«فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» الأنعام ٧٦ كنت منذ سنوات أنتظر أن يأتي حاكم للبلاد تكون أولوياته التنمية والوحدة الوطنية؛ وألا يملأ البلاد بالخطب الجوفاء والكلام الكثير المنمق المحلى بابيات الشعر وايات القران والاحاديث لدغدغة العواطف الدينية بين البسطاء والعامة والمتعلمين السطحيين .
وفى اللقاء الاخير مع التلفزيون السوداني، كانت قضية التنمية حاضرة فى كل الاجابات .كان المذيع المحاور يسأل عن القروض والمساعدات التي يمكن ان يقدمها أصدقاء السودان . فكان حمدوك يرد كل مرة: نحن نبحث عن شراكات واستثمارات بعد تحسين قوانين الاستثمار. وهو هنا يؤكد الاعتماد على الذات. وختم اللقاء بطرح استراتيجية مستقبلية واضحة المعالم حين تحدث عن الاحزمة الخمسة وشعرت بنشوة حقيقية فلأول مرة يتحدث مسؤول بهذه الدقة والوضوح عن مشروعات تنموية تحقق النهضة للوطن وللأسف لم أر أي تعليق على هذا المشروع رغم التعليقات الكثيرة التى تناولت اللقاء .
الرجل صاحب رؤية تنموية ولكنه يقف كالسيف وحده كما قال الشاعر أحمد محمد صالح: الأصدقاء غير ايجابيين وعلى الضفه الاخرى ينشط تحالف الطائفية والأخوان المسلمين مستغلين الأموال المنهوبة والإعلام الفاجر يطلقون كل يوم التصريحات التشككية والمبادرات الجوفاء لشغل الناس بقضايا هامشية وانصرافية. كذلك لا يتوقف المكون العسكرى عن وضع المعوقات في طريق الثورة. ويجيدون التخذيل والتشويش على سبيل المثال ما معنى الترحيب بقرار مجلس الأمن ارسال بعثة أممية للسودان وفى نفس الوقت التحفظ دون ذكر النقاط المتحفظ عليها ولكنها إشارة لحاضنتهم السياسية: المؤتمر الوطني، أننا لن نؤيد تماما خط الثورة وعلى استعداد في أي وقت لإفشال البعثة.
أنا لا ألوم المكون العسكرى فى مجلس السيادة ولكنني ألوم المكون المدني الذى استسلم لهيمنة العسكر الذين استطاعوا تجدينه. كان الأمل كبيرا فى المكون المدني لأنه يمثل أصلب عناصر الثورة: المهمشين والنساء، ولكنهم خيبوا الآمال وجلسوا خامدين ومهملين بينما الكباشي والبرهان يصولون ويجولون منفردين.
وجاءت الطامة الكبرى من الصديق الجاهل. تجمع المهنيين الذين تراجعوا عن دور الثوار. الى صغائر الأفندية وسلوكهم الانانى الباحث دائما عن المكاسب الذاتية والشهرة والأضواء. والذى لايعرف التضحية والنكران بل يعرف المنافسة والحسد والغيرة. فالافندية يشبون بجهلهم منذ التنافس حول العشرة الأوائل ثم المنافسة حول الاسكيلات والترقيات في الخدمة المدنية ثم البعثات والكورسات واخيرا الاستوزار. . كثيرا ما أتذكر نصيحة الشاعر الجريفاوي للزعيم الأزهري:
السلم الطلعت بيهو ادفروا ارميهو
لكي لا يصعد اى شخص مرة أخرى الى مرتبة الزعيم الازهرى،. بدلا ان يقول القمة تسع الجميع. وعندما تكون الفرص قليلة ونادرة ينمو الحسد والغيرة وهذا ما يحدث الان بين افندية تجمع المهنيين الذين لم يراعوا أي حرمة للوطن ونجاح الثورة فى هذه الفترة الحرجة .
يدور حديث ضد البعثة الأممية بدعوى السيادة الوطنية: وهذا شعار فارغ لأنه لا يحدد المعنى الحقيقي وجوهر السيادة الوطنية. لأن السيادة الوطنية تعني عدم وجود مواطن سوداني لاجئ او نازح وكل مواطن في قريته أو مدينته. كذلك تعني ألا يوجد شاب يخرج بلا عمل محترم ولائق. وتعني المساواة بين كل السودانيين بحق المواطنة فقط دون أي تمييز حسب الدين او العرق. وتعني السيادة الوطنية الانتماء لوطن اسمه السودان وليس لقبيلة أو مجموعة اثنية أو جهوية وتعني السيادة الوطنية الحقوق الكاملة للمرأة باعتبارها إنسانا سودانيا كاملة العقل والدين. هذه هي السيادة الوطنية وهي مضمنة في شعارات الثورة: حرية سلام وعدالة. وبالتالي البعثة الأممية سوف تساعد في حراسة هذه الشعارات.
من ناحية اخرى لم يساعد دعاة السودان الجديد ورغم التسمية العظيمة لانفسهم: "الجبهة الثورية". لم يظهروا أي نية حسنة في إنجاح الثورة والتعجيل بالسلام لكى تعمل الحكومة الانتقالية على مواجهة القضايا الاخرى مثل الازمة الاقتصادية والأمن ووقف النزاعات القبلية .
الحكومة الانتقالية بكل مكوناتها ورئيسها حمدوك فى حاجة إلى مساندة حقيقية. بلا حسابات ذاتية وحزبية. التضحية وإنكار الذات والوطنية الصادقة التي تجعل السودان فوق، كل شيء آخر زائل.
٩ يونيو ٢٠٢٠
تنويه هام: توقفت عن الكتابة بسبب علة صحية ومع ذلك ظهرت مقالات باسمى مؤخرا ليس لي صلة بها. الرجاء من المواقع والجروبات التحقق من أي مقال باسمي بالرجوع لموقع مركز الدراسات السودانية www.ssc-sudan.org أو مراسلتي مباشرة على hayder@ssc-sudan.org