حكم الدائرة المختصة بنظر الطعون الخاصة بتفكيك نظام الثلاثين من يونيو: وقفة في سبيل الاصلاح

 


 

 

أبطلت الدائرة المختصة بنظر الطعون في قرارات لجنة استئنافات تفكيك نظام الثلاثين من يونيو عدداً من القرارات التي أصدرتها لجنة التفكيك بفصل بعض العاملين وإلغاء ما ترتب عليها، ويأتي على رأس هذه القرارات ما تعلق بإبطال إنهاء خدمة بعض القضاة في الدعوى المرفوعة من عبد الرحمن محمد طه وآخرين. ويعد هذا الحكم تأكيداً على القواعد التي تحكم استقلال القضاء وتحصنه من التدخلات غير المأمونة. وفي تقديري أن هذا القرار يحسب لصالح المبادئ التي أرستها ثورة ديسمبر ومن بينها سيادة العدالة وحكم القانون، وزاد من وزن الثورة في ميزان القيم رغم أنه في ظاهره ألغى قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو والتي يعدها كثيرون الأيقونة الباقية من الثورة. فالبقاء للقيمة وليس للإجراء العارض، ومن ثم يتعين الاحتفاء به كأحد مخرجات الثورة التي وضعت أساساً لحكم القانون وصحح الأخطاء التي شابت قرارات لجنة التفكيك، ورفع إشارة حمراء بضرورة الالتزام بحكم القانون.

يعد قرار الدائرة المختصة في كثير من جوانبه تقييماً لعمل اللجنة من ناحية قانونية ومصححاً لبعض الظروف التي أثرت على عدالة القرارات التي أصدرتها، فقد تجاوز الفشل الذي لازم تشكيل لجنة الاستئناف المنصوص عليها في قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو لمدة تربو على عام ونصف، ورفض الدفع الذي تمسكت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بعدم انعقاد الاختصاص للدائرة إلا بعد تشكيل لجنة استئنافات لجنة التمكين، كما تصدى لآلية اتخاذ القرارات في لجنة تفكيك التمكين

كيفت الدائرة المختصة لجنة الاستئناف بأنها جهة إدارية تمارس رقابة إدارية على القرارات الصادرة من لجنة تفكيك التمكين فينطبق على إجراءاتها قانون القضاء الإداري لسنة 2005 وتعديلاته بالقدر الذي لا يتعارض مع قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ومن ثم يخضع لرقابة القضاء وفقاً لما حدده ذلك التشريع، باعتبار أن عدم فصل لجنة الاستئناف في التظلم على القرار الصادر من لجنة تفكيك التمكين خلال ثلاثين يوماً يعد رفضاً للتظلم. وقد راعى القرار قواعد العدالة التي توجب عدم الحرمان من الرقابة القضائية بما يؤدي إلى تعسف الجهات الإدارية، فذكرت المحكمة في عبارات بليغة: (يكون دور هذه الدائرة أكثر أهمية وأكثر ضرورة حينما تتقاعس الجهات الإدارية الأعلى ممثلة في لجنة الاستئنافات عن القيام بالدور الرقابي الذاتي على قرارات لجنة التفكيك، وحتى لا تكون قرارات الأخيرة محصنة من الرقابة على مشروعيتها، وفي ذلك فساد للإدارة وإساءة لاستعمال السلطة في وجه الغير)

من ناحية موضوعية فقد أسست الدائرة حكمها على عدم اختصاص لجنة تفكيك التمكين بفصل القضاة، حيث أن القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2020 باعتباره القانون الخاص، بينما قانون لجنة تفكيك التمكين هو قانون عام وذلك على ضوء القاعدة القانونية المستقرة أن الخاص يقيد العام ويحده. والحق أن التعديل الذي أدرج على قانون لجنة تفكيك التمكين قد صدر في نفس اليوم الذي صدر فيه قانون إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية، وكلا القانونين حمل صلاحيات تفكيك التمكين في السلطة القضائية، فأعطى الأول السلطة للجنة التفكيك كما أعطى الآخر الصلاحية للمفوضية، مما يدل على عدم وضوح الرؤية التشريعية بخصوص تفكيك التمكين في السلطة القضائية، والجهة المعنية به ووجود خلط غير مبرر.

بالطبع فإن هناك دفع دستوري يتعلق بإنهاء خدمة القضاة وهو مخالفة إجراءات عزل القضاة بواسطة لجنة تفكيك التمكين لتوجهات الوثيقة الدستورية التي راعت خصوصية السلطة القضائية ونصت على استقلالها عن أجهزة الدولة المختلفة، فأوردت في البند (2) من المادة (30): (تكون السلطة القضائية مستقلة عن مجلس السيادة والمجلس التشريعي والسلطة التنفيذية ويكون لها الاستقلال المالي والاداري اللازم)، وفي تقديري أن الذي منع الدائرة من التعرض لهذا الدفع هو أنه دفع يقع واجب الفصل فيه للمحكمة الدستورية وليس للدائرة التي يقتصر دورها على نظر قرارات لجنة الاستئناف المطعون فيها من ناحية إدارية.

تناولت المحكمة موضوعاً غاية في الأهمية وهو مخالفة لجنة التفكيك ما استقر من قواعد العدالة الطبيعية ومبادئ القانون العامة وما أرسته الوثيقة الدستورية من حقوق ومنها حق الإنسان في الدفاع عن نفسه فيما نسب إليه، وحق المواجهة والتحقيق مع أي شخص خاضع لإجراءات ينتج عنها قرار جزائي كإنهاء الخدمة، إضافة إلى ضرورة تسبيب القرار بما يدل على مشروعيته، وقد تجاهلت لجنة تفكيكك التمكين ذلك فجاء قرارها مخالفاً للقانون. وانتصر هذا القول للأصوات التي ظلت مرتفعة بأن قرارات لجنة التفكيك لم تكن على المستوى المطلوب من حيث الدقة في التحري ومنح المستهدفين حق الدفاع، وقد اعترض السيد وجدي صالح عضو لجنة التفكيك على هذا القول بأنهم لديهم قوائم جاهزة بعضوية المؤتمر الوطني، مما يعضد ما ذهبت إليه المحكمة من عدم التزام واجب التحري الكافي وتمكين من استهدفتهم من ممارسة حق الدفاع عن النفس، والاعتماد على قوائم معدة سلفاً.

يضيق هذا الحكم الفرصة أمام الطعن فيه ويقلل الخيارات القانونية لمناهضته، حيث أن قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو جعل الحكم الصادر عن الدائرة نهائياً لا يجوز الطعن فيه. فأورد البند (2) من المادة (8) (يجوز الطعن في القرارات الصادرة من لجنة الاستئنافات خلال أسبوعين من صدور القرار أمام دائرة يشكلها رئيس القضاء ويكون حكمها نهائياً)

وضع الحكم الجهات المعنية بتفكيك نظام الثلاثين من يونيو أمام محك يتعين الوقوف معه لأخذ العبرة. فتفكيك نظام الثلاثين من يونيو مطلب أساسي لا يمكن الحياد عنه وأحد الالتزامات الرئيسية في دفتر التزامات الفترة الانتقالية، إلا أن ذلك لا يتم إلا في إطار قانوني واضح وعادل يجنب إساءة استخدام السلطة والانحدار إلى التعسف في اتخاذ القرار. ومن الضروري المسارعة بإصلاح آلية تفكيك التمكين من خلال ما يلي:

1- استكمال البناء العدلي المؤسسي لتفكيك التمكين بإنشاء لجنة الاستئنافات، وهو أمر في غاية الأهمية فعدم إنشاء لجنة الاستئنافات منذ صدور القانون في 2019 لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية الفشل الكبير.

2- مراجعة قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بالفصل بين مهام التحري والتحقيق من جانب، ومهام اتخاذ القرار من جانب آخر، وإنشاء أجهزة مستقلة عضوياً ووظيفياً لهذا الغرض على نحو يكفل الحياد في القرارات بما في ذلك إنهاء الخدمة ومصادرة الأموال الخاصة.

3- إصدار آلية إجرائية واضحة وعادلة لعمل اللجنة وفي ذات الأوان تعالج إجراءات التظلم وإجراءات الطعن.، وهذا أمر قد انتبهت له الدائرة المختصة على الأقل في منطقة الطعن القضائي فذكرت (نصوص القانون سالفة الذكر خلت من أي نصوص إجرائية واجبة الاتباع في الفصل في هذه الطعون وفي هذه الحالة تلجأ المحكمة إلى تطبيق أحكام القوانين العامة)

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

abuzerbashir@gmail.com
/////////////////////

 

آراء