حلايب سودانية: صرخة في وجه الوجود المصري … بقلم: الخرطوم:علاءالدين محمود

 


 

 

Alaa Addin mahmued [alaaddinadwa@hotmail.com]

اخترق مؤتمر البجا سياج الصمت الرهيب الذي يحيط بقضية حلايب، وهو الصمت الذي يعم كل الكتل السياسية لا فرق فيه بين حكومة ومعارضة، فالجميع فيما يبدو شركاء في هذا الصمت، ليسجل مؤتمر البجا اول حالة تصدٍ في هذا الشأن، وذلك عندما قرر مؤتمر البجا، قيادة حملة موسعة لإعادة مثلث حلايب الذي وصفه بـ «المحتل من قبل مصر»، وكلف اجتماع اللجنة المركزية للحزب الادارة السياسية بالاتصال بكافة القوى السياسية داخل وخارج الحكومة لتحديد موقفها من القضية، في وقت طالب فيه أعيان ومشايخ البشاريين، بمثلث حلايب، باطلاق سراح أكثر من «20» شاباً، قالوا إنهم مازالوا رهن الاعتقال في سجون حلايب، ووصفوا الوضع على بوابة حلايب بأنه أشبه بما يدور في مداخل غزة.

وقال مسؤول الادارة السياسية بمؤتمر البجا عبد الله موسى لـ «الصحافة»، إن حزبه اجرى مراجعة شاملة للأوضاع في حلايب، على ضوء شكاوى تلقاها من مواطني المثلث «حلايب وشلاتين وأبو رماد»، بسبب المعاملة السيئة التي تمارسها ضدهم اجهزة الحكم، أكدوا خلالها ان المثلث صار منطقة مغلقة، مما يصعب عليهم الاتصال بأهاليهم في المناطق الأخرى بشرق البلاد.

والحكومة من جهتها ظلت في تصريحات متوفرة، تؤكد سودانية اراضي حلايب، الا انها في الوقت نفسه ظلت تردد بأنها لن تدخل في صراع مع مصر حول حلايب، مفضلة ما ظلت تطلق عليه الحل التكاملي لقضية حلايب، وهو الامر الذي يرفضه عبد الله موسى في تصريحاته لـ «الصحافة» عندما قال «ان اي حديث عن التكامل في هذه المرحلة مجرد ذر للرماد في العيون، ومحاولة لتغطية العذاب الذي يعانيه ما يتجاوز الـ «150» ألف مواطن يوميا في حلايب»، مطالباً الحكومة بالاستجابة لمقترح حزبه في الدفع بالنزاع حول المنطقة للمحكمة الدولية لحسمه. ويبدو أن مؤتمر البجا لا يقلقه فقط الصمت الحكومي، بل حتى ذلك الذي يلف مواقف القوى المعارضة للحكومة. وذكر موسى أن اجتماع اللجنة المركزية للحزب، كلف الادارة السياسية بتوسيع النشاط الدعائي لهذه القضية والاتصال بالقوى السياسية لتحديد موقفها، باعتبار أن القضية وطنية، وان الاحزاب ظلت صامتة طيلة الفترة السابقة بشأنها. ولئن كانت لعبة السياسة وراء الصمت الحكومي تجاه ملف حلايب، فإن نفس الحال في ما يبدو ينطبق على القوى السياسية المعارضة، وبنفس القدر والمبررات، ففي تصريحات عديدة لقيادات المعارضة خاصة في زياراتهم للقاهرة، ظلوا يتحاشون هذا الموضوع ويلوذون بالردود الدبلوماسية أو السير في طريق التصريحات الحكومية وترجيح الحل التكاملي. ويبدو أن تصريحات مؤتمر البجا هي الاولى من نوعها بايرادها مفردة «الاحتلال»، وهي المفردة التي ظلت تتحاشاها قيادات الحكومة والمعارضة، فعبد الله موسى تحدث بعبارات واضحة لا لبس فيها عندما قال «تأكد لنا أن حلايب أصبحت داخل الاحتلال المصري، وان مصر احكمت سيطرتها عليها». وفي نفس الاتجاه سخر معتمد حلايب السابق نافع ابراهيم نافع من تصريحات الخبير المصري مصطفى النشرتي المعلنة التي تدعي تبعية مناطق عديدة بشرق السودان للجانب المصري، وقال إن الرجل يعيش بعقلية العهد التركي والموانئ الخديوية.

واعتبر نافع، ان الحديث عن انشاء مطار في شلاتين ومحطات التحلية والكهرباء لن تغير من الواقع شيئاً، وزاد: حتى ولو تم نقل أبو الهول الى داخل مثلث حلايب ستظل أرضاً سودانية، منتقدا بشدة ما وصفه بسياسات الترهيب والترغيب من قبل الجانب المصري، ولعل الداعم الاقوى للحملة التي يطلقها مؤتمر البجا، هو اهل حلايب انفسهم الذين ظلوا يعلنون تمسكهم بمثلث حلايب باعتباره جزءا اصيلا من الوطن، منتقدين الوجود المصري هنالك، والممارسات الامنية من قبل السلطات المصرية تجاه مواطني حلايب، ويقول أعيان ومشايخ البشاريين بوجود معتقلين من شباب المنطقة يفوقون العشرين شابا، تم اعتقالهم بواسطة السلطات المصرية، ويطالبون باطلاق سراحهم، بل ويلجأ قادة البشاريين الى لغة اكثر تشددا، وذلك عندما وصفوا الوضع على بوابة حلايب بأنه أشبه بما يدور في مداخل غزة. ولعل ما يجعل قضية حلايب تقبع في يد التناول الإعلامي هذه الأيام، هو عدم تمثيل مواطني حلايب في الانتخابات المقبلة المعلن عن قيامها في جدول زمني بدأ بتوزيع الدوائر الجغرافية في النصف الاول من الشهر الجاري، منبهين إلى تجاوز المنطقة في التعداد السكاني، مما أدى إلى استبعاد مثلث حلايب تماما عن التوزيع الجغرافي للدوائر الانتخابية، بما في ذلك المناطق المتاخمة للمثلث التي شملها التعداد، مما دفع قيادات البشاريين الى التحرك واعداد مذكرة  قدمت لرئيس المفوضية اقترحوا فيها خيارين لتجاوز المشكلة وحفظ حقوق أهل حلايب في التمثيل البرلماني الاتحادي والولائي، أولهما تخصيص دائرة جغرافية لمثلث حلايب في كل من البرلمان الاتحادي والولائي، لإثبات أن حلايب جزء لا يتجزأ من السودان، والخيار الثاني إضافة سكان حلايب إلى سكان مدينة أوسيف لإكمال العدد المطلوب لتعداد الدائرة الجغرافية، وإضافة باقي سكان المنطقة إلى دوائر شمال بورتسودان.

وفي وقت سابق طالب مساعد الرئيس  رئيس حزب مؤتمر البجا موسى محمد أحمد، حكومته باللجوء إلى التحكيم الدولي في شأن نزاعها مع مصر على مثلث حلايب الحدودي، مثلما حدث بين مصر وإسرائيل على منطقة طابا، مشدداً على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة العام المقبل في المثلث، ومؤكداً أن حلايب «أرض سودانية لا يمكن التنازل عنها» ويبدو أن عبارة «حلايب سودانية» هي التي يتفق عليها كل الطيف السياسي السوداني حكومة ومعارضة، غير أن من الواضح أن لعبة السياسة ومصالحها ألجأت الجميع الى حالة صمت رهيب يتم اختراقه حسب المصالح والحالة السياسية.

والعبارة الطريفة التي رددها أحد قيادات البجا «حلايب سودانية حتى لو تم نقل أبو الهول اليها» وجدت أصداءً، وتم تناولها بذات الطرافة. ويقول الاستاذ احمد ابو زيد معلقا عليها «حتى أبو الهول في الاصل نوبي، وبالتالي سوداني، وحتى كلمة أسوان باللغة النوبية تعني حجر الماء». ويبدو أن أجواء الانتخابات السائدة هذه الأيام، قد أعادت الطرق بقوة على ملف حلايب من جديد.

 

آراء