حمدوك تحت المِجْهر: هل احتاج لدماءٍ تسيل حتّى يوقِّع اتِّفاقاً مع البُرهان؟

 


 

 

لماذا وقّع رئيس الوزراء الشرعي دكتور عبد الله حمدوك مع قائد الانقلاب الجنرال البُرهان، اتِّفاقاً سياسيّاً يراه الشارع الثائر انّه فطير وضعيف ويضيِّع دماء شُهداء انقلاب البُرهان وكذلك شُهداء وضحايا فَضّ اعتِصام القيادة؟
من المؤكد أنّ لحمدوك معلومات ليست مع أي منّا الذين نقرأ الحدث والاتِفاق، إنْ كان من قُرْبٍ أو عن بُعْدٍ.
حمدوك شخص بالِغ الذكاء.. وأصبحت لديه خِبره في الصِدام الهادئ دون صراخ أو ضجيج يصدره، ولديه بالطبع أوراق قوية تؤثّر في راهن الأحداث ومستقبل التطورات، استعمل بعضها حتّى الآن، وقطعاً لديه منها ما نعرفه أو نتخيله وما لا نعرفه ومنها ما لا يخْطُر حتّى على البال.
حمدوك يعلم أهداف العَسْكر.. وأنّ المكون العسكري لا يريده مُطلقاً على رأس السُلطة التنفيذيّة.. وقد يرى في رجوعه لمنصِبه أنّه يفتح باباً لهزيمة الانقلابيّن. كيف؟ لا أحد يعلم حاليّاً.
المحصّلة أنّ حمدوك اتّخذ لوحده قرار توقيع الاتِّفاق مع البُرهان. ولا ريب أنّ أية قراءة للاتفاق وهو ساخِنٌ، خارج للتو مِن فرن الوساطات والمفاوضات الثنائية بين البرهان السَجّان وحمدوك المَسْجون، لابد أنْ تأخذ في الاعتبار أنّ البُرهان ضغط على حمدوك بعزلهِ وبإسالةِ دماءِ السودانيين.
الشاهد أنّ الاتفاق لم يلغْ كل قرارات البرهان من 25 أكتوبر 2021 وحتى 20 نوفمبر 2021، وألغى فقط قرار عزل رئيس الوزراء حتى لا يجبر حمدوك على أداء القسم مرة أخرى. وسيبقى السؤال الأهمّ حاضراً.. ماذا عن مجلس الخيانة - السيادة - الذي شكّله البُرهان؟ هل سيذهب أمْ سيبقى مع الانقلاب المُعدّل بالوثيقة التي مهرها حمدوك توقيعه، ليطْعن في خاصِرةِ الثورةِ حتّى بمفاهيمِ حمدوك الجديدةِ؟
وعليه، إنّ هذا الاتِّفاق إمّا ينهي حياة حمدوك السياسية بفِعلِ الشارِعِ، أو الشخصيّة بفِعلِ قوى الرِدّةِ.. أو ينَصَرَه على المكونِ العسكري برُمّته، وليس البُرهان وحده، في مُنعطفٍ قادم يراه حمدوك قريباً ويخطِّط له. كيف سيكون ذلك.. ومع مَن سيقوم حمدوك بذلك وقد فقد حاضِنته السياسيّة وفي سبيله ليركب على ظهرِ حاضِنة أخرى قد (تفنْقِله) أو تسقُط به؟
فقدان حمدوك حاضِنته السياسيّة كانت من أهم أهداف الانقلابيّن في عَزْله، وربَّما كانوا يتحدثون عن تحريره من حاضنته ليسير معهم في طريقهم الجديد لتمرير سياسة الهبوط الناعم أولاً ومن ثَمّ الانحراف بالثورة وتبْديد مكاسِبها وحرْق أهدافها.
حمدوك لم يشاور أحد ليفعل ما فعل. ربّما تعْلَم بخطوته وخطّته زوجته مُنى فقط. من يريد أنْ يعرف ما وراء خطوة حمدوك عليه أنْ يخرج مُنى من صمتها ويستنطقها ويجعلها تحدّثه خاصة وانّ آخر ما تسرّب منها، إن صدق (البوست) الذي نشرته صفحة (قروب رئيس الوزراء الشرعي عبد الله حمدوك)، قولها: حمدوك تحكُمه مبادئ وأولويات لا يتنازل عنها ولا يمارس فيها فنّ المُمْكِن.
إذن، ما قام به حمدوك ليس سياسة دعك عن لعبة سياسيّة، وهو كان قد أكّد انّه لا يريد لنفسه مستقبلاً سياسيّاً بعد الفترة الانتقاليّة.
فماذا يريد حمدوك؟
وهل احتاج لكل تلك الدماء التي سالت ليتّفِق مع البُرهان الانقلابي؟
أليس غريباً أنّ حمدوك وبعد أنْ وضع توقيعه على وريقة قد تُدْمغ بوثيقةِ العار، قال في أول تصريح له "وقعنا الاتِّفاق لأنّنا نُريد حقْن دماء السودانيين"؟
إنّها ذات العبارة التي كنا نتوقع سِماعها من البُرهان لتنفيذ انقلابه على خلفية مواكب ومليونيّات 21 أكتوبر 2021. جاء وقالها اليوم حمدوك بعد أنْ أسال البُرهان ومَن معه من الانقلابيّن دماء 40 من شباب غضّ الإهاب وجُرح حوالي 400 من السودانيين الذين رفضوا انقلابه في سلميّة شهد عليها كل العالم الذي يرْصُد ما يجري في السودان ولا يحتاج لمؤتمرات صحفية يقول فيها مدير شرطة الخرطوم أنّ شخصاً واحداً فقط توفى يوم 17 نوفمبر2021 بسقوطه من (سِقالةٍ) بينما سقط 15 شهيداً برصاص قنّاصة انقلاب البُرهان ومَن معه من كيزان وفلول النظام البائد وحركات ذات مصلحة مُسلّحة.
يبقى السؤال: هل سيصمُد حمدوك أمام الشارع الثائر الذي سينطلِق ضُدّه وسينتِج له هُتافاً خاصاً به قد لا يفْرِق كثيراً عن الهُتاف ضُدّ البُرهان القاتِل؟
الأيام ليست حُبلى، بَلْ تتمخّض.

عصام محجوب
بوخارست - رومانيا
21 نوفمبر 2021

isammahgoub@gmail.com
////////////////////////

 

آراء