حلايب وجوبا في سباق السودنة …. بقلم: د. طه بامكار
في مراحل دراساتنا المختلفة والي عهد قريب أو تحديدا قبل الانقاذ كنا رغم صراعاتنا نغني ووننشد بصدق مع أخونا منقو ( لا عاش من يفصلنا* منقو قل معي لا عاش من يفصلنا). أحس بها الآن واتلمس مذاقها وأجد رائحتها عطرة ندية هذه الانشودة التي أحفظها عن ظهر قلب.نعم كانت هنالك حروبات ونزاعات وصراعات في جنوب السودان سببها عدم العدالة في الثروة والسلطة وعدم العدالة في المعاملات الاجتماعية إثنيا، النزاعات لم تبدأ مع الانقاذ ولم تكن الانقاذ سببا جوهريا فيها، ولكن خطورتها انها تطورت الي درجة الاستفتاء علي الانفصال في عهد الانقاذ.الخطأ الذي يجب الاعتراف به هو ان اعتماد بند تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا كان الخطوة الحقيقية في مسيرة انفصال الجنوب. ما نخاف ان نقوله جهرا هو ان اتفاقية نيفاشا بنت اساسا قويا لقضية انفصال الجنوب وحققت مكاسب لا تتخيلها الحركة الشعبية. كل ذلك كان بسبب ضعف الوفد المفاوض من شمال السودان، والتحية هنا للاستاذ غازي الذي غادر مقر التفاوض غاضبا ولم يشارك في توقيع اتفاقية نيفاشا التي تسببت في تفتيت السودان.
.....المهم الاوضاع لا تبشر بخير واحتمال انفصال الجنوب وارد بقوة واغلب المعطيات تقول وتؤكد ذلك. من حق المؤتمر الوطني ان يعمل علي الاحتمالين الانفصال او الوحدة كما يحق للحركة ان تعمل مثله. ولكن المهم ان يعلم المؤتمر الوطني ان هذه الخيارات الصعبة نتيجة لسياساته الخاطئة وسوف يتحمل وزرها وحده.أما إذا إختارت الحركة الشعبية الانفصال فهي معذورة لأن التاريخ كله يؤكد ظلم الشمال للجنوب في الثروة والسلطة والمعاملات الاجتماعية غير العادلة التي زرعت كثير من المشاهد السوداء في جبين الوحدة الوطنية. أنا شخصيا أتوقع خيار الانفصال أكثر من الوحدة الكاذبة التي سميناها جاذبة في الوقت الضايع. كل ممارساتنا السياسية كانت تقول لا للوحدة، ونيفاشا في حقيقة الامر لم تكن اتفاقية سلام شامل كما يقال، نعم إنها حققت سلاما في جنوب السودان ولكنها انتجت حربا في دارفور، ودفعت الشرق للتأهب والتطلع لحقوقه المهضومة.
الجنوب أمره قد يحسم عما قريب ولكن ماذا عن حلايب؟... لماذا تأخر إعلان سودانية حلايب؟ ولماذا تزامن اعلان سودانية حلايب مع استفتاء جنوب السودان؟ عمليا حلايب لايمكن دخولها إلا بأذن مصري أو تأشيرة مصرية رغم تأكيدات رئيسنا الموقر. اي كان الوضع الحالي في حلايب نحن نعشم ونهتف مع رئيس جمهوريتنا أن حلايب سودانية. ولكن الاشكال في السودان ليس في حلايب اوجوبا فالامر اكبر بكثير... ماذا عن الفشقة وجبل الكرمك؟ وماذا عن جبال النوبة؟ وماذا عن المثلثات الاخري في الحدود الليبية والتشادية؟..... في حقيقة الامر لا ادري ماذا يحصل وماذا اصاب السودان وشعبه؟ ما الذي يجري؟ هل صحيح ان دارفور تريد تقرير المصير؟ يقولون ان الشرق يهمس جهرا ويريد تقرير المصير،أو صحيح هذا؟ من السبب في كل هذا؟ من سمح بكل هذا العبث؟؟؟؟؟؟؟؟
يحاول الساسة في السودان في هذه الايام توجيه الرأي العام وحصر القضايا كلها في استفتاء الجنوب متناسين أو متجاوزين عمدا قضايا بحجم المحكمة الجنائية وحركات دارفور وبالأخص حركة العدل والمساواة أكبر الحركات الدارفورية بلإضافة الي الوضع الاقتصادي الراهن الذي يكتوي منه المواطن المغلوب علي أمره.
هذه كلها قضايا وتحديات كبيرة ينتظر مخاضها الشعب السوداني الذي بعضه يتكئ علي الرصيف محايدا. وبعضه نصف متعاطف مع الحكومة وأغلب حركات المعارضة في شرق وغرب البلاد متعاطف مع الجنائية. وبعضه ينتظر ذهاب الحكومة بأي ثمن، وبعضه لا يدري بأي أرض هو.
الحقيقة التي نخاف مواجهتها هي ان أغلب الشعب السوداني أصبح جهويا لايهتم الا بقاضايا مناطقه بجهاتها الاربعة فقط. هذا بسبب السلوك التفاوضي الهزيل الذي يفاوض من يحمل السلاح فقط.هذا المفهوم المعوج لعمليات التفاوض ادي الي تشتيت وتفتيت الوطن وهزم الارادة الوطنية. هذا هو حصاد سنين السياسة السودانية التي حولت هذا الشعب العملاق الي قزم يتحسس تحت قدمية خوفا علي جزمته القديمة ومتأبطا سلة رغيفه الفارغة. المهم في غمار كل هذه التحديات التي نتناساها أو نتجاوزها عمدا أتسائل انا من شرق السودان ومن ولاية البحر الأحمر تحديدا تري من منهن ستسبق أختها في السودنة جوبا أم حلايب؟
Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]