ود زاهر افندى تعال انا دايراك ) ولبيت ندآءها فقد تعودنا ان نستجيب لأهل الحلة وننادى الكبار بلقب ( يا عمى ) للرجال ، وبلقب يا خالتى للنسآء ، ونقضى لهم ولهن حاجاتهم ، وعندما ذهبت اليها قالت لى ( انا عيزاك فى خدمة بسيطة ما حتكلفك حاجة ، فيا ولدى دهبى انسرق وانا متهمة واحدة بسرقته ، وجبت فكى عشان يبين لينا منو السرقت الدهب وصورته حتظهر فى الموية فى كباية والمرة المتهماها نكرت ولكن وافقت على العملية وهسة قاعدة مستنية فى بيتى ، والشرط الوحيد انه البعاين فى الموية يكون ولد صغير لسه ما بلغ وود ناس طيبين وعشان كده انا اخترتك ) . وترددت لحظة واجبتها متوجسا" ( ولكن يا خالتى سكينة قالو الفقرا ديل بيستعينو بالشياطين وانا بخاف الشيطان يعمل فينى حاجة ) وأكدت لى اننى لن يصيبنى ضرر وان الفكى يستعين بالقران فقط .وذهبت معها الى منزلها القريب فى زقاق وبه حجرة ملحق بها برندة فيها سرير وعنقريبين وبينهما تربيزة ، وكان هناك رجل يجلس على السرير قريبا" من التربيزة ولكن لفت انتباهى واستغرابى ارتدآء الرجل زيا" افرنجيا" كاملا" ، أى اى جاكتة بصديرى وبنطلون يبدو انه فى اواسط الاربعينات من العمر ، وكنت اتوقع ان اجد فكى شيخ بجلابية وعمة ومركوب وسبحة فى يده وليس فكى أفندى ! ورحب بى ودعانى الى الجلوس بجانبه على السرير ، ثم أخذ يحدثنى وقال لى لا تتعجب فانا لا استخدم الشيطان ولكن استعين بايات القران الكريم وليس هناك أصدق من كلام الله وان ما افعله اسمه فتح المندل (بفتح الميم وتسكين النون وفتح الدال ) وهذا يبين لنا السارق باظهار صورته . وطلب من سكينة ان تحضر كوب شربات من الزجاج ، ثم ملأه الى نصفه بمآء من الزير ووضعه امامى على التربيزة ، وقال لى ان اركز نظرى على المآء فان صورة السارق ستظهر فى المآء بعد قليل ، ثم أخذ يتمتم بآيآت من القرآن وبكلمات مبهمة ، وسالنى ان كنت رأيت شيئا" داكنا" فى قعر الكوب ، فاجبته بالنفى ، وأخذ يشتد فى همهمته وادخل اصبعين من اصابعه فى اذنى ، ثم سألنى ان كان هناك شيئ داكن فى المآء ، وخيل الى اننى أرى شيئا" بالفعل واجبته بنعم ، وقال لى ان آمر الشيء عدة مرآت بأن يظهر ، وفعلت ذلك ولكن تملكنى خوف و( زهج ) من هذه العملية وكانت سكينة والمرأة الاخرى المتهمة جالستين قبالتنا متأهبتين وفى اشد التوتر وكل واحدة منهما توجه حديثها الى ، فتحدثنى خالتى سكينة قائلة ( ركز كويس يا ود زاهر ) ، وتقول المتهمة ( يا ولد قول الحقيقة وما تخاف من شيئ ) ، وكانت تلك المرأة مكروهة من اهل الحلة لانها مشاكسة وكثيرة المشاكل ، واخذ الفكى يلح على ان اتبين الصورة ثم سألنى ان كانت الصورة واضحة ، فرددت عليه بالايجاب ، وصاحوا فى نفس واحد ( صورة منو ؟ ) واجبت بسرعة ( صورة ست ابوها ) ، وقمت جاريا" خارجا" من المنزل تاركا" ورآئى معركة حامية بين المرأتين مليئة بالشتآئم القذرة والضرب بالشباشب والفكى الافندى يحجز بينهما ونال نصيبه من ضربات وشتآئم ست ابوها المتهمة .
هلال زاهر الساداتى
Hilal Elsadati [helalzaher@hotmail.com]