حكايتى مع قديس حرية الصحافة الإعلامى السعودى الأستاذ / جمال خاشقجى
بسم الله الرحمن الرحيم
( رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى )
( رب زدنى علما )
فى أوائل التسعينات عندما ضقت ذرعا بمضايقات نظام البشير لى خاصة قبل مجيئه درج تلفزيون السودان على إذاعة دعاية كتابى عن رئيس الوزراء الشرعى السيد الصادق المهدى تارة بصوت إيقونة الإعلام السودانى ليلى المغربى الراحلة المقيمة فى القلوب والعقول وتارة بصوت الفلتة الإعلامى الراحل المقيم الأستاذ / أحمد سليمان ضوالبيت الذى حاربه النظام حربا شعواء إلى أن أنتقل إلى جوار ربه وقد صدر كتابى تحت عنوان :
( مشاوير فى عقول المشاهير _ فى أول مشوار أخطر حوار مع زعيم الأنصار ) .
صار مؤلفى هذا بعد مجئ إنقلاب الإنقاذ الشغل الشاغل
لكلاب جهاز الأمن كلما أذهب إلى مكتبه وأسأل عن المبيعات
يأتينى الرد أن ضابط جهاز الأمن أمر بسحبه وعدم عرضه
للبيع وألزمنا بعرض كتاب الإنقلابات العسكريه للأستاذ محمد أحمد كرار شقيق عضو مجلس قيادة الإنقلاب صلاح كرار
وقال لك ضابط الجهاز: إذا كنت متضررا تعال قابلنا فى مكاتب الجهاز هكذا شعرت بأننى محارب فكريا ومهنيا وفى أكل عيشى هذا بجانب فصلى تعسفيا من الخدمة ورفض تعديل
وظيفتى لمفتش شؤون الخدمة بعد حصولى على المؤهل الجامعى من جامعة القاهرة فرع الخرطوم .
لذا قررت الخروج من السودان وذهبت إلى صديقى القنصل
السعودى محمد محسن العلقى وطلبت منه زيارة فقال: ياصديقى
أنتم الصحفيون ممنوعون من الخروج وبالتالى لا أستطيع أن أعطيك زيارة إذا حبيت تمشى تغير جواز سفرك من صحفى
إلى موظف ساعتها يمكن أن أعطيك فيزا خاصة بالعمرة وإذا
أردت أعطيك إقامة مزارع أو راعى قلت له :
أنا أفضل العمرة وبالفعل هربت إلى السعودية معتمرا وهناك
ذهبت للقاء الراحل المقيم الأستاذ / محمد عبده يمانى وزير الإعلام الأسبق وقد إلتقيته فى مكتبه فى برج دلة البركة بجدة
وكتب لى خطاب توصية للإستاذ جمال خاشقجى الذى كان
يعمل رئيسا للتحرير لإحدى الصحيفتين إما المدينة أو عكاظ
طال الزمن لهذا نسيت على العموم تمكنت من مقابلة الأستاذ
جمال خاشقجى والذى سبق أن إستلم سيرتى الذاتيه وشهادات الخبرة الصحفية إستقبلنى بحفاوة وقال لى :
إطلعت على شهاداتك وإستوقفتنى شهادة محررة من الدكتور
كمال حامد شداد رئيس تحرير صحيفة المتفرج الرياضى
قلت له: نعم كنت مسؤول الحوارات فى الصحيفة وقد أجريت
أشهر الحوارات مع ساحر الكرة المصريه كابتن حسن شحاته
ونجم نجومها كابتن فاروق جعفر ومع درة الملاعب السودانيه
الذى لعب عندكم مصطفى النقر ومع الرمح الملتهب على قاقرين فاجأنى قائلا: أيه رأيك تعمل فى القسم الإنجليزى التابع
لنا والذى يصدر باللغة الإنجليزية لم يعجبن الحال لأننى قدمت له نماذج لحوارات فكريه وسياسية نشرت لى بجريدة الشرق الأوسط وفى صحيفة المدينة السعودية ولمح لى قائلا :
هذا ما هو متوفر لدينا والسوادنة مشهورون بإجادة اللغة الإنجليزية أحببت أن أقول له : لم يسبق لى العمل فى صحيفة
إنجليزية ولكنى كما يقول المثل السودانى :
( جرادة فى الكفة ولا ألف طائر ) وافقت على مضض وما كان منه إلا أن نده لمسؤول القسم الإنجليزى وقدمنى له الأستاذ
صحفى من السودان وكان هنديا وأدركت من أول يوم أن بقائى
هنا مع هذا الهندى من سابع المستحيلات أولا أن هذا ليس تخصصى وليس لى خبرة فيه وكان المطلوب منى أن أعمل مصححا فإستغربت لموقف جمال خاشقجى وفكرت أن أرجع
مرة أخرى للدكتور محمد عبده يمانى ولكنى صرفت النظر وفى النهاية لم أستمر طويلا وبينما أنا فى السعودية وجدت إعلانا
فى الصحف لطلب صحفيين لصحيفة عربية إسمها الوطن
وعروضها جيدة وفكرت فى إرسال سيرتى الذاتيه ولكن قبل
أن أرسلها راجعلت الإعلان وبحثت عن إسم رئيس التحرير
فوجدت صا حبنا الأستاذ / جمال خاشقجى فصرفت النظر فورا وبينما أنا فى لندن إكتشفت أن الأستاذ جمال يعمل
مستشارا إعلاميا للسفير السعودى وأخيرا تم تعينه لقناة العرب الفضائيه التى يملكها رجل الإعمال السعودى العالمى وليد بن طلال لكنها لم تبث إلا لساعات قليلة .
إستوقفنى موقف بطولى لجمال خاشقجى فقد إنقلب معارضا
وناقدا لسياسات بلاده فى صحيفة الحياة فكان يعارض بحكمة وعقلانية متوخيا المصلحة الوطنية العليا لبلاده الأمر الذى أجبر القائمون على جريدة الحياة لمنع مقالاته من النشر فهاجر
إلى أمريكا وصار يكتب فى الواشنطون بوست وجاء أخيرا
إلى تركيا وفى إسطمبول ذهب إلى قنصلية المملكة العربية السعودية ليطلب شهادة إثبات بعدم زواجه وقد رافقته خطيبته
خديجة التى لم يعد إ ليها وأغلب الظن قد تمت تصفيته فصار
قديسا بل شهيدا لحرية الكلمة والصحافة ويستحق أن يكرم
بجائزتين جائزة حرية الصحافة التى يستحقها بحق وحقيقة
وجائزة الشجاعة الصحفية التى يستحقها بجدارة .
ألا رحم الله الزميل الفقيد الأستاذ / جمال خاشقجى وألهم
آله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون .
بقلم الكاتب الصحفى
عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
7 / 10 / 2018
elmugamarosman@gmail.com
///////////////